في كل مرة يقف باسم عيدو، أمام باب منزله في قريته شبه المهجورة في شمال العراق، يعتريه الذهول من حجم الركام حوله، في مشهد ألفته منطقة سنجار ذات الغالبية الأيزيدية، بعد سنوات من انتهاء الحرب.

في باحة منزله في صولاغ - الكهوف الشرقية الواقعة على بعد 400 كلم شمال غربي بغداد - يقول عيدو (20 عاماً) بحسرة: "من أصل 80 عائلة، لم تعد إلا 10 فقط".

ويضيف: "لا توجد منازل ليسكنوا فيها، لماذا سيعودون؟.. لا يريدون مغادرة خيام (النازحين) ليقطنوا في خيام فوق أنقاض منازلهم".

واجتاح تنظيم داعش المنطقة عام 2014، واستهدف بشكل خاص الأقليات، لا سيما الأيزيديين، فمارس ضدهم جرائم قتل وتهجير وخطف العديد من نسائهم.

في نوفمبر 2015، تمكنت القوات الكردية (من إقليم كردستان) من طرد المتشددين من سنجار، بمساندة من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وفي أغسطس 2017، أعلنت الحكومة العراقية طرد التنظيم المتطرف من كل محافظة نينوى التي تقع فيها سنجار، قبل أن تعلن "الانتصار" على المتشددين في نهاية العام ذاته.

لكن بعد كل هذه السنوات، لا تزال قرى وأحياء بكاملها مدمرة، فيما تعرقل النزاعات السياسية عملية إعادة إعمار منطقة شهدت العديد من المآسي.

ملف إعادة الأعمار يعاني مشاكل معقدة

في صولاغ، المشهد لا يزال يذكّر بالحرب: منازل مدمرة، وأنابيب مياه وخزانات صدئة، وأعشاب برية بين تشقّقات جدران تشهد على ما كان يوماً مكانا للسكن.

ويقول عيدو بأسى: "كيف يرتاح قلبي.. ولا أحد هنا نأنس به لننس ما حصل؟".

وتمكّنت بضعة عائلات فقط من إعادة بناء منازلها، بينما اختارت أخرى نصب خيام فوق الأنقاض.

"أين يذهبون؟".. كيف يؤثر قرار إغلاق المخيمات على سكان سنجار؟ يجسد الوضع الذي يعشيه المعلم العراقي خالد (52 عاما) في قضاء سنجار بمحافظة نينوى في شمال العراق الوضع المتردي في القضاء بينما تتجه الحكومة العراقية إلى إغلاق مخيمات كردستان ما يجبر العديد من سكان سنجار على العودة لمناطقهم في غياب الخدمات

وعاد عيدو وعائلته إلى صولاغ قبل سنوات احتراماً لأمنية والده المريض الذي أراد أن يقضي آخر أيامه في قريته. ومن حسن حظ العائلة أنها وجدت منزلها محترقاً تماماً لكن غير مدمر، على عكس غالبية منازل القرية.

بمساعدة من منظمة إنسانية، أعاد عيدو تأهيل بيته. لكن غالبية سكان القرية غير قادرين على بناء منازلهم، على حد قوله، رغم أن "كل ما يحتاجون له هو بناء غرفة أو غرفتين".

ويوضح: "لو أن الحكومة أو المنظمات تتولى إعادة الإعمار، لعاد جميع السكان".

"مدمّرون"

وحددت السلطات العراقية مؤخراً مهلة تنتهي في 30 يوليو لإغلاق مخيمات النزوح، ووعدت بمساعدات مالية وحوافز للعائدين إلى قراهم. وتعهدت الحكومة مراراً بتكثيف جهود إعادة الإعمار ودفع تعويضات للمتضررين.

وأعلنت وزارة الهجرة مؤخراً عودة المئات إلى مناطقهم. لكن أكثر من 183 ألفاً من أهالي سنجار ما زالوا نازحين، وفق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الهجرة الدولية. ويشير التقرير الى أن مناطق عدة استقبلت نصف عدد سكانها الأصليين أو أقل، لكن لم تُسجّل أي عودة الى 13 موقعاً على الأقل منذ 2014.

ويقول قائمقام سنجار بالوكالة، نايف سيدو: "قرى وأحياء كاملة سُوّيت الأرض، وملف التعويضات متلكئ، فالغالبية لم يأخذوا مستحقاتهم".

عند اجتياح التنظيم في أغسطس 2014 لسنجار، فقدت هدلا قاسم 40 فرداً على الأقل من عائلتها، بينهم والدها ووالدتها وشقيقها، في قرية كوجو.

وتروي السيدة (40 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها تقدمت قبل 3 سنوات بطلب للحصول على تعويض عن منزل العائلة المدمّر، بدعم من المجلس النرويجي للاجئين الذي يقدّم خدمات قانونية لأهل المنطقة، لكن دون جدوى.

لا تزال المدينة مدمرة منذ عشر سنوات رغم هزيمة داعش

كما لا تزال تنتظر الحصول على التعويض الشهري الذي يُدفع لعائلات "الشهداء". لكن طلبها على غرار طلبات أخرى كثيرة، لا يزال عالقاً في متاهة البيروقراطية الإدارية.

وتقول قاسم من منزلها الذي عادت إليه قبل سنوات: "نحن مدمرون. لم نحصل على شيء إطلاقا".

وتضيف بحزن: "لم يقوموا بنبش كافة المقابر، وملفات الشهداء لم تنته، ولم يعد كل من في المخيمات.. نحن بحاجة إلى حل".

 نزاع معقد

وتقول الموظفة القانونية في المجلس النرويجي للاجئين، فيريمنا خدر: "السكن الآمن والصالح للعيش ضرورة، لكننا نحتاج أيضاً الى بنية تحتية، مثل الطرق والمدارس والمباني الحكومية.. ليكون هناك أمل في بناء الحياة من جديد".

وبسبب عدم قدرتهم على بناء منازلهم، استأجر البعض بيوتا في مدينة سنجار، رغم ضعف الخدمات والبنية التحتية. ويتعين على العديد من المرضى السفر لساعات للحصول على رعاية طبية غير متوفرة في مستشفى المدينة الوحيد.

وصفه الطرفان بـ"التاريخي".. أبرز بنود اتفاق بغداد وأربيل حول سنجار توصلت بغداد وأربيل، الجمعة، إلى اتفاق حول سنجار وصفه الطرفان بالتاريخي ويمكنهما من إدارة شؤون المنطقة إداريا وأمنيا وخدميا، بشكل مشترك، وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين الى ديارهم بعد ما شردوا منها من قبل داعش.

في المدينة القديمة وسط سنجار، لم يبق منزل أو متجر على حاله، واستحالت شوارع عدة دمارا.

 وأصبحت كنيسة قديمة مدمرة مقصداً لأغنام ترعى العشب الذي نما بين الركام. كما تحوّلت مدرسة إلى مقرّ لمجموعة مسلّحة، وقاعة سينما إلى مركز عسكري.

ومنذ سنوات طويلة، تقع سنجار في صلب نزاع بين حكومة بغداد وسلطات إقليم كردستان. وفشل الطرفان حتى الآن في تنفيذ اتفاق توصلا إليه في 2020 لإعمار المنطقة.

جندي بالجيش العراقي أمام أحد المباني المدمرة

وما يزيد من تعقيد النزاع، انتشار عدة مجموعات في المنطقة اليوم، بينها الجيش العراقي، وفصيل أيزيدي متحالف مع حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا التي تستهدفه مرارا، والحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل مسلحة بعضها موال لإيران باتت منضوية في القوات الرسمية.

ويقول مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن اسمه: "كل الأطراف تريد حصة، ثمة مصالح مختلفة"، مما يعرقل التعيينات ومساعي إعادة الإعمار.

وفي عام 2022، دفعت اشتباكات بين مقاتلين محليين والجيش العراقي بالآلاف إلى النزوح مجدداً.

وتقول الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة صنبر، إنه في حين تتنازع بغداد وأربيل على سنجار، فإن أيّا منهما لا تقوم بالدور المطلوب "في تحمّل مسؤوليتها".

وتضيف: "بدلاً من التركيز على إغلاق المخيمات، على الحكومة الاستثمار في بسط الأمن وإعادة بناء سنجار، لتكون مكاناً يرغب الناس فعلاً بالعودة إليه".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: العدید من

إقرأ أيضاً:

تجارة خردة الحديد تثير الجدل بالجنوب اللبناني

صيدا – لمّا نتجاوز مدينة صيدا جنوبي لبنان ونتجه نحو مدينتي صور أو النبطية، نرى شاحنات صغيرة محمّلة بالحديد والخردة.

اعتاد أبناء الجنوب اللبناني أو مَن يزورونه على رؤية هذه المشاهد، وهذه المواد المنقولة إلى معامل الجمع والمعالجة، تؤخذ من بقايا البيوت المدمرة بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.

وتطرح هذه التجارة المزدهرة في الجنوب، أسئلة كثيرة عن مشروعية عمل جامعي الحديد والخردة من البلدات المدمّرة، فبعض المواطنين طلبوا من هؤلاء جمع الخردة من بيوتهم المدمّرة، لكنّ آخرين اشتكوا من دخولهم بيوتهم المدمّرة دون استئذانهم، وعملوا على جمع كل ما يمكن جمعه من معادن، كالحديد والألومنيوم والنحاس والصفائح المعدنية، وما يمكن بيعه في معامل التدوير.

شكاوى بسبب جامعي الخردة

في بلدته بليدا قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني يقف موسى فاعور على أنقاض منزله المدمّر دمارًا كليًّا، ويتحدث للجزيرة نت، عن سبب مجيئه يوميًا إلى بلدته، "كل يوم آتي لأحاول أن أُخرج من تحت الأنقاض ما يمكن إخراجه من أمتعة وأغراض، لأن هناك أشخاصًا غرباء يدخلون ويأخذون كل شيء، حتى أسطوانات الغاز، لأننا إذا تركناها هنا، فقد لا نجدها لاحقًا".

يخشى المواطنون من أخذ الحديد والمواد القابلة لإعادة التدوير من منازلهم المدمرة في الجنوب اللبناني (الجزيرة)

يشتكي فاعور من غياب الأمن في بلدات الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلّة، فالبلدية غير قادرة على تغطية كل البلدة في ظل الوضع المالي الصعب، وفق تعبيره.

إعلان

ويأمل من الدولة، أن تنظّم دوريّات لحماية المواطنين في القرى الأماميّة، لأن الخطر مشتركٌ من إسرائيل ومن جامعي الخردة والحديد، الذين قد يدخلون إلى أي بيت وفي أي وقت ويسرقون الناس دون أي رادع.

أما حسن ضاهر فككان، كان يمتلك مخرطة قبل الحرب في بليدا إلا أنها توقّفت حاليًّا عن العمل، يجمع أمتعته وما يمكن إخراجه من تحت الركام، ويقول إنه يجمع أغراضه لبيعها والاستفادة من ثمنها، كي لا يسرقها جامعو الخردة.

ويقول في حديثه للجزيرة نت: الأمور تحدث على "عينك يا تاجر" (علانيّةً).. نأمل أن يكون هناك وجود حقيقي للدولة، وأن ينصبوا الحواجز في كل بلدة، لحماية أملاك الناس.

شاحنة محمّلة بأنواع مختلفة من المعادن تعود لجامع خردة (الجزيرة) موقف البلديات

التقت الجزيرة نت، مختار بلدة بليدا حسين ضاهر، وعبر عن أسفه لما يحصل من جانب تجّار الخردة والحديد، وأكّد أن هذا العمل ممنوع داخل النطاق البلدي لبليدا إلا بإذن خطيٍّ من البلديّة.

ويقول إن هذا الأمر عمّمته البلديات على جميع المواطنين وتجّار الخردة، إلا أن أحدًا لم يلتزم بهذا القرار، ما أدى إلى حصول هذه التجاوزات، حيث سُرقت بيوت الناس المدمّرة وغيرها.

ويتحدث مختار البلدة عن شهادات حيّة عن هذه التجاوزات، ويقول "هناك شخصٌ ركّب منظومة للطاقة الشمسية على سطح بيته لتأمين الكهرباء، وبعد ساعات عاد ليجد بطارياتها سرقت وكذلك محوّل الكهرباء، وآخر أصلح الكهرباء في منزله وغادر إلى بيروت وعند عودته إلى البلدة من جديد، وجد أقفال المنزل مكسورة والبطاريات والأسلاك مسروقة، تصوّر مستوى الوقاحة!".

