لماذا يتجاهل العالم الإبادة الجماعية الوشيكة في السودان؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
نقل تقرير لمجلة "فورين بوليسي" عن مسؤولين غربيين وعمال إغاثة يعملون في السودان قولهم إنهم منزعجون لقلة الاهتمام الدولي بالصراع الجاري منذ أشهر في هذا البلد.
وأدى القتال بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وميليشيا قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح حوالي 9 ملايين منذ بدء الصراع في أبريل 2023.
واتهمت الولايات المتحدة كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، وخلصت إلى أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت عمليات تطهير عرقي.
والثلاثاء، بحث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الحاجة لإنهاء الحرب في السودان، وفق ما أفادت الخارجية الأميركية.
وقال المتحدث باسم الخارجية، ماثيو ميلر، في بيان إن الجانبين "ناقشا الحاجة الملحة لإنهاء النزاع في السودان بشكل عاجل وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط القتال، لتخفيف معاناة الشعب السوداني".
وأضاف إن بلينكن ناقش أيضا في المحادثة الهاتفية التي استمرت قرابة 30 دقيقة "استئناف المفاوضات في منبر جدة والحاجة إلى حماية المدنيين وخفض الأعمال العدائية في الفاشر بولاية شمال دارفور".
.@SecBlinken underscored to SAF General Burhan the importance of resuming negotiations in Jeddah to end the conflict in Sudan and allowing critical humanitarian access to reach those in need. The Sudanese people should not continue to suffer from the devastation of this conflict.
— Matthew Miller (@StateDeptSpox) May 28, 2024ويحذر مراقبون وعمال الإغاثة من أنه إذا استمر الصراع ولم تكن هناك استجابة دولية قوية، فمن المرجح أن ينهار السودان وقد نشهد إبادة جماعية مرة أخرى.
وقال آلان بوسويل، خبير شؤون المنطقة في مجموعة الأزمات الدولية "لا يسعك إلا أن تشاهد مستوى التركيز على أزمات مثل غزة وأوكرانيا وتتساءل عما كان يمكن أن تفعله 5 بالمائة فقط من هذه الطاقة في سياق مثل السودان، وكم كان من الممكن إنقاذ آلاف وعشرات الآلاف من الأرواح".
خارطة الصراعاستولى القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بشكل مشترك على السلطة من حكومة انتقالية في انقلاب عام 2021.
بعدها، تصاعدت التوترات بين الجانبين وأخيراً اندلعت الحرب في أبريل 2023.
وفي الأشهر الـ 13 التي تلت ذلك، عززت قوات الدعم السريع مواقعها حول العاصمة الخرطوم، ما أجبر القوات المسلحة السودانية على نقل مقرها إلى مدينة بورتسودان الساحلية.
وحققت قوات الدعم السريع مكاسب مطردة في السيطرة على دارفور والتقدم جنوبًا وشرقًا ضد القوات المسلحة السودانية.
ولا تزال القوات المسلحة السودانية تسيطر على المناطق المحيطة بالخرطوم وحتى نهر النيل، وهو طريق استراتيجي حيوي إلى مصر؛ على طول ساحل البحر الأحمر، والحدود الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا.
حرب بالوكالةتوسع الصراع أيضًا ليتحول إلى حرب إقليمية كاملة بالوكالة.
وتدعم مصر والسعودية، وكذلك إيران، القوات المسلحة السودانية، في حين تفيد التقارير أن دولة الإمارات تقوم بنقل الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى قوات الدعم السريع.
وبحسب ما ورد تتلقى قوات الدعم السريع أيضا دعما من تشاد ومن روسيا من خلال مجموعات المرتزقة التابعة لها.
وتتركز نقطة الصراع الآن في الفاشر، عاصمة شمال دارفور ومركز القتال.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مساحات شاسعة من غرب وجنوب السودان في حربها ضد القوات المسلحة السودانية.
والفاشر هي آخر معقل للقوات المسلحة السودانية في دارفور وتحتل موقعا استراتيجيا مهما لطرق التجارة من ليبيا وتشاد المجاورتين.
وتعد الفاشر مركزا رئيسيا للمساعدات في الإقليم الغربي الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة، وهي العاصمة الوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم التي لا تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
ومؤخرا، بدأت قوات الدعم السريع تقدمها نحو الفاشر حيث لجأ ما يقدر بنحو 2 مليون إلى 2.8 مليون مدني هربا من القتال. (لكن من الصعب الحصول على أرقام دقيقة).
وحذرت أليس نديريتو، المستشارة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، من خطر الإبادة الجماعية قائلة إن "التهديد حقيقي، وينمو كل يوم".
وكان تقرير مطول أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" وثق كيف ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وقتل الأطفال ومذابح المدنيين عندما استولت على مدينة الجنينة السودانية العام الماضي.
