العلمانية التائهة بين المؤتمر الدستوري واشتراطات الحلو وعبد الواحد
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
العلمانية التائهة بين المؤتمر الدستوري واشتراطات الحلو وعبد الواحد
جمال عبد الرحيم صالح
تضج حياتنا السياسية والاجتماعية بفيض من الأوهام التي يستند بعضها على أنصاف حقائق أعطيت أكثر من قدرها لتتحول لثوابت سياسية. من ضمن تلك الأوهام ما يطلق عليه “المؤتمر الدستوري” الذي يتعامل معه عدد مقدر من قيادات التنظيمات السياسية كمفتاح سحري لمعالجة القضايا الرئيسية الخاصة بتطور البلاد، ومن ضمنها مسألة علاقة الدين والدولة.
يَنْبَني على فهمنا المشار إليه أعلاه بخصوص المؤتمر الدستوري باعتباره حدثاً إجرائياً، أن تُحوَّل إليه “حصيلة” المناقشات والرؤى والآراء والاتفاقات، التي تسبق انعقاده، حول القضايا والمسائل المرتبطة بتطور البلاد بغرض اعتمادها. بمعنى آخر فإن كل تلك القضايا، لابد أن تكون حاضرة، بشكل أو آخر، في المفاوضات والأحداث السياسية الحالية والمستقبلية. كمثال على ما نقصد، فإن مسألة علاقة الجيش بمؤسسات الدولة، إضافة لعقيدته العسكرية، وعلاقته بالمؤسسات الأمنية الأخرى، تعتبر أحد أهم القضايا الواجب أن يؤطرها بشكل نهائي العقد الاجتماعي المنتظر الاتفاق حوله في المؤتمر الدستوري، بيد أن واقع الحال يفرض التعامل الآني معها كأحد استحقاقات معالجة أمر الحرب القائمة والنظر في أمر تجويدها ودمجها في العقد الاجتماعي لاحقاً.
إضافة إلى ذلك فإن مسألة انعقاد ذلك المؤتمر يحيط بها الكثير من الغموض والتعقيدات المتعلقة بتحديد مرجعية ومشروعية الجهة الداعية له، وهوية ووزن القوى السياسية والاجتماعية المشاركة فيه، وكيفية ضمان التزام تلك القوى بالمشاركة ومن ثمَّ قبول نتائج مناقشاته وتوصياته. باختصار نحن نتحدث عن مؤتمر في علم الغيب حرفياً ولا ندري حتى ملامحه العامة!
نجيء الآن لمناقشة مسألة علاقة الدين بالدولة ومطالبات بعض حاملي السلاح بحسمها كشرط واجب لاندماجهم في العملية السياسية وبالتالي تنازلهم عن العمل المسلح، بينما يتردد آخرون في التعامل معها وتأجيلها للمؤتمر الدستوري المأمول. وفي هذا يعتقد كاتب هذه السطور أن مسألة فصل الدين عن الدولة، وطَرْقَها في المنابر في اتجاه خلق توافق واسع حولها، أصبحت أمراً لازماً، خاصة وأن الجهات التي تنادي بإسلامية الدستور والقوانين المستمدة من مبادئه، وأهمها إسلامويو المؤتمر الوطني، فقدت أي حجة لها في التمسك بدعاويها؛ بل ساهمت هي نفسها، نظرياً وعملياً، في تأييد ذلك الفصل بينهما (أي بين الدين والدولة)، ولا ينقصها سوى التصريح بذلك والإعلان عنه؛ ويُفهَم من ذلك تلقائياً، أن إسلامويي المؤتمر الوطني ليس لديهم فرصة في استغلال العاطفة الدينية للمواطن السوداني، هذا إذا أحسن المناهضون لهم مخاطبتهم لشعبهم بالرأي الواضح المسنود بالحقائق الثابتة، بما يزيل هذه الحساسية. دعونا ننظر في حيثيات ما نزعم:
* لابد من تثبيت حقيقة أولية، بل أبجدية، بأن علمانية أيّ دستور من عدمها، تُعرَف من خلال نصوص ذلك الدستور، ولا يوجد نص في أيِّ دستور معلوم لدينا يحوي بنداً يضم هذا المصطلح في متنه. وفي هذا يجدر القول بأن دساتير السودان التي كانت سائدة، وأقصد دستور 1956 و1973 و2005، تعتبر دساتير علمانية، مع وجود بنود محدودة، وممارسات قانونية سائدة سنتعرض لها لاحقاً، تشوش على زعمنا هذا. ربما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ما نتناوله هنا يعتبر تلخيصاً مصغراً لكتاب لنا صدر عن دار المصورات قبل أعوام قليلة بعنوان “الدين والدولة – مشروع رؤية لفض الاشتباك”.
سنركز توضيحاتنا على دستور 2005 باعتباره يعبر عن إرادة إسلامويي المؤتمر الوطني، وبالتالي سيكون حجة عليهم باعتبار أن خطهم السياسي مبني على المتاجرة بالدين واستغلال الحساسية الدينية للمواطن المُتَنَازع بين تعلقه بمبادئ الدين من ناحية ورغبته القوية والمشروعة لرؤية قيم الدولة الحديثة متحققة أمامه، من ناحية أخرى. وفي هذا نقول بأن دستور 2005 يمثل دستوراً علمانياً، حيث ينص في فصله الأول المتعلق بتحديد طبيعة الدولة والسيادة وحاكمية الدستور على مبادئ “علمانية” بوضوح. فقد نص ذلك الدستور على أن السيادة للشعب وتُمارسها الدولة طبقاً لنصوص هذا الدستور، وعلى أن الأديان والمعتقدات والتقاليد والأعراف هي مصدر القوة المعنوية والإلهام للشعب السوداني، وأن التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني هو أساس التماسك القومي وأنه لا يجوز استغلاله لإحداث الفرقة، وأن تُستمد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وإرادته، وأن تحترم الدولة الحق في العبادة والتجمع وفقاً لشعائر أي دين أو معتقد، وعلى أن تكون المواطنة أساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين، وغير ذلك من النصوص.
* تمثل المبادئ أعلاه جوهر أي دستور علماني باعتبار أن المبدأ الأساسي الذي يحدد علمانية أي دستور هو وقوف الدولة على مسافة واحدة من مواطنيها بغض النظر عن الدين أو العرق أو النوع. بقبولهم لتلك المبادئ، أسقط إسلامويو المؤتمر الوطني كامل العمود الفقهي الموروث في مجال السياسة والحكم، ذلك المسمى بالسياسة الشرعية؛ التي تقوم على فكرة “الحاكمية لله”، وتدعو للتمييز بين المسلم وغير المسلم، وبين المرأة والرجل؛ كما تستند على قاعدة الولاء والبراء التي تؤكد ذلك التمييز وتُشَرعِن فقه الجهاد والغنائم ومحاربة الآخر على أساس الدين وغير ذلك من قواعد الفقه الموروث، المجمع عليه سابقاً.
* بعد كل التوضيحات أعلاه، ما هي، إذن، تلك العقدة التي حملت جماعة الحلو وعبد الواحد وآخرين للإصرار على علمانية الدولة، رغماً عن ما أوردناه من أدلة تثبت قبول أنصار الإسلام السياسي “بمبادئ العلمانية”؟ الإجابة هي ذلك الإصرار من قبل الإسلامويين على تطبيق الفقه الإسلامي الموروث في مجال المعاملات، وبالأخص العقوبات الحدية التي زج بها نظام مايو في القانون الجنائي، وذلك لأسباب سياسية محضة تتعلق باستغلال العاطفة الدينية للشعب، وتصوير خصومهم بمظهر المعادي للدين، ومن ثم استغلال تلك العاطفة والتسلق عبرها لسنام الحكم.
* والحال كذلك، فإنه يمكننا دحض مزاعمهم تلك بكل ارتياح، استناداً على ما أثبتته تجربتهم، واعتماداً على أقوال وأفعال قياداتهم. في تقديرنا، أن إلغاء قوانين سبتمبر وتعديلاتها، من أجل مصلحة البلاد وشعبها، وفقاً لما سيأتي من حيثيات؛ إضافة إلى وضع قيود دستورية تضمن عدم اللجوء مرة أخرى لديها، سيحرر القوى المتطلعة للسلام والحكم المدني الديمقراطي، من الخوف والتوجس من إلغائها، ويجرد إسلامويو المؤتمر الوطني من كرت الضغط والابتزاز الرئيسي لديهم.
* لقد تجاوز القانون الجنائي لعام 1991، الذي وضعه وطبقه الإسلامويون، الكثير من المبادئ والأحكام المُجمَع عليها فقهياً والمسنودة بنصوص واضحة من الكتاب والسنة، لرفع الحرج عنهم نسبة لاختلاف الأزمان وتبدل الظروف. من أمثلة ذلك، مساواتهم بين المرأة والرجل في الشهادة وفي الدية، ومساواة المسلم وغير المسلم فيهما؛ كما من أمثلة ذلك وضعهم لقيد في تعريف السرقة الحدية لم يرد فيه نص من الكتاب أو السنة كما لم يرد في فقه المذاهب الأربعة، حيث أضاف القانون الجنائي لعام 1991 في المادة 172 الخاصة بمُسقِطات حد السرقة شرطاً مطاطاً يدرأ الحد عن أي سارق تقريباً، وهو اذا كان الجاني في حالة ضرورة ولم يأخذ من المال إلا بما لا يجاوز النصاب فوق كفاية حاجته أو حاجة من تجب عليه نفقته للقوت أو العلاج. فإن كان رفع الحرج، والنظر في مصلحة الناس، ومراعاة تغير الأزمان، موجباً لتجاوز مبادئ فقهية مسنودة بنصوص واضحة، فتعطيل عقوبات البتر والجلد والرجم أوجب؛ حيث أوجد العصر زواجر أخرى لم تكن موجودة إبان عهد الفقهاء الأربعة، لكنها تؤدي الغرض، وفي ذات الوقت تتفق مع المواثيق التي تواضعت عليها البشرية من جهة، وتحقق مقاصد الدين من جهة ثانية.
