رأي اليوم:
2024-12-25@17:25:19 GMT
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري: أميركا وكوريا الشمالية: أزمة مرشّحة للتصعيد
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري ليس من العسير استكشاف طبيعة السياسة الخارجية الأميركية وإدراك مراميها بشأن شبه الجزيرة الكورية، جذرها هو العداء المتأصّل بسبب عدم قدرة واشنطن على حسم “الحرب الكورية” ببسط سيطرتها على الكوريتين، في خمسينيات القرن الماضي. والأهم أن واشنطن أحجمت منذ تلك اللحظة عن إبرام اتفاق ينهي “وقف إطلاق النار لعام 1953” بمعاهدة سلام رسمية.
وشهدت المنطقة منذئذ سلسلة تهديدات أميركية، بعضها رفيع المستوى، بغزو كوريا الشمالية التي ما فتئت تُطوّر إمكاناتها الذاتية للدفاع عن نفسها، أبرزها نجاحها في دخول “نادي الدول النووية”، على الرغم من أن القراءة الاستراتيجية الأميركية تتعامل مع السلاح الجديد وكأنه امتداد للمظلة النووية الصينية، بالقرب من النفوذ الأميركي في اليابان بصورة خاصة (نبأ بعنوان “الصين تقول زعيم كوريا الشمالية تعهّد بنزع السلاح النووي”، وكالة “رويترز” للأنباء، 27 آذار/مارس 2018).
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون تدارس ومستشارية توجيه ضربة عسكرية استباقية، تستهدف المفاعل النووي لكوريا الشمالية في يونغ بيون، في أيلول/سبتمبر 1994، وسارع بعض العقلاء في واشنطن إلى احتواء الأزمة المفتعلة بإيفاد الرئيس الأسبق جيمي كارتر إلى العاصمة بيونغ يانغ، ولقاء الرئيس كيم إيل سونغ. وسُوّي الأمر بتجميد الزعيم الكوري للبرنامج النووي لنحو عقد من الزمن.
وصرّح الرئيس كارتر بعد عودته أنه أدرك تماماً ما يريده الزعيم الكوري متمثّلاً بإنهاء حالة الحرب عوضاً عن “اتفاق وقف إطلاق النار”، وإنهاء الحصار الاقتصادي الأميركي على بلاده، “مقابل تعاونه” المشار إليه (مقابلة أجرتها الاستاذة الجامعية كريستين آن مع الرئيس كارتر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، في مقر مركز كارتر للدراسات بمدينة أتلانتا).
جدير بالذكر ما يردّده صقور السياسة الأميركية، أبرزهم السيناتور اليميني ليندسي غراهام، بأن على كوريا الشمالية التخلّي عن سلاحها النووي قبل توقيع إعلان السلام مع الولايات المتحدة.
وما زاد الأمر تعقيدا هو الدور المطلوب أميركياً من كلا الكوريتين في الحرب الأوكرانية الجارية، إذ تمارس واشنطن أقصى ما لديها من وسائل ضغط على كوريا الجنوبية لتوريد أسلحة وذخائر مدفعية إلى كييف، نظراً لشح الإمدادات الموعودة من ترسانة دول حلف الناتو، ووفرة الأسلحة المطلوبة في ترسانة سيؤول. وبالمقابل تسوق الاتهامات لكوريا الشمالية بأنها توّرد أسلحة ومقاتلين لدعم الجيش الروسي هناك.
وعليه، وجّهت دعوة لرئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول للمشاركة في قمة حلف الناتو الأخيرة في فيلنياس، والاطلاع عن كثب على احتياجات الحرب الأوكرانية. وبحسب الخبراء العسكريين فإن المراهنة على دخول ترسانة سيؤول لمجريات الحرب “قد يغيّر نتائجها”، وذلك بخلاف مبدأ البلاد بعدم تسليح أي من أطراف الحرب، وساهمت في إرسال معونات إغاثية إلى كييف بقيمة 200 مليون دولار.
وتزيد اللوحة السياسية تعقيدا بالنسبة لكوريا الجنوبية بعد تخطيها بنجاح حجم تبادل تجاري رفيع المستوى مع روسيا قبل نشوب الحرب الأوكرانية، وليس مستبعداً استغلال واشنطن لتلك الخاصية كي تضغط عبر سيؤول على موسكو. وأقر مسؤول رسمي في سيؤول أن “الجانب الروسي أوضح لنا بشدة بأن (توريد) الأسلحة هو خط أحمر، وفي حال تجاوزناه سنواجه بالرد” (مقابلة مع شبكة “بي بي سي” البريطانية 8 تموز/يوليو 2023)
معالم الاستراتيجية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، وامتداداً بحر الصين الجنوبي، اتضحت منذ بدء ولاية الرئيس جو بايدن بتعزيز “التعاون العسكري والاستخباراتي” بين حلف أميركا واليابان مع كوريا الجنوبية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة معها، توّجتها بإدخال قطع بحرية نووية وغوّاصات قادرة على إطلاق صواريخ عابرة للقارات إلى مياهها.
خلفية استراتيجية واشنطن أعلاه ليست بدافع تعزيز سبل “ردع كوريا الشمالية” في جوارها، كما يتردّد في وسائل الإعلام، بل هي رسالة أبعد لاحتواء الصين. وعليه، تجمع النخب الأميركية أن إدراك طبيعة السياسة الأميركية في شبه الجزيرة الكورية ينبغي النظر إليها من زاوية “صعود الصين لتحديها للولايات المتحدة” في شبه الجزيرة الكورية وعموم المنطقة الآسيوية، عبر تطويق سواحلها بمعدات عسكرية متقدمة (دراسة بعنوان “الصين تنظر إلى شبه الجزيرة الكورية: ثنائية التحوّل”، نشرت في دورية “غلوبال بوليتيكس آند ستراتيجي”، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2021).
وحذرت الدراسة إدارة الرئيس بايدن أن سياسة “الاحتواء” المتبعة ترفع منسوب التوتر مع الصين في شبه الجزيرة، بما أن تعزير التعاون بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة يؤدي إلى تحفيز الصين في مواجهة كوريا الجنوبية باتباعها ديبلوماسية القوة القسرية، والتي ستنعكس على صراع أميركا مع الصين”، وقد يؤدي إلى تخفيف مدى تحفّظات الأخيرة على كوريا الشمالية، كما نشهد في “رفع الصين لمعدلات عدم تعاونها مع عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية”.
كوريا الشمالية
شهد مطلع العام الجاري سلسلة تصريحات متبادلة من رئيسي الكوريتين، عقب استئناف الجار الجنوبي لمناورات عسكرية مشتركة مع أميركا، وتعثّر المحادثات الديبلوماسية مع الجار الشمالي. فرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون استهل العام الجديد بتعهّد بلاده زيادة “هائلة في الترسانة النووية ” بما يشمل الإنتاج الضخم لأسلحة نووية تكتيكية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات”، وأن الولايات المتحدة “تُشكّل نسخة آسيوية من حلف الناتو”.
أما رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول فقد حذّر من أن “المظلة النووية الأميركية لم تعد تكفي لطمأنة” بلاده، على خلفية زيارته الرسمية للبيت الأبيض وإعلان الرئيس جو بايدن إرسال بلاده “غواصات محملة بصواريخ باليستية نووية” للرسوّ هناك للمرة الأولى منذ عقود. ونوّه إلى اعتقاده بأن “واشنطن لن تتدخّل لحمايتهم في حال هجوم” من كوريا الشمالية، إذ شهد العام المنصرم إطلاق “بيونغ يانغ عدداً قياسياً من الصواريخ بمعدل اختبار واحد كل شهر تقريباً” (وكالات، 2 كانون الثاني/يناير 2023).
أما بشأن ترسانة الكوريتين العسكرية، فقد عملتا بشكل مستقل على تعزيز مخزوناتهما من الأسلحة والذخائر “والدخول في تحالفات مضادة، تحضيراً لأي عمل عسكري مقبل” منذ انتهاء الاشتباكات المسلحة عام 1953.
وحطّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في بيونغ يانغ، قبل أيام معدودة، والتقى بالرئيس الكوري، وزارا معاً معرضاً للأسلحة الباليستية، ما أثار شكوك واشنطن بأن الجانبين اتفقا على صيغة لتوريد الأسلحة من كوريا الشمالية إلى روسيا، عمادها قذائف المدفعية وأسلحة خفيفة مضادة للدروع مع ذخائرها.
وقبل الزيارة أعلاه بأيام قليلة، أجرت روسيا والصين مناورات عسكرية مشتركة في مياه بحر اليابان “لتعزيز سبل حماية طرق الملاحة البحرية ودمج تكامل عملياتهما العسكرية”.
آفاق المرحلة المقبلة لا تدعو إلى الارتياح، بل إلى توتير متبادل بين الأقطاب الثلاثة الرئيسية: أميركا وروسيا والصين. ولا يلوح في الأفق أي نية أميركية تغاير المسار التقليدي بإدامة حالة الحرب في شبه الجزيرة الكورية.
أما المساعي المتعثّرة التي قامت بها واشنطن باتجاه بيونغ يانغ، بعد انقضاء 3 عقود، كان سقفها الأدنى “نزع السلاح النووي” من كوريا الشمالية، وإصرار رؤسائها المتعاقبين على عدم “التعايش مع بيونغ يانغ النووية”، والتخلّي عن مساعٍ سابقة فرضتها الظروف الدولية لإجراء “حوار رفيع المستوى” مع حكومة كوريا الشمالية.
ومع دخول عنصر استدامة الحرب الأوكرانية، نظراً لعزم واشنطن على إدماء روسيا و”الحاق هزيمة استراتيجية بها”، معطوفاً على اشتداد التصريحات الكلامية في جولة الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالأجواء تنذر بمزيد من التوتر وإعلاء الصدام بدلاً من نزع فتيل الانفجار.
وعزز وزير دفاع كوريا الشمالية القراءة السوداوية للأزمة المتدحرجة بقوله: “الولايات المتحدة ستواجه أزمة لا يمكن تصورها ولم يسبق لها مثيل، إذا حاولت توجيه ضربة نووية ضد كوريا الشمالية” (خطاب في احتفال الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية، 29 تموز/يوليو 2023).
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
ما تأثير قوات كوريا الشمالية على معارك أوكرانيا؟.. هذه تقديرات خسائرهم
نقلت فرانس برس عن مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية قوله، إن انخراط القوات الكورية الشمالية في القتال ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية "لم يكن له تأثير كبير" على مسار المعارك.
وقال المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية إيفغوين إيرين إن "مشاركة الكوريين الشماليين في القتال لم يكن لها تأثير كبير على الوضع".
وأضاف أن القوات الكورية الشمالية لا تتمتع بخبرة قتالية حديثة، خاصة في مواجهة الطائرات المسيّرة التي أصبحت مستخدمة بكثافة في ساحة المعركة، معتبرا أنها تستخدم "تكتيكات أكثر بدائية من الحرب العالمية الثانية والفترة اللاحقة لها".
وأوضح، "لكنهم يتعلمون أيضا. ولا يمكننا التقليل من شأن العدو. ويمكننا أن نرى أنهم يأخذون بالفعل أشياء معينة في الاعتبار في أنشطتهم".
وبحسب كييف، يشارك 12 ألف عسكري كوري شمالي، بينهم "حوالى 500 ضابط وثلاثة جنرالات" في القتال بمنطقة كورسك المتاخمة لأوكرانيا والتي احتل الجيش الأوكراني عدة مئات من الكيلومترات المربعة منها منذ أغسطس/آب الماضي.
وبحسب الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، تنتشر القوات الكورية الشمالية بشكل رئيسي قرب بلدات روسكايا كونوبيلكا وبليخوفو وأولانوك في منطقة كورسك الروسية.
وسبق أن تحدثت هيئة الأركان العامة للقوات الكورية الجنوبية عن استعدادات تجعلها تعتقد أن كوريا الشمالية سترسل وحدات جديدة إلى روسيا، بالإضافة إلى طائرات مسيرة.
والاثنين، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن بلاده تقدر أن أكثر من 3000 جندي كوري شمالي قد قتلوا أو أُصيبوا في منطقة كورسك الغربية في روسيا.
ويأتي هذا بينما تواصل كل من موسكو وبيونغ يانغ رفض الاعتراف بتواجد قوات كورية شمالية على الأراضي الروسية.
وأضاف الرئيس الأوكراني، أن بلاده تقدر مقتل أو إصابة أكثر من 3000 جندي كوري شمالي في روسيا، وقال "روسيا تتخلص منهم ببساطة في الهجمات".
كما حذر من "مخاطر الدعم الإضافي لموسكو"، مضيفا "هناك مخاطر من إرسال كوريا الشمالية قوات ومعدات عسكرية إضافية للجيش الروسي، وسيكون لدينا ردود ملموسة على هذا".
من جهتها، كانت هيئة الأركان العامة في كوريا الجنوبية قد قالت الأسبوع الماضي إن "الجيش الكوري الشمالي، الذي دخل مؤخرا إلى ساحة المعركة ضد القوات الأوكرانية، تكبد خسائر تقدر بحوالي 1100 جندي، وهي تشمل القتلى والجرحى".
ووفقا للسلطات الأوكرانية، فإن الجنود الكوريين الشماليين ينشطون في منطقة كورسك الحدودية الروسية، التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية منذ بداية أغسطس/آب الماضي، حيث تم تحرير عدة مئات من الكيلومترات المربعة.
كما أشار البيان الصادر عن هيئة الأركان العامة في كوريا الجنوبية إلى أن هناك تحضيرات تشير إلى أن كوريا الشمالية قد ترسل وحدات إضافية إلى روسيا لتعزيز القوات المتواجدة هناك أو لاستبدالها.
وأشار إلى وجود تقارير استخباراتية تؤكد أن كوريا الشمالية تقوم بإنتاج وتوريد طائرات مسيرة ذاتية التدمير لروسيا، إلى جانب توفير مدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع من طراز "كوكسان" والتي تتمتع بمدى بين 40 و60 كيلومترا، بالإضافة إلى منصات إطلاق صواريخ متعددة عيار 240 ملم.