ويضيف "بعد أن يُدمّر بيتك، يأتي أحدهم ويأخذ منه الحديد، أنت منكوب ويأتي شخص ليزيد من نكبتك".

جامع الخردة والحديد يجوب شوارع بلدة ميس الجبل (الجزيرة) لجامعي الخردة رأي

الجزيرة نت وفي جولتها على العديد من البلدات الجنوبية، التقت عشرات باعة الخردة، منهم وسام حمادة الذي لفت إلى أنه يأتي من منطقة البقاع مع أصدقائه ليجمع الخردة والحديد من البلدات المدمّرة، ويشدّد على أنه لا يدخل إلى أي بيت دون إذن من صاحبه.

إعلان

ويقول حمادة: أنا أجول في بلدات الجنوب من بنت جبيل إلى عيتا الشعب إلى معظم البلدات، وأنادي في مكبّر الصوت، من يريد أن يبيع الحديد أو الخردة من منزله، وكثيرون يوقفونني فأشتري منهم الحديد والبلاستيك والنحاس وكل ما يتعلق بالخردة، وأذهب لأبيعها بمدينة زحلة في البقاع اللبناني.

وعن التجاوزات التي يقوم بها جامعو الخردة ينفي حمادة أن يكون منهم، ويؤكّد أنه لا يأخذ قطعة دون استئذان صاحبها.

أما حاتم كريك فبدأ منذ وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، بأعمال رفع الركام من البيوت المدمّرة مقابل أخذه المواد القابلة لإعادة التدوير.

ويقول في حديثه للجزيرة نت: "يتصّل بنا الشخص ويطلب إزالة الركام، فنقوم نحن بإزالة كل الردم وننتزع منه الحديد والمواد القابلة للتدوير، ونسلّمه المكان أرضًا ممسوحة جاهزة لإعادة البناء".

معادن مختلفة مسحوبة من تحت ركام المنازل المدمرة تمهيدا لبيعها لجامعي الخردة (الجزيرة) انتشار واسع لتجارة الخردة

بلدة كفركلا في قضاء مرجعيون في الجنوب اللبناني، والتي شهدت دمارًا قد يكون الأكبر بين البلدات الجنوبية الحدودية، انتشر فيها جامعو الخردة أيضًا، حيث طلب منهم عدد من الأهالي جمع ما أمكن من الخردة من بيوتهم المدمّرة.

حسين شيت أحد هؤلاء الأهالي، يؤكد في حديثه للجزيرة نت، أنه لاحظ بعد فترة من وقف إطلاق النار أن هناك أغراضًا مفقودة تحت ركام منزله، واتصل بأحد باعة الخردة في بلدته وطلب منه أن يُخرج كل الأغراض وما يمكن بيعه كي لا تُسرق.

ويلفت شيت إلى أنه لا يمكن وضع كل جامعي الخردة والحديد في الخانة نفسها، بل يجب التمييز بين من يُطلب منه القيام بهذه الأعمال من أصحاب البيوت المدمّرة، ومن يقوم بهذه الأعمال دون استئذان الأهالي.

مقالات مشابهة

  • 15 قتيلًا في هجوم لتنظيم داعش على جنازة زعيم محلي في نيجيريا
  • سلطات اقليم كوردستان تؤكد التزامها بتنفيذ اتفاق سنجار
  • 65 ألف حالة مرضية تعاني حالة سوء التغذية الحاد في غزة
  • باستثناء سنجار.. النازحون سيصوتون في الانتخابات من مخيماتهم حصراً
  • مياه نظيفة وآمنة لمصانع المنطقة الصناعية بالمطاهرة بعد سنوات من الاعتماد على الآبار
  • برلماني: تحويل الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية ينسف البيروقراطية
  • أرض الحضارات، قادر على إعادة بناء المتاحف في أي بقعة.. انطلاق المهرجان الثقافي الثاني بمدينة كادقلي
  • تجارة خردة الحديد تثير الجدل بالجنوب اللبناني
  • الصحة اللبنانية: مقتل مواطن استهدفته مسيّرة إسرائيلية في بلدة حلتا جنوبي لبنان
  • 8.3 مليار دولار استثمارات في 3 سنوات.. مدبولي: فرص واعدة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس