إبداع الآلة.. لماذا لا نتعاطف مع فنون الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
عندما نتحدث عن الإبداع فأول ما يخطر بالذهن هو الفنون، فهي عنوان الحضارة ومظهرها، ولم يشارك الإنسان فيها أحد من المخلوقات على هذا الكوكب، فهي سمة بشرية خالصة، ودليل قاطع على أن هناك بشرياً قد مر من هذا المكان، يشمل ذلك الرسم والتصوير والموسيقى والآداب، وإذا استطاع الذكاء الاصطناعي إتقان هذه النوعية من الفنون، فهل يعني هذا أن الذكاء الاصطناعي أصبح بشرياً إلى حد كبير، وأنه ولأول مرة سوف تكون لدينا حضارة جديدة ليست من صنع الإنسان وحده.
التفوق الإبداعي:
ليس هناك شك أن الذكاء الاصطناعي أصبح هو الفرشاة التي ترسم والإزميل الذي ينحت والقِيثَارَة التي تُطرب والطبل الذي يدمدم والوتر الذي يطنطن، بل إن الأمر تعدى ذلك فأصبح هو الممثل الذي يقوم بمشاهد البطولة عبر القفز من أعلى المبنى المحترق لإنقاذ البطلة كما في أفلام السينما، من دون أن يكون لهذا الشخص وجود من الأساس، فهو مجرد رسوم تخيلها وحركها الذكاء الاصطناعي، بتعديل طفيف من المبرمجين، دون أن تكون هناك كاميرات تصور أو مخرج ينفذ أو مصمم للأداء يراقب الحركة أو أفراد للسلامة يحافظون على حياة هذا الممثل، ليس البطل فحسب هو الذكاء الاصطناعي، بل حتى المشاة في الشوارع داخل الأفلام، والمقاتلون في المعارك الحربية، والديناصورات التي تعود من الماضي، كل ذلك من فعل الذكاء الاصطناعي.
فهو المخرج للمشهد، والمنفذ للحركة، والمؤلف للموسيقى التصويرية، بل قد يكون هو أيضاً مؤلف القصة وكاتب السيناريو، وما دورنا نحن البشر إلا المشاهدة فقط، ثم التصفيق الحاد إعجاباً بهذا العمل الإبداعي. ولكن هل فعلاً ذلك فن؟ هل يُعبر عن روح العصر والثقافة السائدة؟ هل هو انعكاس لحياتنا؟ قد تكون الإجابة بنعم، فهو يعبر عن واقع نعيشه بالفعل، لكن اسمح لي أن أعيد صياغة السؤال مرة أخرى هل هو انعكاس لما يدور بخيالنا نحن البشر من هواجس وأفكار ومخاوف وأحلام، أم انعكاس لما يدور بخيال الذكاء الاصطناعي؟ في هذه الحالة فإن الإجابة قد تحتوي معاني كثيرة يصعب الحسم أيهما أدق.
فقد تحول الذكاء الاصطناعي من كونه أداة تساعد البشر على فنونهم كالفرشاة والقلم إلى عنصر مستقل بذاته مُفعم بالحركة وله رؤيته المستقلة، صحيح أنه تعلم هذه الرؤية من تجارب إنسانية بحتة استغرقت من الإنسان سنين طويلة، لكنه أتقنها وتفوق عليها في دقائق معدودة حتى أصبح مبدعاً بنفسه مستقلاً بذاته.
فالقلم قد هرب من يد المؤلف، وأصبح يكتب من خالص أفكاره وتجاربه التي تعلمها في دقائق قليلة، والفرشاة تخلصت من أسر الرسام، وانطلقت تجري على اللوحة تُصور ما يدور بخيالها، والإزميل يتمايل مستقلاً داخل الحجر، والخشب ينحت نقوشاً قد تظل قروناً من الزمان، أما بول ووكر، فقد عاد بعد سنوات من موته لكي يستكمل سلسلة أفلامه (Fast and Furious).
