قرية في غينيا الجديدة دُفن نصف سكانها أحياء ونشطاء يتفاعلون
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
ووقع الانهيار في الثالثة من فجر يوم الجمعة الماضي فأحدث دمارا هائلا، وهو لا يزال نشطا حتى الآن فيما تتواصل محاولات الإنقاذ من السكان وعمّال الإغاثة.
ولم تقتصر الكارثة على الأضرار المادية الناجمة عن الانهيار بل إن ما زاد من قساوة الحدث هو أن نصف السكان دفنوا أحياءً تحت الركام فيما أعلن المركز الوطني للكوارث رسميا وفاة أكثر من ألفي شخص حتى الآن.
ووصل عمق الحطام الناجم عن الانهيار الأرضي إلى 10 أمتار، وهو عبارة عن صخور كبيرة وأشجار وتربة منزلقة وطين بسبب تساقط الأمتار.
وتفاعل نشطاء على مواقع التواصل مع الواقعة، معربين عن أسفهم لدفن كثير من السكان تحت الأرض حيث قالت هند "للأسف العمليات الجارية في موقع الانهيار هي عمليات انتشال جثث وليست (عمليات) إنقاذ، لأن كل شخص غمره الركام (من المؤكد أنه) مات".
أما محمد فتحدث عن مخاوف شديدة تتزايد بشأن احتمال تفشي الأمراض بسبب الجثث المتحللة والمياه الملوثة في منطقة الانهيار الأرضي.
كما أعرب خيري عن ألمه بسبب توقيت الانهيار قائلا: "يا لطيف.. أشد ما آلمني في هذه الكارثة هو توقيتها، حيث انهار الجبل فجرا ومات الجميع وهم نائمون".
وبعيدا عن حالة التعاطف، ذهب عبد الله للحديث عن نقص الإمكانيات وتراجع الدور الحكومي بقوله: "لاحظت في الفيديوهات المنتشرة مجهودا محدودا من السكان المحليين لاستخراج الضحايا بأقل الإمكانيات والأدوات".
وتساءل عبد الله: "أين هي حكومة هذا البلد؟ وأين التدخل المناسب لإنقاذ أرواح الناس؟!".
حفر يدوي بحثا عن الجثثوبعد 4 أيام من الكارثة التي حلَّت ببابوا غينيا الجديدة، لم يستخرج سوى عدد قليل جدا من الجثث من تحت الركام؛ لأن التربة غير مستقرة والموقع ناءٍ والطريق الرئيسي مقطوع ويستحيل على المعدات الثقيلة أن تصل للقرية المنكوبة.
وناشد السكان المحليون السلطات مساعدتهم في استخراج ذويهم من أسفل ركام الانهيار، وأكدوا أنهم سيواصلون البحث عنهم.
وقال أحد السكان إنهم سيواصلون العمل "صباح الغد وكل يوم"، مضيفا "سنستمد القوة من طعامنا وسنواصل الحفر. لا نعرف أين دفنت الجثث، لكننا لن نستسلم، وسنواصل العمل".
وأشار المتحدث إلى أنهم يعملون يدويا بالمجارف والقضبان الحديدية للحفر، قائلا "إذا كنا محظوظين فسنعثر على الجثث، وإلا فستدفن إلى الأبد".
وتقع بابوا غينيا الجديدة جنوب غرب المحيط الهادي، بالقرب من أستراليا، وهي منطقة حزام ناري، ونقطة اصطدام صفائح تكتونية، وتشهد زلازل باستمرار.
ويعيش نحو 4 آلاف شخص في القرية وقد نزح ربعهم بعد الانهيار الذي دفن أكثر من 150 منزلا، كما تقول منظمة الهجرة الدولية.
