اليمين ومقص الرقيب.. هكذا تدهورت حرية الصحافة الإسرائيلية بعد حرب غزة
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
أظهر مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الذي يصدر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" تأثيرا واسعا للحرب على قطاع غزة فيما يتعلق بحرية العمل الصحفي داخل إسرائيل.
ووفقا للتقرير، فإنه ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت الضغوط على الصحفيين داخل إسرائيل، كما ارتفع مستوى حملات التضليل وتصاعدت القوانين التي تقمع حرية العمل الصحفي، مع الإشارة إلى التداعيات المأساوية للحرب على غزة على حياة الصحفيين في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في القطاع الذي استشهد فيه أكثر من 100 صحفي في غضون 6 أشهر من الحرب أثناء ممارسة عملهم الصحفي.
ولم تكن الحرب على قطاع غزة وحدها صاحبة التأثير على الصحافة في إسرائيل، وإن كان لها الدور الأبرز، إذ أظهر مؤشر حرية الصحافة ازدياد التدهور في حرية العمل الصحفي خلال العامين الماضيين.
ومدفوعا ذلك بصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى سدة الحكم، الذي امتد تأثيره إلى المشهد الإعلامي في إسرائيل التي تراجع ترتيبها عالميا وفقا للمؤشر من 86 في عام 2021 إلى 97 في عام 2022 ثم في 2023 إلى الترتيب 101 من بين 180 بلدا على مستوى العالم.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، نشر موقع "إنترسبت" الأميركي وثيقة صادرة عن الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعنوان "عملية السيوف الحديدية، توجيهات رئيس الرقابة الإسرائيلية لوسائل الإعلام"، وتكشف عن توجيه إعلامي بحظر تغطية 8 مواضيع دون موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية، وتتضمن المواضيع:
المحتجزين الإسرائيليين في غزة. تفاصيل العمليات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية. المعلومات الاستخبارية المتعلقة بنوايا المقاومة وعملياتها. الهجمات الصاروخية التي ضربت البنية التحتية الإستراتيجية. الهجمات السيبرانية ضد الحكومة أو التي تنفذها إسرائيل ضد خصومها. الزيارات من قبل المسؤولين إلى مناطق القتال. تفاصيل اجتماعات مجلس الوزراء. تفاصيل الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك التي استولت عليها المقاومة.وعلى الرغم من كون الوثيقة التي وصفت بأنها "غير مسبوقة" تشير فقط إلى دور الرقابة العسكرية الإسرائيلية في التقييد الواسع لحرية الصحافة خلال الحرب على قطاع غزة، فإن تاريخ حرية الصحافة في إسرائيل اصطدم بشكل دائم مع مقص الرقيب العسكري هناك.
تتبع الرقابة العسكرية لجهاز استخبارات الجيش الإسرائيلي (أمان)، ويطلق على رئيسها صفة "المراقب العسكري الإسرائيلي" الذي يعين من قبل وزير الدفاع غير أنه ليس تابعا له، وتعمل الرقابة بموجب أحكام أنظمة الدفاع في حالات الطوارئ لسنة 1945، والتي تم دمجها في أنظمة الطوارئ بعد "تأسيس" إسرائيل.
ووفقا للأنظمة فإنه يشترط على وسائل الإعلام من أجل نشر محتوى يتعلق بالشؤون العسكرية والأمنية أن تُخضِع المحتوى لموافقة الرقابة العسكرية قبل النشر، ويحظر على الناشر الإشارة إلى أن الرقابة قد رفضت المحتوى.
كما يحظر ترك أسطر فارغة في المحتوى الذي يتم تعديله بما يكشف عن خضوعه للرقابة، بينما يواجه الصحفيون الذين لا يلتزمون بتلك التعليمات احتمالات رفع دعاوى تشهير مدنية وجنائية في المحاكم الإسرائيلية.
في عام 1966 أبرم ممثلو كل من وسائل الإعلام والجيش في إسرائيل، ما عرف بـ"اتفاقية الرقابة" والتي هدفت إلى ضبط العلاقة وتقليص الاحتكاك المستمر بين الجانبين، وتعهدت بموجبها وسائل الإعلام بالامتثال لتعليمات الرقابة العسكرية، بينما التزمت المؤسسة الأمنية بعدم إساءة استخدام الرقابة العسكرية.
وتضمنت الاتفاقية جملة من التفاهمات منها تحديد الغرض منها والمتمثل في منع نشر معلومات أمنية قد تضر بأمن إسرائيل، وقيام الرقابة مسبقا بإبلاغ الصحافة بالموضوعات التي تتطلب الموافقة عليها، وفي عام 1989 قضت محكمة العدل العليا في إسرائيل، بأنه لا يمكن فرض الرقابة على المعلومات إلا إذا كان هناك "يقين وثيق بأن الضرر الفعلي سيضر بأمن الدولة".
خلال السنوات الماضية أشير إلى الدور الفعال للرقابة العسكرية في منع النشر على نطاق واسع، حيث تكشف البيانات التي أفصحت عنها الرقابة العسكرية بطلب حركة حرية المعلومات مع موقع "شيشاه مكوميت" في إسرائيل عن أنه ما بين عامي 2011 و2016 تم منع قرابة ألفي محتوى وقصة خبرية لأسباب أمنية.
كما تدخلت في ذات الفترة بتعديل قرابة 14 ألف خبر بصورة جزئية أو كلية، بما يمثل 20% من المحتوى الذي خضع للمراجعة، وقد توسعت عمليات الرقابة لتشمل المدونات على منصات التواصل الاجتماعي التي جرى إخطار العشرات منها في فيسبوك الحصول على موافقة مسبقة على المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية والأمنية.
وبينما تشير تقديرات إلى أن الرقابة العسكرية في إسرائيل تحظر بشكل سنوي حوالي 2240 قصة صحفية، جزئيا أو كليا، لاحتوائها على معلومات قد تضر بأمن إسرائيل، فإن مجريات الحرب على قطاع غزة زادت من معدل الرقابة العسكرية على المنشورات الصحفية.
وقد كشف تقرير لموقع العين السابعة العبري (The Seventh Eye) أنه وفي الـ50 يوما الأولى من الحرب على غزة كشفت أنظمة الرقابة العسكرية عن وجود أكثر من 312 ألف محتوى إخباري تنوعت ما بين الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الإعلانية مثل مجموعات واتساب وتليغرام وغيرها، خضع منها حوالي 6715 للرقابة الجزئية أو الكاملة.
ووفقا لتقرير جديد صدر في 15 مايو/أيار 2024، ذكرت حركة حرية الإعلام مع "سيشاه كوميتيم" أن الرقابة العسكرية منعت نشر 613 مقالا خلال عام 2023، وهو ما يقرب من 4 أضعاف ما كان عليه في عام 2022، كما تدخلت وحذفت أجزاء في 2703 قصص إخبارية إضافية، أي ما يتقرب من 3 أضعاف العام الذي سبقه.
تشريعات تخنق حرية الصحافةسجّلت الحرب على قطاع غزة تصاعدا في منحنى الاستهداف الممنهج لحرية العمل الصحفي في إسرائيل من خلال تفعيل تشريعات سابقة أو استحداث أخرى جديدة، وقد أظهرت تلك التشريعات توجها إسرائيليا نحو قمع الرواية المناهضة لروايتها المتعلقة بالحرب في قطاع غزة.
وكان من أبرز تلك التشريعات إقرار الكنيست في أبريل/نيسان 2024 ما بات يعرف بـ"قانون الجزيرة"، الذي يمنح الحكومة الإسرائيلية صلاحية إغلاق وسائل الإعلام الأجنبية ومصادرة معداتها، وحجب مواقعها الإلكترونية إذا كانت تُعتبر تهديدًا للأمن القومي، ويسمح القانون بسريان إجراء الإغلاق لمدة 45 يومًا قابلة للتمديد.
بموجب القانون أصدرت الحكومة الإسرائيلية في وقت لاحق قرارًا بإغلاق مكتب قناة الجزيرة في إسرائيل ومصادرة معداتها، إضافة لقيامها بعد ذلك بمصادرة معدات بث وكاميرات تابعة لوكالة أسوشيتد برس بتهمة انتهاك القانون الجديد من خلال تقديم صور لقناة الجزيرة.
وقد سبقت ذلك القانون الذي اعتبرته لجنة حماية الصحفيين بأنه يمثل تهديدا لوسائل الإعلام الدولية داخل إسرائيل، محاولات سابقة لمجلس الوزراء الإسرائيلي استهداف قناة الجزيرة بعد اعتماده خلال الأيام الأولى لحرب غزة ما يعرف بـ"أنظمة الطوارئ" والتي تتيح لوزير الاتصالات إغلاق وسائل الإعلام الأجنبية التي تعتبر ضارة بالأمن القومي.
غير أن الجهود القطرية في الوساطة بين حماس وإسرائيل عرقلت من خطط إسرائيل في حينه إغلاق بث القناة، فيما جرى التذرع بأنظمة الطوارئ في قرار الحكومة الإسرائيلية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إغلاق قناة الميادين الفضائية بتهمة التحريض على إسرائيل.
كما شملت حزمة التشريعات، إقرار الكنيست في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تعديلا على قانون مكافحة الإرهاب، ويفرض السجن لمدة عام على الشخص "الذي يستهلك بشكل منهجي ومستمر منشورات منظمة إرهابية محددة"، شريطة أن تدعو النشرة بشكل مباشر إلى "ارتكاب عمل إرهابي أو تعبّر عن الثناء أو التعاطف أو التشجيع مع هذا العمل".
وقد أثار القانون مخاوف من أن يؤدي إلى التضييق على الصحفيين الذين يقوم عملهم بشكل مباشر على استهلاك المحتوى وعرض الحقائق، خاصة مع تحذير رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، سيمحا روثمان، للصحفيين الذين يستهلكون هذا النوع من المحتوى.
تراجع الصحافة المستقلة وصعود اليمينيشار إلى جملة من الأسباب الاقتصادية والسياسية التي دفعت إلى تراجع مفهوم الصحافة المستقلة في إسرائيل، حيث تخضع معظم المؤسسات الإعلامية في إسرائيل لسيطرة مجموعة صغيرة في القطاع الخاص، وفي حين تتكبد وسائل الإعلام تلك الخسائر، فإن استمرار وجودها يأتي في إطار إستراتيجية تعزيز مصالح أطراف مختلفة على الساحة الإسرائيلية.
في تعليقها على الأسباب التي أدت إلى تراجع ترتيب إسرائيل عالميا في مؤشر حرية الصحافة، أشارت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى تصاعد اليمين المتطرف في إسرائيل، حيث باتت القناة الـ14 المعروفة بتطرفها ثاني أكثر القنوات مشاهدة في إسرائيل، بينما على صعيد الصحافة المكتوبة فقد تراجعت صحيفة هآرتس العبرية التي لها توجهات ليبرالية معارضة للحكومة، وتعرض صحفيوها لتضييقات مختلفة.
كما أسهم بروز الإعلام الموجه في طريقة تعيين الشخصيات في الهيئات المعنية بتنظيم الإعلام، وهو ما انعكس على سبيل المثال على شكل التغطية الصحفية للحرب في غزة، حيث تجندت معظم الصحف الإسرائيلية للترويج للدعاية المؤيدة لاستمرار الحرب هناك.
أشارت لجنة حماية الصحفيين في أحدث تقاريرها إلى جملة واسعة من المخاطر التي تهدد عمل الصحفيين خلال تغطيتهم للحرب نتيجة الهجمات والإجراءات العدوانية الإسرائيلية ضدهم.
شملت تلك الإجراءات عمليات استهداف الصحفيين وعائلاتهم وقتل العشرات منهم، إضافة إلى تدمير المكاتب الصحفية في القطاع، فضلاً عن تهديد عدد من الصحفيين بسبب استمرارهم في ممارسة عملهم وتغطية الحرب هناك، وكذلك عمليات الاعتقال بحق الصحفيين حيث لا يزال 28 منهم معتقلا في السجون الإسرائيلية، عدا عن الاعتداءات المتكررة خلال قيامهم بعملهم في الضفة الغربية.
بالإضافة إلى تعرض مواقع صحفية لهجمات إلكترونية من بينها الجزيرة ووكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا" وكذلك نقابة الصحفيين الفلسطينيين التي عمدت إلى تغطية الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيين، يضاف إليها إعاقة عمل الطواقم الصحفية داخل إسرائيل.
تعرضت إسرائيل خلال الحرب الجارية لانتقادات واسعة على خلفية القيود التي فرضتها على عمل الصحفيين الأجانب فيما يتعلق بتغطية الحرب على قطاع غزة، إذ منعت السلطات الإسرائيلية أيضًا معظم وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة.
كما أجبرت تلك الوسائل الإعلامية على تقديم التقارير من تل أبيب أو القدس أو جنوب إسرائيل، وألزمتهم الامتثال لقواعد الرقابة العسكرية الإسرائيلية، والتي تتطلب أيضا تقديم المواد الإعلامية لمراجعتها قبل النشر أو البث.
وفي مقابل عمليات المنع على نطاق واسع للطواقم الصحفية الأجنبية من دخول غزة، سمح الجيش الإسرائيلي لعدد محدود من المؤسسات الإخبارية الدولية بدخول غزة شريطة مرافقة الجيش الإسرائيلي وعدم التحرك بمفردهم في غزة، إضافة إلى تقديمهم جميع المواد واللقطات إلى الجيش الإسرائيلي لمراجعتها قبل النشر.
في مآلات السيطرة على الصحافة في إسرائيلوخلال السنوات الماضية، عكفت الحكومة الإسرائيلية على تكثيف أشكال رقابتها على المحتوى المنشور على الإنترنت، فأصدرت قانون حجب المواقع الإلكترونية عام 2017، والذي يسمح للحكومة بإغلاق أي موقع إلكتروني يتبع "المنظمات الإرهابية"، حسب وصفها.
كما عمدت أيضا إلى تعزيز الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي من خلال الحصول على إذن المحكمة في إزالة أي منشور ضار بالدولة أو الاقتصاد، إضافة إلى منع المحتوى من الظهور في نتائج محركات البحث وخاصة غوغل (Google)، وكذلك جهودهم بالتعاون مع عمالقة الإعلام الرقمي كفيسبوك في إزالة المحتوى التحريضي من شبكات التواصل الاجتماعي في سرعة قياسية.
في عام 2016 كشف موقع "972+" الإسرائيلي عن اعتماد السلطات الإسرائيلية على سياسة مكملة للرقابة العسكرية التي لم تعد بذات الكثافة في حينها عبر استخدام أوامر المحكمة لتقييد عمليات النشر في إسرائيل، في خطوة استهدفت التحكم في المعلومات المتدفقة إلى داخل إسرائيل من الخارج.
خلال الحرب على قطاع غزة، تعرضت آليات الرقابة الإسرائيلية إلى انتقادات واسعة على اعتبارها باتت عاملا مكملا في مشهد الإبادة القائم في قطاع غزة، بينما تواصل إسرائيل تحجيم الصحافة المستقلة أو ذات التوجهات الليبرالية واليسارية ومحاربة وسائل الإعلام الدولية ومنعها من البث لتغطية الحرب أو منع الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة بهدف التغطية على حجم الجرائم التي ترتكب في غزة.
كما لم تغفل أيضا عن السماح بتمرير دعاياتها وروايتها المرتبطة بالحرب على حساب الرواية الفلسطينية المضادة.
لقد ظهرت نتائج الجهود الإسرائيلية في تنقية المحتوى العبري من أي معارضة لتوجهات الحكومة اليمينية المتطرفة بصورة واضحة خلال الحرب الجارية على غزة التي تبرز بالنسبة لنشطاء إسرائيليين حجم المفارقة التي تسبب بها الإعلام العبري على الداخل الإسرائيلي.
ففي حين يشاهد العالم الكارثة التي لحقت بغزة نتيجة العدوان الإسرائيلي الوحشي، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتداول بلا منازع رواية الجيش فيما يتعلق بمجريات الحرب والعمليات العسكرية.
وبات ما يراه العالم حاليا، يختلف تماما عمّا يراه الجمهور الإسرائيلي الذي لم يعد يرى في الضحايا الفلسطينيين إلا أرقاما مجردة دون إدراك لماهية الألم والمعاناة هناك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة الإسرائیلیة التواصل الاجتماعی الحرب على قطاع غزة مؤشر حریة الصحافة الجیش الإسرائیلی الرقابة العسکریة وسائل الإعلام داخل إسرائیل فی إسرائیل الصحافة فی خلال الحرب إضافة إلى فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
شهر الصوم في الصحافة الفرنسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قد تكون الكثير من المعلومات المنشورة هنا معروفة لغالبية المسلمين، لكن ذلك لا يمنع من إلقاء نظرة على الصحافة الفرنسية، لنتعرف على كيفية تناولها للشهر الكريم من خلال زوايا متعددة، بدءاً من الاستعداد لاستطلاع هلال رمضان وحتى الاحتفال بعيد الفطر، مروراً بطقوس وتقاليد شهر الصوم، بما فى ذلك الإفطار على تناول التمر وأداء صلاة التراويح التى تمثل فرصة لقراءة القرآن الكريم كاملاً طوال الشهر المبارك
لوموند: شهر التقوى والعبادة وتنمية قدرة المؤمن على التحمل والصبر
صلاة التراويح فرصة لقراءة القرآن الكريم كاملاً خلال شهر الصوم
الفقهاء: لا ينبغي أن يصبح الصيام عائقًا خطيرًا على الصحة ويمكن للمريض والمسافر والمرأة الحامل الامتناع عنه
يعتبر شهر رمضان شهرًا مباركًا للمسلمين، حيث يتميز بالصيام الذي يجب على المؤمنين الالتزام به والذي يعد أحد أركان الإسلام الخمسة بالإضافة إلى الالتزامات الأخرى.
شهر رمضان، شهر مبارك للمسلمين، يحيي ذكرى نزول القرآن الكريم على النبي محمد (سورة البقرة، 185). وهو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة. فالصيام إذن من ضمن الشروط المفروضة على المسلمين المؤمنين، إلى جانب الشهادة، والصلاة، والزكاة، والحج .
ما هي أصول الشهر؟
كلمة رمضان تعني "الحرارة الشديدة" وتشير إلى الشهر التاسع من التقويم القمري الإسلامي. في المجتمع العربي قبل الإسلام، كان شهر رمضان شهر هدنة، وقد يتوافق هذا مع الخمول المدني والعسكري الضروري أثناء موجة الحر.
يوافق اليوم السابع والعشرون من شهر رمضان ليلة القدر، عندما ظهر الملاك جبريل لأول مرة للنبي محمد ليكشف له عن القرآن الكريم. وهذا الشهر من الصيام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنص الإسلامي المقدس، الذي نزلت الآية الأولى منه: {اقرأ} (سورة 96، 1).
ولذلك فإن المسلمين يعكفون على إعادة قراءة القرآن الكريم كاملاً خلال شهر رمضان، ومن هنا جاء إنشاء صلاة إضافية للصلاة الجماعية (التراويح)، في المساء، في المساجد، فقط خلال هذه الفترة من العام، وهو تقليد يرجعه البعض إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (579-644).
ماذا يقول القرآن؟
فى القرآن مظهر واضح للتوجيه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (البقرة:185)
متى يبدأ الشهر؟
وبما أن الشهر متحرك (يتقدم للأمام حوالي عشرة أيام كل عام)، فيمكن الاحتفال به في منتصف الشتاء. تبدأ فترة الصيام مع بداية القمر الجديد، وتنتهي مع بداية الدورة القمرية التالية.
ويقوم العلماء المسلمون بمراقبة النجم بالعين المجردة أو باستخدام الأدوات البصرية للإعلان عن بداية ونهاية شهر رمضان، مما يترك دائما حالة من عدم اليقين بشأن التواريخ الدقيقة. في الواقع، حتى لو كانت الحسابات الفلكية تسمح لنا بمعرفة يوم القمر الجديد على وجه التحديد، فإن التقاليد تنص على أن النجم يمكن ملاحظته بالعين البشرية. ويطلق المسلمون على هذه الفترة من عدم اليقين اسم "ليلة الشك".
ما هي المحظورات؟
رمضان هو شهر يمتنع فيه المؤمنون عن الأكل والشرب والتدخين والعلاقات الجنسية طوال اليوم. قبل الفجر يستيقظ المؤمن لتناول وجبة السحور من أجل تغذية نفسه وترطيبها طوال اليوم. ثم يؤدي صلاة الفجر الأولى في حدود الساعة الخامسة والنصف صباحاً هذا العام في فرنسا.
وبعد غروب الشمس بقليل (عندما لا يمكن التمييز بين الخيط الأسود والخيط الأبيض)، ينتهي اليوم بالإفطار، وعادة ما يكون ذلك عن طريق التمر وكوب من الحليب أو الماء، مع قول (باسم الله). ثم يأتي وقت تناول وجبة الإفطار، عادة مع العائلة أو في المسجد. ثم تأتي الصلاة الخامسة والأخيرة. صلاة العشاء)، قبل أن تستأنف الدورة في اليوم التالي.
من مرخص له بعدم الصيام؟
هناك العديد من الاستثناءات للصيام. من حيث المبدأ، لا ينبغي أن يصبح الصيام عائقًا خطيرًا على الصحة، لذلك يمكن للمريض أو المرأة الحامل أو المسافر أو الرياضي المحترف الامتناع عن الصيام تمامًا.
وفي دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في لندن عام 2012، أصدر الزعماء الدينيون من العديد من البلدان الإسلامية فتاوى تعفي الرياضيين من الصيام، وتعاملوا معهم كما لو كانوا مسافرين. لا يجب على الشباب الذين لم يبلغوا سن الرشد أن يصوموا، ولا على كبار السن، ولا على النساء المرضعات أو الحائض.
يمكن أن يحدث الصيام الأول في شهر رمضان بين سن 12 و15 عامًا. في العائلات ذات الثقافة الإسلامية، يتم إعداد الأطفال أحيانًا بتقديم صيام قصير لمدة بضعة أيام، بدءًا من سن السابعة. ويجوز قضاء الأيام التي فاتتك في وقت لاحق من العام. ويُطلب من الذين لم يتمكنوا من تلبية هذا الشرط أن يساهموا بإطعام الفقراء والمحتاجين.
ما هي اللحظات الرئيسية؟
هناك وقتان مهمان يميزان شهر رمضان: ليلة القدر (في اليوم السابع والعشرين من رمضان) وعيد الفطر الذي يمثل نهايته.. "ليلة القدر"، التي وصفت بأنها "خير من ألف شهر" في سورة 97، تتوافق مع أول نزول للقرآن الكريم عن طريق الملاك جبريل على النبي محمد. وفي هذه المناسبة، يصلي العديد من المسلمين الليل كله أو جزء منه ويجتمعون في المساجد.
عيد الفطر، وهو نهاية شهر رمضان، يأتي في اليوم الأول من الشهر القمري التالي. وهو يعد واحدا من أعظم المهرجانات المعترف بها في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مع العيد الكبير الذي يحيي ذكرى تضحية إبراهيم.
في يوم عيد الفطر، من المعتاد ارتداء أفضل الملابس، وزيارة الأهل والأصدقاء ومشاركة وجبة كبيرة معهم. يتم إعطاء الأطفال الهدايا. ويعتبر اليوم الأخير من شهر رمضان فرصة لإخراج زكاة الفطر للمحتاجين والفقراء. ويجب أداؤها قبل صلاة العيد.
ما هو المعنى الروحي للصوم؟
بالإضافة إلى الجوانب الجسدية البحتة للصيام، فإن شهر رمضان هو أيضًا شهر التقوى العميقة والعبادة التي تهدف إلى تنمية قدرة المؤمن على التحمل، ولكن أيضًا صبره. إن المعنى الروحي للصوم يدعونا إلى تطهير أنفسنا، والتوجه نحو الله، وكذلك الانفصال عن الخيرات المادية من أجل تذكر ما هو ضروري. يعتبر شهر رمضان وقتًا للكرم وإظهار الإيثار.
كي يكون الصوم "مقبولاً" أو "مُثبتاً" عند الله، من الضروري أن يمارسه المؤمنون بجدية وإخلاص، وليس بطريقة آلية.
وأخيرا، فإن شهر رمضان هو الفترة التي يتجمع فيها المسلمون. ولهذا السبب فإن هذه الظاهرة لها بعد اجتماعي قوي للغاية، وخاصة بين أفراد المجتمع الذين لا يعيشون في بلد إسلامي.
كم عدد المسلمين فى فرنسا الذين يصومون؟
وفقًا لتقديرات مركز بيو للأبحاث، كان هناك 5.7 مليون مسلم في فرنسا في عام 2016. وفي عام 2019، قالت أغلبية (66%) من المسلمين الفرنسيين إنهم صاموا رمضان طوال مدته (وفقًا لدراسة أجراها قسم أبحاث ستاتيستا عام 2020).
مصلون على مدخل المسجد الكبير فى باريس
مسجد ليون
ليكسبريس: الرصد بالعين المباشرة وسيلة رئيسية لتأكيد رؤية الهلال عملاً بحديث النبي "صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته"
على قمة تلة جبلية في قلب الصحراء السعودية، يراقب عبد الله الخضيري ظهور الهلال بعد غروب الشمس، وهو طقس ديني يمثل بداية شهر رمضان بالنسبة لملايين المسلمين.
أصبحت الحسابات الفلكية الآن قادرة على تحديد بداية الأشهر الإسلامية مسبقًا، اعتمادًا على التقويم القمري، لكن المؤسسات الدينية في معظم الدول الإسلامية، بما فيها المملكة، موطن أقدس المواقع الإسلامية، لا تزال تعتمد رسمياً على المراقبة بالعين المجردة لاتخاذ قراراتها، كما كان يحدث في زمن النبي محمد.
وقال الخضيري الذي يرأس المرصد الفلكي الوحيد في البلاد، مرصد المجمعة، على بعد 165 كيلومتراً شمال الرياض، لوكالة فرانس برس إنه يشعر بمسئولية كبيرة ، حيث تسمح شهادة هذا الرجل البالغ من العمر 58 عاماً، وشهادة عشرات المجموعات الأخرى من الناس في مختلف أنحاء المملكة، للسلطات الدينية السعودية بتحديد تاريخ بدء الصيام.
ويوضح بفخر: لا يكفي أن يقول أي شخص "رأيت الهلال"؛ بل يجب أن يكون رجلاً عاقلاً، رزيناً، بالغاً، معروفاً بعدالته، حتى تُقبل شهادته.
وعملت فرقه منذ الصباح للتحضير للحدث الأهم في العام. ثم قام الخضيري بإخراج المنقلة ورسم خطوط على ورقة بيضاء للإشارة إلى اتجاه القمر، قبل أن يقف بجوار تلسكوب، محاطًا بعدد من المراقبين الشباب.. وبعد دقائق قليلة من غروب الشمس، رأى الهلال. وكتب متبادلاً التهاني مع بقية المجموعة: "غداً (السبت) أول أيام شهر رمضان". وتم بعد ذلك إرسال التقرير إلى المحكمة العليا السعودية، لتعلن عن بدء شهر رمضان.
ويقول عبد الله الخضيري إنه ورث شغفه بعلم الفلك من والده، الذي كان يرافقه في رحلاته العديدة إلى الصحراء، وأضاف أن القدرة على رؤية الهلال بالعين المجردة تعتمد على حدة البصر والقدرة على التمييز بين الألوان والتركيز.. وهى صفات يقول إنه يحافظ عليها من خلال تجنب الشاشات. وتابع قائلاً: أنا لا أستخدم الهاتف إلا للمكالمات ولا أفتح الكمبيوتر.
لكن الاعتماد على مراقبة الهلال لتحديد بداية الأشهر الإسلامية يثير جدلاً كبيراً حول العلاقة بين الدين والعلم في الإسلام. وتقوم المراصد الفلكية حول العالم، مثل مرصد المجمعة، برصد دورة القمر منذ سنوات، لكن هذا لا يمنع عبد الله الخضيري من الدفاع عن ضرورة رؤية القمر بالعين المجردة، كما نصت عليه الشريعة الإسلامية. ويقول إن الحساب الفلكي يوفر معلومات يمكن استخدامها لرصد الهلال ومعرفة مكانة في تلك اللحظة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، قالت السلطات إنها تستخدم طائرات بدون طيار مزودة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة الهلال هذا العام. وأكدوا أن هذه التقنية توسع مفهوم الرصد البصري المباشر، الذي يبقى الوسيلة الرئيسية لتأكيد رؤية الهلال، عملاً بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم "صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته".
مدير مرصد المجمع الفلكي السعودى، وأعضاء فريقه يستطلعون أول هلال يبشر ببدء شهر رمضان
ليبراسيون: لحظة مقدسة بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم
إنها لحظة مقدسة بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وللمسلمين الذين يمارسون شعائرهم الدينية في فرنسا والذين يبلغ عددهم حوالي خمسة ملايين مسلم. بدأ شهر رمضان، أحد أركان الإسلام الخمسة، إلى جانب الصلاة والزكاة والحج إلى مكة والشهادة، رسميًا يوم السبت الموافق الأول من مارس.
هناك طريقتان لتحديد مواعيد شهر رمضان. تقضي العادة بأن يتم تحديد بداية ونهاية الشهر في "ليلة الشك"، من خلال رصد السماء، للتأكد من وجود الهلال الذي يشير إلى دخول الشهر التاسع في التقويم الإسلامي، وذلك باستخدام أدوات فلكية ومراصد منتشرة في عدة دول إسلامية، والتي تحافظ على هذه العادة.
أما الطريقة الثانية فهي تعتمد على حسابات علمية تسمح لنا بالتنبؤ مسبقاً بمئات السنين بموعد ظهور الهلال الجديد. هذه الطريقة المعتمدة رسميا في تركيا وماليزيا، يتم تطبيقها بشكل متزايد في البلدان الإسلامية الأخرى، وفقاً لعالم الدين وعالم الاجتماع عمرو مارونجيو بيرييا. منذ عام 2013، أصبحت مواعيد الصيام التقليدية معروفة مسبقًا في فرنسا، وذلك بفضل هذه الطريقة الجديدة للحساب التي تبناها بشكل أحادي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو الهيئة المسئولة عن تمثيل المسلمين في فرنسا. ثم يأتي بعد رمضان عيد الفطر، أو "مهرجان كسر الصيام"، والذي يتم الاحتفال به في اليوم التالي لآخر يوم من شهر رمضان.
استعدادات أحد المطاعم لأول يوم رمضانى فى باريس
لوفيجارو: الامتناع عن الأكل والشرب بمجرد "تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود" وحتى غروب الشمس
بدأ شهر رمضان، شهر الصيام والصلاة والمشاركة بالنسبة للمسلمين، يوم السبت في فرنسا، حسبما أعلن الجامع الكبير في باريس يوم الجمعة على لسان إمامه. وقال رئيس الجامع الكبير، شمس الدين حافظ، في بيان صحفي خلال حفل بث على منصة ×: "يسر المجلس الإسلامى في فرنسا المجتمع في المسجد الكبير في باريس أن يؤكد أن شهر رمضان المبارك 1446-2025 يبدأ في فرنسا يوم السبت 1 مارس 2025"،
وقال إمام المسجد الكبير في مقابلة صحفية الجمعة إن "شهر رمضان أصبح يحظى باهتمام متزايد من قبل المؤمنين. وأضاف "نقدر أن 70% من المسلمين يهتمون الشهر الكريم ويلتزمون بفرائضه"، حتى ولو أن "الإحصائيات الدقيقة غير موجودة". وفي البيان الصحفي الذي قرأه حافظ، دعت الاتحادات الإسلامية في فرنسا "السلطات إلى ضمان أمن المساجد وغرف الصلاة وجميع أماكن العبادة الإسلامية خلال هذه الفترة المهمة للغاية لجميع المسلمين في فرنسا". كما أعربوا عن أملهم في أن يكون هذا "الشهر المبارك فرصة لتعزيز التضامن وتوفير السلام والوحدة بين مختلف مكونات المجتمع الوطني".
خلال صوم شهر رمضان، أحد أركان الإسلام الخمسة، يُطلب من المؤمنين الامتناع عن الشرب والأكل والتدخين والعلاقات الجنسية، من الفجر (عندما يتمكن المرء من "تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود" كما يقول القرآن) حتى غروب الشمس. يعتبر شهر رمضان هو الوقت الذي يتم فيه تقديم تبرعات كبيرة للمساجد وقاعات الصلاة. ويطلب من المسلمين دفع الصدقات للفقراء، إلى جانب زكاة الفطر الواجبة. والمعروف أن الإسلام هو الديانة الثانية في البلاد والجالية المسلمة الفرنسية هى الأولى في أوروبا.
مسلمون يؤدون الصلاة في أحد مساجد ستراسبورج