ويحذر المسؤولون الأميركيون والأمم المتحدة، وخبراء حقوق الإنسان من أن نفس الشيء سيحدث على الأرجح إذا سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر "ولكن على نطاق أوسع بكثير" وفق تعبير المجلة.
واتهمت الولايات المتحدة وجماعات الإغاثة، القوات المسلحة السودانية بمنع دخول المساعدات الغذائية الحيوية إلى البلاد، كما اتهمت قوات الدعم السريع بنهب مخزونات المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة ودفع مناطق البلاد أقرب إلى المجاعة.
وقال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل والذي يدير مشروعاً بحثياً يراقب الصراع في السودان، إن "معدل الوفيات المحتمل هنا يتجاوز التوقعات".
وتابع متسائلا "ماذا سيحدث عندما تسيطر قوات الدعم السريع على الفاشر؟"
وأضاف "هناك احتمال وقوع ضحايا بنفس مستوى ما حدث في هيروشيما وناغازاكي"، في إشارة إلى القنابل الذرية الأميركية التي أسقطتها على اليابان في الحرب العالمية الثانية والتي أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 225 ألف شخص.
إهمال؟لطالما شجبت منظمات الإغاثة والمسؤولون الذين يعملون في السودان الإهمال النسبي للصراع في السودان مقارنة بأوكرانيا أو الحرب في غزة.
ويواجه نحو 20 مليون شخص خطر المجاعة في مناطق مختلفة من السودان.
وقال بوزويل "قلة قليلة من الأشخاص الذين لا يعملون في السودان يعرفون أن دارفور على حافة المجاعة".
وتوفر منشورات الرئيس الأميركي جو بايدن على وسائل التواصل الاجتماعي حول غزة مقابل السودان نافذة أخرى، وإن كانت غير كاملة، على الاهتمام الذي يتلقاه كل صراع.
وقام بايدن بالتغريد عن إسرائيل أو غزة 107 مرة على الأقل في الأشهر الستة منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 التي أشعلت الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس.
ومنذ أن بدأت الحرب في السودان قبل أكثر من عام، قام بالتغريد عن السودان أربع مرات - ثلاث منها كانت حول إخلاء السفارة الأميركية في الخرطوم مباشرة بعد اندلاع القتال.
وتواجه جماعات الإغاثة ضغوطا للحصول على الموارد اللازمة لمعالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب.
وفي فبراير، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من أنه في مخيم واحد فقط للاجئين في شمال دارفور، يموت طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية.
وفي أبريل، في الذكرى السنوية الأولى للصراع، قالت جماعات الإغاثة إن خطة الاستجابة الإنسانية الدولية لمساعدة السودانيين لم تمول سوى 6 بالمائة فقط.
وفي مؤتمر للمانحين في ذلك الشهر في باريس، تعهدت الدول بتقديم مبلغ إضافي قدره ملياري دولار، على الرغم من أن هذا لا يزال حوالي نصف ما تقدره مجموعات الإغاثة باحتياجات البلاد.
وعين بايدن مبعوثًا خاصًا للسودان في فبراير، وهو توم بيرييلو، من ولاية فرجينيا والمخضرم في وزارة الخارجية.
وقد رحب معظم الخبراء بجهود بيرييلو الجديدة لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار في الأشهر التي تلت ذلك وإشراك المشرعين الأميركيين لجلب المزيد من أدوات القوة والتمويل الأميركي للتأثير على المشهد في السودان، لكنهم يخشون أيضًا أن جهوده قد تكون قليلة مقارنة لما يحدث للمدنيين المحاصرين في الفاشر.
لدى الدبلوماسيين ومسؤولي المساعدات العاملين في السودان بعض النظريات حول سبب قلة الاهتمام بالفظائع في دارفور مقارنة بدرجة الاهتمام بما حدث العام 2006 في ذات المنطقة " لكن لا شيء يعطي إجابة كاملة" تقول "فورين بوليسي".
وفي عام 2006، كانت الولايات المتحدة في ذروة "حملتها ضد الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وقالت نيكول فيدرسهايم، المسؤولة الكبيرة السابقة في مجلس الأمن القومي والتي تعمل الآن مع "هيومن رايتس ووتش" إنه في ذلك الوقت كان السودان، في عهد الدكتاتور السابق عمر البشير، قد أعطى ملاذاً آمناً لأسامة بن لادن أثناء قيامه ببناء شبكة عالمية تابعة لتنظيم القاعدة".
وتابعت "لذلك فإن مهاجمة البشير والإبادة الجماعية التي ارتكبها في دارفور صيغت بشكل جيد مع أولويات مكافحة الإرهاب للحكومة الأميركية".