هذا الواقع الذي قد نعيشه قريباً ويمهد لبداية “عصر السايبورغ” حينما يذوب كل ذلك في يدٍ صناعية متطورة قادرة على الرسم والنقش والنحت والتأليف والكتابة تم بيعها لبشر ضعفاء محدودي المعرفة والعلم والفكر، فأصبحوا فنانين ومبدعين بل وإن شئت فقل سحرة.
إبداع أم تعلُّم؟
فحينما نرى لوحة جميلة أو تمثالاً رائعاً لمن سوف نصفق؟ هل لذلك الإنسان البشري أم لهذه اليد الحديدية؟ هل سيتعاطف البشر مع لوحة لفتاة صغيرة يجري دمعها على الخد؟ أم سوف يتساءلون عن قدرة الذكاء الاصطناعي على إتقان هذه الرسمة؟ هل سنرتبط عاطفياً بالفنون أم نعتبرها مجرد سلع استهلاكية لا تعبر عن شيء مطلقاً ولا تحوي بداخلها قصة يمكن سردها؟
قد تكون هناك وجهات نظر مختلفة حول الإبداع وحول الاحتفاء بالمُبدع، فإذا كانت نظرتنا للإبداع على أنه عملية بشرية بحتة، وأن الفنون يجب أن تحاكي حياة البشر، فلماذا نُعجب بشكل بيت العنكبوت ونتأمل في جماله الهندسي، ولماذا تعجبنا خلية النحل وأشكالها السداسية المنتظمة، ولم ننبهر بجمال مستعمرات النمل؟ وإذا قصرنا رؤيتنا للإبداع على أنه عملية بشرية، فإنها ستكون نظرة متحيزة وقاصرة، وإذا تجردنا من هذه النظرة، واعترفنا نحن البشر أننا لسنا فقط المبدعين على هذا الكوكب، فلم لا نتعاطف مع فنون الذكاء الاصطناعي؟ قد تكون المشكلة الحقيقية، ليست في رؤيتنا للإبداع، بقدر ما هي في موقفنا منه وشعورنا نحوه.
قد يجادل البعض أن الإبداع عملية ناتجة عن خبرات وعواطف البشر، وأن ما يمكن تحقيقه من خلال الخوارزميات والبيانات ليس إبداعاً بقدر ما هو تعلُّم. لكن من قال إن الإبداع البشري هو ضرب من الخيال، بل هو أيضاً عملية تعلُّم، هو نبتة لفكرة صغيرة في عقل الإنسان استقاها من كلمة أو مشهد أو خبرة مر بها في حياته فلقحها ونمّاها وكبرها حتى أبدع فيها، لكن حينما سألناه عن مصدرها قال إنما هو فقط الإلهام. وما هو في الحقيقة إلا عملية تعلُّم أيضاً.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكون طوق النجاة للمحتاجين؟
نشرت مجلة نيتشر العلمية تقريراً حديثاً يستعرض كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة فعالة في مكافحة الفقر حول العالم، وذلك من خلال تحليل البيانات وتحديد المستحقين للمساعدات بطرق أكثر دقة وسرعة من الأساليب التقليدية.
في أواخر عام 2020، خلال جائحة كوفيد-19، تلقى عشرات الآلاف من القرويين الفقراء في توغو مساعدات مالية مباشرة عبر هواتفهم المحمولة، بفضل نظام ذكاء اصطناعي مبتكر. تم تحويل حوالي 10 دولارات كل أسبوعين إلى حساباتهم الرقمية، وهي مبالغ قد تبدو صغيرة، لكنها ساعدت العديد منهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية وتجنب الجوع.
اقرأ أيضاً.. هل يشيخ الذكاء الاصطناعي كالبشر؟ خفايا التقادم الرقمي
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في تحديد الفقراء؟
اعتمدت حكومة توغو، بالتعاون مع علماء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومنظمة GiveDirectly غير الربحية، على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات شبكات الهواتف المحمولة لتقدير مستوى الدخل والفقر في مناطق مختلفة. وبدلاً من استخدام المسوحات الميدانية التقليدية التي تستغرق وقتاً طويلاً وتحتاج إلى موارد ضخمة، استطاع النظام الجديد تحديد الأشخاص الأكثر حاجة بسرعة ودقة أكبر.
