جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-05@08:11:10 GMT

مُتسَوِّلو الثناء

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

مُتسَوِّلو الثناء

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

في السياق العام، وفي نطاق المشهد الاجتماعي، عندما يأتي أحدهم- مثلًا- بفعل متهور أو سلوكٍ طائشٍ أمام العامة تنهال الكثير من التعليقات الساخرة؛ كأن يقول أحدهم متهكمًا "علشان حد يمدحه"، وهذا من التعابير المجازية التي تدل على أنَّ هذا السلوك غير مقبول.

إنَّ حب عبارات الإطراء والمديح من الأمور التي جبلت عليها النفس البشرية، فالناس- على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وثقافاتهم- لديهم غريزة فطرية تجعلهم يتوقون لرؤية الإعجاب والتعظيم في عيون من حولهم، ويحبون سماع تعداد مناقبهم ومحاسنهم من الآخرين، مما يدفعهم بقوة لبذل المزيد من الجهد والعطاء، ويعزز رغبتهم في تطوير قدراتهم الفكرية والعقلية، كما أنه يزيد من طاقتهم وحيويتهم، وينمي مهاراتهم في مجالات شتى لمواجهة تحديات المستقبل، ويطور من سلوكياتهم المرغوب فيها؛ فيجعلهم هذا الثناء يحلقون عاليًا في سماء التميز والإبداع.

وقد يختلف تأثير الإطراء والثناء على النَّاس، وهذا الاختلاف يعتمد بشكل رئيسي على مدى قدرتهم على ضبط هذه الغريزة وتهذيبها وتنقية القلب مما قد يختلط به من شوائب، فنجد فيهم المغرور الذي يقطع الإعجاب ظهره؛ ويجعله يتعالى على من حوله، وصنف آخر؛ كلما كثرت العبارات التي تثني عليه كلما شكك في قدراته وتضاءلت ثقته في نفسه، أما العاقل العارف بطبائع نفسه وغريزتها يتعامل مع الثناء بمنطقية، فلا يحمله على الغرور، ولا يُقلل من ثقته بنفسه؛ بل كلما زاد إعجاب النَّاس به كلما عمل على أن يكون عند حسن ظنهم.

 وبعض النَّاس- هداهم الله للحق- يتزلفون بإطراء الممدوحين، وقد يتخذون الثناء على الرؤساء وذوي الجاه تجارة لهم وطريقًا لعيشهم، ويجعلون التملق الممزوج بالكذب والنفاق رأسمالهم الذين يتكسبون من خلاله! فبئس هذا المدح الذي قد يصنع من الممدوح شخصًا نرجسيا، يملأه الغرور والعُجْب.

لقد كان المدح والثناء جزءًا أصيلًا من الثقافة العربية من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، وقد طالعتنا كتب الأدب العربي- على مر العصور- بكثير من نماذج الثناء؛ سواءً كان بالشعر أو الخطب أو حتى المقالات، يتسابق منتهجو هذا الأسلوب في مدح الملوك والسلاطين والأمراء وسادة البلاط في الممالك العربية متسولين المال أو خطب الود أو قضاء مصلحة معينة، ليس هذا وحسب، بل إن تسول الثناء يأتي من متلقيه أيضًا، فنجد بعض الأمراء والسلاطين ـ على سبيل المثال ـ يتسولون المدح والثناء من الشعراء الذين ذاع صيتهم في الآفاق، فيغدقون عليهم العطايا؛ ويجزلون لهم الهبات من أجل الثناء عليهم أمام العامة وعلى رؤوس الأشهاد.

ولا يزال تسول الثناء أسلوبًا للبعض ينشط عند قيامهم بكل أمر ظاهره ابتغاء الخير، ليضعهم دائمًا في دائرة الضوء، أما الأعمال التي تبقيهم في الظل ولا تظهرهم للعلن فلا يحبذون المشاركة فيها، لأن نظرتهم القاصرة لا تدرك أن الله يجازي على صدق العطاء، وسلامة القلب وصفاء النية وتمني الخير للغير.

وأيضا هناك من يتاجر بفرحة البسطاء من أجل كسب أكبر قدر من عبارات الإطراء، مستغلًا حاجة هؤلاء المساكين لما تجود به أيادي المحسنين من العطاء، فيهتك ستر المتعففين من الفقراء، ويتسلق على أكتاف الضعفاء؛ فتراه يعطي باليمنى ويشهر عطاؤه باليسرى، يحشد كاميرات وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لتوثيق الحدث الأبرز على مستوى الأرض وكأنه ظاهرة كونية لم يأتِ بها الأولين ولا الآخرين، ليخبر العالم بأسره أنه أكرم الناس، وأنه أجود من الريح المرسلة، وأنه من أشد الناس حرصًا على العطاء، وأنه محبًا للخير، لن يرضي غروره إلا إذا عرف العالم بأسره أنه نصير الضعفاء، وأنه شارك في بناء المدارس والشوارع والجوامع، وأنه في كل يومٍ يطعم ألف جائع، وأنه أعطى وتصدق وأنفق الكثير من المال، ولا نراه بهذا الفعل إلا محبًا للمدح متسولًا للثناء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الواقعية السياسية التي قيدت يد إسرائيل

ترجمة - أحمد شافعي -

يرى الصديق والعدو سواء بسواء أن الجيش الإسرائيلي من أقوى الآلات العسكرية في العالم. ولكن قادة إسرائيل درجوا على تصوير بلدهم باعتباره خاضعا لحصار من دول معادية عازمة على تدميره. وتستمر هذه السردية برغم أن بعض أهم الدول في الشرق الأوسط ـ من قبيل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن ـ لم تعد تتسق وهذا الوصف إلا لماما، بل إنها فضلا عن ذلك متحالفة مع الولايات المتحدة الحامية الأساسية لإسرائيل. ولكن هذا المفهوم لمأزق إسرائيل هو الذي أفضى بقادتها إلى إيثار صيغة معينة لردع الخصوم وهي أنه عند التعرض للضرب، لا بد من رد الضرب بسرعة وبمزيد من القوة.

وهكذا، عندما ضربت مائة طائرة مسيرة تقريبا مواقع في إيران ـ وكذلك في العراق وسوريا ـ في السادس والعشرين من أكتوبر، لم يكن هذا مفاجأة حقيقية لأحد. فقد كان السؤال دائما هو متى ستضرب إسرائيل وليس سؤال عما لو كانت ستضرب. غير أن رد إسرائيل لم يأت متسقا مع منطقها المعهود وهو الرد بسرعة وبمزيد من القوة. ابتداء، أخرت إسرائيل ضربتها لقرابة شهر، إذ كانت إيران قد أطلقت وابلا من الصواريخ على إسرائيل في الأول من أكتوبر في أعقاب اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله. ولعل مجلس إسرائيل الوزاري الحربي انقسم حيال الأهداف الإيرانية الواجب ضربها. ولعل الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى وقت أكبر مما توقعت لإقناع إسرائيل بعدم ضرب بنية إيران الأساسية والنووية. في كل الحالات: كان الإبطاء مفاجئا.وكذلك كان نطاق الانتقام الإسرائيلي عندما تحقق. فهي لم تضرب مواقع البنية الأساسية في إيران وقصرت ضربها على مصانع إنتاج الصواريخ، وأنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة الرادار ومواقع عسكرية ـ تبلغ إجمالا عشرين موقعا بحسب ما قال الجيش الإسرائيلي ـ تحيط بطهران وإيلام وخوزستان. فكان هذا بعيدا كل البعد عن سيناريوهات نهاية العالم التي خشيها المتخصصون. فقد كان من شأن أي ضربة لمراكز تخصيب اليورانيوم وأجزاء مجمعات الطاقة في إيران لتزيد من احتمالية التراشق في حلقة مفرغة ومتزايدة التصعيد.

مرة أخرى: يحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد استعملت قوتها بوصفها مصدر السلاح والدعم الاقتصادي الذي لا غنى عنه لإسرائيل في إقناع بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت للاكتفاء بضربة محدودة، أو إن إسرائيل أرادت أن تجتنب فترة تراشق طويلة. ولكن إسرائيل باللجوء إلى الحكمة لم تتبع كتاب قواعدها. بل إن إسرائيل، بحسب تقرير باراك رافيد في أكسيوس، أنذرت إيران قبل يوم من الضربة ونبهتها إلى عدم الرد. وقد أثار هذا الشكل من ضبط النفس استياء الساسة في اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومنهم وزير الأمن الوطني إيتمار بن جيفير وكذلك زعيم المعارضة الوسطي يائير لابيد.ولقد كانت لإسرائيل أسباب اقتصادية لتعديل الضربة. فلو كانت إسرائيل ضربت البنية الأساسية النفطية لإيران لاهتزت سوق النفط، ولتسبب ذلك في ارتفاع صاروخي لأسعار النفط، وما كان ذلك ليروق للحكومة الأمريكية قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية، وما كان أيضا ليروق لداعمي إسرائيل في الغرب. صحيح أن إنتاج إيران من النفط لا يعدو محض 4% من إنتاج النفط العالمي، وصحيح أنها تبعثه كله إلى الصين. ولكن المغزى لا يكمن في هذا، وإنما في أن الأسواق تتفاعل على نحو سيء مع الإضرابات وانعدام اليقين، وليس سوق النفط استثناء من هذا.

