العنوان والموضوع في رواية فومبي لبدرية البدري
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
يُبْدَأُ في قراءة الروايات من صفحتها الأولى، ولكننا سنبدأ في استعراض رواية «فومبي» للكاتبة بدرية البدري عن دار الساقي (2022) من صفحتها الأخيرة. وفيها وردت كلمة أظنها تختصر كل إشكالية الرواية وهي التالية:
«لم تنته الحكاية. إن أبطالها يتكاثرون في هذه الحياة، فانتبه وتَلَفَّت جيدًا حتى لا تقع في شبكة نصبها أحدهم، أو تتحول في غمضة عين إلى فومبي».
و«فومبي تعني الروح، فقد كانوا يظنون أني روح هاربة من قبضة الشيطان». هكذا جاء تعريف الكلمة على لسان إحدى شخوص الرواية نفسها. ففومبي تعني إذن «روح هاربة من قبضة الشيطان»، وينطبق هذا المفهوم، حسب سكان دولة الكونغو، على الرجل «الأبيض» الذي جاء لنهب أرضهم واستغلالهم وقتلهم وتشريدهم وتهجيرهم واستعبادهم أو بكلمة أخرى أبلغ تكفينا كل هذه المصطلحات وهي إبادتهم.
ويمكننا القول إن «فومبي» هو عنوان الرواية وموضوعها؛ لأنها، أي الرواية، تطرح مشكلة الاستعمار في أفريقيا وما يمثله ذلك من نهب للثروات وقتل للبشر (رجال ونساء وأطفال) واستعباد لهم، مع تركيز واضح على مثال الاحتلال البلجيكي لدولة الكونغو والدور الرئيسي الذي لعبه ملك بلجيكا فيه. هذا رغم الإشارات العديدة، خلال الرواية، لمختلف أشكال الاستعمار الأوروبي في أفريقيا لدول مثل: بريطانيا وفرنسا وهولندا وغيرها..
من جهة أخرى، ورغم بشاعة الجرائم التي تصوّرها لنا فصول الرواية، فإن كاتبتها لا تنسى أن تذكرنا، وذلك للتأكيد على مدى فداحتها والدموية التي تمت بها في حق سكان القارة الأفريقية من قبل الدول الاستعمارية الأوربية، لا تنسى الكاتبة أن تذكرنا منذ الصفحة الثانية من الكتاب «إن ما ستقرأه بين دَفَّتَيْ هذه الرواية أشبه بمخلوق قبيح جُمِّلَ كثيرًا لِيَحْتَمِلَ العالمُ رؤيتَه».
أما بالنسبة لشكل الرواية فإن عملية السرد فيها جاءت على صورة مذكرات لشخوصها، ويعد الملك ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا، أهمهم على الإطلاق. وهو أهمهم لأنه أكثر من نجحت الكاتبة في تصوير شخصيته وطموحاته وأطماعه وتكوينه النفسي ورغباته ونزواته الدنيوية، وحتى تكتمل صورته أكثر فقد تعرفنا عليه أيضًا من خلال كل أفراد أسرته عبر يومياتهم الخاصة وهن زوجته وبناته.
أما باقي الشخّصيّات، فبالرغم من دورهم الأساسي والضروري في تصوير ومتابعة أحداث الرواية إلا إننا نُحِسُّهُمْ مجرد عناصر تكميلية لرسم بورتري الملك البلجيكي ومشروعه الاستعماري.
ونكتشف في ثنايا الرواية أن هذا المشروع الاستعماري، وهو ما تبينه الكلمة المذكورة أعلاه، هو مشروع قديم ومتجدد ومتواصل. ولعل ما نعيشه هذه الأيام في غزة مثال عليه. فالرواية تتوقف طويلا عند المجازر والإبادات التي عرفتها قبائل الكونغو في فترة الاستعمار البلجيكي، وتُفَصِّلُ في استعراض الحملات الإعلامية وتنظيم المؤتمرات من أجل قلب الحقائق بتصوير المجرم في صورة المصلح ومن يريد الخير والتمدن والحضارة والسلام لأهل البلاد الأصليين بينما يتصف هؤلاء بكل صفات التخلف والإرهاب والإجرام والكسل في العمل وسوء السريرة، إضافة إلى معتقداتهم الشركية وابتعادهم عن الدين المسيحي الحق.
نجحت الكاتبة من خلال لغتها الجميلة والمعبّرة وأسلوبها السلس واطلاعها التاريخي الجيد على الفترة التي دارت فيها الأحداث بتصوير الواقع بدقة متناهية تقرّبه من القارئ. وشخصيات الرواية كانت من التنوع والاختلاف في أدوارها وزوايا نظرها ما مكننا من تتبع كل صغيرة وكبيرة جرت في تلك الفترة من التاريخ المأساوي لدولة الكونغو.
