جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-31@07:59:09 GMT

مُتسَوِّلو الثناء

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

مُتسَوِّلو الثناء

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

في السياق العام، وفي نطاق المشهد الاجتماعي، عندما يأتي أحدهم- مثلًا- بفعل متهور أو سلوكٍ طائشٍ أمام العامة تنهال الكثير من التعليقات الساخرة؛ كأن يقول أحدهم متهكمًا "علشان حد يمدحه"، وهذا من التعابير المجازية التي تدل على أنَّ هذا السلوك غير مقبول.

إنَّ حب عبارات الإطراء والمديح من الأمور التي جبلت عليها النفس البشرية، فالناس- على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وثقافاتهم- لديهم غريزة فطرية تجعلهم يتوقون لرؤية الإعجاب والتعظيم في عيون من حولهم، ويحبون سماع تعداد مناقبهم ومحاسنهم من الآخرين، مما يدفعهم بقوة لبذل المزيد من الجهد والعطاء، ويعزز رغبتهم في تطوير قدراتهم الفكرية والعقلية، كما أنه يزيد من طاقتهم وحيويتهم، وينمي مهاراتهم في مجالات شتى لمواجهة تحديات المستقبل، ويطور من سلوكياتهم المرغوب فيها؛ فيجعلهم هذا الثناء يحلقون عاليًا في سماء التميز والإبداع.

وقد يختلف تأثير الإطراء والثناء على النَّاس، وهذا الاختلاف يعتمد بشكل رئيسي على مدى قدرتهم على ضبط هذه الغريزة وتهذيبها وتنقية القلب مما قد يختلط به من شوائب، فنجد فيهم المغرور الذي يقطع الإعجاب ظهره؛ ويجعله يتعالى على من حوله، وصنف آخر؛ كلما كثرت العبارات التي تثني عليه كلما شكك في قدراته وتضاءلت ثقته في نفسه، أما العاقل العارف بطبائع نفسه وغريزتها يتعامل مع الثناء بمنطقية، فلا يحمله على الغرور، ولا يُقلل من ثقته بنفسه؛ بل كلما زاد إعجاب النَّاس به كلما عمل على أن يكون عند حسن ظنهم.

 وبعض النَّاس- هداهم الله للحق- يتزلفون بإطراء الممدوحين، وقد يتخذون الثناء على الرؤساء وذوي الجاه تجارة لهم وطريقًا لعيشهم، ويجعلون التملق الممزوج بالكذب والنفاق رأسمالهم الذين يتكسبون من خلاله! فبئس هذا المدح الذي قد يصنع من الممدوح شخصًا نرجسيا، يملأه الغرور والعُجْب.

لقد كان المدح والثناء جزءًا أصيلًا من الثقافة العربية من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، وقد طالعتنا كتب الأدب العربي- على مر العصور- بكثير من نماذج الثناء؛ سواءً كان بالشعر أو الخطب أو حتى المقالات، يتسابق منتهجو هذا الأسلوب في مدح الملوك والسلاطين والأمراء وسادة البلاط في الممالك العربية متسولين المال أو خطب الود أو قضاء مصلحة معينة، ليس هذا وحسب، بل إن تسول الثناء يأتي من متلقيه أيضًا، فنجد بعض الأمراء والسلاطين ـ على سبيل المثال ـ يتسولون المدح والثناء من الشعراء الذين ذاع صيتهم في الآفاق، فيغدقون عليهم العطايا؛ ويجزلون لهم الهبات من أجل الثناء عليهم أمام العامة وعلى رؤوس الأشهاد.

ولا يزال تسول الثناء أسلوبًا للبعض ينشط عند قيامهم بكل أمر ظاهره ابتغاء الخير، ليضعهم دائمًا في دائرة الضوء، أما الأعمال التي تبقيهم في الظل ولا تظهرهم للعلن فلا يحبذون المشاركة فيها، لأن نظرتهم القاصرة لا تدرك أن الله يجازي على صدق العطاء، وسلامة القلب وصفاء النية وتمني الخير للغير.

وأيضا هناك من يتاجر بفرحة البسطاء من أجل كسب أكبر قدر من عبارات الإطراء، مستغلًا حاجة هؤلاء المساكين لما تجود به أيادي المحسنين من العطاء، فيهتك ستر المتعففين من الفقراء، ويتسلق على أكتاف الضعفاء؛ فتراه يعطي باليمنى ويشهر عطاؤه باليسرى، يحشد كاميرات وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لتوثيق الحدث الأبرز على مستوى الأرض وكأنه ظاهرة كونية لم يأتِ بها الأولين ولا الآخرين، ليخبر العالم بأسره أنه أكرم الناس، وأنه أجود من الريح المرسلة، وأنه من أشد الناس حرصًا على العطاء، وأنه محبًا للخير، لن يرضي غروره إلا إذا عرف العالم بأسره أنه نصير الضعفاء، وأنه شارك في بناء المدارس والشوارع والجوامع، وأنه في كل يومٍ يطعم ألف جائع، وأنه أعطى وتصدق وأنفق الكثير من المال، ولا نراه بهذا الفعل إلا محبًا للمدح متسولًا للثناء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشرطة تحتفل بـ 73 عامًا من العطاء.. هدايا للمواطنين تروى حكايات الأمل

فى عيد الشرطة الثالث والسبعين، تجسد محافظة الجيزة صورة من صور الود بين المواطن وأجهزته الأمنية، حينما اجتمعت الشرطة النسائية على قلب واحد لتوزيع الهدايا على المواطنين فى شوارع المدينة.

كانت الوجوه المشرقة للفتيات اللواتى يرتدين الزى الرسمى، تُشع من كل زاوية فرحة حقيقية، وكأن الهدية لا تتوقف عند مجرد الهدايا الرمزية، بل تمتد لتكون رسالة أمل وعرفان. 

الشرطة النسائية، في هذا اليوم، لم تكن مجرد حارس لأمن الشارع، بل كانت سفيرة للعطاء، فكل هدية حملت في طياتها أكثر من مجرد لون وزخرفة؛ كانت رمزاً للمحبة والمودة بين الشعب وقواه الأمنية.

تعالت ضحكات الأطفال ورقصت قلوب الكبار فرحاً باللفتة التي تتعدى حدود العمل الروتيني، في مشهد يتكرر كل عام، ولكن بمذاق جديد، تواصل الشرطة تقديم رسالة مفادها أن الأمن لا يُختصر في القانون، بل في الإنسانية أيضاً.

احتفالات الجيزة في عيد الشرطة كانت رسالة تكريمية للأمن، وللروح الإنسانية التي لا تفارق رجال ونساء الشرطة مهما كانت التحديات.

 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • مرض جنون المؤسس
  • تحيةٌ لمن ثبتوا في أوقات الشدة!
  • الرحالة الأعرج يتحدث عن رحلته من مكة لأبها ..فيديو
  • بعد رحلة من العطاء.. أبرز أعمال الكاتب الراحل محمد جبريل
  • «دبي العطاء» تختتم عاماً حافلاً بحملات رائدة وتطوع غير مسبوق
  • استشاري: كلما كان الشخص أكثر تعلماً زادت مقاومته لفقدان الذاكرة.. فيديو
  • «دبي العطاء»: 116 مليون مستفيد في 60 بلداً نامياً العام الماضي
  • عبدالله العامري: ترسيخ ثقافة العطاء في أبوظبي
  • الخارجية: قدرة مصر على استيعاب اللاجئين باتت على المحك
  • الشرطة تحتفل بـ 73 عامًا من العطاء.. هدايا للمواطنين تروى حكايات الأمل