موقع النيلين:
2025-03-16@14:55:16 GMT

الهجرة الأفريقية: شايل جبل مرة بلا وقاية (2-2)

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

تواترت واقعتان في الأسبوع الماضي شديدتا الصلة بسياسات الأرض ونزاعاتها في منطقة الساحل الأفريقي، والتي هي أصل الحرب القائمة في السودان حالياً. فقد كتبت الـ”فورين بوليسي” تتساءل في عنوانها إن كانت غانا هي الهدف التالي لحركة الجهاديين. كما تخطفت الصحافة تقرير الـ”واشنطن بوست” في 20 مايو “دول شمال أفريقيا ترمي بالمهاجرين في الصحراء بدعم من الاتحاد الأوربي”.

أثارت المقالتان قضايا لا غناء عنها متى أردنا تحسين معرفتنا بالهجرة الأفريقية من ساحل القارة بخاصة، إذ رفعتا عن هذه الهجرة الحجاب الذي أسدله عليها التركيز المبالغ فيه على دراسة وجهتها الأوروبية وعواقبها، كأنه لا مسارات لها داخل القارة. وأثارتا كذلك عامل الهوية في دراسة هذه الهجرة، ونعني بذلك النزاع على الأرض بين المزارعين والرعاة، والذي تزيد سياسات الدولة حياله من ضراوته.

أثار تقرير الـ”واشنطن بوست” مسألة بؤس دراسات الهجرة الأفريقية من زاوية تركيزها على وجهتها الأوربية وذيولها من دون وجهاتها الأفريقية. فعرض لدافع الاتحاد الأوروبي لتمويل دول شمال أفريقيا لإلقاء المهاجرين الأفارقة في الصحراء، وهو الأمر المنافي لحقوق الإنسان. لكنها خطة، في قوله، أملتها سياسات أوروبية داخلية أرادت بها قوى الوسط ويمين الوسط الأوروبي وقف زحف الدوائر اليمينية إلى سدة الحكم في دول الاتحاد، من فوق موجة العداء العام للهجرة الأفريقية إلى أوروبا، والتي تعالت في العقد الأخير وصخبت. وهذا الإجحاف الأوروبي بطالبي الهجرة الأفريقيين هو ما أراد به الوسط ويمين الوسط ألا يبدو أقل صرامة بوجه هذه الهجرة من دون اليمينيين. وعلق أحدهم على أن الاتحاد الأوروبي بذاك اقترب قليلاً قليلاً من فنتازيا اليمين المتطرف، الذي يريد أوروبا قلعة لا تخترق أسوارها. ولم يعد الاتحاد الأوروبي، وهو يقف وراء هذه الانتهاكات بحق طالبي اللجوء، يتذكر مذهبه في الحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان، بعد أن أوكل لحكومات غيره أن تكون ديدباناً شديد النكال بالمهاجرين عند بوابته.

وخبر الـ”واشنطن بوست” مع ذلك لا يخرج عن النظرة التقليدية للهجرة الأفريقية وكأنها لوجهة واحدة هي أوروبا. وهي النظرة التي خرج بنجامنسن لنقضها. فالهجرة الأفريقية داخل أفريقيا، التي كان السودان ميداناً لها عبر بوابة دارفور، أغزر بكثير من تلك التي مقصدها أوروبا. فلا تزال هجرة 80 في المئة من الأفارقة إلى أكناف أفريقيا، حتى مع ازدياد وتائر الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا منذ 2015. ولهذا التحيز بقيت دراسة الهجرات الداخلية في القارة بلا أسبقية لها في البحث. ولا يزال الفهم يقضي بأن الهجرة الأفريقية استثنائية وغير تاريخية

وجد بنجامنسن في تبرم أوروبا من الهجرة الأفريقية لؤماً منها. واتجه لوضع الهجرة الأفريقية في سياق تاريخي عريض. فقارة مثل أوروبا كانت الهجرة منها وفي أنحائها هي التي أسعفتها على تجاوز أزماتها الاقتصادية. إذ هاجر بين 1850 و1914 أكثر من مليون أوروبي إلى أميركا الشمالية وأستراليا هرباً من الفقر والمجاعة. وهاجر في الوقت نفسه أوروبيون كثيرون في داخل أوروبا طلباً للفرج الاقتصادي. مثلاً هاجر الإيطاليون إلى فرنسا وسويسرا وألمانيا. وهاجر الإيرلنديون إلى إنجلترا وإسكوتلندا، والبولنديون إلى ألمانيا. وأسعفت تلك الهجرات كل من إيطاليا وإيرلندا اللتين كانتا في حال عسر هضم ديموغرافي. ولم تصبح أوروبا دولة المهاجرين منها إلى الخارج أكثر من المهاجرين في داخلها إلا في السبعينيات. وهذا تاريخ في الهجرات وأشراطها الاقتصادية والديمغرافية لا يطرأ في دراسة الهجرة الأفريقية. فالتركيز على هجرة الأفريقيين إلى أوروبا لا يصيبنا بعلم عنها لا ينفع فحسب، بل نرتكب به سياسيات غير مجدية حيالها. فأفريقيا، المدمجة في الاقتصاد العالمي، بحاجة إلى متنفس كالذي تمتعت به أوروبا خلال أزماتها الاقتصادية يلطف من الآثار السالبة لزيادة سكانها وتردي مواردها. وبغير تأمين هذا المتنفس لزيادة السكان في أفريقيا نعرض أمنها للأخطار.