فالشخصيات تنتمي إلى قائمة طويلة من الطبقات الثقافية والاجتماعية، فيها المبشر وفيها الصحفي وفيها المستكشف وفيها رأس حربة الاستعمار والمحرض والمنفذ للجرائم والإبادات وفيها تجار العبيد وفيها التائب عن جرمه بعد اطلاعه على حقيقة ما يحدث على أرض الواقع وتحوله إلى مدافع عن «حقوق الإنسان».
من الشخصيات المهمة في الرواية بعض الضحايا والمتضررين من أهالي الكونغو أو أفريقيا بشكل عام. ويتميز هؤلاء أيضا باختلاف مواقعهم وزوايا نظرهم.
وإن اجتمع كلهم ضمن جيش المتضررين والضحايا، إلا إن بينهم من عمل مع المستعمر «الأبيض»، وإن كان مجبرًا أحيانًا، إلى حد ما، في إلحاق الضرر بأهل جلدته والمتاجرة بهم كعبيد.
وعلى ضوء هذا الوصف المختصر للرواية فإننا نرى أنها تتميز عن أغلب الروايات المطروحة في «سوق الرواية» اليوم وبينها ما حصد الجوائز والتكريمات، تتميز أساسًا بموضوعها وإشكاليتها. فهي تبتعد عن السائد من القضايا المطروحة والبعيدة كل البعد عن الواقع الحضاري والثقافي واليومي للناس. فأغلب الروايات اليوم هي للمتعة الآنية والانجذاب والدهشة المؤقتة لأن الفرد، كما يُدَّعَى، يريد أن يهرب أو ينسى واقعه وأزمته في الحال وإن كلفه ذلك إسكات عقله والانفتاح على الموضوعة الوحيدة للرواية الجديدة وهي الغريزة. فلا يوجد خير من الغرائز للهروب من هذا الواقع المعقّد الذي يحيط بنا والذي يتطلب منا كثيرًا من التفكير والعقل بسبب اشتداد الأزمات.
لا يوجد خير من الغريزة وإشكالاتها في إخراج القارئ غير الحصيف من ذلك كله. أصبحت الرواية اليوم الأداة المثلى، مع السينما ووسائل التواصل، لتحقيق هذا المطلب العام. لذا فإنها تركز على قضايا الحرية الجنسية وقضايا الضياع الديني والروحي وقضايا الرعب الأسود وقضايا الجرائم وقضايا السحر والشعوذة وقضايا الخيال العلمي الذي لا يفضي إلى شيء سوى ضبابيةٍ بلاَ أَطْرَافَ جديرة بأن تقطع القارئ عن قضاياه الحقيقية وأزمة الواقع المعاش وتحدياتها اليومية.
أما رواية «فومبي» للكاتبة بدرية البدري فهي تطرح إشكالية مختلفة تماما تناقش استفهامات حضارية وثقافية وربما سياسية وتفتح أعيننا وعقولنا على ما يحدث من حولنا من صراعات وحروب تُسَطَّرُ في الآفاق بُدِئ فيها باستعمال الذكاء الاصطناعي وتُنْبئ بكوارث وانفجارات محتملة لا يمكن تخيلها.
لذلك نحس ونحن نطالع رواية البدري أن طرحها لتجربة استعمارية في مكان وتاريخ بعيدين عن حاضرنا وجغرافيتنا ليس إلا سببًا أدبيًا كي تعيدنا إلى واقعنا الحاضر وصراعاته الحضارية و«العسكرية» غير المسبوقة والأدوات الجديدة التي باتت تُعتَمَدُ في إدارتها ومنها الإعلام الذي تركز عليه الرواية كثيرًا.
والكلمة التي أوردناها أعلى المقال والتي ختمت بها الكاتبة روايتها تذكرنا بذلك وبأدوات وخطط الاستعمار وحبائله في إدارة عملية السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها بينما تصورها في صورة الشعوب المتخلفة وغير المتحضرة والإرهابية والتي تهدد السلم العالمي والأمن العام.
في آخر هذه القراءة أريد أن أشير بشكل مقتضب إلى نقطة وحيدة ترتبط بالجانب الفني في الرواية؛ لأن هذا ليس من اختصاصي.
لقد لاحظت أن شخصيات الرواية وهم الذين عاشوا ورووا أحداثها، بقدر ما ساعدونا في معايشتها، فإنه بسبب كثرتهم وتنوعهم قربونا من الأحداث ولكن أبعدونا عن أنفسهم كشخصيات.
فباستثناء شخصية الملك ليوبولد الثاني الذي اكتملت صورته وزاد وعينا بشخصيته وإحساسنا وقربنا من عالمه، بغض النظر عن مدى قبولنا أو رفضنا له، فإن باقي الشخصيات كانت غير مكتملة أو إننا لم نتعرّف عليها كفاية ولم يسكنَّا الشوق إليها حتى إننا لم نرتبط بها رغم اللغة الثرية والمعبرة للكاتبة.
