د. نزار قبيلات: لماذا تُكتب السيرة الذاتية؟
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
جالست العديد ممّن تجرّأوا فكتبوا سيرَهم الذاتية في مراحل متقدمة من حياتهم الاستثنائية، وقد سألتهم وقتذاك عن سبب إقدامهم على كتابة سيرهم الذاتية بأيديهم؟ وعن توقيت كتابتها؟ والحقيقة أن هذه الأسئلة المِلحاحَ بطبيعتها تتطلب أجوبة لا يمكن رصدها بدقة، فهي قابعة بين الذاتي الخالص والمسؤولية الاجتماعية التي يشعر بها صاحب السيرة، فحتى تحديد وقت الكتابة إشكالية من إشكاليات هذا النوع من السرد الذاتي، إذ الحاجة لها تبدأ برغبة جامحة بترجمة الذات للآخرين وبمطاردة عسيرة لشريط الحياة التي يحاول فيها صاحبها إرجاء إعلان النهاية، وفي ذات الوقت هي محاولة للقبض على كل التفاصيل والملفات وللتخلص من ظلال الرقيب وحارس اللسان.
كَشفُ الذات دفعة واحدة للآخرين مسألة عسيرة، ذلك أن كاتبها سيقف في العراء أمام ثلاث مرايا هي: مرآة الذّات الكاتبة ومرآة الذات الرّاوية ومرآة الذّات الشخصية الورقية، كما أن القول بمتعة كتابة الذات طرحٌ غير دقيق برأيي؛ ذلك لأن المتعة ستكون حصراً للقرّاء الشغوفين والفضوليين حين يشاهدون أتون الصراع الذي وقعت به شخصيتهم المفضّلة، فيتتبعونها بعين وأذن طفل يسرد له قصة إنسان؛ طريقة عيشه ونضاله الحياتي التي لم تكن بتلك السهولة واليسر، فهم أمام مشاهد متصاعدة من الطفولة وحتى الكهولة، ومن اليأس إلى الفرح، ومن الفشل إلى النجاح، كل ذلك يرافقه الكثير من القلاقل والاعترافات المتأخرة، إنها في الحقيقة استجواب ذاتي لا يمكن وصفه نقدياً بأنه وثيقة تاريخانية لفرد، كما أنها نبش في الذاكرة وفي ملفات الحضور والغياب، وبحث عن هيئة الذات وفي تلابيب الذاكرة حيث ملفات أخرى حفظت له الكثير من الخطيئة والاعتدال والندم، فكتابة السيرة الذاتية لا تعني أن كاتبها يخشى النسيان؛ فقد تعني أحياناً أنه يصرّ على ما قاله أو على ما فعله متحدياً بذاك عجلة الزمان التي نقلته من دون احتساب إلى أماكن لم يتوقعها أو يُحبها.
السيرة الذاتية في المدرسة الفرنسية هي الصمود أثناء الوقوف على صخرة الاعتراف حين تحفها ريحٌ عاتية، بيد أن جل من يكتبون سيرهم اليوم إنما يصدون الخوف عنهم، أو يريدون جرد الحساب من خلال تأمل البيادر والطريق خلفهم، ولو قارنّا هنا كتابة الشعر والرواية بكتابة السيرة لوجدنا أن الأدب إبداعٌ مجازي، وقد يكون حالة تشويهية قام بها الأديب بغية مجاراة الواقع واستعادته والقبض على إحدى لحظاته الخاصة وصوغه من جديد وبلغة مجازية مفعمة، في حين أن لغة السيرة الذاتية اختلفت من حيث إنها استعمال شخصي ومكلف للغة!
