لجريدة عمان:
2025-01-30@17:03:29 GMT

حكايات الموت العادي

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

حكايات الموت العادي

ثمة كتب تحتاج جُهدًا كبيرًا من القارئ، إذ أنها تتطلب أحيانا محاولات عدّة قبل أن تفتح أبوابها له (وربما لا تفعل ذلك، بل تبقى مقفلة أمامه). وثمة كتُب أخرى، تبدو أسهل من دون أدنى شك، إلا أننا نعرف، ما أن نقرأ السطور الأولى منها، بأنها ستأخذنا وتحملنا بين جناحيها، لدرجة أننا لن نُقفلها إلا بعد أن نكون قد أنهينا قراءتها كاملة.

بالتأكيد ثمة قضيّة كتابة في ذلك كلّه، ثمة قضيّة صوت أيضا. إذ أن الدخول في كتابة رواية يشبه إلى حدّ ما سباق دراجات هوائية، أي حين يبدأ الدرّاج محاولاته الحثيثة لصعود قمّة ما. من هنا تكمن الأهمية في هذه السطور الأولى، في عملية شدّ الحبل هذه، التي تحافظ على الإيقاع، التي تحافظ على نفس واحد من دون أن تبطئ أبدا لغاية أن يشعر، الدرّاج هذا، بمتعة حقيقية وهو يتسلق هذه القمّة، أي لغاية أن يشعر الكاتب بهذه المتعة في الكتابة، وبالتالي ليشعر القارئ بالمتعة وهو يتابع السطور التي أمامه.

على الرغم من «سوادها» أو «سوداويتها»، فيما لو جاز القول، بالمُحصّلة العامة، إلا أن رواية «لا شيء أسود بالكامل» الأولى (منشورات نوفل، بيروت) للكاتبة اللبنانية عزة طويل (المقيمة في كندا) تأخذنا في مُتعة السرد، منذ لحظات البداية، وكأنها تُشركنا في رحلتها على «دراجتها الهوائية» هذه، على الرغم من أننا لم نزُر معها، طيلة الرحلة، سوى المقابر والموت والحروب المتنقلة، ما بين بيروت وسوريا، والمخيمات الفلسطينية، وبالتالي، لم نرَ سوى انهيار كائنات واقفة على حدّ فاصل بين ضفتين: من جهة هناك الحياة التي لا تُعاش، لأسبابها الكثيرة والمتنوعة، ومن الجانب الآخر، هناك الموت الذي يُنهي كلّ هذه الحياة الفيزيائية، حتى وإن لم يُقدّم حلا لها؛ لأنها -أي الحياة هذه- تستمر عند الآخرين، في الذكريات والذكرى التي نتركها عندهم، وكأنهم يجدون أنفسهم مجبرين، على «تفكيك الألغام» التي تركناها لهم بعد رحيلنا.

هكذا تبدو شخصيات الكتاب، النسائية تحديدا، التي لم تعرف فعلا كيف تواجه مرورها على الأرض، ولا حتى كيف تستقبل الموت الذي نراها تذهب إليه. لذا يبدو الموت في هذه الرواية (أو بالأحرى «النوفيلا»)، أكثر من شرط حياتي، بمعنى أنه ليس خاتمة الرحلة الطويلة المنطقية، بل يبدو في أحيان كثيرة وكأنه يدخل في لعبة مرايا، أو لنقل في لعبة تبادل أدوار: الموت هو الذي نعيشه على الأرض في كلّ لحظة، في كلّ تفصيل، وفي كلّ تنهيدة، بينما الحياة ليست سوى فكرة «ميتافيزيقية» لا يمكن الولوج فعلا إلى معناها أو إلى أعماقها. بمعنى أنه ربما يمكن تفسير الموت، لكن السؤال الأساس: من يفسر لنا معنى الحياة؟

«بطلات» -أو الأصح- «لا بطلات»، يقفن أمام سياق شرطهن التاريخي والاجتماعي، حيث لا يستطعن، بالعمق، الهروب منه. نحن أمام ثلاث نساء: الراوية التي تحاول أن تلملم نُتف هذه الذاكرة، التي تصلها عبر «أخبار وقصص» الآخرين، لتحاول أن تؤلف منها حياة ما، لتستقيم معنى حياتها هي. إذ لا تكتمل هذه «اللعبة» إلا في إيجاد امتداد لها عند المرأتين الأخريين. وكأن ثمة «حيوات صغيرة»، أشبه بلعبة «البازل»، ينبغي أن نضع قطعها الكرتونية، جنبا إلى جنب، كي يكتمل المشهد. هناك أيضا صديقتها، التي تحاول إجهاض الجنين الذي أتى من ثمرة علاقتها مع صديقها، والتي تدخل لاحقا في دورة الحياة العادية، أي تلك المطحنة التي تُغيّب حسّها الإنساني في الواقع. بينما المرأة الثالثة، فليست سوى حماة الراوية (أم زوجها) التي نكتشف كارثة حياتها الزوجية، التي استمرت لعشرين سنة من دون أي علاقة جسدية مع زوجها، بسبب الخلافات بينهما، ولكنها ارتضت في النهاية أن تبقى في المنزل العائلي، بسبب أولادها.

نماذج قد نصادفها في أي مجتمع، هذا صحيح، لكن ما يبدو الأهم في هذا النص، أن الكاتبة تقترب من موضوعها بعيدا عن أي أيديولوجيا مسبقة، بعيدا عن أي أفكار قد تثقل نصها، لذا تترك عملية السرد متفلتة من هذه القيود، لتذهب إلى أقصى فكرتها التي تتبدى من طيّات الكتابة، هذه الكتابة التي تعتمد بالدرجة الأولى، على التقطيع السينمائي المتداخل، وأقصد أن السرد لا يعتمد على خط أفقي من البداية إلى النهاية، بل تتداخل الأزمنة في بعضها البعض، لتكون في النهاية هذه المشهدية التي تشكل اللوحة العامة، بعد أن تكتمل الصور الراهنة. وحين أقول الراهنة، فالمقصود: تلك الأحداث اليومية، تلك التفاصيل التي نسميها اصطلاحا الحياة؛ لأن كل شيء يجري على خلفية قاتمة، هي خلفية هذه الحروب المتنقلة في «أوطاننا السعيدة»، وبالتالي على خلفية إضافية لهذا الأسود: هذا الموت.

قلت قبل قليل، إن ثمة لعبة مرايا بين الحياة والموت، وتبادل أدوار، ربما لأنهما يشكلان قطبي كل كتابة. فالأدب، في غالبية الأحيان، ليس سوى لعبة مرايا بسيطة، تتأمل من خلالها الشخصيات بعضها بعضا، كما يجاوب بعضها بعضا عبر أثير الصدى لتغض الطرف عن الحدود واللغات والزمن الذي يمضي. لذلك، لا تبدو المصادفات أمورا طارئة أبدا، بل تشكل جزءا من سلسلة طويلة، تتشابك حلقاتها أحيانا بشكل مدهش، لتتناسل منها صلات، يبدو سبب وجودها، للوهلة الأولى، غامضا بشكل كبير. من بلد إلى آخر، ومن كتاب إلى آخر، ثمة لُحمة تخلق نفسها بنفسها، لُحمة غير محسوسة أغلب الأحيان، إلا أنها تحيلنا إلى حلم ما في نهاية الأمر: حلم كل كاتب، بل هو حلم الأدب في كليته، أي الوصول إلى العمل الواحد. من هنا، لا بدّ أن ننتظر الكتاب الثاني من عزة طويل، ليتأكد هذا الإحساس بأن كاتبة لبنانية قد ولدت لتوها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بين الشقاوة والشطارة.. حكايات من قلب الفنانة داليا مصطفى عن ذكرياتها في مرحلة الطفولة .. واحد من الناس


أوضحت الفنانة داليا مصطفى أنها كانت طفلة شقية، تميل إلى اللعب وكركبة البيت، لكنها في الوقت ذاته كانت متفوقة دراسياً، خاصة في مادة الرياضيات والهندسة ورغم عدم حبها للمواد الأدبية في طفولتها، إلا أنها عندما كبرت أصبحت شغوفة بعلم النفس والفلسفة.

علاقة وثيقة بالأسرة وتأثير الوالدين
 

خلال استضافتها ببرنامج "واحد من الناس" مع الإعلامي د. عمرو الليثي، تحدثت داليا عن علاقتها القوية بوالديها وأفراد أسرتها. 

أشارت إلى حبها الكبير لوالدتها الراحلة التي علمتها الاعتماد على النفس، وأكدت أن والدها كان هادئ الطباع وما زال كذلك، بينما كانت والدتها شخصية قيادية دائمة الحركة. وأكدت أن أجمل ذكريات طفولتها كانت تجمعات العائلة في بيت الجد.

مفاجأة: العمل خلال الثانوية العامة
 

فاجأت داليا جمهورها بالكشف عن أنها عملت خلال دراستها الثانوية، حيث كانت تبيع التحف في البازارات بشارع الهرم، كما عملت مندوبة إعلانات.

أسرار المسيرة الفنية وبداية المشوار
 

خلال اللقاء، فتحت داليا قلبها لتكشف عن بداياتها الفنية، حيث كانت تتمنى أن تصبح مهندسة، لكن القدر قادها إلى معهد الفنون المسرحية. 

بدأت مشوارها بأول عمل مسرحي لها "دستور يا أسيادنا"، ومن ثم انطلقت إلى عالم الدراما التلفزيونية بمشاركات مميزة في أعمال مثل "العصيان"، "أولاد الأكابر"، "علاقة مشروعة"، و"قمر هادي".

السينما وعودتها بعد غياب طويل
 

تحدثت داليا عن أبرز أعمالها السينمائية مثل "طباخ الريس"، "شورت وفانلة وكاب"، و"اضحك الصورة تطلع حلوة". كما كشفت عن عودتها للسينما بعد غياب دام 12 عاماً من خلال فيلم الرعب "قبل الأربعين".

علاقتها بعمتها وأزمتها الصحية
 

سلطت داليا الضوء على علاقتها بعمتها الفنانة ناهد رشدي، كما تحدثت عن أزمتها الصحية، حين اكتشفت إصابتها بمرض السكري. وأوضحت أن السبب كان شعورها بالخذلان والحزن الشديد، لكنها تعاملت مع المرض بإرادة وقوة. 

مقالات مشابهة

  • حضور جماهيري بجناح الطفل حفل توقيع "حكايات بابا ماجد" بحضور نجله
  • حكايات بنات.. جديد الكاتبة نجلاء علام بمعرض الكتاب
  • تونسي يدخل "غينيس" بأطول حلقة حكايات في التاريخ
  • حكايات من أرض الواقع.. watch it تروج للجزء الثاني من مسلسل «ساعته وتاريخه» (فيديو)
  • وزيرة البيئة: رسالتنا معقدة وتغيير لغة الحوار كان ضروريا للوصول إلى المواطن العادي
  • حكاية من حكايات التراث ورشة بـ المتحف اليوناني الروماني
  • حكايات يكتبها خيري حسن : مابين المسلماني وحسن حامد ومحمود عوض
  • الشرطة تحتفل بـ 73 عامًا من العطاء.. هدايا للمواطنين تروى حكايات الأمل
  • بين الشقاوة والشطارة.. حكايات من قلب الفنانة داليا مصطفى عن ذكرياتها في مرحلة الطفولة .. واحد من الناس
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: ‏نرحب بالخطوة الإيجابية التي بادر بها الاتحاد الأوروبي بتعليق العقوبات المفروضة على سوريا لمدة عام واحد تمهيداً لرفعها بشكل نهائي، ونتطلع أن ينعكس هذا القرار إيجابياً على جميع مناحي الحياة للشعب السوري ويؤمن التنمية المستدامة.