وهكذا فسياسة الاتحاد الأوروبي لاحتواء الهجرة قد تقود إلى عدم الاستقرار في أفريقيا. قد تنجح سياسة الاحتواء في خفض عدد الأفارقة المهاجرين إلى أوروبا، لكن الضغوط على الأفريقيين للهجرة إلى بلدان أوروبا ستبقى طالما ظلت حال أفريقيا على سوئها. وستكون عواقب هذا الفيض من المهاجرين وخيمة على القارة. فمهما نمت دولها فإنه ليس بوسع سوق عملها استيعاب من أرادوا دخوله. ومن لم يهاجر بقي في بلده فقيراً ضجراً ومصدراً محتملاً للاضطرابات وانفراط الأمن. وعليه ففرص أفريقيا للنمو تتناقص إذا لم يتوافر لها متنفس الهجرة منها إلى غيرها. وهو ما أنقذ أوروبا ذات يوم.

لا أعرف إن كان لا بد لنا في السودان من خوض حرب لنعرف أننا لم نكن بحاجة لنكون ضحايا ظاهرة هجرة الساحل والصحراء لو أمسكنا بأزمتها بدلاً من الاستثمار فيها أو الاحتجاج عليها. لكنني أعرف مثلاً يسخر ممن يحمل مسألة بلا علم بها، وهو مثل ذائع من دارفور، مسرح حربنا الأول، يقول “شايل جبل مرة بلا وقاية”، أي يحمل ثقلاً في حجم جبل مرة (الجبل المهيب الذي يتوسط الإقليم) بغير وقاية (وهي لفافة القماش التي يضعها المرء على رأسه لتكون وقاية له من الملامسة المباشرة لجرة ماء أو حزمة الحطب التي عليه).

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الهجرة الأفریقیة الاتحاد الأوروبی إلى أوروبا الهجرة من

إقرأ أيضاً:

قمة دافئة بين أوروبا وجنوب أفريقيا في مواجهة خطط ترامب

أظهر الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا تقاربهما خلال اجتماع قمة في كيب تاون، الخميس، في ظل تحديات دبلوماسية وتجارية منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إن القمة جاءت "في وقت يسوده عدم اليقين على مستوى العالم، ويتسم بتصاعد الأحادية والقومية الاقتصادية".

من جهته، رأى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن النظام العالمي "يواجه تحديات متزايدة"، وكذلك أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن هذا "عصر المواجهة والمنافسة العالمية القصوى".

وأعلنت فون دير لاين عن خطة استثمار بنحو 5 مليارات يورو (5.42 مليارات دولار) في جنوب أفريقيا، تشمل تمويل الانتقال في مجال الطاقة وتطوير صناعة اللقاحات.

ويشترك الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا في أنهما مستهدفان من ترامب، إذ حُرمت بريتوريا من مساعدات أميركية واتُهمت في مرسوم رئاسي بمعاملة أحفاد المستوطنين الأوروبيين بطريقة "غير عادلة"، وانتُقدت بسبب دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وهذه هي القمة الثامنة بين الجانبين، وجاءت بعد 7 سنوات من القمة السابقة، وهو تأخير يرجع إلى جائحة كوفيد-19 (كورونا) وفقا للرئيس رامافوزا.

إعلان

وقد أعلن عنها الشهر الماضي بعد أسابيع من بدء رئاسة ترامب الجديدة التي استهدفت جنوب أفريقيا بعدة إجراءات.

قمة "ناجحة"

وقال كوستا إن القمة الأوروبية الجنوب أفريقية "توجت بالنجاح"، فيما وصفتها فون دير لاين بأنها "دافئة".

وتعد جنوب أفريقيا أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت قيمة التجارة الإجمالية 49 مليار يورو (53.17 مليار دولار) عام 2023.

ومن المفارقة أن الولايات المتحدة بدأت أخيرا تقاربا كبيرا مع روسيا بينما كان التقارب بين بريتوريا وموسكو أحد انتقادات إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

وقال رامافوزا "في الماضي، اتُّهمنا بالتحيز. وأثبتت مشاركتنا أننا على الحياد".

ويُتوقع أن يستقبل رامافوزا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى، خلال زيارة رسمية في 10 أبريل/نيسان المقبل.

من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية: "كنت سعيدة للغاية عندما علمت أن الرئيس زيلينسكي سيقوم بزيارة" لجنوب أفريقيا، مؤكدة أنه "من الأهمية بمكان" التباحث حول كيفية التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا.

مقالات مشابهة

  • الجمعية العمومية للجان الأولمبية الأفريقية تعترف بالاتحاد الدولي للهجن
  • تحقيقات فساد تطال "هواوي" الصينية وحظر لدخول ممثليها البرلمان الأوروبي
  • التايمز: اتفاق الهجرة بين إيطاليا وليبيا يواجه تحديات جديدة مع تزايد أعداد المهاجرين
  • النعمي: عجز الليبيين عن إقامة دولتهم جعلتنا مطمعاً لتوطين المهاجرين
  • أسطورة غزو الهجرة الأفريقية إلى أوروبا
  • الاتحاد الأوروبي يشدد موقفه تجاه المهاجرين.. ومقترح لإنشاء "مراكز عودة"
  • البرلمان الأوروبي: أوروبا مطالبة بضمان أمنها عاجلاً
  • قمة دافئة بين أوروبا وجنوب أفريقيا في مواجهة خطط ترامب
  • الاتحاد الأوروبي يعلن عن استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في جنوب أفريقيا
  • الخارجية الروسية: موسكو وسعت قائمة عقوباتها ردا على حزمة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي