بيروت- انتهت، الاثنين، في العاصمة البلجيكية بروكسل أعمال المؤتمر الثامن لـ "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، وكان عنوانه الأبرز، رفض أوروبا تسهيل عودة أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري هجّرتهم الحرب منذ 2011، إلى دول عدة في طليعتها لبنان والأردن وتركيا والعراق.

وتلقت معظم الأطراف السياسية اللبنانية، باستياء، موقف الاتحاد الأوروبي، الذي اختصره مسؤول سياسته الخارجية جوزيب بوريل بالقول: "الظروف الحالية لعودة آمنة وطوعية إلى سوريا ليست متاحة".

وبينما رمى بوريل الكرة في ملعب الرئيس السوري بشار الأيسد، لأن نظامه "يتحمل المسؤولية الأساسية بتحقيق شروط العودة"، كما قال؛ أكد الموقف اللبناني المضي في إجراءات إعادة أكثر من مليوني لاجئ سوري.

ويستضيف لبنان أعلى نسبة لجوء عالميا، قياسا لمساحته (10 آلاف و452 كيلومتر) وعدد سكانه (نحو 4.5 ملايين نسمة).

الأمن اللبناني يشرف على عملية إعادة لاجئين سوريين إلى سوريا (الفرنسية) تحذير صريح

ومن بروكسل، تقاطع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب مع قول نظيره الأردني أيمن الصفدي إن الاتحاد الأوروبي "يتخلى عن البلدان المضيفة للاجئين السوريين"، فوجّه الأول تحذيرا صريحا. وفي تلميح لهجرة السوريين بحرا من لبنان إلى أوروبا، قال بو حبيب "عندما يصاب لبنان بالرشح ستصاب أوروبا بالعدوى وسنتحول جميعا إلى ضحايا".

وأعلن مؤتمر بروكسل عن تقديم نحو 2.2 مليار دولار للاجئين السوريين بين عامي 2024 و2025، سيخصص منها 560 مليون يورو لدعم اللاجئين في سوريا ولبنان والعراق والأردن، ومليار يورو أخرى لتركيا.

ولم تُعرف بعد الحصة النهائية للبنان من المبلغ، علما أنه سيتسلم مساعدة أوروبية بقيمة مليار يورو حتى عام 2027، وفق ما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الثاني من مايو/أيار الجاري.

وأثارت هذه الهِبة سجالا سياسيا، بين مؤيدين ورافضين لها بوصفها "رشوة"، لأن إعلان فون دير لاين عنها جاء أثناء مرافقتها لرئيس قبرص نيكوس كريستودوليدس، الذي زار بيروت عقب تصدي نيقوسيا لنحو 5 قوارب لاجئين سوريين، انطلقت من شمال لبنان منتصف أبريل/نيسان الماضي.

وأطلق الأمن العام اللبناني، في 14 مايو/أيار الجاري، قافلة ضمت قرابة 330 لاجئا سوريا، بالتنسيق مع المفوضية والجانب السوري، وكانت مؤشرا سلبيا على صعوبة جذب السوريين إلى قوافل العودة.

تصعيد حكومي

وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، الثلاثاء، جلسة لبحث موقف بلاده في بروكسل والخطوات التي ستليه. وقال ميقاتي إن لبنان قدم -لأول مرة- خطة عمل لتنظيم ملف السوريين، تتبناها الحكومة ويدعمها البرلمان، وقوامها إعادة اللاجئين ضمن مهل زمنية محددة.

وخلصت الجلسة الحكومية إلى تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الحكومة السورية، سيتم تقريرها بالجلسة المقبلة.

ومن بروكسل، وجه وزير خارجية لبنان اللوم إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واتهمها بالتسويف والمماطلة، في تقديم كامل معلومات اللاجئين السوريين لديها للدولة اللبنانية.

وأعلن عن رغبة التعاون مع المجتمع الدولي لتنفيذ رؤية لبنان وفق نقاط عدة من بينها:

تخصيص الإمكانيات الدولية اللازمة للأجهزة العسكرية لضبط الحدود البرية وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية. التزام لبنان بعدم الإعادة القسرية للاجئين. المطالبة بالتعويض العادل للدولة اللبنانية، كوسيلة مؤقتة، عبر دعم مؤسساتها نتيجة الأعباء الجسيمة المقدرة بنحو 100 مليار دولار. تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء بإعادة توزيع اللاجئين على دول أخرى، لمن يتعذر إعادته إلى سوريا. أي سوري مسجل يغادر لبنان بشكل غير قانوني بحرا أو برا، يجب أن تُنزع عنه صفة اللجوء لدى المفوضية.

ويرى مراقبون أن ثمة اختلافا بوجهات النظر الأوروبية، حيث تصر مجموعة دول أبرزها فرنسا وألمانيا، على مواصلة القطيعة مع النظام السوري أو لا تسمح بعودة السوريين، في مقابل رغبة دول أخرى بإعادة النظر في ملف اللجوء، وعلى رأسها دول جنوب أوروبا، التي تواجه تحدي التصدي لقوارب المهاجرين من لبنان، مثل قبرص واليونان وإيطاليا.

واستطلعت الجزيرة نت مواقف بعض القوى السياسية من نتائج مؤتمر بروكسل، مع كل من نائب "حركة أمل" محمد خواجة، ونائب "التيار الوطني الحر" سيزار أبي خليل، ومسؤول جهاز الإعلام في "حزب القوات اللبنانية" شارل جبور.

لبنان يستضيف أكثر من مليوني لاجئ سوري (الفرنسية) قضية سيادية

ينطلق نائب حركة أمل من كلفة اللجوء السنوية التي تتجاوز المليار و700 مليون دولار. إذ يمكن تتويج لبنان كدولة تشهد على أكبر معدل لجوء بتاريخ البشرية، وفق تعبيره، فلا يوجد بلد آخر يستضيف مقدار نصف عدد سكانه منذ 13 عاما.

ويعقّب على مؤتمر بروكسل قائلا إن القضية سيادية بالنسبة لهم، ولن يسمحوا بإملاء ما يجب عليهم فعله، وإنهم -ولأول مرة- بحالة إجماع سياسي على ضرورة إعادة اللاجئين إلى بلدهم ولن يتراجعوا رغم التمايز بالمواقف.

ويتحدث خواجة عن 3 أطراف معنية بملف اللجوء السوري في لبنان: وهي الدولة اللبنانية، ونظيرتها السورية والمجتمع الدولي. ومع غياب التجاوب من الأخير، "فمن حقنا التنسيق المباشر مع دمشق، وهو ما نفعله"، وفق قوله.

ويؤيد دعوة الأمين العام لـحزب الله حسن نصر الله، إلى فتح البحر اللبناني أمام قوارب اللاجئين السوريين نحو أوروبا، "لأنها تتخذ إجراءات انتهازية بحقهم وبحق السوريين لحماية دولها من المهاجرين".

ويوضح النائب خواجة أن مؤتمر بروكسل لم يدعُ الجانب الأميركي إلى رفع عقوبات "قانون قيصر"، علما أنه كفيل ببدء الحل السياسي وبعودة السوريين، الذين دفعتهم العقوبات إلى الهجرة الاقتصادية نحو لبنان، برأيه.

خيبة أمل

من جانبه، يعتبر نائب التيار الوطني الحر أن مؤتمر بروكسل كرس نهج الضرر بمصلحة لبنان، "بينما نجد أن سوريا آمنة، وليس دورنا أن نتحول إلى أداة أوروبية للضغط على الحكومة السورية"، حسب قوله. ويتحدث عن عمل تشريعي جارٍ بأروقة البرلمان، لإقرار قوانين إضافية تلزم الإدارات والأجهزة الأمنية بإعادة السوريين.

ويلفت أبي خليل إلى أن تياره لن يترك الساحة الخارجية، وأنهم يتواصلون مع سياسيين أوروبيين يعارضون نهج الاتحاد بإدارة ملف اللجوء، ويسعون إلى توسيع دائرة المؤيدين لموقفهم. ويعرب عن استغرابهم كفئة سياسية وطائفية، من "قبول فرنسا وألمانيا، كصديقتين للشعب اللبناني بتهديد هوية لبنان ووجوده وديمغرافيته".

ويقول إن لبنان "لن يعمل خفر سواحل بخدمة حماية دول جنوب أوروبا من قوارب المهاجرين على حساب سيادته".

من جهته، يفيد مسؤول جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، بأن لبنان اتخذ قرارات عملية، أمنيا وبلديا لإخراج كل سوري غير قانوني. وعبّر عن خيبة أمل القوات من مؤتمر بروكسل، قائلا "كنا نأمل لو أعلن تعزيز دعم السوريين ببلدهم".

وتحدث عن تصاعد المخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية والديمغرافية داخل لبنان، واعتبر أن "ثمة تمييزا لديهم بين الموقف السياسي الثابت وغير المتردد ضد النظام السوري وحليفه حزب الله"، لذا "ندعو إلى إعادة اللاجئين حتى يتحملوا مسؤولية ونتائج الحرب التي تسببوا بها"، وفق تعبيره.

وبرأي جبور، فإن نسبة كبيرة من السوريين بلبنان تؤيد النظام السوري، ودعاها إلى العودة إلى مناطقه. في حين تعتبر منظمات حقوقية أن نتائج الخطاب المعادي للوجود السوري ستكون كارثية على الشعبين، وسط انسداد أفق الحل في لبنان وسوريا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مؤتمر بروکسل

إقرأ أيضاً:

الجزيرة نت تفتح ملف المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني

يعدّ المعتقلون السوريون في سجن رومية -أكبر سجون لبنان ويقع شمال شرق بيروت– الذين تم توقيفهم على خلفية مواقفهم المؤيدة للثورة السورية جزءا لا يتجزأ من قضية "ملف الموقوفين الإسلاميين" في لبنان.

ويشمل هذا الملف مئات المعتقلين من جنسيات مختلفة، من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين الذين احتجزوا على مدار السنوات الماضية بتهم متنوعة، بعضها يرتبط بالصراعات الإقليمية والأحداث الأمنية في لبنان.

وفي بيان لهم، أعلن معتقلو الرأي السوريون بالسجون اللبنانية الثلاثاء 11 فبراير/شباط دخولهم في إضراب عام عن الطعام، ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مصادر من داخل السجن ذكرت أن "الإضراب سيستمر ولن يتم فكه إلا حين تُولي حكومة أحمد الشرع الأهمية لملفهم المنسي".

ومع التحولات الكبرى التي حدثت في سوريا والتي رفعت آمال المعتقلين السوريين بترحيلهم إلى بلادهم، حيث يصفون ظروفهم في سجن رومية بأنها "صراع يومي للبقاء على الحياة"، تعرض الجزيرة نت في هذا التقرير شهادات لبعض الموقوفين السوريين في هذا السجن، الذين تمكنت من التواصل معهم خلال اعتقالهم.

داخل جدران الزنزانة

يتحدث السجين السوري محمد العمران -اسم مستعار- عن التعذيب الذي تعرض له ومعاناته المستمرة داخل السجن، حيث لا يزال يدفع ثمن مواقفه رغم تغير الظروف التي قادت إلى اعتقاله.

إعلان

كان العمران مقاتلًا مع الجيش الحر في منطقة القلمون بريف دمشق، وعندما اجتاحت قوات النظام السابق المدينة لجأ العديد من المقاتلين إلى لبنان، وكان من بينهم.

وفي عام 2014، أوقفه الجيش اللبناني في مدينة عرسال (بلدة لبنانية في قضاء بعلبك) واقتاده إلى أحد الفروع الأمنية حيث خضع لتحقيق مكثف استمر 15 يوما، واستمر اعتقاله حتى اليوم.

بدوره، يصف فارس الأحمد، وهو سجين سوري آخر، الأوضاع في السجن بقوله إن السجناء "يفتقرون إلى أدنى مقومات العيش الكريم، فالاكتظاظ الشديد يجعل التنفس صعبًا فالمكان المخصص لشخصين ينام به 5، وسوء التهوية يزيد من قسوة المكان".

يقول الأحمد، خلال اتصاله المحاط بالحذر الشديد بالجزيرة نت، إن المرضى يُتركون من دون علاج، والطعام شحيح ورديء، والمياه بالكاد تكفي، كما لا يسمح لهم بالتواصل مع عائلاتهم. ويضيف "كأننا محكومون بالعزلة كما نحن محكومون بالسجن. في ظل هذه الظروف القاسية، باتت الحياة هنا مجرد صراع يومي من أجل البقاء".

العمران هو واحد من مئات السوريين الذين اعتقلوا في لبنان بتهم تتعلق بالإرهاب، حيث تعرضوا للتعذيب والضرب داخل السجون اللبنانية، نتيجة لمواقفهم المعارضة للنظام السوري البائد، وفقًا لتقارير من منظمات أممية.

تقرير طبي يوضح طرق تعرض المساجين للتعذيب (الجزيرة) اكتظاظ وظروف صعبة

تبلغ الطاقة الاستيعابية لسجن رومية 1200 سجين، لكنه يضم حاليا نحو 4 آلاف، وفقا لنقابة المحامين في بيروت.

ويؤكد مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح أن الاكتظاظ أدى إلى تدهور كبير في مستوى النظافة والخدمات داخل السجن، والدولة اللبنانية تعاني من عجز كبير في تأمين الغذاء للسجناء.

وتتفاقم معاناة السجناء بسبب غياب الخدمات الصحية بشكل شبه كامل، فالدولة غير قادرة على توفير العمليات الجراحية أو العلاج اللازم داخل السجن، وفي حين يتوفر للسجناء اللبنانيين بعض الدعم من عائلاتهم لتأمين المال يفتقر غيرهم إلى هذا الدعم.

إعلان

وقد تم توثيق وفاة 29 سجينًا في عام واحد -وفقا للمحامي صبلوح- بسبب الإهمال الطبي، بينهم سوري لم يتمكن من تأمين 7500 دولار لإجراء عملية قلب مفتوح.

وكمثال على هذه المعاناة، فقد انتشر في وقت سابق مرض جلدي بين السجناء، ولم تتمكن إدارة السجن من توفير طبيب، مما دفع السجناء أنفسهم إلى جمع الأموال واستقدام طبيب على نفقتهم الخاصة.

ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد توفي عدد من المعتقلين داخل السجون اللبنانية بسبب الإهمال الطبي وغياب الرعاية الصحية اللازمة، من ضمنهم بحسب التقرير:

فارق صلاح حيدر (42 عامًا) فارق الحياة في سجن رومية بتاريخ 22 أغسطس/آب 2022، فقد أظهر تقرير طبي شرعي أن سبب الوفاة كان سكتة قلبية، مع معاناته من التهابات جلدية حادة، ورغم تدهور حالته وطلبه علاجًا طبيا عاجلًا لم يتلقَّ أي استجابة من الحراس طوال 4 أيام حتى وافته المنية قبل نقله إلى المستشفى. خليل طالب (34 عاما) في 21 أغسطس/آب 2022 توفي في سجن رومية أثناء توقيفه على ذمة التحقيق. وكان يعاني من داء السكري، وتدهورت حالته سريعًا بسبب عدم توفر العلاج إلا بدفع مسبق من عائلته. ورغم متابعة شقيقه الطبيب لحالته أثناء احتجازه في سجن بعبدا، مُنع من ذلك بعد نقله إلى رومية، مما أدى إلى تفاقم وضعه حتى وفاته.

وكانت وزارة الداخلية قد أكدت في تصريحات سابقة أن السجون تعاني من 3 مشكلات رئيسية: الاكتظاظ، ونقص الغذاء، وتردي الخدمات الطبية. وأشارت إلى أن 79% من السجناء لم تصدر بحقهم أحكام بعد، في حين أن 43% منهم من غير اللبنانيين.

وقدمت اقتراحًا إلى البرلمان لتعديل مدة السنة السجنية، بحيث تُخفض من 9 إلى 6 أشهر، على أن يشمل هذا الإجراء جميع الجرائم لمرة واحدة فقط.

اعترافات تحت التهديد

من جهة أخرى، كشف تقرير منظمة العفو الدولية أن السلطات اللبنانية أجبرت المعتقلين على الاعتراف تحت التهديد أو التعذيب، حيث يضطر العديد منهم إلى توقيع محاضر اعترافات زائفة نتيجة لهذه الضغوطات.

إعلان

ويُستخدم هذا النوع من الاعترافات في المحاكم رغم أنه تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، مما يضعف نزاهة الإجراءات القانونية وينتهك حقوق الإنسان.

اتهم العمران بإطلاق النار على الجيش اللبناني، إذ أُجبر على التوقيع على محضر يعترف بمشاركته في القتال ضد الجيش اللبناني. يقول في حديثه للجزيرة نت "اتهمت ووقعت تحت الضغط رغم أنني لم أحمل السلاح يومًا داخل لبنان. تم تلفيق التهمة لي، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم ما زلت في غياهب السجون".

بعد 7 سنوات من الاعتقال، صدر الحكم بحق عمران بالمؤبد، ويرى أنه بعد الحكم "لم يتغير شيء، فالسنوات التي قضيتها في السجن جعلت الحكم مجرد إجراء شكلي لم يضف جديدًا إلى معاناتي. ابني اليوم عمره 11 عامًا ولم أره ولو مرة واحدة منذ اعتقالي".

التعذيب

أظهرت تقارير طبية، اطلعت عليها الجزيرة نت، أن فحوصات الطب الشرعي كشفت عن تعرض عدد من السجناء للتعذيب، فقد وُثّقت آثار ندبات عميقة، وعلامات واضحة على التعليق والضرب العنيف، بالإضافة إلى حروق تشير إلى سوء المعاملة الجسدية التي تعرضوا لها خلال احتجازهم.

ويروي المحامي صلبوح عن أحد الموقوفين السوريين في لبنان كيف تعرض خلال التحقيق للتعذيب الشديد، ومن ذلك استخدام الكهرباء في أعضائه التناسلية، إذ أُجبر تحت وطأة الألم على الاعتراف بتهم لم يرتكبها.

ووفق المحامي المتخصص في الدفاع عن المعتقلين السوريين، فإن هذه الانتهاكات ليست حالات فردية، بل تم توثيقها في تقارير حقوقية متعددة أكدت تعرض الموقوفين السوريين لضغوط نفسية وجسدية شديدة.

وفي بعض الحالات، وصل التعذيب إلى حد الوفاة، كما حدث مع الشاب السوري بشار عبد السعود (30 عامًا) الذي توفي متأثرًا بجراحه بعد تعرضه للتعذيب على يد عناصر من "المديرية العامة لأمن الدولة" في لبنان.

وقضى حكم قضائي صادر عن محكمة التمييز الجزائية اللبنانية برقم 33/2023، حصلت الجزيرة نت على نسخة منه، بتبرئة بشار ورفاقه الاثنين الذين أجبروا على تقديم إفادات بانتمائهم لمجموعات إرهابية في سوريا تحت وطأة التعذيب والضغوط.

تقرير طبي يكشف تعرض أحد المساجين السوريين في سجن رومية للضرب والتعذيب (الجزيرة) التوقيف الاحتياطي لسنوات

لا يختلف حال السعود عن حال الأحمد الذي يقبع في السجن منذ 9 أشهر من دون أن يُحسم مصيره، إذ تترتب على تهم الإرهاب عاقبتان حقوقيتان شديدتا القسوة، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية.

إعلان الأولى هي أن الحبس الاحتياطي للأشخاص المتهمين بالإرهاب لا يتقيد بمدة زمنية. الثانية هي أن المشتبه بهم المدنيين يُحاكمون أمام محكمة عسكرية، وهو إجراء ينتهك حقوق الإنسان ولا يضمن لهم محاكمة عادلة.

وتُشير الأرقام، وفق صلبوح، إلى أن إجمالي عدد السوريين المعتقلين في لبنان يقدر بين 1750 إلى 1800 شخص، تتنوع التهم الموجهة إليهم بين السرقة والتزوير والاختلاس وقضايا أخرى، و يُتهم حوالي 179 إلى 200 منهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، ونحو 170 محتجزون في سجن رومية، بينما يتوزع الباقون في سجون لبنانية أخرى.

ويقول المحامي صبلوح إن التأخير الكبير في المحاكمات يجعل البراءة عديمة القيمة بعد مرور سنوات، فقد قضى العديد من السوريين سنوات طويلة خلف القضبان. ويضيف أنه تم توثيق حالات لموقوفين أفرج عنهم بعد سنوات طويلة بتهم ثبت أنها غير صحيحة، وذلك ما يُظهر بشكل صارخ انتهاك حقوقهم.

وقد أفاد الشبان المعتقلون في سجن رومية، والذين تمكنت الجزيرة نت من التواصل معهم، بأن التحقيقات بمجملها كانت ترتكز على توجهاتهم السياسية وعلاقتهم بالثورة السورية.

ويتفق ذلك مع نتائج تقرير لمنظمة العفو الدولية كشفت فيه أن مسؤولي مخابرات الجيش اللبناني والقضاة وجهوا تهما لسوريين بالمشاركة في معركة عرسال ضد الجيش اللبناني أو بالانتماء إلى جماعات تصنفها السلطات اللبنانية إرهابية، مثل تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو الجيش السوري الحر أو غيرها من فصائل المعارضة المسلحة التي قاتلت النظام السوري السابق وحلفاءه.

وحصلت الجزيرة نت على نسخة من حكم قضائي صادر عن محكمة التمييز الجزائية عام 2018 يؤكد أن الجيش السوري الحر لم يُصنَّف قانونيا منظمة إرهابية في لبنان، وقد جاء هذا الحكم بعد أن اعتبر قاضي التحقيق العسكري أن المشاركة في القتال ضمن صفوفه تُعدّ عملًا إرهابيا، ورغم ذلك استمر القضاء العسكري في اتهام السوريين بالانتماء إلى "عصابة مسلحة"، مما يعكس تناقضًا قانونيا في التعامل مع هذه القضايا.

وثيقة تظهر عدم تصنيف الجيش السوري الحر قانونيا منظمة إرهابية في لبنان (الجزيرة) مطالب بالعودة

ينقسم الموقوفون السوريون في سجن رومية إلى فئتين رئيسيتين:

إعلان الأولى تضم لاجئين سوريين عاديين وجنودًا مقاتلين مع الجيش الحر، من الذين لجؤوا إلى لبنان هربًا من الحرب من دون أن يكون لهم أي نشاط عسكري داخله. الثانية تشمل مسلحين متورطين في معارك عرسال عام 2014، وعناصر متهمة بالمشاركة في تنفيذ تفجيرات انتحارية دامية، أودت بحياة مئات الضحايا بين قتيل وجريح.

وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن العديد من هؤلاء اللاجئين وجدوا أنفسهم معتقلين تعسفيا في لبنان، حيث واجهوا ظروفًا مشابهة لتلك التي هربوا منها خاصة بعد أحداث عرسال.

ومع تغير المشهد السوري، يطرح التساؤل عن مصير المعتقلين السوريين الذين سُجنوا بتهم الإرهاب بسبب ارتباطهم بالثورة السورية، إذ يطالب الموقوفون الإسلاميون في لبنان برفع الظلم عنهم وإغلاق ملفاتهم بشكل نهائي، داعين إلى إطلاق سراحهم بشكل عاجل.

صورة حصلت عليها الجزيرة نت من داخل سجن رومية (الجزيرة)

يقول سعيد، وهو اسم مستعار لأحد المعتقلين في سجن رومية ممن تواصلت معهم الجزيرة نت، إن المعتقلين لا يسعون لإثارة مشاكل مع إدارة السجن أو مع الحكومة اللبنانية، بل هدفهم الوحيد هو العودة إلى وطنهم.

ويضيف "نحن نتابع الأخبار، ونشعر بأن ملفنا لا يحظى بالاهتمام الكافي. كانت لحظة فتح السجون في سوريا لحظة فرح عارم لنا، وأصبح لدينا شعور قوي بأن الإفراج عنا مسألة وقت، وأن الإدارة الجديدة ستعمل على إرجاعنا إلى بلادنا بعد سنوات طويلة من الاعتقال".

ويشير إلى أنه رغم أن الظروف في سجن رومية ليست بدموية ما كان يجري في سجن صيدنايا، فإنها تستحق أن يُلتفت إليها.

ويضيف "نعيش مظلومية كبيرة، ونحن نعلم أن هناك آلافا من العائلات التي تنتظر عودة أبنائها، لكن يبدو أن ملفنا يسير ببطء شديد كأنما يمشي كالسلاحف. نطلب من الجهات المعنية أن تولي قضيتنا اهتمامًا رسميا".

السجناء يطالبون بالإفراج عنهم قبل حلول شهر رمضان (الجزيرة) مقترحات لتسوية الملف

وأكد المحامي نبيل الحلبي، رئيس مؤسسة لايف للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الخطوة الحاسمة الآن تقع على عاتق الإدارة السورية الجديدة، موضحًا أن هناك كتاب طلب استرداد يجب أن يُقدَّم رسميا من وزارة العدل السورية، وينقل عبر وزارة الخارجية والمغتربين السورية إلى السفارة اللبنانية في دمشق.

إعلان

وأضاف الحلبي أنه عند وصول هذا الكتاب إلى الحكومة اللبنانية المستقيلة دون تنفيذ الإجراء المطلوب فذلك يعني أن الأمر متعمد، مما يفتح باب التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء استمرار احتجاز المعتقلين السوريين في لبنان رغم التطورات السياسية الأخيرة.

وطالب المرصد اللبناني لحقوق السجناء بتشكيل لجنة حكومية مشتركة لتنفيذ الاتفاق الذي تم الإعلان عنه رسميا إبان زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق نجيب ميقاتي الأخيرة إلى دمشق، حيث نصّ على "استرداد كل المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية".

كما طالب المرصد مجلس النواب اللبناني بإقرار قانون العفو الذي تم تقديمه أخيرًا من قبل مجموعة من النواب والخبراء القانونيين، إذ إن ملفات السجناء السوريين واللبنانيين والفلسطينيين متشابكة ومن حقهم جميعا أن تتم مقاربة أوضاعهم من منطلق إنساني وليس من منطلق سياسي.

ويرى وزير العدل اللبناني الأسبق إبراهيم النجار أن الاتفاقية الموقعة بين سوريا ولبنان قابلة للتطبيق وتحقق الغاية المرجوة، ولكن في إطار القانون.

ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن نقل المساجين السوريين يجب أن يكون مشروطًا بتنفيذهم لعقوباتهم في سوريا حتى لا يفلتوا من العقاب.

ويعارض النجار الدعوات لتطبيق العفو العام، مشيرًا إلى أنه غالبًا ما يُمنح لدوافع سياسية أو دينية أو طائفية، وهو ليس من مؤيديه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2024 حثَّ تكتل "الاعتدال الوطني" البرلماني الحكومة اللبنانية والجهاز القضائي على التحرك الجاد والعاجل لإنهاء الظلم الواقع على الموقوفين في لبنان بتهم تتعلق بدعم الثورة السورية. وأكد التكتل التزامه بمتابعة هذا الملف باعتباره قضية وطنية ملحّة، مشددًا على ضرورة وضع حد لمعاناتهم.

وأعلن التكتل عزمه تقديم اقتراح قانون شامل للعفو العام إلى مجلس النواب، مع المطالبة بعقد جلسة تشريعية عاجلة لإدراجه على جدول الأعمال والتصويت عليه.

إعلان ضغط على السجون

يذكر أنه في عام 2022 كان المدير العام للأمن العام اللبناني آنذاك اللواء عباس إبراهيم قال خلال مؤتمر صحفي إن 42% من إجمالي المسجونين في لبنان هم من الجنسية السورية، وهو ما يمثل ضغطًا إضافيا على أوضاع السجون في البلاد.

أما على صعيد المواقف السياسية، فقد شدد وزير العدل اللبناني السابق اللواء أشرف ريفي في ديسمبر/كانون الأول 2024 على ضرورة إيجاد حل جذري لأزمة السجون قبل تفاقمها.

وأشار الريفي إلى أن وضع السجناء السوريين يتطلب معالجة إنسانية وأخلاقية، لا سيما بعد انتهاء حقبة نظام بشار الأسد.

كذلك اقترح إمكانية تسليم المحكومين السوريين إلى بلادهم بعد ضمان عدم تعرضهم للتصفية، مؤكدًا وجوب الإفراج عن كل من اعتقل في لبنان بسبب مواقفه السياسية المناهضة للنظام السوري.

ويطرح المحاميان اللذان تحدثت إليهما الجزيرة نت حلولًا قانونية في الجانب اللبناني لتصحيح المسار، وتشمل سنّ قوانين لتسوية أوضاع الموقوفين، وتعديل اتفاقيات تسليم السجناء بين لبنان وسوريا بما يسمح بترحيل المعتقلين السوريين في لبنان إلى سوريا، والقيام بإصلاح جذري للنظام القضائي اللبناني، خاصة في ما يتعلق بتعامله مع قضايا التعذيب والإرهاب.

مقالات مشابهة

  • الجزيرة نت تفتح ملف المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني
  • مفوضية أممية: ارتفاع نسبة اللاجئين السوريين الراغبين في العودة
  • الشيباني:الحكومة الجديدة ستمثل السوريين بجميع أطيافهم
  • ما مصير استثمارات السوريين في تركيا مع بدء العودة إلى سوريا؟
  • مفوضية أممية: ارتفاع نسبة اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة
  • ارتفاع كبير في نسبة اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة
  • عند الحدود اللبنانية.. الأمن السوري يسيطر على مصانع الكبتاغون ومنافذ التهريب
  • «مؤتمر باريس».. نحو 20 دولة عربية وغربية تتعهّد المساعدة على إعادة بناء سوريا
  • عماد الدين حسين: غياب الضمانات لتطبيق عدالة انتقالية شاملة في سوريا
  • كاتب صحفي: مؤتمر باريس لم يطرح حلولا واقعية لتمويل إعادة إعمار سوريا