عين ليبيا:
2025-04-26@04:49:55 GMT

قصة دار الأرقم بن أبي الأرقم (مقرُّ القيادة)

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

تَذْكُرُ كتب السِّيرة: أنَّ اتِّخاذ دار الأرقم مَقَراً لقيادة الرَّسول صلى الله عليه وسلم  كان بعد المواجهة الأولى الَّتي برز فيها سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه. قال ابن إسحاق: «وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا صلُّوا؛ ذهبوا في الشِّعاب، فاستخفَوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  في شِعْبٍ من شِعاب مكَّة؛ إذ ظهر عليه نفرٌ من المشركين؛ وهم يصلُّون، فناكَرُوهم.

وعابوا عليهم ما يصنعون حتَّى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بِلَحي([1]) بعيرٍ، فشجَّه فكان أوَّل دمٍ أُريق في الإسلام» [ابن هشام (1/281 ـ 282)] .

أصبحت دار الأرقم مركزاً جديداً للدَّعوة يتجمَّع فيه المسلمون، ويتلقَّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كلَّ جديدٍ من الوحي، ويستمعون له صلى الله عليه وسلم  وهو يذكِّرهم بالله، ويتلو عليهم القرآن، ويضعون بين يديه كلَّ ما في نفوسهم وواقعهم؛ فيربيهم صلى الله عليه وسلم  على عينه كما تربَّى هو على عين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وأصبح هذا الجمع هو قرَّة عين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ([2]) .

المادة الدراسية في دار الأرقم:

كانت المادَّة الدراسية الَّتي قام بتدريسها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  في دار الأرقم، القرآن الكريمَ، فهو مصدر التَّلقِّي الوحيد، فقد حَرَصَ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  على توحيد مصدر التَّلقِّي، وتفرُّده، وأن يكون القرآن الكريم وحده هو المنهج، والفكرة المركزيَّة الَّتي يتربَّى عليها الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والجماعة المسلمة، وكان روح القُدُس ينزل بالآيات غضَّةً طريَّةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسمعها الصَّحابة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم  مباشرةً، فَتُسْكَب في قلوبهم، وتتسرَّب في أرواحهم، وتجري في عروقهم مجرى الدَّم، وكانت قلوبهم، وأرواحهم تتفاعل مع القرآن، وتنفعل به، فيتحوَّل الواحد منهم إلى إنسانٍ جديدٍ؛ بقيمه، ومشاعره، وأهدافه، وسلوكه، وتطلُّعاته. لقد حرص الرَّسول صلى الله عليه وسلم  حرصاً شديداً على أن يكون القرآن الكريم وحده هو المادَّة الدراسية، والمنهج الَّذي تتربَّى عليه نفوس أصحابه، وألا يختلط تعليمهم بشيءٍ من غير القرآن([3]).

في دار الأرقم تعلَّموا: أنَّ القرآن الكريم، وتوجيهات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هما الدُّستور الأعلى؛ للدَّعوة، والحياة، والدَّولة، والحضارة. كان القرآن الكريم المادَّة الدراسية الوحيدة الَّتي تلقَّاها تلاميذ مدرسة الأرقم على يد المربِّي الأعظم محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فهو المصدر الوحيد للتلقِّي، وعليه تربَّى الجيل الفريد من هذه الأمَّة العظيمة، فهو كتاب هذه الأمَّة الحيُّ، ورائدها النَّاصح، وهو مدرستها الَّتي تتلقَّى فيها دروس حياتها.

لقد تلقَّى الرَّعيل الأوَّل القرآن الكريم بجدِّيَّةٍ، ووعيٍ، وحرصٍ شديدٍ على فهم توجيهاتـه، والعمل بها بدقَّـةٍ تامَّةٍ، فكانوا يلتمسون من آياته ما يوجههم في كلِّ شأنٍ من شؤون حياتهم الواقعيَّة، والمستقبليَّة.

نشأ الرَّعيل الأوَّل على توجيهات القرآن الكريم، وجاؤوا صورةً عمليَّةً لهذه التَّوجيهات الرَّبَّانيَّة، فالقرآن كان هو المدرسة الإلهيَّة، الَّتي تخرَّج منها الدُّعاة، والقادة الرَّبَّانيُّون، ذلك الجيل الَّذي لم تعرف له البشريَّة مثيلاً من قبلُ، ومن بعدُ. لقد أنزل الله القرآن الكريم على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لينشئ به أمَّةً، ويقيم به دولةً، وينظِّم به مجتمعاً؛ وليربِّيَ به ضمائر، وأخلاقاً، وعقولاً، ويبني به عقيدةً، وتصوُّراً، وأخلاقاً ومشاعر، فخرَّج الجماعة المسلمة الأولى الَّتي تفوَّقت على سائر المجتمعات في جميع المجالات؛ العقديَّة، والرُّوحيَّة، والخلقيَّة، والاجتماعيَّة، والسياسية، والحربيَّة([4]).

الأسباب في اختيار دار الأرقم:

كان اختيار دار الأرقم لعدَّة أسبابٍ؛ منها:

1 ـ أنَّ الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحدٍ أن يتمَّ لقاء محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  وأصحابه رضي الله عنهم بداره.

2 ـ أنَّ الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه من بني مخزوم، وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لـواء الحرب ضدَّ بني هاشم، ولم يكن الأرقم معروفاً بإسلامه، ولن يخطر في البال أن يكون اللِّقاء في داره؛ لأنَّ هذا يعني: أنه يتمُّ في قلب صفوف العدوِّ.

3 ـ أنَّ الأرقم بن أبي الأرقم كان فتىً عند إسلامه؛ فلقد كان في حدود السَّادسة عشرة من عمره، ويوم أن تفكِّر قريش في البحث عن مركز التجمُّع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصِّغار من أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ؛ بل يتَّجه نظرها، وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه صلى الله عليه وسلم  .

قد يخطر على ذهنهم أن يكون مكان التَّجمُّع على الأغلب في أحد دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكرٍ رضي الله عنه، أو غيره؛ ومن أجل هذا نجد أنَّ اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من النَّاحية الأمنيَّة، ولم نسمع أبداً: أنَّ قريشاً داهمت ذات يومٍ هذا المركز، وكشفت مكان اللِّقاء([5]).

([1]) اللَّحي: اللَّحي من الإنسان: العظم الَّذي تنبت عليه اللِّحية ، ومن الحيوان العظم الذي على الفخذ.

([2]) انظر: التربية القياديَّة (1/198).

([3]) انظر: دولة الرَّسول صلى الله عليه وسلم من التكوين إلى التمكين ، ص 225.

([4]) انظر: دولة الرَّسول صلى الله عليه وسلم من التكوين إلى التمكين ، ص 335.

([5]) انظر: المنهاج الحركي ، للغضبان (1/49).

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم القرآن الکریم رضی الله عنه ة الدراسیة أن یکون فی دار بن أبی

إقرأ أيضاً:

هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف

كشفت دار الإفتاء المصرية، حكم التأمين على السيارات، مشيرة إلى أنه جائزٌ شرعًا؛ لأنه في حقيقته تبرعٌ وليس معاوضةً ولا ضريبةً تحصل بالقوة، بل هو من التكافل والتضامن والتعاون على البر في رفع ما يصيب الأفراد من أضرار الحوادث ونحوها، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

هل يجوز إخراج زكاة المال طعام للفقراء؟.. أمين الإفتاء يجيبهل يجوز للفتاة صلاة قضاء الحاجة للزواج من شخص معين؟.. الإفتاء توضحما التناجي الذي نهى عنه الرسول ومتى يجوز؟.. الإفتاء تجيبهل تُقبل الصدقة من مال مصدره حرام؟.. الإفتاء توضح الفرق بين التصدّق وتبرئة الذمّة

وسبق لـ دار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى في شأن التأمين ونصت على :

لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملاتِ المستحدثةِ التي لم يرد بشأنها نصٌّ شرعيٌّ بالحلِّ أو بالحرمة شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب.

والتأمين على ثلاثة أنواع:

الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات؛ لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم.

الثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، وتقوم به الدولة.

الثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.

والنوع الأول والثاني يكاد الإجماع أن يكون منعقدًا على أنهما موافقان لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعًا في الأصل، وتعاونًا على البر والتقوى، وتحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي، والتعاون بين المسلمين دون قصدٍ للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربًا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.

أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري ومنه التأمين على الأشخاص فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرامٌ؛ لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالفُ الشريعةَ الإسلامية؛ لأنه قائم أساسًا على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر، وأنه تبرعٌ في الأصل وليس معاوضة، واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، فقالوا: إن لفظ العقود عامٌّ يشمل كل العقود ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورًا لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث لم يبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن العموم يكون مرادًا ويدخل عقد التأمين تحت هذا العموم.

وأما السنة فقد روي عن عمرو بن يثربي الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى، وكان فيما خطب: «وَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» رواه أحمد، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذله من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص فيكون حلالًا.

ومن المعقول: أن التأمين وهو تبرعٌ من المؤمِّن؛ حيث يتبرع بالقسط المدفوع، وتبرع من جهة أخرى من الشركة؛ حيث تتبرع بقيمة التأمين، وذلك على سبيل توزيع المخاطر والتعاون على حمل المبتلى لا يشتمل على منهي شرعًا.

كما استدلوا أيضًا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدرٌ من مصادر التشريع كما هو معلوم، وكذا المصلحة المرسلة، كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه فيكون حلالًا.

مقالات مشابهة

  • ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء تكشف حكم سجود التلاوة بدون وضوء
  • هل الحج يغني عن الصلاة الفائتة لشخص كان لا يصلي؟.. الإفتاء ترد
  • دعاء تحصين المنزل.. من القرآن الكريم والسنة المطهرة
  • ما هي الأعمال المستحبة عند زيارة مسجد النبي؟.. داعية يُوضح
  • تكريم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بالسويق
  • خطيب حوثي يكذب علنًا ويزعم أن رسول الله ''لم يُحِط بعلم القرآن الكريم'' !
  • اختتام مسابقة وزارة التعليم للقرآن الكريم للعام 1446هـ
  • هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف
  • دعاء الأم على أبنائها.. هل يستجاب حتى ولو كانت ظالمة ؟