خالد فضل

تنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا من يوم 27 مايو إلى نهاية الشهر فعاليات المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المعروفة اختصارا بـ (تقدم), وكما هو معلوم فقد رأس اللجنة التحضيرية للتنسيقية د. عبدالله حمدوك رئيس الورزاء في الفترة الانتقالية التي انقلب عليها الشركاء في المكون العسكري بجميع عناوينهم، جيش, دعم سريع, حركات مسلحة, إضافة إلى بعض المدنيين من الذين يطالبون ويؤيدون الحكم العسكري, وهي ذات القوى التي تخوض الحرب ضد بعضها البعض الآن.

تنادت القوى ذات المصلحة في السلام والحرية والعدالة والديمقراطية وبناء السودان الجديد القائم على أسس المواطنة بكامل حقوقها وواجباتها دون تمييز أو انحياز لأي تبعيض من السودانيين/ات, تنادى هولاء النفر الكريم, وبلادنا بلادهم تتآكل بنيتها المعنوية وينهار بنيانها المادي, بسبب الحرب الطاحنة التي تدور منذ صباح 15 أبريل 2023م, بين رأسين اثنين عنوانا, هما القوات المسلحة والدعم السريع, فيما مجريات ويوميات وما قبل الحرب كلها مؤشرات تؤكد أنها حرب ضد مبادئ وقيم وشعارات وغايات الثورة السودانية المجيدة التي أطاحت برأس النظام الإسلاموي الفاسد وبدأت في تفكيك مكامن التمكين التالفة لاستعادة الوطن المخطوف إلى أهله جميعا دون احتكار.

الجبهة المدنية الكبيرة التي تعقد مؤتمرها التأسيسي, ليست هي كل القوى الديمقراطية بكل تأكيد, هكذا تقول كل الأدبيات الصادرة عن قياداتها وعلى رأسهم د. حمدوك نفسه, وهو أمر لا يحتاج إلى نقاش حوله, فهو تنسيق أو جبهة أو تحالف بين من يتوافقون على مبادئ وأهداف مشتركة, فليس في هذا الموضوع أي إقصاء لطرف, وصراحة أشعر بامتعاض شديد لورود هذه الكلمة (إقصاء) عند كل اختلاف في وجهات النظر أو أساليب العمل السياسي, لعل كثرة ورودها حتى في أدبيات من يفترض أنهم دعاة ديمقراطية مرده إلى أنها من مخلفات وأدبيات الاستبداد الطويل الذي تحكم في بلادنا لعقود متطاولة, وبالطبع الأنظمة الديكتاتورية تمارس الإقصاء فعلا لدرجة الإقصاء من الحياة نفسها بالقتل, المصطلح الديمقراطي الأفضل عندي هو (اختلاف), وقد قرأت كلمة مميزة لبعض لجان المقاومة موجهة لتأسيسية تقدم, عبروا فيها عن اختلاف ديمقراطي, وهو ما نرجو أن يسود كأدبيات مناهضة لخطاب الكراهية والإقصاء, كما أرجو أن تولى رسالتهم تلك الاهتمام الكافي ومناقشة ما ورد فيها ويتم الرد عليها بذات الأسلوب الديمقراطي ففي ذلك اعتبار معنوي وإن حدث الاختلاف حول المحتوى, نحن بحاجة فعلا بأن نتفهم الآخرين بأكثر من طلبنا منهم تفهمنا, لأن الأمر الأول في مقدورنا فعله أما الثاني ففي أيدي الآخرين.

على المستوى الشخصي بقدر سعادتي وتأييدي لخطوة (تقدم), وموافقتي على برنامجها المعلن الذي لا يحتمل الخلاف حوله في تقديري, وأبرز جوانبه, وقف الحرب, وإغاثة المنكوبين, واستعادة المسار الانتقالي الديمقراطي, والمحاسبة والعدالة, وبناء الدولة الوطنية على أسس جديدة بما في ذلك مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية.. إلخ هذه المبادئ والأسس وردت في كثير من أدبيات التحالفات السابقة والاتفاقات المبرمة بصورة أو أخرى, ولكن تبقى المعضلة دوما في آفة التحالفات السودانية النيّرة هي آفة الحدود الدنيا من ناحية, وآفة عقلية اللجنة كما أسميتها من قبل في واحد من كتاباتي, عقلية اللجنة تتمثل ببساطة في أنّ أكثر من 500 فرد يختارون بوعي منهم وإدراك واتفاق لجنة من 50 شخصا مثلا تشكل مجلسا ما ثم يتم اختيار المكاتب التنفيذية بما في ذلك الرئيس, وعددهم أقل بكل تأكيد وفي نهاية المطاف ينحصر العمل كله في شخصين أو ثلاثة, تتحول الجمعية العمومية إلى جمعية ناقمة ناقدة كسولة وخاملة, ولجنة الخمسين إلى شراذم, والمكاتب إلى هواة تبكيت ومظلومية من التهميش, هذه آفة ظلت مع الأسف تلازم عملنا في الفضاء العام الذي ننقل إليه نواقصنا رغم كوننا كأفراد نفيض بالفضائل!! كيف تتجاوز تقدم هذه المثبطات ونستفيد من أدواء ومنغصات ومنقصات عجز القادرين على التمام, هذا تحدي أمام هولاء النفر ومؤسساتهم المدنية الديمقراطية, كيف نحول نغمة الحرب ونتائجها الباهظة وانتهاكاتها الفظيعة والبشعة إلى فرصة حياة جديدة تؤكد أن شعبنا مثل طائر الفينيق الأسطوري ينهض من بين الرماد محلقا من جديد, كل التحية والإحترام لهولاء السادة/ات الذين تجردوا بإنسانية مفعمة وروح وطنية مخلصة لإنارة طريق وسط عتمة الواقع الغشوم, وإيد على إيد تجدع بعيد, كلنا مع التقدم ضد التخلف, مع السلام ضد الحرب, نتفق أو نختلف مع التنسيقية يبقى الاحترام.

 

الوسومأنهاء الحرب البرهان وحميدتي تنسيقية تقدم حرب السودان خالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أنهاء الحرب البرهان وحميدتي تنسيقية تقدم حرب السودان خالد فضل

إقرأ أيضاً:

معركتنا الوطنية في خطر

مشكلة الجنوب انه ما زال يعيش في الماضي، وتتربع سدة ادارته قوى منشغلة باستدعاء الماضي، وإعادة ترتيب ادواته، وكأنها تسير على برنامج الإبقاء على أدوات الصراع والتناقضات، هذا الاستدعاء لمنعطفات تاريخية كانت قد حسمت هو العجز الواضح في انتاج حلول ومخارج حقيقية للازمة.

ومرد ذلك الى عاملين عدميين، الأول يتعلق بصعوبة قراءة المشهد السياسي المعقد ومالاته الأخيرة التي بنيت على خرافات وغيبيات غريبة عن الواقع، والثاني محاولات لي عنق الحقائق الجيوسياسية، وجرها عنوة باتجاهات انتهازية، يسعى أصحابها الى الاصطياد في الماء العكر، واستغلال التحولات في سبيل الترويج لأحلام وردية بحامل فئوي ضيق عفى عليه الزمن، على حساب مصالح الكتلة السكانية الأكبر وأحلامها في بناء مجتمعات ديمقراطية، تؤمن لمكوناتها الحرية والعدالة والكرامة والعيش الكريم .

ما نشهده في الواقع هو مخاض سمته البينة معاندة مسار التاريخ والتغيير والمنطق الاجتماعي، تديره قوى من الصعب تسميتها بنخبة، لأنها برزت من القاع ولا تملك أي تجربة، وغير قادرة على استقطاب العقول والكفاءات وذوي المهنية، فهي تبحث عن مناصرين تابعين، وتستهوي البطانة التي يجب ان تكون من نفس الصنف وفي مستوى نفس العقلية، ولن تجدهم الا في ذوي القربى والمنطقة والقرية، ولهذا لن نرى سوى خطاب ومقولات لن تنتج غير الويلات وتعزيز الفرقة والتشرذم ، وترسيخ الصراع المعزز للحروب العبثية، فلا تغيير مشهود، غير عودة النظام الاستبدادي بصور مختلفة، يدفع لخسارة القضايا الوطنية والقومية تباعا، ويسحق تطلعات الناس في الحرية والديمقراطية، فلا غرابة ان نشهد تربع العقليات الانتهازية والانانية، وسلوكيات مرفوضة وفساد مستشري وانتهاكات وظلم وقهر.

ومن السخرية ان نشهد قرارات، وترويج اعلامي كبير لها، وفي فترة قصيرة يتلاشى كل شيء ويصاب الناس بالخذلان، ومع وجود تابعين تم توظيفهم للمناصرة، وغير قادرين على التحرر، وليس باستطاعتهم التضحية بنعيم العيش والمال، ولهذا تضيع علينا الفرص الذهبية للتغيير والتحول لتحقيق أحلام العامة من المطحونين، الذين كانوا منهم .

كثرت المجالس والتشكيلات، وكلها تستهدف فكرة الدولة الوطنية, وبغباء يعتقد أصحابها انهم يمكن ان يفرضوا على الناس انفسهم، بالقوة والاحتيال.

يبحث البعض في قاموس المصطلحات التي روج لها هؤلاء، فيجدها متناقضة، بدأت بالدولة المدنية، وجنوب يستوعب كل أبنائه، وانتهت باستدعاء أدوات ما قبل الدولة الوطنية، عادوا يبحثون عن اصطفاف قبلي وترتيب مشايخي، كما يروج إعادة الاعتبار للسلاطين والامراء، ويضربون الاصطفاف الوطني بالصميم، بمعنى عودت الاسياد والعبيد، وإعادة الاعتبار لقوى الثورة المضادة وضرب القوى الوطنية.

ومن الوهلة الأولى عرف العقل الفطن ان التدخل الخارجي لن ينتج دولة وطنية، بل سيسعى لتنفيذ سلطة شبيه له ومسلوبة الإرادة، ادواتها دمى تحركها لتنفيذ المخطط، فلا غرابه ان نشهد عودة مشاريع استعمارية، وترتيبات توحي بمعالم الدولة الغير وطنية، ومبررات سخيفة  كإعادة الاعتبار للقوى الاقطاعية، وضرب القوى الوطنية.

معالجة الماضي لا يعني ان تضرب ثورة أكتوبر، وتضحيات المناضلين والكفاح المسلح، ومخارج هذه التضحيات الجسام وهي الدولة الوليدة، مهما شابها من مساوئ واخطاء، يجب إصلاحها في الاطار نفسه، لا تنحر تلك الدولة وتدفن مع كل الشهداء والمناضلين الذين قدموا حياتهم قربانا لتحرر، وبعضهم دفن حيا  من اجل ان تعيش الامه، في مؤامرة قذرة نشهد اليوم خيوطها الأخيرة وهي تلف حول الوطن والشعب، بدعم  القوى الرجعية والصهيونية للقضاء على أحلام الناس وتطلعاتهم.

ولله في خلقه شئون

مقالات مشابهة

  • القوّات في مواجهة حزب الله أم القوى المسيحية؟
  • ورقة ملتقى أيوا للسلام والديمقراطية
  • معركتنا الوطنية في خطر
  • اختلاف سياسة أميركا الخارجية بعهد ترامب.. هل تتخلى واشنطن عن قيادة العالم؟
  • الفياض: قانون الحشد الذي سيشرع قريبا يمثل خطوة جديدة في إعادة تأسيسه
  • البرلمان العراقي يوصي الحكومة بإرسال قانون الخدمة المدنية وتثبيت العقود
  • الزمالك في مرمى النيران.. أول تعليق من الكاف على إقصاء الأبيض من الكونفدرالية
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • بعد إقصاء الهلال السوداني.. بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة قادمة من موريتانيا «صور»
  • العبيد يكشف سبب اختلاف توقيت مباراة النصر ويوكوهاما عن باقي المباريات.. فيديو