وكانت ذكريات التدخلات الدولية الفاشلة والناجحة لوقف الإبادة الجماعية ــ رواندا في عام 1994 والبلقان في وقت لاحق من ذلك العقد، على التوالي ــ لا تزال حاضرة نسبيا في أذهان صناع السياسات.
فالحملات الغربية المكلفة في أفغانستان، والعراق، وليبيا، والتي كشفت فيما بعد عن أوجه القصور والانتكاسات الناجمة عن التدخلات العسكرية، كانت لا تزال جارية.
كما أنها سبقت الحقبة الحالية من المنافسة بين القوى العظمى، حيث تركز واشنطن بشكل مكثف على مواجهة روسيا والصين.
ويتنافس السودان أيضًا مع الحروب المستمرة في غزة وأوكرانيا على الاهتمام الدولي والموارد الإنسانية.
وأشار مراقبون إلى أن العنصرية المتأصلة في السياسة الخارجية الغربية لعبت دوراً.
قال أحد المسؤولين "يُنظر إليها على أنها حرب أخرى في أفريقيا مثل كل الحروب الأخرى".
وخلص الخبراء إلى أنه لا يوجد عامل واحد يمكن أن يفسر "عدم الاكتراث" بما يحدث في السودان.
ويقول خبراء إن الإهمال النسبي الذي تلقاه السودان من أعلى المستويات في القوى الغربية التي يمكن أن يكون لها تأثير في الضغط على الأطراف المتحاربة في السودان للجلوس لمحادثات السلام قد أدى إلى الحالة الراهنة للحرب التي طال أمدها.
واستضاف بايدن الرئيس الكيني ويليام روتو في زيارة دولة هذا الأسبوع، حيث دعا الجانبان "الأطراف المتحاربة في السودان إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق والالتزام الفوري بوقف إطلاق النار" .
الإعلان عن حصيلة مرتفعة لقتلى مواجهات الفاشر السودانية أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، الأحد، ارتفاع حصيلة القتلى بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى 134 شخصا، وذلك منذ بدء القتال في المدينة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قبل أكثر من أسبوعين.وفشلت محادثات وقف إطلاق النار المتعاقبة في جدة السعودية خلال العام الماضي، والتي توسطت واشنطن والرياض، في التوصل إلى أي اتفاق دائم.
ولم يرأس هذه المحادثات من الجانب الأميركي مسؤول كبير في البيت الأبيض أو وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ولكن مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي بي.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع الإبادة الجماعیة شمال دارفور فی السودان الحرب فی فی ذلک
إقرأ أيضاً:
رغم تأكيد الإمارات.. واشنطن تعيد تقييم مزاعم أبو ظبي حول عدم تسليح الدعم السريع
ذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن إدارة بايدن ستقدم للمشرعين الأمريكيين تقييما بحلول 17 من الشهر الجاري حول مصداقية تأكيدات الإمارات بأنها لا تزود قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان بالسلاح.
ومطلع الشهر الجاري، أرسل اثنان من المشرعين الديمقراطيين في الولايات المتحدة رسالة إلى إدارة بايدن يهددون بعرقلة مبيعات الأسلحة الهجومية إلى دولة الإمارات بسبب دعمها الحرب الأهلية في السودان عبر تسليح ميليشيات قوات الدعم السريع.
ووجه السيناتور كريس فان هولن وعضوة الكونجرس سارة جاكوبس رسالة إلى الرئيس بايدن، حذرا فيها من أن المشرعين سيسعون إلى إجراء تصويت على قرار برفض بيع أسلحة هجومية إلى الإمارات، بما في ذلك صواريخ بقيمة 1.2 مليار دولار، ما لم يشهد بايدن بأن أبوظبي لا تدعم قوات الدعم السريع.
وجاء في الرسالة التي أوردتها مجلة بوليتيكو، “نحن نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت الدعم المادي، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة، لقوات الدعم السريع وسط الحرب الأهلية في السودان، ونعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن توقف مبيعات الأسلحة الهجومية حتى يتوقف هذا الدعم “.
وقالت الرسالة “إذا قدمت إدارتكم تأكيدًا مكتوبًا بأن الإمارات لا تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة وتعهدت بالامتناع عن مثل هذه التحويلات في المستقبل، فإننا سنكون قد حققنا هدفنا ولن نحتاج إلى الدعوة للتصويت على هذا التشريع في الكونجرس”.
وسبق أن اتهم مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، الإمارات بإشعال الحرب في بلاده عبر دعم قوات "الدعم السريع"، فيما نفت الإمارات ذلك وقالت؛ إن "تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها".
وغير مرة، عرض الجيش السوداني صورا وتسجيلات لكميات كبيرة من الأسلحة التي انتزعها من أيدي قوات الدعم السريع في محاور القتال، وقال إنها إماراتية.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.