* لقد خلت، على وجه التقريب، تجربة الثلاثين عاماً من حكم الإنقاذ من تنفيذ أي مادة متعلقة بالبتر أو الرجم أو القصاص في الأعضاء؛ وقد كان الاستثناء الوحيد هو عقوبة الجلد، والتي استخدمت في الواقع لإذلال الناس أكثر من كونها تطبيقاً للشرع؛ فقانون النظام العام الذي كانت تمارس من خلاله، ليس لديه مرجعية شرعية مقبولة، حيث لا يوجد نص ديني، كمثال، يسمى بالشروع في الزنا. تجدر الإشارة، وبدون الدخول في تفاصيل نسبة لضيق المجال، إلى أن استخدام عقوبة الجلد في حد الخمر، لم تكن موضع إجماع حتى من الفقهاء. بل أن تعريف الخمر ذاتها لم يكن موضع اتفاق بينهم.
* نشير في هذا الصدد إلى أنه، وحتى عقوبة الردة المنصوص عنها في المادة 126 من القانون الجنائي المشار إليه، لم يتم تنفيذها في الحالتين اللتين وصلتا للقضاء، حيث تم التحايل بشكل واضح حتى لا يتم تطبيقهما كما هو معلوم (حالتي السيدة أبرار الهادي والسيد محمد صالح الدسوقي الملقب بالبارون) وذلك درءً للحرج وتفادياً لضغوط الرأي العام العالمي. الجدير بالذكر أن حد الردة هذا ليس موضوع اتفاق على المستوى الفقهي، وفي هذا يمكن الرجوع لآراء الترابي والقرضاوي والعوا، وغيرهم كثير. كما نشير إلى أنه وفقاً للثابت من النصوص والموروث من أبجديات الفقه، فإن الدية في حالة القتل تساوي 100 جمل أو قيمتها (المادة 42 من القانون الجنائي لعام 1991)، إلا أنه لم يجر الالتزام بذلك مطلقاً بالسودان من قبل السلطات المختصة، في مراعاة واضحة لمصلحة شركات التأمين.
* تشير التجربة التركية في مجال القانون، إلى أن التقيد الحرفي بالنصوص المتعلقة “بالشريعة” ليست بأمرٍ ملزم طالما هناك من البدائل ما هو أكثر ملاءمة لظروف العصر ومصالح الدولة وشعبها، حيث بلغ اتساع مبدأ المصلحة لديهم درجة إلغاء حكم الإعدام، وتجريم تعدد الزوجات، تماهياً مع المعايير التي ارتضوها، بدون أن يُتَّهموا في دينهم. لقد تعرضنا للتجربة التركية باعتبار أن تركيا محكومة بحزب سياسي يتبنى نفس أطروحات إسلامويي السودان الأيديولوجية، وظلَّ متمكناً من مفاصل الدولة، وبتأييد شعبي، إلى ما يربو على العشرين عاماً؛ بيد أنه تبنى مبدأ النظر للنصوص باستصحاب سياقاتها الظرفية، مراعياً في ذلك مصالح البلاد والعباد. هذا مع الوضع في الاعتبار أن تركيا أكثر تجانساً قومياً ودينياً من حالتنا السودانية، كما أنها تعتبر النموذج الذي تهفو إليه قلوب الإسلامويين أنفسهم، حيث جعلوها المتكأ الذي يحتويهم عندما ضاقت بهم بلادهم. وفي الواقع، فإن قطاعاً واسعاً من زعماء الإسلام السياسي، كراشد الغنوشي، أقروا بشكل لا جدال فيه على مبدأ فصل الدين عن الدولة، فما هو المسوغ الذي يجعل ممن هم أقل تأهيلاً دينياً وسياسياً وأخلاقياً، مثل جماعتنا هنا، يعرقلون تطور بلادهم وسلامة أرضها وشعبها؟
* الدعوة لفصل الدين عن الدولة تُعَبِّر عن القطاع الأوسع من جماهير شعبنا وقواه الحية، وصلت مقبوليتها درجة المناداة بها من قبل قطاع واسع من الإسلاميين أنفسهم، يأتي على رأسهم المؤتمر الشعبي في وقتنا الحالي، وقد أشارت إليها آراء د. الترابي صاحب الرمزية الأعلى وسط الإسلاميين. بل أن رئيس حكومة الأمر الواقع الحالية المسنودة من قِبَل إسلامويو المؤتمر الوطني، البرهان، سار في ذات الاتجاه عندما وقع على اتفاق مع القائد عبد العزيز الحلو، يحمل ذات المعاني والمضامين، وكان قبلها قد مهر بتوقيعه قانون التعديلات المتنوعة الذي تم بموجبه إلغاء مادة الردة وإباحة الخمر لغير المسلمين، وخلافه. بل أن زعيمي أكبر حزبين سياسيين، قائمين على موروث ديني، قد سجلا مواقف شبيهة وذلك عندما وصف الإمام الراحل الصادق المهدي قوانين سبتمبر بأنها لا تسوى الحبر الذي كتبت به، وعندما وافق الميرغني على تجميد الحدود في اتفاقه مع الراحل جون قرنق.
* لكن، وبعد ذلك، هل يعني ما نقول أن نطالب بإبعاد الدين عن حياة الناس؟ بالتأكيد لا، فالدين هو المؤثر الأقوى على ثقافة الناس وقرارتهم الحياتية، ولا تعني المطالبة بفصله عن الدولة غير وضعه في مكانه الصحيح المستحق باعتباره يمثل الإطار القيمي الذي يحيط بالفرد ويضبط سلوكه، لذا ليس غريباً أن يكون قانون الأحوال الشخصية مستنداً على الدين في السودان تحت مظلة دستوري 1956 و 1973 “العلمانيين” غض النظر عن تحفظاتنا على بعض مواده. وليس غريباً أيضاً أن يكون السجال السياسي والقانوني حول قضايا الإجهاض وزواج المثليين في الغرب “العلماني” يحمل في أحشائه المؤثر الديني، أو وجود أحزاب رئيسية يلتقي أفرادها حول القيم الدينية كالحزب الديمقراطي المسيحي بألمانيا.
* نخلص لنقول أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات شجاعة بشأن تعديل القانون الجنائي، في اتجاه إلغاء العقوبات الحدية، وإعطاء الضمانات المطلوبة بعدم طرحها مستقبلاً، فوطننا ممزق بسببها بينما دعاتها يتمتعون بالأمان ورغد العيش في تركيا الإسلامية التي لا تطبقها عمداً، مراعاة لمصلحة مسلميها، رغماً عن أنها تفوقنا قوة ومنعة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
الوسومالحلو الدولة السودانية الشريعة الاسلامية العلمانية عبدالواحد محمد نور
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحلو الدولة السودانية الشريعة الاسلامية العلمانية عبدالواحد محمد نور
إقرأ أيضاً:
المجلس الدستوري ابطل الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون المهل الدستورية
قرر المجلس الدستوري في جلسة عقدها صباح اليوم في مقره في الحدت، بحضور كامل الأعضاء وغياب القاضي عمر حمزة لوجوده في المستشفى، إبطال الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون المهل الدستورية التي كان قد تقدم بطعن فيه نواب"التيار الوطني الحر"و التي تنص على "تعليق حكما بين تاربخ 31- 3-2022 وتاريخ 30 حزيران 2024 ضمنا، سريان جميع المهل القضائية أمام المحاكم اللبنانية على اختلاف انواعها ودرجاتها والممنوحة لأشخاص الحق العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على انواعها سواء كانت هذه المهل شكلية أو جزائية أو امتد اثرها إلى اساس الحق ،وابطال المادة الخامسة من القانون .
كما رد سبب الابطال المسند إلى مخالفة مبدأ فقه القانون ووضوح فيما خص الخلط بين المهل الدستورية والأهل القضائية وتحسين القانون لهذه الناحية بالتحفظ التفسيري واعتبار ان مهل الإجراءات القضائية مشغولة بتعليق المهل القانونية .
كما رد سائر اسباب الطعن.
وجاء فيه:
"موضوع المراجعة: القانون رقم 328/2024، الصادر في 4/12/2024 (تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية) المنشور في ملحق العدد 49 من الجريدة الرسمية تاريخ 5/12/2024.
المستدعون: النواب: جورج نعيم عطاالله، سليم جورج عون، سيزار ريمون أبي خليل، إدكار جوزف طرابلسي، غسان آمال عطاالله، سامر أسعد التوم، نقولا صحناوي، جيمي جورج جبور، شربل كميل مارون وندى نهاد البستاني.
إنّ المجلس الدستوري الملتئم في مقرّه بتاريخ 16/1/2025، برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، ألبرت سرحان، رياض أبو غيدا، فوزات فرحات، ميشال طرزي، الياس مشرقاني وميراي نجم.
وبغياب نائب الرئيس القاضي عمر حمزة لوجوده في المستشفى.