وفقاً للمجلة، فإن هذا النهج ساعد في التغلب على تحديات مثل عدم توفر بيانات دقيقة عن الفقراء، وهي مشكلة تواجه الحكومات والمنظمات الإنسانية عند توزيع المساعدات.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الطرق التقليدية؟
حالياً، يعيش نحو 700 مليون شخص حول العالم في فقر مدقع، حيث يحصلون على أقل من 2.15 دولار يومياً وفقاً للبنك الدولي. ومع ذلك، يواجه قياس الفقر وتوزيع المساعدات مشكلات عديدة، منها التكاليف العالية لجمع البيانات وعدم شمول بعض الفئات مثل المشردين أو الأشخاص الذين لا يملكون هواتف محمولة.
يقول الباحث جوشوا بلومنستوك، المتخصص في علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التغلب على هذه المشكلات عبر تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة، مما يجعل عملية تحديد المستفيدين من المساعدات أكثر كفاءة.
من جهة أخرى، يُحذر خبراء مثل أولا هال، الباحث في جامعة لوند في السويد، من أن الذكاء الاصطناعي ليس مثالياً، فقد تعاني بعض النماذج من التحيز أو عدم الدقة، مما قد يؤدي إلى استبعاد بعض الأشخاص المستحقين للمساعدة.
كيف تطور قياس الفقر عبر الزمن؟
تاريخياً، حاول الباحثون تطوير معايير لقياس الفقر منذ أواخر القرن التاسع عشر. على سبيل المثال، في عام 1901، أجرى عالم الاجتماع البريطاني سيبوم راونتري دراسة ميدانية حول الفقر في مدينة يورك بالمملكة المتحدة، حيث تم تحديد الفقر بناءً على قدرة الأسر على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية.
لاحقاً، في عام 1964، اعتمدت الولايات المتحدة مقياس الفقر الرسمي الذي حدد الحد الأدنى من الدخل اللازم لتغطية الطعام والمسكن والنفقات الأساسية، وهو ما تبنته أيضاً دول مثل الهند.
لكن هذه المقاييس لم تعكس الواقع المعقد للفقر، حيث إن امتلاك دخل معين لا يعني بالضرورة القدرة على تأمين الصحة، التعليم، أو المياه النظيفة. ولهذا السبب، طورت الباحثة سابينا ألكاير بالتعاون مع جيمس فوستر ما يُعرف بمؤشر الفقر متعدد الأبعاد MPI عام 2008، والذي يقيس الفقر بناءً على عشرة عوامل مختلفة، مثل التغذية، التعليم، وسهولة الوصول إلى مياه الشرب.
اقرأ أيضاً.. عندما تتحدث الأرض.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالزلازل؟
هل الذكاء الاصطناعي هو الحل؟
مع التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأ الباحثون في استخدام صور الأقمار الصناعية وتحليل البيانات الرقمية لتحديد الفقر بشكل أكثر دقة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2016 أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بمعدلات الفقر بدقة مماثلة للمسوحات الميدانية التقليدية، ولكن بتكلفة أقل وبسرعة أكبر.
تتوسع هذه التجارب حالياً، حيث يتم تحليل بيانات الهاتف المحمول، حركة المرور، والإضاءة الليلية لتحديد المناطق الأكثر فقراً، ما يسمح للحكومات والمنظمات الإنسانية بتوجيه المساعدات بشكل أكثر كفاءة.
هل نحن مستعدون للاعتماد على الذكاء الاصطناعي بالكامل؟
رغم الإمكانات الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مكافحة الفقر، إلا أن هناك تحديات يجب معالجتها، مثل ضمان العدالة في توزيع المساعدات، حماية البيانات الشخصية، وتجنب التحيزات الخوارزمية التي قد تؤثر على دقة التحديد.
في نهاية التقرير، تشير مجلة نيتشر إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الفقر لا يزال في مراحله الأولى، لكن التجارب مثل مشروع توغو تثبت أنه يمكن أن يكون أداة قوية وفعالة إذا تم استخدامه بطريقة مدروسة ومنصفة.
إسلام العبادي(أبوظبي)