وفي هذا الإطار كان يمكن للكاتبة دمج بعض الشخصيات في شخصية واحدة فنتمكن من متابعتها خلال الرواية زمنا أطول، ونتعرف على تفاصيل أكثر عن حياتها فنتعلق بها ونحبها ونفرح لفرحها ونحزن لحزنها أو نكرهها فتُشْفَى صدورنا حين تنال جزاء إجرامها. فكثرة شخصيات الراوية ومنها ما ظهر فجأة في منتصفها مثل شخصية «جورج واشنطن وليامز» هو مما أبقاها بعيدة شيئا ما عن نفوسنا وأنقص، رغم أصالة هذه الشخصية وجماليتها من جاذبية الرواية وأضعف من حبكتها وارتباط القارئ بها.
محسن الهذيلي معماري وكاتب تونسي
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
البشير وبكری، السجين والطليق !!
هاتفته صبيحة يوم إطلاق سراحه، فلم أجده سعيداً، بعد أن أَكَّدَ لیَ الخبر فقال : أخطرونا رسمياً أمس بالقرار، لكننا لم نغادر بعد. وقال كنَّا متآنسين!!
وفهمت إنَّه حزين فی هذا اليوم الذی يفرح فيه أی معتقل ألَّا وهو يوم الإفراج عنه، لكنه كان علی العكس من ذلك بسبب الإبقاء علی رفيقيه قيد الإعتقال، ولم أستغرب منه ذلك، فهو بكري الذی أعرفه رجلٌ شديد الوفاء، حاد الذكاء، يجمع بين الشدة واللين، بحيث لا يستطيع (أَحْرَفْ) مُتحرٍّ أن يخرج منه بكلمة لا يود هو الإفصاح عنها، فإذا فاتحته في موضوعٍ ما، لا يرفض الحديث بشكل مباشر، لكنه يبدأ في الترنم بأُغنية (سارحة مالِك ياحبيبة) بصوته الأجَشّ الذی لا يخلو من حِنِيَّة أهله الدناقلة، لكنه أبعد ما يكون من أي تطريب، ما يجعلك تستشعر النعمة إذ لم يكن بكري مغنياً، يعنی أقفل هذا الموضوع، أو أن يقول لك ???? يااا brother وقت أبرك من وقت وساعة أبرك من ساعة!!) يعنی ليس هذا وقته، بكري الذی لا ينسی أن يُرسل قبل كل رمضان كمية من البلح القنديلة فی مقطف جميل للعديد من إخوانه وأصدقاٸه، بكري الذی يعشق النخيل وزراعته، بكري لم يفتح فمه بكلمة واحدة بعد إعفاٸه المفاجٸ من منصب الناٸب الأول لرٸيس الجمهورية وربما حتی هذه اللحظة، وهو الذي تجمعه بالمشير البشير علاقة ممتدة لسنوات طويلة ويجمع بينهما البورية الأحمر بسلاح المظلات، وهو الوحيد من بين كل أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني الذي بقي في الحكومة حتی قبيل التغيير بشهرين أو نحو ذلك !!
القرار القضاٸي القاضي بإطلاق سراح الفريق أول بكری حسن صالح والعميد يوسف عبد الفتاح بغرض الإستشفاء، والذی أصدره الفريق أول البرهان كان قراراً صاٸباً، لكن ما ينقصه هو أنه لم يستفِد منه المشير عمر حسن أحمد البشير، والفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين، اللذان تنطبق عليهما ذات الحيثيات!! ولعل ما منع البرهان من شمول الرجلين بذلك القرار هو (عقدة) المحكمة الجناٸية التی تُسَمَّیٰ دولية، هذه المحكمة التی لا تستطيع أن تجلب مجرم الحرب نتنياهو إلی قاعتها، هذا قبل ان يبلغ ترمب مقعد الرٸاسة فی المكتب البيضاوی، مما سيجعل مثول نتنياهو أمام المحكمة بعد ذلك مُستحيلاً. فما لنا نحن وهذه المحكمة المنبوذة فی معظم دول العالم!!
العميد يوسف عبد الفتاح نزيل المستشفی حتی بعد هذا القرار، والفريق بكري ليس بأحسن حالٍ منه أمَّا حالة الفريق أول عبد الرحيم الصحية فلا تحتاج إلیٰ كثير بيان، ولسنا فی وارد إعادة نشر التقرير الطبی عن حالة المشير البشير الصحية فهي أكثر تعقيداً من كل زملاٸه وهو بالطبع أكبرهم سنَّاً، وكل الرجاء فی أن يكمل الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان ما بدأه من عمل ناجح يُضاف إلیٰ إنتصارات الجيش الباهرة تحت قيادته، ولن نُذكَّره بأن إكرام هٶلاء القادة، وإعطاٸهم واجب الزمالة والأقدمية،جزءٌ لا يتجزأ من إكرام كل جنود وضباط وقادة قوات الشعب المسلحة، ولن نحتاج أن نغني كما يغني بكري ونقول (كَمِّل جميلك تمموا)
وكلنا ثقة فی حسن تقدير القاٸد العام لقوات الشعب المسلحة.
-النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء
محجوب فضل بدري