28/5/2024المزيد من نفس البرنامجآخرها لشاب يافع.. عمليات إطلاق النار العشوائي في أميركا تثير غضب مغردينتابع الجزيرة نت على:
facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
بوركينا فاسو من الاستقرار النسبى إلى قمة هرم الإرهاب.. 41 % من السكان تحت خط الفقر ونسبة البطالة 65%.. انضمام الشباب للإرهابيين مقابل 150 دولارًا شهريًا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
»» كيف تحولت الدولة الأفريقية إلى أكثر الدول المتضررة من العنف؟
»» 6800 حادثة عنفٍ سياسى «٢٠١٦-٢٠٢٤».. بمتوسط ٢٠ حادثة أسبوعيًا
»» 2 مليون نازح داخلى بسبب الأحداث.. والهجرة من الريف للحضر تتسبب فى تفاقم الأزمة الاقتصادية
»» الوضع الاقتصادى يدفع الشباب للانضمام للإرهابيين مقابل 150 دولارًا شهريًا
بعد سبع سنواتٍ من صراع الإرهاب فى بوركينا فاسو، تربعت الدولة الأفريقية الحبيسة فى غرب أفريقيا على رأس قائمة الدول الأكثر تضررًا وتأثرًا بالإرهاب فى العالم للعام الثانى على التوالي، بعد أن كانت فى المرتبة 114 عام 2011، حسبما أفاد "مؤشر الإرهاب العالمى «GTI» لعام 2025"، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام IEP بالولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الوفيات بنسبة 21%، من 1935 حالة وفاة فى عام 2023 إلى 1532 حالة وفاة فى عام 2024. وانخفاض عدد الهجمات بنسبة 57%، من 260 هجومًا فى عام 2023 إلى 111 هجومًا فى عام 2024، إلا أن بوركينا فاسو لا تزال مسئولة عن خُمس إجمالى وفيات الإرهاب على مستوى العالم، وهو ما يدعو للتساؤل حول الأسباب التى أدت إلى هذا التغير.
لم يعد الإرهاب فى بوركينا فاسو مجرّد قضية أمنية؛ بل بات ظاهرةً مركّبة تُعيد صياغة الدولة والمجتمع والاقتصاد، وتُلقى بظلالها على كامل غرب إفريقيا، بما تشمله من تعقيدات لا تقتصر فقد على تتبّع عدد الهجمات، وإنما يتطلّب الغوص فى طبقاتٍ متراكمة من التاريخ والسياسة والاقتصاد والمجتمع، لمعرفة جذور الأزمة وتحولاتها وتداعياتها الإقليمية.
للمزيد.. مؤشر الإرهاب العالمي 2025.. خُمس إجمالي وفيات الإرهاب على مستوى العالم من بوركينا فاسو
بوركينا فاسو من الداخلجغرافيًا، تُعدّ بوركينا فاسو نقطة التقاءٍ إستراتيجية بين شمال القارة وجنوبها، وبين الصحراء الكبرى والغابات الاستوائية، يحدّها مالى والنيجر من الشمال والشرق، وبنين وتوغو وغانا وساحل العاج من الجنوب، ما يجعلها ممرًا تجاريًا ومسار عبورٍ بشرى واقتصادى حيوى منذ عصور القوافل الذهبية، إلا أنّ هذا الموقع ذاته جعلها عُرضةً لاختراق الجماعات الجهادية التى أخذت تتكاثر فى فضاء الساحل منذ ٢٠١٥، فخلال عقدٍ واحدٍ فقط، تحوّلت من دولةٍ تُعرَف بالاستقرار النسبى إلى أكثر بلدان العالم تضرّرًا من الإرهاب فى ٢٠٢٤، مع بلوغ موجة العنف ذروتها بين عامَى ٢٠٢٣ و٢٠٢٥ حيث سجّل مؤشر الإرهاب العالمى أكثر من ١٩٠٠ قتيل فى عامٍ واحد حسب مؤشر عام ٢٠٢٤.
اقتصاديًا، تعد بوركينا فاسو، واحدة من أفقر دول العالم، وهى دولة غير ساحلية ذات قوة عاملة زراعية إلى حد كبير، وتمثل صادرات القطن والذهب مصادر رئيسية لإيرادات الدولة والعملات الأجنبية.
عاشت بوركينا فاسو «فولتا العليا سابقًا» تحت الحكم الفرنسى منذ أواخر القرن التاسع عشر. ورغم حصولها على الاستقلال عام ١٩٦٠، ظلّت الإدارة المركزية ضعيفةً وتعتمد على شبكات المحاصصة القَبَلية، وتُعَدّ النُخَب المدنية والعسكرية – وغالبيتها من إثنية الموسى – المستفيد الأكبر من موارد الدولة، فيما بقيت مناطق الشمال ذات الأغلبية الفولانية مهمّشة تنمويًا، ما زرع بذور الاحتقان الاجتماعى الذى استغلّته لاحقًا التنظيمات الجهادية.
اندلع عنف إسلامى مسلح فى بوركينا فاسو فى عام ٢٠١٦، مع توسع الصراعات فى مالى المجاورة. فى ذلك العام، نفذت جماعات تابعة لتنظيم القاعدة هجومًا إرهابيًا غير مسبوق فى العاصمة واغادوغو، مما أسفر عن مقتل ٣٠ شخصًا، من بينهم أمريكي، فى الوقت نفسه، ظهر تمرد إسلامى بقيادة محلية، فى المناطق الريفية.
وفى الشمال تصاعدت الهجمات فى عام ٢٠١٧، بعد اندماج العديد من الجماعات الإقليمية التابعة لتنظيم القاعدة لتشكيل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين «المعروفة أيضًا باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، بقيادة مواطن مالي. فى شمال بوركينا فاسو، ضمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين جماعة أنصار الإسلام واستغلت التوترات العرقية وإهمال الدولة والمظالم المتعلقة بالفساد وسياسات المحسوبية والطبقية الاجتماعية والنزاعات على الأراضي. يُعد شرق بوركينا فاسو معقلًا لحركة منشقة منافسة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. ويبدو أن كلتا المجموعتين تضغطان جنوبًا نحو الدول الساحلية فى غرب إفريقيا.
وأدت هذه العمليات الإرهابية إلى نزوح أكثر من مليونى شخصًا نزوحًا داخليًا حتى منتصف عام ٢٠٢٤ أى ما يعاجل ١٠٪ من السكان، وهى واحدة من أسوأ أزمات النزوح الداخلى وأسرعها نموًا فى إفريقيا.
ويتكدّس معظم النازحين فى ضواحى العاصمة واغادوغو وبوبو ديولاسو، وأدّت موجات النزوح إلى ظهور أحياءٍ عشوائية تعانى من نقص المياه والصرف الصحي، ما رفع معدلات الكوليرا وحمّى التيفوئيد، كما يضطر النازحون إلى بيع أصولهم الزراعية بثمنٍ بخس، ما يُفقِد الأقاليم قدرتها على التعافي.
للمزيد.. مؤشر الإرهاب العالمي 2025.. الساحل الإفريقي يسجل 51% من وفيات الإرهاب
أوضاع مأساويةأما عن الأوضاع الإنسانية فتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ٤.٧ مليون شخص كانوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن عنف المتمردين أدى إلى إغلاق آلاف المدارس والمراكز الصحية، كما يواجه جزء كبير من شمال وشرق البلاد انعدام أمن غذائى يرقى لمستوى «الأزمة» أو «الطوارئ» فى عام ٢٠٢٣، وفقًا لشبكة نظام الإنذار المبكر، وتواجه منطقة جيبو، فى الشمال، خطرًا أشد من المجاعة، بسبب حصار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المطول.
كما أدت جائحة كورونا والآثار المتتالية للحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، حيث نما الاقتصاد بنسبة ٢.٥٪ فى عام ٢٠٢٢ «وهى نسبة ضئيلة بالنسبة لدولة نامية ذات نمو سكانى مرتفع»، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، بينما ارتفع الدين العام من ٤٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام ٢٠١٩ إلى ٥٨٪ اعتبارًا من أوائل عام ٢٠٢٣، وفى منتصف عام ٢٠٢٣، فرضت الحكومة ضرائب جديدة، بما فى ذلك رسوم على خدمات الهاتف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف جهود مكافحة التمرد.
لبوركينا فاسو تاريخٌ من التمردات العسكرية والانقلابات والاضطرابات الاجتماعية، على الرغم من أنها كانت تُعتبر مستقرةً نسبيًا فى عهد الزعيم الاستبدادى السابق بليز كومباوري، الذى وصل إلى السلطة فى انقلاب عام ١٩٨٧، وكان شخصيةً بارزةً ومثيرةً للجدل فى السياسة فى غرب إفريقيا، وقد أُطيح به فى انتفاضة شعبية عام ٢٠١٤ أثناء محاولته تجاوز الحدود الدستورية لفترات الولاية.
انتُخب السياسى المدنى روش مارك كريستيان كابورى عام ٢٠١٥، بعد محاولة انقلاب فاشلة ضد الحكومة الانتقالية التى يقودها المدنيون من قِبل ضباط مرتبطين بكومباوري، الذى كان أول زعيمٍ لبوركينا فاسو بعد الاستقلال يتولى منصبه عن طريق الانتخابات.
بين يناير ٢٠٢٢ وسبتمبر ٢٠٢٣، شهدت بوركينا فاسو انقلابين عسكريين فى عام ٢٠٢٢، كجزء من موجة من عمليات الاستيلاء العسكرية على السلطة فى أفريقيا، حيث أطاح الجيشُ بحكومتَين مُنتخَبَتَين بحجة العجز عن مكافحة الإرهاب، ليتولى الكابتن إبراهيم تراورى السلطة، وهذا التسلسل السريع من الانقلابات قوّض ثقة المجتمع الدولى وعلّق برامج المساعدات، بينما انشغل القادة العسكريون بإعادة ترتيب هياكل السلطة بدلًا من تعزيز قدرات مكافحة التمرّد، وتزامن ذلك مع انسحاب قوة برخان الفرنسية فى أغسطس ٢٠٢٢، ما أفسح فراغًا أمنيًا فى الشمال والشرق.
تُعدّ المظلة القاعدية بقيادة إياد غالي، الفاعل الأكثر رسوخًا فى بوركينا فاسو، وتتكوّن من أربع كتائب رئيسة، أبرزها «سرايا الصحابة» المنتشرة فى إقليم الساحل، وتستند استراتيجية التجنيد إلى ثلاثة محاور: الدعوة الدينية، المظلومية القَبَلية، والحوافز المادية عبر فرض الإتاوات على تجارة الماشية والذهب، وقدّر تقرير الأمم المتحدة ٢٠٢٤ عدد مقاتليها فى البلاد بنحو ٣٥٠٠ عنصرٍ نشط.
حاصرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بانتظام بلدات فى الشمال، وهو تكتيك واضح لإجبار السكان على الخضوع ومنع التعاون مع قوات أمن الدولة، وبحسب ما ورد تسبب هذا فى نقص حاد فى الغذاء والأدوية فى بعض المناطق، كما استهدف المتمردون مناجم الذهب، مما هدد قطاعًا اقتصاديًا رئيسيًا، ويقال إنه أدى إلى زيادة الإيرادات من تهريب الذهب.
للمزيد.. مؤشر الإرهاب العالمي 2025.. 1454 حالة وفاة بسبب جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"
وسعت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مناطق دعمها الريفية فى شرق بوركينا فاسو، مما مكنها من محاصرة المراكز السكانية المعزولة وتنفيذ هجمات مميتة بشكل متزايد ضد قوات الأمن والمدنيين المقاومين.
ووفق مؤشر الإرهاب العالمى ٢٠٢٥، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعتبر الجماعة الإرهابية الأكثر بروزًا فى بوركينا فاسو، حيث تسببت فى نحو نصف الهجمات فى البلاد.
أُعيدت تسميته رسميًا إلى «ولاية الساحل» فى جريدة النبأ التابعة لداعش عام ٢٠٢٣، ويتّخذ من المثلث الحدودى بين مالى والنيجر وبوركينا فاسو قاعدة انطلاق، ويتميّز بتكتيك «الأرض المحروقة» الذى يشمل ذبح المدنيين وتفجير المدارس.
على الرغم من التراجع الملحوظ لنشاط التنظيم، حيث انخفضت أنشطته خلال عام ٢٠٢٤، فلم يُسجل سوى هجوم واحد، مقابل ثمانى هجمات فى عام ٢٠٢٣، وانخفض عدد الوفيات المرتبطة بداعش بنسبة ٩١٪.
للمزيد.. مؤشر الإرهاب العالمي 2025.. داعش الأكثر دموية في 2024.. 1805 حالة وفاة في 22 دولة
الخلايا المحلية وشبكات تمويلتنشط أنصار الإسلام – ذات الجذور البوركينية الخالصة– منذ ٢٠١٦ فى إقليم سوم، مستفيدةً من قياداتٍ محلية تعرف تضاريس المنطقة، وعلى الرغم من إعلان ولائها لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام ٢٠٢١، فإنها تحتفظ بهامش استقلالٍ لوجستي، كما ظهرت خلايا إرهابية «هجينة» تمزج بين تهريب الكوكايين القادم من خليج غينيا وتجارة السلاح من ليبيا، مما يعقّد المشهد الأمني.
تشير بيانات مجموعة «إيرين» إلى أنّ ٥٤ ٪ من موارد الجماعات تأتى من مناجم الذهب التى تُقدَّر قيمتها السنوية بنحو ٢.٤ مليار دولار، يليها الاتجار بالبشر والاختطاف وطلب الفدية، ويستهدف التجنيد القسرى شباب الفولانى والرعاة الرحّل، حيث يعِدهم القادة الميدانيون بالحماية من غارات الجيش.
وفقًا لتقرير البنك الدولى لعام ٢٠٢٣، يعيش ٤١ ٪ من السكان تحت خط الفقر الدولى «١.٩ دولار/اليوم»، وترتفع النسبة إلى ٦٣ ٪ فى الأقاليم الشمالية التى تسيطر عليها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ويعانى الشباب – الذين تقل أعمارهم عن ٢٥ عامًا ويمثّلون ٦٥ ٪ من السكان – من بطالةٍ مقنّعة تتجاوز ٣٠ ٪، هذا الفراغ الاقتصادى يجعل عرض «راتبٍ» شهرى يبلغ ١٥٠ دولارًا من الجماعات المسلحة مغريًا مقارنةً بمتوسط الدخل الوطنى «٧٤ دولارًا».
كما تتعرض دول الساحل الإفريقى وفى القلب منها بوركينا فاسو لتغيّرات مناخية قد تؤدى إلى صراع الموارد، حيث ارتفعت درجة الحرارة بمقدار ١.٢ م° منذ ١٩٨٠، وتراجع معدل هطول الأمطار ٧ ٪ خلال العقد الأخير، مما أدّى إلى تقلّص المراعى وازدياد احتكاك الرعاة الرحّل بالمزارعين المستقرين، وتستغل الجماعات الجهادية هذه النزاعات المحلية، فتقدّم نفسها كوسيطٍ أو حَكَمٍ يفرض «الشرعية الإسلامية»، ما يُكسبها شرعيةً اجتماعية.
فى إطار جهود المكافحة تأسست قوات المتطوعين للدفاع عن الوطن «VDP»، كآلية تعبئة شعبية لمساندة الجيش فى القرى والأرياف التى تعانى من غياب دائم للقوات النظامية، على أن يكون المتطوع بين ١٨ و٣٥ عامًا؛ مُقيمًا فى الدائرة الإدارية نفسها؛ خاليَ السوابق؛ ملتزمًا بحضور دورة تدريبية أساسية واجتياز اختبار اللياقة.
وتُشرف وزارة الدفاع على هذه القوات عبر «القيادة المركزية للدفاع الشعبي» فى العاصمة واغادوغو، بينما تُشكَّل «خلايا محلية» تضمّ ٥٠–١٥٠ عنصرًا تحت قيادة شيخ قرية أو ضابط صف متقاعد، مما يتيح تحركها بسرعة لحماية طرق الإمداد أو مرافقة القوافل الإنسانية، ويحصل كل متطوع على بدلٍ شهرى يعادل ٥٠ دولارًا، وذخيرةٍ تكفى لدوريتَين أسبوعيًا.
بلغ العدد الرسمى للمنتسبين ٥٠٠٠٠ فى منتصف ٢٠٢٤، إلا أنّ تقارير داخلية تُشير إلى أنّ ٣٠٠٠٠ فقط يشاركون بانتظام بسبب نقص الذخيرة ووسائل النقل.
فى سبتمبر ٢٠٢٣، أعلنت بوركينا فاسو ومالى والنيجر «تحالف دول الساحل» بديلًا لمجموعة الساحل الخماسية المنهارة، يوفّر التحالف تبادل معلوماتٍ استخبارية عبر مركز عملياتٍ فى غاو بمالي، ونشر دورياتٍ مشتركة على الحدود، إلا أن ضعف التمويل – بعد تعليق الاتحاد الأوروبى مساعداته العسكرية – يحدّ من فعاليته.
أما عن جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية فقد مدّد مجلس الأمن ولاية مكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا، كما أطلقت إيكواس مبادرة «الممرات الإنسانية الآمنة» لإيصال الإغاثة إلى المناطق المحاصرة، غير أنّ الانقسامات داخل إيكواس – خصوصًا بعد الانقلابات فى مالى والنيجر وبوركينا – عطّلت تفعيل قوة التدخل السريع المقترحة عام ٢٠٢٢.
كان للإرهاب بوركينا فاسو تداعيات إقليمية ودولية تتمثل فى انتقال العنف إلى دول خليج غينيا، حيث شهدت بنين ٣٨ هجومًا مسلحًا فى ٢٠٢٤، وتوغو ١٢ هجومًا، فيما أعلنت ساحل العاج إحباط ٥ خلايا جهادية، ويخشى خبراء من سيناريو «قوس عدم الاستقرار» الممتد من بحيرة تشاد إلى خليج غينيا إذا ما انهارت الدفاعات الحدودية.
أدّى تدهور الأمن إلى تغيير مسار الهجرة، فبدلًا من عبور النيجر إلى ليبيا مباشرة، يتجه المهاجرون إلى مالى ثم موريتانيا وصولًا إلى جزر الكناري، وقد ارتفعت أعداد الوافدين إلى إسبانيا عبر هذا الطريق بنسبة ١٨٪ فى الربع الأول من ٢٠٢٥، وفق الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل «فرونتكس».
بالإضافة إلى زيادة التنافس الدولى على الموارد والنفوذ فلا تزال فرنسا تحتفظ بقدراتٍ استخبارية فى نيامى وواغادوغو، وتقدّم دعمًا لوجستيًا محدودًا عبر طائرات «أتلانتيك ٢» المسيرة.
أما روسيا فتوسّع حضورها العسكرى عبر شركة Africa Corps التى حلت محل «فاغنر» بعد ٢٠٢٣، وتفاوض على عقود تعدين مناجم الذهب فى مانسيلا.
كذلك وقعت تركيا عقدًا لبيع ٦ مسيّرات «بيرقدار TB٢» فى ٢٠٢٤، وتدريب طواقم بوركينية فى قونية.
أما الصين فهى تستثمر ٣٠٠ مليون دولار فى تطوير منجم منغنيز بمنطقة تامباو، مع بناء طريقٍ يربطه بميناء أبيدجان.
هناك ثلاثة سيناريوهات ترسم مستقبل بوركينا فاسو، السيناريو الأول هو الأكثر تشاؤمًا ويتمثل فى استمرار الانقلابات وفشل الانتقال المدني، ويتحقق ذلك السيناريو إذا فشل المجلس العسكرى فى تنظيم انتخاباتٍ قبل نهاية ٢٠٢٦، فمن المرجّح حدوث انقلابٍ «تصحيحي» جديد أو تفكك هياكل الدولة، ما يخلق «فراغا حكوميا» يسمح للجماعات بالتحوّل إلى إدارةٍ شبه رسمية للمناطق الريفية.
أما السيناريو الثاني، فهو السيناريو المعتدل ويتمثل فى نجاح التحالف الثلاثى وتعزيز القدرات التقنية، إذ قد يُفضى دمج المسيّرات الروسية والاستخبارات التركية والتدريب النيجيرى إلى تقليص قدرات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم داعش بنسبة ٤٠٪ بحلول ٢٠٢٨، بشرط تحسين سجلّ حقوق الإنسان، إلا أن أى انتهاكات واسعة قد تدفع السكان للانضمام إلى التمرّد.
ويتلخص السيناريو الثالث المتفائل فى مسار التنمية المستدامة والمصالحة المجتمعية، وهو يتطلّب مضاعفة الإنفاق الاجتماعى من ٥٪ إلى ١٠٪ من الناتج المحلى بحلول ٢٠٢٧، وإطلاق برنامج «ذهب آمن» لتنظيم التعدين الحرفى وفرض ضرائب شفافة، وإنشاء مجالس محلية للمصالحة تضمّ زعماء القبائل والعلماء، بما يمكن الحكومة من جذب استثماراتٍ خضراء بقيمة ١.٢ مليار دولار حتى ٢٠٣٠، مما يؤدى لخفض التجنيد والانضمام للتنظيمات الإرهابية بنسبة ٢٥٪.
يؤكّد مسار العنف فى بوركينا فاسو أنّ المقاربة العسكرية وحدها غير كافية، فلا بدّ من مزيجٍ متوازن بين الأمن والتنمية والحكم الرشيد، يترافق مع آليات مصالحةٍ مجتمعية تعالج جذور التهميش، ويتأتى ذلك بتعزيز الحكم المحلى ونقل ٢٠٪ من الموازنة العامة إلى البلديات المتضرّرة بحلول ٢٠٢٦.
بالإضافة لإصلاح قوات المتطوعين للدفاع عن الوطن «VDP»، وتمديد التدريب إلى ٦ أسابيع، وتأسيس وحدة داخلية للرقابة والمساءلة، مع توفر برنامج تنموى حدودي؛ لتعبيد ٦٠٠ كم من الطرق الريفية، وبناء ١٢٠ مدرسة و٦٠ مركزًا صحيًا بحلول ٢٠٢٨.
وضرورة خلق حوارٌ إقليمى موسّع، بإنشاء منتدى سنوى لدول الساحل وخليج غينيا بوساطة الاتحاد الأفريقي.