موانئ وأراضٍ زراعية وأسلحة.. ما الذي تبحث عنه الإمارات في أفريقيا؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
نشرت مجلة "جون آفريك" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن تحويل محمد بن زايد الإمارات إلى لاعب رئيسي في قارة أفريقيا، خلال عقد من الزمن بفضل قوته المالية على وجه الخصوص.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نفوذ الإمارات أحدث بعض الاختلالات، خاصة في القرن الأفريقي.
وتضيف المجلة أنه على مدى العقد الماضي، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة رابع أكبر مستثمر أجنبي في أفريقيا بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وفي الفترة الفاصلة بين سنتي 2012 و2022، ضخت دولة الإمارات 60 مليار دولار في القارة في مجالات البنية التحتية والطاقة والأغذية الزراعية والاتصالات والنقل.
ووفقا للخبيرة في شؤون اليمن ودول الخليج، إليونورا أرديماجني، أصبحت هذه الملكية النفطية الخليجية لاعبًا رئيسيًا في القرن الأفريقي وفي العديد من دول القارة، لتكون "الدولة الوحيدة القادرة على منافسة الصين في كل من شرق وغرب أفريقيا". يتزامن هذا الصعود في قوة الإمارات العربية المتحدة في أفريقيا مع وصول محمد بن زايد آل نهيان إلى السلطة.
ويرى جان لوب سمعان، أحد كبار الباحثين في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، أن تاريخ ولادة سياسة أفريقية إماراتية حقيقية يعود إلى نحو خمسة عشر عاماً مدفوع بالفرص التي توفرها القارة، وهي تخدم قبل كل شيء المصالح التجارية لدولة الإمارات وتستجيب لضروراتها فيما يتعلق بالأمن الغذائي.
بحسب أستاذ العلوم السياسية سيباستيان بوسوا أصبحت الإمارات العربية المتحدة بمثابة "البندقية الجديدة" في العصور الوسطى مع "السياسة الإمبراطورية". في الواقع، ينظر محمد بن زايد، الذي يسعى إلى تحرير بلاده من الاعتماد على النفط والغاز، إلى أفريقيا كوسيلة لضمان بقاء دولته، ومستودعا للموارد ومنطقة نفوذ محتملة.
ومنذ سنة 2006، لم يكن ركيزة هذه السياسة والطموحات الاقتصادية الإماراتية سوى امتياز الموانئ، عبر شركتين: موانئ دبي العالمية ومقرها دبي ومجموعة موانئ أبوظبي ومقرها أبوظبي.
وتسيطر موانئ دبي العالمية على أكثر من 87 ميناءً في 40 دولة حول العالم٬ وتمتلك مجموعة موانئ أبوظبي موطئ قدم قوي في شرق إفريقيا ولكن أيضًا في رواندا والكونغو وأنغولا والسنغال وغينيا وجنوب أفريقيا والجزائر ومصر.
من جانبه؛ يقول الخبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن كاميرون هدسون إن الإمارات تسيطر على أكثر من نصف الموانئ في شرق إفريقيا، بما في ذلك خمسة في موزمبيق، مما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا في البحر الأحمر.
وأوردت المجلة أن الاقتصاد الإماراتي يعتمد جزئيًا على التجارة والاستيراد والتصدير، وتسمح "إستراتيجية سلسلة الموانئ" هذه لدولة الإمارات العربية المتحدة بالوصول إلى الأسواق الأفريقية ولعب دور "المركز الفائق" بين إفريقيا وآسيا.
كما أنه يخدم السيادة الغذائية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتمد على الواردات بنسبة 85 بالمئة. وإلى جانب قطر والسعودية؛ تعد الإمارات واحدة من المشترين الرئيسيين للأراضي الزراعية في أفريقيا، بحيث تمتلك أبوظبي أراضٍ في نيجيريا وناميبيا والمغرب وغانا وحتى السودان.