بعد الاطلاع على المراجعة وعلى التقرير،
وبعد التدقيق والمذاكرة،
تبين أنّ النواب الواردة أسماؤهم أعلاه قدموا إستدعاءً بتاريخ 19/12/2024 سجل في قلم المجلس برقم 14/و/2024 بتاريخ وروده، طعنا بالقانون رقم 328/2024 (قانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية) الصادر في 4/12/2024 والمنشور في ملحق العدد 49 من الجريدة الرسمية تاريخ 5/12/2024، طلبوا فيه قبول المراجعة شكلا وتعليق مفعول القانون المطعون فيه وقبولها أساسا وإصدار القرار النهائي بإبطاله، واستطراداً، وفي حال عدم إبطاله تفسيره ليكون متوافقاً مع الدستور، وأدلوا بتوافر جميع الشروط الشكلية المطلوبة وفي الأساس بأسباب الإبطال التالية:
1- مخالفة آلية التصويت المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور.
2- مخالفة أحكام المادة 18 من الدستور.
3- تعدي السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة القضائية بعدم استطلاع رأي الأخيرة.
4- مخالفة مبدأ فقه القانون ووضوحه وبالتالي مبدأ المساواة.
5- عدم توافر شروط رجعية القوانين.
6-واستطراداً، بأنّه في حال عدم إبطال القانون يعود للمجلس إعطاء التفسير الذي يجعله متوافقاً وأحكام الدستور.
وتبين أنه بتاريخ 23/12/2024 تقرر وقف مفعول القانون.
بنـــــــــــــــــــــــــــــاء عليــــــــــه
أولاً: في الشــــــكل:
حيث إنّ المراجعة وردت ضمن المهلة القانونية موقّعة من العدد المطلوب من النواب ومستوفية سائر الشروط الشكلية، فتقبل شكلاً.
ثانياً: في الأساس:
حيث يقتضي البحث تباعاً في مدى دستورية القانون المطعون فيه سنداً للأسباب المدلى بها، ولما يمكن ان يثيره المجلس عفواً، إذا لزم الأمر، لأن رقابته لا تقتصر فقط على ما أثير في الطعن إنما تمتد، بمجرد تسجيل الطعن ووضع يده عليه، لتطال كل ما يشوب القانون برمته من مخالفات دستورية، فيرتب عليها النتائج دون التقيد بالأسباب الواردة في الطعن أو بحرفية المطالب أو بالمواد المطعون فيها.
1-في السبب المتعلق بآلية التصويت:
حيث إنّ الجهة الطاعنة تدلي بأن المادة 36 من الدستور تنصّ على أنّه " في ما يختص بالقوانين عموماً أو بالإقتراع على مسألة الثقة فإنّ الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ"، وبأنّ الدستور نصّ على الأكثرية الواجب توافرها للنصاب القانوني في جلسات مجلس النواب في اتخاذ القرار بشأن الأمور المطروحة عليه، ومنها القوانين العادية والدستورية ما يعني أنّ للعدد دور حاسم في اتخاذ القرارات ووضع القوانين في الأنظمة الديمقراطية،
وحيث إنّ الجهة الطاعنة تدلي في السياق ذاته أنّ الغاية من نصّ المادة 36 المذكورة هي التصويت على القوانين بشفافية تامة ليكون الشعب مطّلعاً على ما يقوم به نوابه، وهذه المادة تتضمّن قاعدة جوهرية لورود تعبير دائماً في النص الدستوري وقد اعتمدها النظام الداخلي لمجلس النواب في المادتين 78 و85 منه،
وحيث إنّ الجهة الطاعنة تدلي أيضاً بأنّه لم يتبيّن من محضر الجلسة التي أقرّ فيها القانون، أنّ الأصول الدستورية المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور قد روعيت في التصويت، فتكون الطريقة التي اعتمدت في إقراره مخالفة للدستور ويقتضي بالتالي إبطاله،
وحيث إنّ رقابة المجلس الدستوري، على أي نص تشريعي يطعن به لديه، لا تقتصر على النظر في مدى إنطباق مضمون ذلك النص على الدستور انما تتعداه الى النظر في عيوب عدم الدستورية التي قد تشوب أصول التشريع المنصوص عليها في الدستور أو في القواعد العامة الواردة في مقدمته أو في متنه وهو ما يعرف بالرقابة الخارجية على القوانين،
وحيث يتبيّن من مراجعة محضر الجلسة، المرسل إلى هذا المجلس من قبل مجلس النواب، أنّه جرى نقل إقتراح القانون حرفياً مع أسبابه الموجبة في مطلع المحضر، كما جرت تلاوة مواده مادة مادة، ومناقشتها من قبل النواب، والموافقة عليها تباعاً كلّ مادة على حدة برفع الأيدي فنالت كل منها الاكثرية، ثم جرت عملية التصويت على القانون بالمناداة بالأسماء وفق ما يلي:
"القانون المطروح على التصديق بالأسماء- نودي السادة النواب بأسمائهم. أكثرية. الرئيس: صدّق القانون بالأكثرية،
وحيث تبين ممّا تقدّم أنّه تمّ إقرار القانون بالأكثرية دون تدوين أي اعتراض على آلية التصويت ولا يكون بالتالي ثمة تشويه لإرادة النواب المقترعين وللإرادة الشعبية ما يوجب رد هذا السبب.
2- في السبب المتعلّق بمخالفة أحكام المادة 18 من الدستور:
حيث إنّ الجهة الطاعنة تدلي بأنّ المادة 18 من الدستور تنصّ على أنّ لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين ولا ينشر قانون ما لم يقرّه مجلس النواب، وأنّ الفقرة "د" من مقدّمة الدستور التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الكتلة الدستورية، تنصّ على كون الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وبالتالي يكون إصدار ونشر أي قانون، بصيغة مختلفة عن تلك التي تمّ التصويت عليها واعتمادها من قبل النواب، حسبما ورد في المراجعة، تزويراً لإرادة الشعب وخرقاً لسيادته يؤدي إلى إبطال القانون،
وحيث إنّ الجهة الطاعنة اكتفت بنقل نصّ المادة 18 من الدستور والفقرة "د" من مقدّمته بدون الإشارة إلى النص الذي تمّ التصويت عليه من قبل النواب أو بيان وجه الإختلاف بينه وبين نصّ القانون رقم 328/2024 بالصيغة التي جرى نشره فيها لإمكان القول بحصول تحريف أو تزوير، وبدون المقارنة ما بين النصين المعوّل عليهما أعلاه وبين وقائع جلسة مناقشة القانون والتصويت عليه في مجلس النواب، لإمكان الأخذ بما وصفته بتزوير الإرادة الشعبية وخرق السيادة،
وحيث لم يتبين للمجلس من الاطلاع على محضر مناقشة القانون المطعون فيه في الهيئة العامة، وجود أية مخالفة للمادة 18 من الدستور، ما يوجب رد هذا السبب أيضاً.
3- في السبب المتعلق بتعدي السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة القضائية بعدم استطلاع رأيها.
حيث إنّ الجهة الطاعنة تدلي ضمن هذا السبب بأنّه لم يتم استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى باقتراح القانون المطعون فيه قبل عرضه على التصويت وفق ما تفرضه الفقرة " ز" من المادة /5/ من قانون تنظيم القضاء العدلي (المرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983)، وانّ هذا الاستطلاع يشكّل صيغة جوهرية وتكريساً للضمانة القضائية المنصوص عليها في الفقرة " ه" من مقدمة الدستور ويكون مخالفاً للدستور ومستوجباً الإبطال،
وحيث إّن المادة /20/ من الدستور تنصّ على ما يلي:" السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاء والمتقاضين الضمانات اللازمة.
أمّا شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والاحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني".
وحيث إنّ الفقرة "ز" من المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 تنص على أنّه من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى "ابداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء العدلي، واقتراح المشاريع والنصوص التي يراها مناسبة بهذا الشأن على وزير العدل".
وحيث إنّه يستفاد من نص المادة /20/، أن ثمة ضمانات يجب حفظها للقضاة والمتقاضين، من أجل تأمين الإستقلال للقضاة وحفظ حقوق المتقاضين، وإنّ التشريع الذي يمس بهذه الضمانات يكون مخالفاً للدستور،
وحيث إنّ الفقرة "ز" يجب أن تفسّر ضمن إطار تلك الضمانات وعلى أنه يتوجب أخذ رأي مجلس القضاء في كل ما يتعلق بشؤون القضاء العدلي والقضاة كالتعديل في النظام القضائي أو في تنظيم المحاكم أو في سن تقاعد القضاة وذلك على سبيل المثال،
وحيث إنّ ما يخرج عن إطار تلك الضمانات لا يمكن أن يشكل انتقاصاً منها ولا يستوجب بالتالي استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى،
وحيث إنّ القانون المطعون فيه الذي علّق المهل القانونية والقضائية والعقدية لا ينتقص من ضمانات استقلالية القضاء أو من حقوق المتقاضين فلا يكون بالتالي من عداد القوانين التي يجب استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى فيها قبل إقرارها ويكون السبب موضوع البحث في غير موقعه الصحيح ويقتضي رده أيضاً.
