لجريدة عمان:
2024-07-02@09:03:13 GMT

حكايات الموت العادي

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

حكايات الموت العادي

ثمة كتب تحتاج جُهدًا كبيرًا من القارئ، إذ أنها تتطلب أحيانا محاولات عدّة قبل أن تفتح أبوابها له (وربما لا تفعل ذلك، بل تبقى مقفلة أمامه). وثمة كتُب أخرى، تبدو أسهل من دون أدنى شك، إلا أننا نعرف، ما أن نقرأ السطور الأولى منها، بأنها ستأخذنا وتحملنا بين جناحيها، لدرجة أننا لن نُقفلها إلا بعد أن نكون قد أنهينا قراءتها كاملة.

بالتأكيد ثمة قضيّة كتابة في ذلك كلّه، ثمة قضيّة صوت أيضا. إذ أن الدخول في كتابة رواية يشبه إلى حدّ ما سباق دراجات هوائية، أي حين يبدأ الدرّاج محاولاته الحثيثة لصعود قمّة ما. من هنا تكمن الأهمية في هذه السطور الأولى، في عملية شدّ الحبل هذه، التي تحافظ على الإيقاع، التي تحافظ على نفس واحد من دون أن تبطئ أبدا لغاية أن يشعر، الدرّاج هذا، بمتعة حقيقية وهو يتسلق هذه القمّة، أي لغاية أن يشعر الكاتب بهذه المتعة في الكتابة، وبالتالي ليشعر القارئ بالمتعة وهو يتابع السطور التي أمامه.

على الرغم من «سوادها» أو «سوداويتها»، فيما لو جاز القول، بالمُحصّلة العامة، إلا أن رواية «لا شيء أسود بالكامل» الأولى (منشورات نوفل، بيروت) للكاتبة اللبنانية عزة طويل (المقيمة في كندا) تأخذنا في مُتعة السرد، منذ لحظات البداية، وكأنها تُشركنا في رحلتها على «دراجتها الهوائية» هذه، على الرغم من أننا لم نزُر معها، طيلة الرحلة، سوى المقابر والموت والحروب المتنقلة، ما بين بيروت وسوريا، والمخيمات الفلسطينية، وبالتالي، لم نرَ سوى انهيار كائنات واقفة على حدّ فاصل بين ضفتين: من جهة هناك الحياة التي لا تُعاش، لأسبابها الكثيرة والمتنوعة، ومن الجانب الآخر، هناك الموت الذي يُنهي كلّ هذه الحياة الفيزيائية، حتى وإن لم يُقدّم حلا لها؛ لأنها -أي الحياة هذه- تستمر عند الآخرين، في الذكريات والذكرى التي نتركها عندهم، وكأنهم يجدون أنفسهم مجبرين، على «تفكيك الألغام» التي تركناها لهم بعد رحيلنا.

هكذا تبدو شخصيات الكتاب، النسائية تحديدا، التي لم تعرف فعلا كيف تواجه مرورها على الأرض، ولا حتى كيف تستقبل الموت الذي نراها تذهب إليه. لذا يبدو الموت في هذه الرواية (أو بالأحرى «النوفيلا»)، أكثر من شرط حياتي، بمعنى أنه ليس خاتمة الرحلة الطويلة المنطقية، بل يبدو في أحيان كثيرة وكأنه يدخل في لعبة مرايا، أو لنقل في لعبة تبادل أدوار: الموت هو الذي نعيشه على الأرض في كلّ لحظة، في كلّ تفصيل، وفي كلّ تنهيدة، بينما الحياة ليست سوى فكرة «ميتافيزيقية» لا يمكن الولوج فعلا إلى معناها أو إلى أعماقها. بمعنى أنه ربما يمكن تفسير الموت، لكن السؤال الأساس: من يفسر لنا معنى الحياة؟

«بطلات» -أو الأصح- «لا بطلات»، يقفن أمام سياق شرطهن التاريخي والاجتماعي، حيث لا يستطعن، بالعمق، الهروب منه. نحن أمام ثلاث نساء: الراوية التي تحاول أن تلملم نُتف هذه الذاكرة، التي تصلها عبر «أخبار وقصص» الآخرين، لتحاول أن تؤلف منها حياة ما، لتستقيم معنى حياتها هي. إذ لا تكتمل هذه «اللعبة» إلا في إيجاد امتداد لها عند المرأتين الأخريين. وكأن ثمة «حيوات صغيرة»، أشبه بلعبة «البازل»، ينبغي أن نضع قطعها الكرتونية، جنبا إلى جنب، كي يكتمل المشهد. هناك أيضا صديقتها، التي تحاول إجهاض الجنين الذي أتى من ثمرة علاقتها مع صديقها، والتي تدخل لاحقا في دورة الحياة العادية، أي تلك المطحنة التي تُغيّب حسّها الإنساني في الواقع. بينما المرأة الثالثة، فليست سوى حماة الراوية (أم زوجها) التي نكتشف كارثة حياتها الزوجية، التي استمرت لعشرين سنة من دون أي علاقة جسدية مع زوجها، بسبب الخلافات بينهما، ولكنها ارتضت في النهاية أن تبقى في المنزل العائلي، بسبب أولادها.

نماذج قد نصادفها في أي مجتمع، هذا صحيح، لكن ما يبدو الأهم في هذا النص، أن الكاتبة تقترب من موضوعها بعيدا عن أي أيديولوجيا مسبقة، بعيدا عن أي أفكار قد تثقل نصها، لذا تترك عملية السرد متفلتة من هذه القيود، لتذهب إلى أقصى فكرتها التي تتبدى من طيّات الكتابة، هذه الكتابة التي تعتمد بالدرجة الأولى، على التقطيع السينمائي المتداخل، وأقصد أن السرد لا يعتمد على خط أفقي من البداية إلى النهاية، بل تتداخل الأزمنة في بعضها البعض، لتكون في النهاية هذه المشهدية التي تشكل اللوحة العامة، بعد أن تكتمل الصور الراهنة. وحين أقول الراهنة، فالمقصود: تلك الأحداث اليومية، تلك التفاصيل التي نسميها اصطلاحا الحياة؛ لأن كل شيء يجري على خلفية قاتمة، هي خلفية هذه الحروب المتنقلة في «أوطاننا السعيدة»، وبالتالي على خلفية إضافية لهذا الأسود: هذا الموت.

قلت قبل قليل، إن ثمة لعبة مرايا بين الحياة والموت، وتبادل أدوار، ربما لأنهما يشكلان قطبي كل كتابة. فالأدب، في غالبية الأحيان، ليس سوى لعبة مرايا بسيطة، تتأمل من خلالها الشخصيات بعضها بعضا، كما يجاوب بعضها بعضا عبر أثير الصدى لتغض الطرف عن الحدود واللغات والزمن الذي يمضي. لذلك، لا تبدو المصادفات أمورا طارئة أبدا، بل تشكل جزءا من سلسلة طويلة، تتشابك حلقاتها أحيانا بشكل مدهش، لتتناسل منها صلات، يبدو سبب وجودها، للوهلة الأولى، غامضا بشكل كبير. من بلد إلى آخر، ومن كتاب إلى آخر، ثمة لُحمة تخلق نفسها بنفسها، لُحمة غير محسوسة أغلب الأحيان، إلا أنها تحيلنا إلى حلم ما في نهاية الأمر: حلم كل كاتب، بل هو حلم الأدب في كليته، أي الوصول إلى العمل الواحد. من هنا، لا بدّ أن ننتظر الكتاب الثاني من عزة طويل، ليتأكد هذا الإحساس بأن كاتبة لبنانية قد ولدت لتوها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اغتصبها في عرض البحر وخنقها حتى الموت.. جريمة مروعة لفتاة بطلها عراقي

السومرية نيوز – دوليات
في حادثة مروعة وسط البحر المتوسط، تعرضت فتاة مراهقة للاغتصاب والخنق حتى الموت على يد مهاجر عراقي أثناء غرق القارب الذي كانوا على متنه قبالة إيطاليا. وذكرت وكالة أنباء إيطالية (ِAGI) نقلا عن تحقيق للشرطة أن "الفتاة المراهقة (16 عاما) تعرضت للاغتصاب والخنق أمام والدتها على متن القارب الشراعي".   وأضافت "تم القبض على الرجل (27 عاما) للاشتباه في قتله الفتاة (من أصل عراقي)، التي كانت في طريقها إلى أوروبا مع والدتها".   وتابعت "كما تم إنقاذ 12 شخصًا فقط من السفينة، التي يعتقد المسؤولون أنها كانت تحمل حوالي 70 شخصا، بما في ذلك أكثر من 20 طفلاً".   وفي بيان، أكد الضباط أن "القارب الشراعي كان يغرق قبالة سواحل إيطاليا عندما "نفّذ الرجل جريمته".   وقال الناجون لعمال الإغاثة إنهم "كانوا يسافرون دون سترات نجاة وأن بعض القوارب لم تتوقف لمساعدتهم". وورد أن محرك القارب انفجر، ما أدى إلى غرقه.   ونقل الناجون إلى ميناء روتشيلا إيونيكا بعد المحنة التي وقعت بين يومي 16 و17 حزيران، ومن بين الجثث التي عثر عليها في البحر 15 طفلا.   وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ووكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن "المهاجرين جاؤوا من إيران وسوريا والعراق".   وقالت الشرطة إن "الناجي المتهم بالقتل والاغتصاب محتجز في سجن في كاتانزارو عاصمة منطقة كالابريا".   من جانبها، أعلنت قوات الأمن في إقليم كردستان العراق، "اعتقال 4 أشخاص يشتبه في تورطهم في غرق القارب".   وبحسب منظمات غير حكومية وروايات من أسر الضحايا، كان القارب الشراعي يحمل في الغالب مهاجرين أكراد من العراق وإيران، إلى جانب عائلات أفغانية.

مقالات مشابهة

  • تجار الموت.. صادرات الاحتلال من الأسلحة تغذي الصراعات الدموية في العالم
  • حب الدنيا وكراهية الموت.. استمرار العون من الله
  • محطات الانتظار
  • تنسيق التمريض 2024 ".. طريقة وشروط الالتحاق بالتمريض العادي والعسكري
  • برلمانية أوكرانية: الجنرالات يرسلون الجنود إلى الموت
  • ورش وعروض فنية.. «القومي لثقافة الطفل» يحتفي بذكرى «30 يونيو»
  • اغتصبها في عرض البحر وخنقها حتى الموت.. جريمة مروعة لفتاة بطلها عراقي
  • ماريان فهمي تنضم لأبطال «حكايات تاء مربوطة»
  • أجمل يوم لم يأتِ بعد!
  • طريقة استخراج جواز سفر لأول مرة 2024.. الرسوم والأوراق المطلوبة