البندقية الجديدة أم إسبرطة الجديدة؟
وفي سنة 2023، وقع الشيخ أحمد دلموك آل مكتوم، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في دبي، الحاكم الثاني لإمارة دبي، مذكرة تفاهم غير مسبوقة مع ليبيريا تنص على نقل الحقوق الحصرية لمليون هكتار من الغابات لشركته بلو كربون لمدة ثلاثين عامًا.
وقد أبرمت نفس الشركة اتفاقيات مماثلة مع تنزانيا وزامبيا وزيمبابوي، مع وعد بتحويل أراضيها إلى أرصدة كربون، وهو ما تعتبره بعض المنظمات غير الحكومية غسيلاً أخضر وشكلاً من أشكال الاستعمار.
علاوة على ذلك؛ تسعى الإمارات، التي تعاني من شح مائي، إلى ترسيخ نفوذ سياسي واقتصادي في البلدان الواقعة على طول مسار النيل، ولا سيما إثيوبيا.
ومع ذلك، تطورت سياسة الإمارات الأفريقية وفقًا للمصالح الجيوستراتيجية لزعيمها. ومنذ ربيع سنة 2011 وبعد حرب اليمن ضد الحوثيين التي شاركت فيها الإمارات إلى جانب السعودية أصبحت أولوياتها سياسية وأمنية وعسكرية.
في هذا الصدد؛ يقول جان لوب سمعان: "ساهمت ثلاثة عوامل في نقطة التحول هذه: القلق بشأن الانتفاضات الشعبية في بعض الدول العربية٬ وتصاعد التوترات بين الأسرة الحاكمة في أبو ظبي وحركة الإصلاح الاجتماعي٬ مما أدى إلى حظر الأخير في سنة 2014 وتعزيز سلطة محمد بن زايد داخليًا.
وبحسب جان لوب سمعان أثار هذا المزيج نشاطًا إقليميًّا إماراتيًّا غير مسبوق واستخدامًا غير مقيد للسلطة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع ممارسات العقود السابقة. بمعنى آخر، تحولت الإمارات إلى إسبرطة الخليج الجديدة.
من أجل تأمين خطوط إمداداته والاستفادة من نقطة ارتكاز لإطلاق عملياته نحو الساحل اليمني، نظم محمد بن زايد انتشاره العسكري في القرن الأفريقي، لا سيما في ميناء عصب في إريتريا حتى عام 2021، وبدرجة أقل مع ميناء بربرة في أرض الصومال.
وتبنى الرئيس الإماراتي أيضا نهجا أكثر هجومية وقسرية، حيث ربط استثماراته بتوافق رؤساء الدول الأفريقية مع مصالحه، وكثيرًا ما فضل دعم المؤسسة العسكرية المعادية للإسلاميين مثل: في ليبيا دعم الجنرال خليفة حفتر حتى حدوث انقلاب في الوضع في سنة 2019، في مصر وموريتانيا وتشاد وخاصة في السودان.
وهكذا؛ وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن، دعم محمد بن زايد وشقيقه منصور بن زايد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بكل قوة محمد حمدان دقلو، الملقب بـ "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، المنظمة شبه العسكرية، التي تخوض حربًا منذ نيسان/أبريل 2023 ضد القوات المسلحة السودانية، الجيش النظامي التابع لعبد الفتاح البرهان.
وأضافت المجلة أنه في سنة 2019، قام الشيخ طحنون، مستشار الأمن القومي الإماراتي، شقيق محمد بن زايد والذي يعتبر "سيد الأعمال" في أفريقيا، بتوفير طائرة خاصة من شركته رويال جيت للجنرال حميدتي حتى يتمكن من السفر في القارة وإضفاء الشرعية على معارضته للبرهان.
ومع ذلك، فإن قوات الدعم السريع مسؤولة عن العديد من المذابح وغيرها من الفظائع في السودان ودارفور، وعن نزوح 5.3 ملايين شخص؛ كما فر أكثر من 400 ألف منهم إلى تشاد.
وتحت غطاء مهمات إنسانية، بحسب تقرير للأمم المتحدة، سلمت الإمارات أسلحة لقوات الدعم السريع، عبر مطار أمدجراس، وهي بلدة في تشاد قريبة من الحدود السودانية، مما سمح لهم بمواجهة طيران القوات المسلحة السودانية.
أما حميدتي، فقد أصبح أغنى رجل في السودان من خلال تزويد الإمارات بآلاف المرتزقة في حربها في اليمن، ثم للمشير حفتر في ليبيا. كما تسيطر عائلته، عشيرة دقلو، على مناطق تعدين الذهب في دارفور.
ويتم بيع غالبية هذا الذهب بشكل غير مشروع لمصافي التكرير في دبي، حيث يقيم شقيق حميدتي الأصغر، المسؤول عن إدارة ثروة العائلة. ومع ذلك، تنفي الإمارات أي تدخل، وحسب الخبير كاميرون هدسون: "إنهم يفعلون ذلك من خلال إنفاق الكثير من الأموال على جماعات الضغط والعلاقات العامة والبرامج الخيرية، خاصة في السودان ودارفور لتنظيف صورتهم".
من جانبه، يستخدم محمد بن زايد أيضا "نفوذه في الموانئ": فبينما ترأس الموزمبيق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طوال شهر أيار/مايو الحالي، طلبت الحكومة السودانية أن يكون دعم الإمارات لقوات الدعم السريع خاضعًا لعقد اجتماع داخل هذه الهيئة الدولية. ويتابع كاميرون هدسون: "لكن بما أن الإمارات تسيطر على جميع موانئ موزمبيق، فقد طلبت منها عدم الموافقة على هذا الطلب".
أبو ظبي عنصر تخريبي في أفريقيا؟
وبينت المجلة أنه، لذلك، ليس من المستغرب أن تكون صورة الإمارات في أفريقيا غامضة. ففي سنة 2018، طردت السلطات الجيبوتية موانئ دبي العالمية - التي كانت تدير ميناء دوراليه الجيبوتي منذ سنة 2006 - باسم "سيادة البلاد".
والسبب؟ العمولات الخفية المدفوعة لسنوات لعبد الرحمن بوريه، رئيس هيئة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي من سنة 2003 إلى سنة 2008، والذي وجد ملجأ منذ ذلك الحين في دبي.
وفي سنة 2020، أثارت شركة "بلاك شيلد" الإماراتية أيضًا استياء الرأي العام السوداني. وتحت ستار توفير وظائف كعملاء أمنيين للشباب السودانيين، أرسلتهم إلى بلدان في حالة حرب، بما في ذلك ليبيا.
ووفق المجلة؛ تشير الانتهازية الشاملة لدولة الإمارات في أفريقيا، في الواقع، إلى الافتقار إلى رؤية طويلة المدى ولها عواقب جيوسياسية مدمرة في القرن الأفريقي. وفي سنة 2018، قام محمد بن زايد بتنظيم إنهاء حالة الحرب التي استمرت 20 سنة بين إثيوبيا بقيادة آبي أحمد وإريتريا بقيادة أسياس أفورقي.
والتقى الأمير برئيسي الدولتين قبل وأثناء وبعد عملية المصالحة التي تجسدت في توقيع معاهدة السلام في الرياض (المملكة العربية السعودية). وكانت إريتريا ــ التي قدمت تنازلات عسكرية لممالك الخليج منذ الحرب في اليمن ــ تطمح إلى تخليص نفسها من عزلتها الدبلوماسية والاقتصادية.
أما بالنسبة لإثيوبيا، التي تدين بالولاء لأبو ظبي، فقد منحت الإمارات العربية المتحدة امتياز الوصول إلى مواردها. لكن في نهاية المطاف، تحول هذا التحالف الجديد بين الأعداء السابقين إلى صراع مسلح ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بدعم من الطائرات المسيرة الإماراتية.