4-في السبب المتعلق بمخالفة مبدأ فقه القانون ووضوحه وبالتالي مبدأ المساواة:
حيث إنّ الجهة المستدعية تدلي بأن القانون المطعون فيه تضمن خلطاً مشوهاً واضحاً من قبل المشترع ما بين المهل القانونية والمهل القضائية بحيث انه اذا أريد تطبيقه بصورة قانونية دقيقة تحترم التعريفات المعتمدة لهذه المفاهيم، لجاء غير مبرر بجزء كبير منه، اذ انه علّق في المادة الأولى منه سريان المهل القضائية، ثم استثنى في المادة الثانية المهل القضائية من التعليق، الامر الذي ينطوي على تناقض وغموض كبيرين يستحيل بنتيجتهما تطبيق النص بصورة موحدة،
وحيث إنّ الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المطعون فيه تعلّق حكماً بين تاريخ 8 تشرين الأول 2023 و31 أذار 2025 ضمناً، سريان جميع المهل القانونية والعقدية الممنوحة لأشخاص الحق العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على أنواعها، سواء أكانت هذه المهل شكلية أو إجرائية او جمركية أو امتد أثرها إلى أساس الحق،
وحيث إنّ المادة الثانية من القانون نصّت على الاستثناءات من أحكام التعليق وحدّدت في بندها الأول المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي أن يقدرها،
وحيث إنّ الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المطعون فيه تكون، بذلك، قد وضعت القاعدة العامة على ان تليها في المادة الثانية، الاستثناءات، وذلك بصورة واضحة ونافية للغموض خلافا لما أدلى به المستدعون لهذه الجهة،
وحيث إنّ المهل هي على نوعين: قانونية وقضائية فالمهل القانونية هي تلك التي يحُددها القانون بنصوص خاصة، فلا يجوز للقاضي تعديلها زيادة أو إنقاصاً الا إذا خوّله القانون ذلك، اما المهل القضائية فهي تلك التي يقرر القاضي منحها بحسب تقديره، ويكون له ان يمددها عند الاقتضاء،
وحيث إنّ المهل القانونية المذكورة في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون تشمل مهل الإجراءات القضائية، وهي المهل التي يحددها القانون والتي تتناول الإجراءات أمام المحاكم في النزاعات القضائية،
Les délais de procédure se définissent comme le temps laissé aux parties à l'instance pour l'accomplissement des actes et des formalités de la procédure (Dalloz.code de procédure civil, art 640 s.)
وحيث يعود للمجلس الدستوري تحصين القانون المطعون فيه بالتحفظ التفسيري الذي يزيل أي تناقض أو تباين أو التباس لتدارك عدم وضوح النص والتمكين من فقهه بما ينسجم مع المبادئ الدستورية،
وحيث إن النصوص القانونية تفسر بطريقة تكمل بعضها بعضاً وتؤدي الى إعمالها جميعاً،
وحيث إنطلاقاً من كون المادة الأولى من القانون المطعون فيه قد وضعت القاعدة العامة وان الاستثناءات قد وردت في المادة الثانية، فإنه يقتضي إعطاء المادة الأولى مداها اللازم وتفسير الاستثناءات ومنها البند "1" من المادة الثانية بشكل ضيق،
وحيث إنّه بعد أن استثنى البند "1" من المادة /2/ بشكل واضح وصريح المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي أن يقدرها، تكون مهل الإجراءات القضائية مشمولة بالتعليق في المادة الأولى من ضمن المهل القانونية بحيث لا يبقى من مجال للقول بوجود التناقض ويكون السبب موضوع البحث مردوداً.
5- في السبب المتعلق بالمفعول الرجعي للقانون المطعون فيه:
حيث إنّ الجهة المستدعية تدلي بأن المشترع أراد من خلال القانون المطعون فيه صون حقوق المواطنين الذين لم يتمكنوا من ممارستها بفعل ظروف العدوان على لبنان الممتد من 8 تشرين الأول 2023 وحتى تاريخ 31/3/2025، وقد تضمن القانون المذكور تعليقاً للمهل القضائية أمام المحاكم ابتداء من 31 آذار 2022 أي بمفعول رجعي ينسحب الى التاريخ الأخير،
وحيث إنّ الاجتهاد الدستوري استقر على اعتبار أنه اذا كان يعود للمشترع أن يعطي مفعولاً رجعياً للنصوص القانونية، الا أنّ مبدأ عدم رجعية النصوص، وان كان يدخل ضمن المبادئ القانونية العامة، فهو لا يرتقي الى مصاف المبادئ الدستورية إلا في ما خص القوانين الجزائية والضريبية في بعض الحالات،
وحيث إنّ حق المشترع في وضع هكذا نصوص ليس مطلقاً فهو خاضع لضوابط أهمها عدم جواز التعرض، بمفعول رجعي، لوضع قانوني مستقر يؤمن حقوقاً مكتسبة وضمانات كرّسها الدستور، الا في حال قيام مبرر كاف لاتخاذ هكذا اجراء يكون بدوره مرتبطاً بالمصلحة العامة، وبمعنى آخر، فان الرجعية لا تكون متاحة الا إذا كان دافعها الحقيقي المصلحة العامة،
وحيث إنّه من الواضح أنّ القانون المطعون فيه " علق حكماً بين تاريخ 31 أذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024 ضمناً، سريان جميع المهل القضائية ..."(الفقرة الثانية من المادة الأولى)،
وحيث إنّ تعليق المهل على هذا النحو لم يبرر بأية ظروف، ولا توجد على كل حال ظروف استثنائية او مصلحة عامة تبرره، بدليل ان الأسباب الموجبة للقانون المطعون فيه اقتصرت على الإشارة الى الاحداث الاستثنائية التي شهدها لبنان من الثامن من تشرين الأول 2023 والتي حالت بفعل القوة القاهرة المتأتية عنها دون ممارسة الدولة والمواطنين لحقوقهم في خلال المهل القانونية والقضائية والعقدية..."،
وحيث إنّه، ومهما كانت الأسباب وطبيعتها التي أملت على المشترع إقرار القانون المطعون فيه، سواء الواردة في الأسباب الموجبة له او تلك التي كانت محل نقاش النواب في الجلسة التي اقر فيها هذا القانون، فإنها لا تبرر تعليق المهل على النحو الوارد فيه وللمدة غير المعقولة التي شملها، ما يحمل على القول بوجود عدم تناسب واضح بين هذا التعليق ومقتضياته من جهة، وصون حقوق المواطنين وحمايتها من جهة ثانية، ويجعل هذا القانون مخالفا للدستور وللمبادئ الدستورية لهذه الجهة، ما يستوجب إبطال الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المطعون فيه.
