يطرح هذا العدد من ملحق جريدة عمان الثقافي قضية مهمة طالما تم نقاشها عبر السنوات الطويلة وفي مختلف الثقافات الإنسانية وهي ترجمة الشعر، أحد أصعب التحديات التي تواجه الترجمة من لغة إلى أخرى.. فليس من السهل ترجمة الشعر باعتباره جوهر اللغة وعمق الثقافة بكل كنوزها وتراكماتها وبلاغتها واستعاراتها وطبقات المعنى المتراكمة عبر دلالاتها المختلفة.
ورغم براعة الكثير من المترجمين إلا أن أحدا لا ينظر بتساهل مع ترجمة الشعر، إن الأمر أكبر بكثير من مجرد النقل اللغوي، إنه عملية إبداعية متكاملة وحساسة تجاه أصل النص أو تجاه النص الجديد.
يستخدم المترجمون استراتيجيات مختلفة للتعامل مع الصعوبات الكامنة في ترجمة الشعر. يعتقد البعض أن «الشعر هو ما يضيع في الترجمة»، مما يشير إلى أن جوهر الشعر مرتبط بلغته الأصلية لدرجة أن الترجمة المثالية مستحيلة. بينما يرى آخرون أن الترجمة عمل إبداعي يمكن أن يبث حياة جديدة في قصيدة بلغة أخرى.
فيما يذهب مترجمون آخرون إلى القول بفكرة التوازن بين الإخلاص بين النص الأصلي والنص الجديد ويذهب هؤلاء إلى القول إنه إضافة إلى أهمية الحفاظ على شكل القصيدة وموسيقاها فمن الضروري في بعض الأحيان إعطاء الأولوية لجوهر القصيدة وتأثيرها العاطفي، ويتيح هذا التوجه/النهج للقصيدة المترجمة أن يتردد صداها لدى القراء في اللغة الجديدة حتى لو كانت تختلف عن البنية الأصلية التي كتبت بها.
أما موضوع ما إذا كان المترجم «خائنًا» للنص الأصلي عندما يقوم بتعديله ليناسب سياقًا لغويًا جديدًا فهذا الأمر يبدو مثيرا للجدل لدى جماعة المترجمين فيرى العديد منهم أن الإخلاص المطلق أمر مستحيل وغير مرغوب فيه، وبدلا من ذلك، فإنهم ينظرون إلى الترجمة باعتبارها عملا تفسيريا يتضمن درجة من التحول، وهدف المترجم هو إثارة استجابة مماثلة لدى الجمهور الجديد الذي نقلت القصيدة إلى لغته، حتى لو كان ذلك يعني الانحراف عن الشكل الأصلي.
الترجمة بطبيعتها شكل من أشكال إعادة الكتابة وإعادة التفسير والبناء، وتتمثل مهمة المترجم في التقاط روح العمل الأصلي وهدفه، مما يسمح له أن يعيش من جديد في مشهد لغوي وثقافي مختلف.
إن ترجمة الشعر عملية معقدة ومحفوفة بالتحديات وعملية التفاعل بين اللغة والبنية والمعنى في النص الشعري يجعله شكلاً فنيًا فريدًا يقاوم الترجمة المباشرة، لكن وجهات نظر الكثير من المترجمين توضح بجلاء أنه على الرغم من أن الترجمة المثالية قد تكون بعيدة المنال، إلا أن المحاولة في حد ذاتها تستحق كل هذا العناء ولها قيمتها الكبرى.. ومن خلال الإخلاص للنص والإبداع يمكن للمترجمين تقديم أبعاد جديدة للأعمال الشعرية، وإثراء المشهد الأدبي وتعزيز التفاهم بين الثقافات. إن فن الترجمة، مثله مثل الشعر نفسه، يسعى من أجل نقل التجربة الإنسانية عبر وسائط اللغة وأدواتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ترجمة الشعر
إقرأ أيضاً:
«أبوظبي للغة العربية» يفتح باب المشاركة في جائزة «كنز الجيل»
أبوظبي (الاتحاد)
أعلن مركز أبوظبي للغة العربية، فتح باب التقديم للمشاركة في الدورة الرابعة من جائزة «كنز الجيل»، مع استمرار فترة الترشيح لغاية 31 مايو المقبل. وأصبحت جائزة «كنز الجيل»، منذ إطلاقها في عام 2021، إحدى أهم المحطات الثقافية التي تسهم في الحفاظ على التراث الثقافي العربي وإحيائه، وتحتفي بتنوعه الغني.
وبهذه المناسبة، قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: «تستلهم الجائزة مكانتها من الإرث الثقافي والأدبي الفريد للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث تسهم بما تمتلكه من أصالة وابتكار في إثراء ثقافة الانتماء لدى الأجيال اليافعة».
