د. منذر سليمان وجعفر الجعفري: أميركا وكوريا الشمالية: أزمة مرشّحة للتصعيد
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري ليس من العسير استكشاف طبيعة السياسة الخارجية الأميركية وإدراك مراميها بشأن شبه الجزيرة الكورية، جذرها هو العداء المتأصّل بسبب عدم قدرة واشنطن على حسم “الحرب الكورية” ببسط سيطرتها على الكوريتين، في خمسينيات القرن الماضي. والأهم أن واشنطن أحجمت منذ تلك اللحظة عن إبرام اتفاق ينهي “وقف إطلاق النار لعام 1953” بمعاهدة سلام رسمية.
وشهدت المنطقة منذئذ سلسلة تهديدات أميركية، بعضها رفيع المستوى، بغزو كوريا الشمالية التي ما فتئت تُطوّر إمكاناتها الذاتية للدفاع عن نفسها، أبرزها نجاحها في دخول “نادي الدول النووية”، على الرغم من أن القراءة الاستراتيجية الأميركية تتعامل مع السلاح الجديد وكأنه امتداد للمظلة النووية الصينية، بالقرب من النفوذ الأميركي في اليابان بصورة خاصة (نبأ بعنوان “الصين تقول زعيم كوريا الشمالية تعهّد بنزع السلاح النووي”، وكالة “رويترز” للأنباء، 27 آذار/مارس 2018).
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون تدارس ومستشارية توجيه ضربة عسكرية استباقية، تستهدف المفاعل النووي لكوريا الشمالية في يونغ بيون، في أيلول/سبتمبر 1994، وسارع بعض العقلاء في واشنطن إلى احتواء الأزمة المفتعلة بإيفاد الرئيس الأسبق جيمي كارتر إلى العاصمة بيونغ يانغ، ولقاء الرئيس كيم إيل سونغ. وسُوّي الأمر بتجميد الزعيم الكوري للبرنامج النووي لنحو عقد من الزمن.
وصرّح الرئيس كارتر بعد عودته أنه أدرك تماماً ما يريده الزعيم الكوري متمثّلاً بإنهاء حالة الحرب عوضاً عن “اتفاق وقف إطلاق النار”، وإنهاء الحصار الاقتصادي الأميركي على بلاده، “مقابل تعاونه” المشار إليه (مقابلة أجرتها الاستاذة الجامعية كريستين آن مع الرئيس كارتر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، في مقر مركز كارتر للدراسات بمدينة أتلانتا).
جدير بالذكر ما يردّده صقور السياسة الأميركية، أبرزهم السيناتور اليميني ليندسي غراهام، بأن على كوريا الشمالية التخلّي عن سلاحها النووي قبل توقيع إعلان السلام مع الولايات المتحدة.
وما زاد الأمر تعقيدا هو الدور المطلوب أميركياً من كلا الكوريتين في الحرب الأوكرانية الجارية، إذ تمارس واشنطن أقصى ما لديها من وسائل ضغط على كوريا الجنوبية لتوريد أسلحة وذخائر مدفعية إلى كييف، نظراً لشح الإمدادات الموعودة من ترسانة دول حلف الناتو، ووفرة الأسلحة المطلوبة في ترسانة سيؤول. وبالمقابل تسوق الاتهامات لكوريا الشمالية بأنها توّرد أسلحة ومقاتلين لدعم الجيش الروسي هناك.
وعليه، وجّهت دعوة لرئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول للمشاركة في قمة حلف الناتو الأخيرة في فيلنياس، والاطلاع عن كثب على احتياجات الحرب الأوكرانية. وبحسب الخبراء العسكريين فإن المراهنة على دخول ترسانة سيؤول لمجريات الحرب “قد يغيّر نتائجها”، وذلك بخلاف مبدأ البلاد بعدم تسليح أي من أطراف الحرب، وساهمت في إرسال معونات إغاثية إلى كييف بقيمة 200 مليون دولار.
وتزيد اللوحة السياسية تعقيدا بالنسبة لكوريا الجنوبية بعد تخطيها بنجاح حجم تبادل تجاري رفيع المستوى مع روسيا قبل نشوب الحرب الأوكرانية، وليس مستبعداً استغلال واشنطن لتلك الخاصية كي تضغط عبر سيؤول على موسكو. وأقر مسؤول رسمي في سيؤول أن “الجانب الروسي أوضح لنا بشدة بأن (توريد) الأسلحة هو خط أحمر، وفي حال تجاوزناه سنواجه بالرد” (مقابلة مع شبكة “بي بي سي” البريطانية 8 تموز/يوليو 2023)
معالم الاستراتيجية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، وامتداداً بحر الصين الجنوبي، اتضحت منذ بدء ولاية الرئيس جو بايدن بتعزيز “التعاون العسكري والاستخباراتي” بين حلف أميركا واليابان مع كوريا الجنوبية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة معها، توّجتها بإدخال قطع بحرية نووية وغوّاصات قادرة على إطلاق صواريخ عابرة للقارات إلى مياهها.
خلفية استراتيجية واشنطن أعلاه ليست بدافع تعزيز سبل “ردع كوريا الشمالية” في جوارها، كما يتردّد في وسائل الإعلام، بل هي رسالة أبعد لاحتواء الصين. وعليه، تجمع النخب الأميركية أن إدراك طبيعة السياسة الأميركية في شبه الجزيرة الكورية ينبغي النظر إليها من زاوية “صعود الصين لتحديها للولايات المتحدة” في شبه الجزيرة الكورية وعموم المنطقة الآسيوية، عبر تطويق سواحلها بمعدات عسكرية متقدمة (دراسة بعنوان “الصين تنظر إلى شبه الجزيرة الكورية: ثنائية التحوّل”، نشرت في دورية “غلوبال بوليتيكس آند ستراتيجي”، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2021).
وحذرت الدراسة إدارة الرئيس بايدن أن سياسة “الاحتواء” المتبعة ترفع منسوب التوتر مع الصين في شبه الجزيرة، بما أن تعزير التعاون بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة يؤدي إلى تحفيز الصين في مواجهة كوريا الجنوبية باتباعها ديبلوماسية القوة القسرية، والتي ستنعكس على صراع أميركا مع الصين”، وقد يؤدي إلى تخفيف مدى تحفّظات الأخيرة على كوريا الشمالية، كما نشهد في “رفع الصين لمعدلات عدم تعاونها مع عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية”.
كوريا الشمالية
شهد مطلع العام الجاري سلسلة تصريحات متبادلة من رئيسي الكوريتين، عقب استئناف الجار الجنوبي لمناورات عسكرية مشتركة مع أميركا، وتعثّر المحادثات الديبلوماسية مع الجار الشمالي. فرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون استهل العام الجديد بتعهّد بلاده زيادة “هائلة في الترسانة النووية ” بما يشمل الإنتاج الضخم لأسلحة نووية تكتيكية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات”، وأن الولايات المتحدة “تُشكّل نسخة آسيوية من حلف الناتو”.
أما رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول فقد حذّر من أن “المظلة النووية الأميركية لم تعد تكفي لطمأنة” بلاده، على خلفية زيارته الرسمية للبيت الأبيض وإعلان الرئيس جو بايدن إرسال بلاده “غواصات محملة بصواريخ باليستية نووية” للرسوّ هناك للمرة الأولى منذ عقود. ونوّه إلى اعتقاده بأن “واشنطن لن تتدخّل لحمايتهم في حال هجوم” من كوريا الشمالية، إذ شهد العام المنصرم إطلاق “بيونغ يانغ عدداً قياسياً من الصواريخ بمعدل اختبار واحد كل شهر تقريباً” (وكالات، 2 كانون الثاني/يناير 2023).
أما بشأن ترسانة الكوريتين العسكرية، فقد عملتا بشكل مستقل على تعزيز مخزوناتهما من الأسلحة والذخائر “والدخول في تحالفات مضادة، تحضيراً لأي عمل عسكري مقبل” منذ انتهاء الاشتباكات المسلحة عام 1953.
وحطّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في بيونغ يانغ، قبل أيام معدودة، والتقى بالرئيس الكوري، وزارا معاً معرضاً للأسلحة الباليستية، ما أثار شكوك واشنطن بأن الجانبين اتفقا على صيغة لتوريد الأسلحة من كوريا الشمالية إلى روسيا، عمادها قذائف المدفعية وأسلحة خفيفة مضادة للدروع مع ذخائرها.
وقبل الزيارة أعلاه بأيام قليلة، أجرت روسيا والصين مناورات عسكرية مشتركة في مياه بحر اليابان “لتعزيز سبل حماية طرق الملاحة البحرية ودمج تكامل عملياتهما العسكرية”.
آفاق المرحلة المقبلة لا تدعو إلى الارتياح، بل إلى توتير متبادل بين الأقطاب الثلاثة الرئيسية: أميركا وروسيا والصين. ولا يلوح في الأفق أي نية أميركية تغاير المسار التقليدي بإدامة حالة الحرب في شبه الجزيرة الكورية.
أما المساعي المتعثّرة التي قامت بها واشنطن باتجاه بيونغ يانغ، بعد انقضاء 3 عقود، كان سقفها الأدنى “نزع السلاح النووي” من كوريا الشمالية، وإصرار رؤسائها المتعاقبين على عدم “التعايش مع بيونغ يانغ النووية”، والتخلّي عن مساعٍ سابقة فرضتها الظروف الدولية لإجراء “حوار رفيع المستوى” مع حكومة كوريا الشمالية.
ومع دخول عنصر استدامة الحرب الأوكرانية، نظراً لعزم واشنطن على إدماء روسيا و”الحاق هزيمة استراتيجية بها”، معطوفاً على اشتداد التصريحات الكلامية في جولة الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالأجواء تنذر بمزيد من التوتر وإعلاء الصدام بدلاً من نزع فتيل الانفجار.
وعزز وزير دفاع كوريا الشمالية القراءة السوداوية للأزمة المتدحرجة بقوله: “الولايات المتحدة ستواجه أزمة لا يمكن تصورها ولم يسبق لها مثيل، إذا حاولت توجيه ضربة نووية ضد كوريا الشمالية” (خطاب في احتفال الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية، 29 تموز/يوليو 2023).
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
ترامب يعاود الحديث عن زعيم كوريا الشمالية ويثير حيرة المنصات
وهناك صورة شهيرة تجمع الرجلين خلال لقاء تاريخي جمعهما في العام 2019 عندما كان ترامب يعمل على إيجاد مقاربة مختلفة في التعامل مع بيونغ يانغ.
لكن إدارة جو بايدن -التي خلفت ترامب- انتهجت ما كانت تصفها بـ"الدبلوماسية بالتوازي مع ردع شديد" لاحتواء طموحات بيونغ يانغ النووية، وهي ما اعتبرتها كوريا الشمالية "سياسة معادية لها".
ووفقا لحلقة 2025/1/22 من برنامج "شبكات"، فقد تحدث ترامب عن العلاقات مع زعيم كوريا الشمالية بقوله "أعتقد أن كوريا الشمالية كانت جيدة، كنت ودودا جدا معه (كيم جونغ أون)، كان يحبني، وأنا أحبه".
وأضاف "كنا على وفاق تام، كانوا يعتقدون أنه يشكل تهديدا هائلا، والآن أصبح قوة نووية، لكننا كنا على وفاق، أعتقد أنه سيكون سعيدا بعودتي".
ترامب (يسار) وكيم جونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين (رويترز) تهديد لكوريا الجنوبيةويتعارض حديث ترامب إلى حد ما مع موقف كوريا الجنوبية الحليفة القوية للولايات المتحدة، والتي ردت على تصريحات الرئيس الأميركي بقولها إنها تعتبر سلاح جارتها الشمالية تهديدا لها، مؤكدة أنها ستواصل العمل على نزعه بالتعاون مع المجتمع الدولي.
وخلال حفل تنصيبه قبل يومين كان ترامب يكرم عددا من الجنود الأميركيين المتمركزين في كوريا الجنوبية، لكنه فاجأ الجميع عندما سألهم "مرحبا بالجميع، كيف حالنا هناك؟ كيف حال كيم جونغ أون؟".
وتابع الرئيس حديثه مع الجنود بقوله "كيف تسير الأمور في كوريا الجنوبية الآن؟ كيف حالها؟ لديكم شخص ذو نوايا سيئة للغاية، قد تقولون ذلك، رغم أنني طورت علاقة جيدة معه فإنه شخص صعب المراس، كيف تسير الأمور هناك؟".
وأثار هذه الحديث غير التقليدي من الرئيس الأميركي تفاعلا على مواقع التواصل، إذ قال بعض النشطاء إنهم لا يفهمون ترامب في بعض الحالات.
إعلان
رئيس غير مفهوم
فقد كتبت كريستي "أحيانا أنظر لهذا الرئيس وأحاول أن أفهم كيف يفكر، لا بد أنه يمزح بسؤاله عن كيم جونغ أون بهذه الطريقة"، في حين كتب بيتر "ترامب يشعرك أنه يتحكم في كل العالم، سؤاله عن كيم جونغ أون كأنهم قضوا الليلة الماضية يشاهدون فيلما ويأكلون الفشار".
في المقابل، قال جو "ترامب رجل سلام قولا وفعلا، الرئيس الأميركي الوحيد الذي أوقف الحروب وذهب للقاء كيم جونغ أون، رجل أعمال وتهمه مصلحة بلده".
أما ريليا فأبدت استغرابها بالقول "جنود أميركيون في كوريا الجنوبية يخدمون أميركا؟ لم أفهم يوما لماذا ترسل أميركا قواتها إلى كل بقاع الأرض، وفوق كل هذا يمزح بشأن كيم جونغ أون كأنه ابن خالته".
وقبل توليه السلطة قال ترامب إن كوريا الجنوبية كانت ستدفع مليارات إضافية من الدولارات سنويا مقابل استضافة قوات أميركية على أراضيها لو كان هو الرئيس.
وأضاف أن سول -التي وصفها بأنها "ماكينة نقود"- سوف تكون سعيدة بدفع هذه الأموال.
وتمتلك الولايات المتحدة وجودا عسكريا واسعا في كوريا الجنوبية يصل إلى 24 ألف جندي يخدمون هناك بشكل فعلي بين بحارة وطيارين ومشاة بحرية، إضافة إلى 9 قواعد عسكرية رئيسية.
22/1/2025