وأهم من ذلك أن خمس تجارة النفط البحرية العالمية يمر عبر مضيق هرمز اللصيق بإيران. وسياسات التأمين في الغالب لا تغطي أضرار الحروب وخسائرها، ولو أن إيران حذرت فقط من أن حاويات النفط سوف تبحر في هذا الممر المائي على مسؤوليتها الخاصة، لمنعت شركات الشحن قباطنها من الإبحار في المضيق. وإسرائيل نفسها شديدة الحساسية تجاه ارتفاع أسعار الطاقة. فهي تستورد فعليا قرابة كل النفط الذي تستهلكه، ويتعرض اقتصادها لتوتر بالغ من تصاعد تكاليف حروبها في غزة ولبنان (فقد تضخمت التكاليف الشهرية من متوسط 1.8 مليار دولار قبل حرب غزة إلى 4.7 مليار دولار بنهاية العام الماضي، ولا شك أنها ازدادت أكثر من ذلك الحين).

لو كانت لدى إسرائيل أسباب وجيهة لاجتناب التصعيد، فقد كانت لإيران مثل ذلك أيضا. فالقيادة الإيرانية تعلم أن نتنياهو أراد منذ أمد بعيد أن يسقط الجمهورية الإسلامية التي يعدها أخطر خصومه، وأن إيران لا تستطيع أن تستبعد احتمال استدراج الولايات المتحدة إلى الحرب بين إيران وإسرائيل. وبرغم خطاب الكراهية المعهود من القيادة الإيرانية، لكنها لا تفتقر إلى العقلانية، وهي تقدر في المقام الأكبر الحفاظ على الدولة. وخلال المشاحنات مع إسرائيل وأمريكا، عمدت إلى ما يعرف بـ«الصبر الاستراتيجي»، ومارسته من جديد بعد ضربات نهاية الأسبوع. إذ قال المرشد الأعلى علي خامنئي قولا محسوبا وهو أنه لا ينبغي «التهويل أو التهوين» من الضربة، بينما تجاهل الجيش الإيراني التأثير تماما، مشيرا إلى «الضرر المحدود» ومشيدا بأداء بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية.

يبدو أننا اجتنبنا مواجهة هائلة وطويلة بين إسرائيل وإيران، وذلك لسبب بسيط هو أن كلا الطرفين كانت لديه أسبابه الوجيهة لاجتنابها. ومع ذلك فإن ضربات إسرائيل لإيران زادت عزلتها في الشرق الأوسط. فقد انتقدت دول عربية كبيرة الضربة، ومنها مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، وجميعها ذات ارتباط قوي بالولايات المتحدة وليس بينها في الوقت الراهن من يعادي إسرائيل. ومن الممكن تفسير إداناتها باعتبارها مواقف محسوبة. لكنها تشهد مع ذلك بعداء «الشارع» العربي لإسرائيل بعد حرب غزة وحساسية الحكام لهذه المشاعر. وفيما تبدو حرب إسرائيل المزدوجة لحماس وحزب الله مستمرة، فسوف يزداد هذا العداء. وفي حال إعراب دول عربية أخرى عن مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، فإن التوتر بين إسرائيل وإيران في الشهور الماضية قد يبدو لشعوب المنطقة محض عرض جانبي لصراع إقليمي لا تبدو له من نهاية في الأفق.

راجان مينون أستاذ فخري للعلاقات الدولية في كلية مدينة نيويورك، وباحث أول في معهد سالتزمان لدراسات الحرب والسلام

عن نيوستيتسمان

مقالات مشابهة

  • محمد إسماعيل يكشف سبب تراجع مستوى زياد كمال
  • جنايات جنوب سيناء تقضى بالسجن 3 سنوات لتاجر مخدرات فى نويبع
  • الأونروا.. تاريخ من العطاء ومخاطر الحظر الإسرائيلي على خدماتها الإنسانية
  • الذكرى السنوية للشهيد ..عظمة العطاء وقداسة التضحية
  • الواقعية السياسية التي قيدت يد إسرائيل
  • فوز "الكلية الحديثة للتجارة والعلوم" بجائزة مسابقة "العطاء الكبرى"
  • لافروف: النظام الأوكراني يخسر الأراضي كلما طال تعنته وأفشل التسويات
  • شببهها بحملة صليبة ضد روسيا..لافروف: كلما استمرت أوكرانيا في الحرب تقلصت أراضيها
  • وكيل صحة سيناء في زيارة للقافلة الطبية "العطاء مصر" بالجورة
  • ‏لافروف: كلما طال خرق كييف للاتفاقيات تقلصت مساحة أوكرانيا