وتابع قائلاً: «جائزة (كنز الجيل) شكّلت علامة فارقة في الحراك الثقافي على مستوى المنطقة، تستقطب إنتاجات كبار الأدباء والمبدعين، لتسهم بفاعلية في تحقيق أهداف المركز في تعزيز حضور اللغة العربية، ودعم روافدها من إبداع وتأليف وترجمة في مختلف أنحاء العالم».
وأكد أن الدورة الرابعة من جائزة «كنز الجيل» استكملت النجاح الكبير الذي حققته الدورات السابقة، فأصبحت منصة ملهمة لتكريم الأعمال المبدعة، واستعادة مكانة الشعر الشعبي والفنون والدراسات المتعلقة به في مسيرة استئناف الحضارة العربية.
وأضاف: «مع انطلاقة مرحلة جديدة من مسيرتها، ترسخ الجائزة مكانتها منصة ثقافية غنية تجمع بين الشعر والتراث، وتعكس تراثنا الثقافي، وتُعيد إلى الأذهان المكانة المتميزة للشعر في صناعة الثقافة والمعرفة في المجتمع».
وتستمد جائزة «كنز الجيل» مهامها من أشعار الأب المؤسس الشيخ زايد، التي تجسد مكانة الشعر مرآة للمجتمع العربي والإماراتي، كما يتم من خلالها تكريم التجارب الشعرية المتميزة في الشعر النبطي، الذي يعد جزءاً أساسياً من الوجدان العربي، بالإضافة إلى نشر هذه الأعمال والتعريف بها.
وتسعى الجائزة أيضاً إلى ترسيخ قيم الشعر التي حملها الشيخ زايد، بما يتضمنه من جماليات وقيم إنسانية نبيلة، وتسلط الضوء على تأثيره في الثقافة الإماراتية والعربية. كما تسهم في حماية التراث الشعبي والفنون التقليدية من خلال ربط الأجيال الجديدة بثقافتها وتراثها، فضلاً عن الاهتمام بالفنون المتصلة بالشعر النبطي مثل الموسيقى والغناء الشعبي والفنون التشكيلية والخط العربي.
وتضع جائزة «كنز الجيل» شروطاً عامة يجب أن يستوفيها المرشحون والأعمال المشاركة، إذ يجب أن يكون المرشح أسهم بشكل فعال في إثراء الحركة الشعرية أو النقدية أو الفنية على المستويين المحلي والعربي، وأن تتسم الأعمال المرشحة بالأصالة والابتكار، بحيث تمثل إضافة حقيقية للثقافة والمعرفة الإنسانية. ويُسمح للمرشح بتقديم عمل واحد فقط في أحد فروع الجائزة خلال الدورة الواحدة، ولا يمكن تقديم العمل ذاته لجائزة أخرى في العام نفسه.
وتُمنح جائزة فرع «المجاراة الشعرية» هذه الدورة، للقصيدة التي تتميز بقدرتها على مجاراة قصيدة (لي سَرَتْ مِ العِين سَرّايَه) للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالوزن والقافية والموضوع، على أن تُساوي في أبياتها عدد القصيدة الأصلية، بمستوى يوازي النموذج الذي تجاريه لغة وصوراً وإيقاعاً. فيما تُمنح جائزة فرع «الإصدارات الشعرية» لديوان شعري نبطي يتمتع بالأصالة شكلاً ومضموناً، ويُشكّل إضافة نوعية لهذا المجال الشعري، في حين تُمنح جائزة فرع «الترجمة» للأعمال المترجمة لشعر الشيخ زايد إلى إحدى اللغات الحية، أو الأعمال التي قدمت خدمة كبرى في ترجمة الشعر العربي إلى لغات أخرى.
كما تُمنح جائزة فرع «الفنون» لعمل فني يستخدم الأدوات البصرية والتقنية في قراءة وأداء وتجسيد شعر الشيخ زايد والشعر النبطي، وتشمل الخط العربي، والفن التشكيلي، والأفلام القصيرة، والأعمال الغنائية، ويمكن للمبدعين التقدّم لهذا الفرع بحسب نوع الفنّ الذي تقرّه اللجنة في كل دورة.
وتُمنح جائزة فرع «الشخصية الإبداعية»، للشخصية التي قدمت إسهامات إبداعية بارزة وفاعلة في الشعر النبطي ودراسته، وفي حقول الموسيقى والغناء والرسم والخط العربي، كما يُمكن أن تُمنح لشخصية اعتبارية لها إسهامات فاعلة في تلك المجالات، وقدمت خدمات للشعر. وأخيراً، تُمنح جائزة فرع «الدراسات والبحوث»، للدراسات البحثية الخاصة بالشعر النبطي التي تتناول أساليب هذا الشعر ومضمونه ومعجمه بأسلوب علمي.