وقد أنقذت هذه الطائرات المسيرة آبي أحمد، الذي كان مهددًا من قبل أعمدة المتمردين في سنة 2021. وفي هذه العملية، أرسلت مجموعة "إنترناشونال جولدن جروب"، مجموعة الدفاع الإماراتية - والتي ستكون مملوكة بنسبة 60 بالمئة لمحمد بن زايد والشيخ طحنون - فريقًا إلى أديس أبابا لتقييم إمكانية مبيعات الأسلحة المحتملة. وهي مجموعة عملت أيضا كواجهة لنقل الأسلحة إلى ليبيا منذ سنة 2011 لدعم المتمردين ضد القذافي، ثم المشير حفتر. وفي سنة 2023، وقعت إثيوبيا صفقة بقيمة 6 مليارات دولار تشمل 113 مشروعًا إماراتيا.
وبحسب المجلة؛ تتمتع الإمارات أيضا بعلاقة غامضة مع الصومال، خاصة وأن أبوظبي تعترف ضمنيا بوجود الجمهورية المعلنة ذاتيًّا "أرض الصومال". وكانت الإمارات، مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، وراء اتفاق أبرم بين أرض الصومال وبين إثيوبيا، بحيث يكون لأديس أبابا منفذ مباشر إلى البحر، ومقابل ذلك التزمت إثيوبيا بالاعتراف بهذه "الدولة".
ومنذ ذلك الحين، يرى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، رغم قربه من الإمارات، ذلك بمثابة الهجوم على سيادة بلاده.
ومع ذلك، لدى الإمارات مصالح عسكرية واقتصادية كبيرة في الصومال. في الواقع، يقوم الجيش الإماراتي بتدريب الجنود الصوماليين بشكل رئيسي لتعزيز قتالهم ضد الجماعات المسلحة، مثل حركة الشباب. وأعلنت الحركة الأخيرة، التي لا تزال نشطة للغاية، مسؤوليتها عن هجوم إرهابي ارتكب في 10 شباط/فبراير على قاعدة في مقديشو، وأدى إلى مقتل أربعة ضباط من الإمارات.
وختاما، أشارت المجلة إلى أنه، لا شك أن إستراتيجية محمد بن زايد تطرح، في بعض الأحيان، أسئلة أكثر مما تقدم إجابات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية محمد بن زايد الإمارات أفريقيا نفوذ أفريقيا الإمارات محمد بن زايد ابوظبي نفوذ صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الإمارات العربیة المتحدة فی القرن الأفریقی لدولة الإمارات الدعم السریع محمد بن زاید فی أفریقیا فی السودان المجلة أن ومع ذلک وفی سنة أکثر من فی سنة
إقرأ أيضاً:
محمد بن زايد يمنح السفير الياباني وسام الاستقلال من الطبقة الأولى
منح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وسام الاستقلال من الطبقة الأولى، لأكيو إيسوماتا سفير اليابان لدى دولة الإمارات، تقديرًا لجهوده خلال فترة عمله سفيراً لدى الدولة، والتي أسهمت في تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
قام أحمد بن علي محمد الصايغ وزير دولة، بتسليم الوسام إلى أكيو إيسوماتا، خلال حفل استقبال أقيم في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي.وأعرب الصايغ، خلال الحفل، عن تمنياته بالتوفيق لإيسوماتا في مهامه المستقبلية، مشيدًا بدوره في تعزيز العلاقات المتميزة بين دولة الإمارات واليابان في مختلف القطاعات.
من جانبه، عبّر إيسوماتا عن خالص امتنانه للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مشيدًا بما حققته دولة الإمارات من تقدم وإنجازات تعكس رؤية القيادة وحرصها على تعزيز مكانة الدولة على الساحة الدولية.
كما أعرب السفير عن شكره لجميع الجهات الحكومية في دولة الإمارات على دعمها المستمر خلال فترة عمله ما مكّنه من أداء مهامه بفعالية، والمساهمة في تعزيز العلاقات بين البلدين.