6- في المادة الخامسة من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ المستدعين يسندون مراجعتهم ومطاليبهم الى عدم دستورية المادة الأولى من القانون المطعون فيه،
وحيث انطلاقا من صلاحية المجلس بوضع يده على القانون المطعون فيه برمته بمجرد تسجيل مراجعة الطعن في القلم وفق ما صار شرحه في مستهل هذا القرار، فإنّه لا يسعه إغفال أيّ نص من ذلك القانون من الرقابة وترتيب النتائج اللازمة متى رأى فيه مخالفة للدستور،
وحيث إنّه يتبيّن من مراجعة القانون المطعون فيه، أنّ المادة الخامسة منه تنص على ما يلي:
"كل حكم مبرم لم يراع فيه تعليق المهل الملحوظة في هذا القانون، يكون قابلاً لإعادة المحاكمة من تاريخ نفاذ هذا القانون"،
وحيث إنّ هذا النص ينطوي على مفعول رجعي يؤدي الى الزام المحاكم بقبول طلبات إعادة المحاكمة بشأن الاحكام المبرمة التي صدرت بتاريخ سابق لتاريخ نفاذ هذا القانون، ما يشكل تدخلاً في أعمال المحاكم،
وحيث إنّ مبدأ الفصل بين السلطات، والذي ينبثق عنه مبدأ استقلال القضاء، المكرّس أيضاً في المادة 20 من الدستور، لا يجيز للمشترع ان يجري رقابته على أحكام القضاء، او ان يوجه اليه الأوامر او التعليمات او ان يحل محله في الحكم في النزاعات التي تدخل في اختصاصه،
وحيث إنّ مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلالية القضاء اللذين يتمتعان بالقيمة الدستورية يمنعان على أي قانون أو عمل اداري، ان يتدخل في عمل القضاء سواء برفع يده عن قضية عالقة امامه أو إلزامه بإعادة النظر في قضية سبق ونظرها، أو إقرار صلاحياته حيالها، أو إلغاء أحكام قضائية مبرمة، ويجعل القاضي بالتالي بمنأى عن تدخلات السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية،
وحيث إنّ المادة الخامسة من القانون المطعون فيه تكون بالاستناد الى ما تقدم، مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ومبدأ استقلالية القضاء ذي القيمة الدستورية ومستوجبة الإبطال.
لهــــــــــذه الأســــــــباب
يقرّر بالإجماع،
أولاً: في الشـــــكل: قبول المراجعة شكلاً.
ثانياً: في الأساس:
1- إبطال الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون التي تنص على الآتي:
" يُعلّق حكماً بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024 ضمناً سريان
جميع المهل القضائية أمام جميع المحاكم اللبنانية على اختلاف أنواعها ودرجاتها،
والممنوحة لأشخاص الحقين العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على أنواعها، سواء
أكانت هذه المهل شكلية أو إجرائية أو امتد أثرها الى أساس الحق."
2- إبطال المادة الخامسة من القانون.
3- ردّ سبب الابطال المسند الى مخالفة مبدأ فقه القانون ووضوحه في ما خص الخلط
بين المهل القانونية والمهل القضائية، وتحصين القانون لهذه الناحية بالتحفظ التفسيري
واعتبار أنّ مهل الإجراءات القضائية مشمولة بتعليق المهل القانونية.
4- رد سائر أسباب الطعن.
5- إبلاغ هذا القرار من رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء،
ونشره في الجريدة الرسمية".