لا يخفى على أحد أن كثيرين ممن كتبوا سيرهم الذاتية قرّبوا بعدساتهم القلمية لحظات ماضية بعينها كما أنهم أغفلوا أخرى، وكأنهم قُمِعوا لحظة الحدث ذاك أو أُسكتوا أو سَكتوا، فقد قرأت في سير ذاتية عديدة وهي في الحقيقة لأكاديميين ومبدعين ومفكرين، وهؤلاء قبعوا في الظل طويلاً، حين عانى الكثير منهم التهميش والعزلة والإقصاء في بعض الأحايين، لذا فإن مسألة التبرير لديهم غير واردة كثيراً بقدر ما هي رغبة في مسح الضبابية عن زوايا معتمة كثيرة، وهنا يقول امبرتو ايكو إننا عندما نتقدم بالسن نصبح قادرين على تذكر أشياء من الطفولة بشكل واضح، فقد تفتح السيرة الذاتية المكتوبة أبواب الماضي على مصراعيه وتتجلى حينها الحقائق من جديد وتصبح الفرجة الجديدة فرصة جديدة لمزيد من الندم والابتسام والاختباء.
* أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة السيرة الذاتية السیرة الذاتیة
إقرأ أيضاً:
نواويس مصرية.. نزار صبور يخلّد رموز الفن في فن القاهرة
تتصدر لوحات الفنان السوري نزار صبور أجنحة "فن القاهرة"، إلى جانب لوحات من المتحف المصري الحديث ولوحات للفنان سامي رافع، حيث عرضت مجموعة لوحاته التي تحمل اسم "نواويس مصرية"، والتي رسمها تخليدا وتكريما لأعلام الفن المصري في مختلف فروعه، والتي تم تنفيذها ضمن برنامج إقامة فنية بالتعاون بين "فن القاهرة" وجاليري كاف.
ويعتبر صبور ان الثقافة هي النقطة المضيئة الأهم في المنطقة العربية لذلك قرر العمل على مشروع مستمر يمنح التخليد البصري لمبدعي الثقافة العربية، حيث بدأ بالنواويس السورية وبعدها اللبنانية واخيراً النواويس المصرية والتي تضم مبدعين في مختلف مجالات الأدب والشعر والتشكيل والنحت والموسيقى وعددهم 30، لكن صبور أشار إلى أن الرموز المصرية كثيرة جدا ويمكن أن يمتد المشروع في مصر فقط إلى أكثر من 1000 شخصية مختلفة.
وقد بدأت الفكرة تتقد في ذهن الفنان السوري منذ ثمانينيات القرن الماضي أثناء زيارة له لمتحف طرطوس في سوريا، حيث انتبه للمرة الأولى إلى أن غطاء التابوت، يحمل وجه بشري ونحت بارز،وعندما تعرّف على توابيت المومياوات المصرية، ووجوه الفيوم، وبدأ العمل على مشروعه مستلهما شكل التابوت لتكون اللوحات مقاطع طولية تحمل وجهاً عليه هالة تتباين ألوانها بين الأحمر للحي والأزرق الميت.
وقال الرئيس التنفيذي ومؤسس “فن القاهرة” محمد يونس ان الأعمال التي أبدعها صابور خلال فترة الإقامة تعد استكمالاً لسلسلته الشهيرة “نواويس سورية”، التي تكرّم شخصيات مؤثرة باستخدام التابوت كرمز بصري، مستوحياً من عناصر الفن المصري القديم والقبطي والتقنيات المعاصرة.
يذكر ان فعاليات الدورة السادسة من مهرجان ”فن القاهرة – آرت كايرو” بدأت الجمعة بالمتحف المصري الكبير تحت عنوان (سلام لكل البلاد)، وتشهد الدورة تكريم اسم الفنان التشكيلي الراحل سمير رافع الذي يعد من رواد الحركة السريالية في مصر.
يشارك في المهرجان فنانون من 10 دول عربية وأوروبية، هي: مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والإمارات والبحرين، وفرنسا والدنمارك.
وأكد الرئيس التنفيذي للمهرجان أنه يُبرز واقع الحركة الفنية الحديثة في مصر والأعمال التي شكلت الهوية الثقافية للبلاد، ويضم أعمالاً فنية من 70 فناناً مصريا وعربيا وأوروبيا.