قراءة إسرائيلية في المقاومة الشرسة بغزة: هذه حرب لم يخضها الجيش منذ تأسيسه
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
في الوقت الذي تتواصل فيه التقارير الإسرائيلية عن تصاعد المعارك الضارية مع المقاومة في غزة، والتي كبدت الاحتلال خسائر كبيرة، على مدار الأسابيع الماضية، بدأ البحث عن سبل جديدة لمواجهة الوضع غير المسبوق للجيش في المعارك.
وصدرت دعوات لممارسة ضغوط شديدة على حماس لحملها على التوصل لاتفاق يعيد كافة الأسرى، مقابل وقف طويل لإطلاق النار، وفي حال أدرك جيش الاحتلال في المستقبل أن هناك حاجة لاستئناف القتال، بإمكانه الخروج للقيام بعمليات محددة، بزعم أن هذه الطريقة يمكنها حشد الدعم الدولي للاحتلال الذي سيسمح بتشكيل اليوم التالي في غزة.
رون بن يشاي، الخبير العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن "المعارك التي جرت خلال الأسبوعين الأخيرين في مخيم جباليا للاجئين نموذج مصغر للحرب ضد حماس ككل، فهي تحتوي على كل تعقيدات الحرب، ويمكن استخلاص دروس منها تسمح للاحتلال بإعادة المختطفين، على أن يكون ذلك على مراحل سوف تستغرق وقتا، لأن إطلاق الصواريخ أول أمس من رفح على تل أبيب سيؤدي لتفاقم الوضع، وعلى الجمهور الإسرائيلي أن يفهم أن هذه حرب مختلفة عما انخرط به الجيش منذ تأسيسه حتى الآن".
ودعا في مقال ترجمته "عربي21" أن "نظرية المراحل تتطلب استهداف شبكة الأنفاق المتفرعة تحت الأرض من مدينة غزة إلى شمالها وصولا الى رفح جنوبا، لأنه لا يوجد أمن لمستوطني النقب ما دام هناك نحو ألف مقاتل موجودون في الأنفاق التحتية، ومجهزين بأسلحة تكاد تكون غير محدودة، بما فيها قاذفات الصواريخ، مما يستدعي بناء خطة عمل عسكرية جديدة بناء على الدروس المستفادة من القتال الطويل العنيف والشرس في غزة وجباليا ورفح.
ولفت إلى أن كتائب القسام، استعدت بشكل جيد، وزرعت متفجرات، وفجرت جدران الأزقة المزدحمة، واستولت على فتحات البوابات، وأطلقت عشرات الصواريخ المضادة للدبابات، وخسر الجيش العديد من جنوده".
وكشف أن "المشكلة الرئيسية التي يواجهها الجيش في قطاع غزة، ولا تزال إلى حد ما، هي أن القتال والتقدم فوق الأرض أسرع بكثير مما هو عليه في نظام الأنفاق تحت الأرض، مما يبطئ ويؤخر التحرك برمته، ولذلك فإن الدروس المستفادة في خانيونس تسمح الآن للجيش بالعمل بسرعة أكبر في نظام الأنفاق مما كان عليه في بداية المناورة البرية.
مما يجعل من بداية الإطاحة بحماس هو تدمير معظم أنظمة التحصينات تحت الأرض في قطاع غزة، لأن الأنفاق المتفرعة تسمح لمقاتلي حماس بالبقاء، وحرية الحركة تحت الأرض، ومن هناك يذهبون فوق الأرض لفترات قصيرة، ثم يصلون أماكن أخرى لا يتواجد فيه الجيش".
وأشار أنه "من أجل تحقيق هذا الهدف، على الجيش أن يتعامل مع عدة قضايا: أولها إطلاق سراح المختطفين الموجودين في الأنفاق، لأنهم قد يتعرضون للأذى، وثانيها الحاجة لمعلومات استخباراتية عالية الجودة ودقيقة، وثالثها أن يطبق الجنود جميع الدروس التي تعلموها في خانيونس: كيفية التعرف على العبوات، وكيفية الاقتراب من الأعمدة، وكيفية التحرك عبر الأزقة دون التعرض للإصابة بالعبوات وفخاخ الآر بي جي التي تكون المنطقة مكتظة بها.
ورابعها استخلاص الدروس التي يمكن بموجبها تعديل وتغيير مخطط الحرب، لأن الهدف العسكري الرئيسي للجيش هو الوصول لتدمير كبير 65%-70% من الأنفاق الاستراتيجية التي تسمح لحماس بالبقاء فيها، والتحرك في جميع أنحاء القطاع، وخامسها ضرورة إغلاق أنفاق التهريب تحت محور فيلادلفيا في منطقة رفح، لعزل حماس عن العالم الخارجي، وحرمانها من الأموال التي تجمعها".
تتزامن هذه القراءة الإسرائيلية المحبطة من القتال الضاري في قلب غزة وأحيائها مع قدرة حماس على إطلاق الصواريخ من رفح باتجاه تل أبيب، مما شكل بالنسبة لحماس تحقيقا لثلاثة أهداف: أولها مفاجأة منظومة اعتراض الصواريخ واختراقها، وإحداث إصابات وأضرار في العمق الآمن للدولة، مما تعتبره الحركة إنجازا مهما في حرب الوعي، وضربة معنوية للإسرائيليين.
أما الأمر الثاني فهو الإطلاق الطويل نسبيا لوابل من الصواريخ بعيدة المدى والذي يثبت للإسرائيليين أن حماس لا تزال صامدة بعد ثمانية أشهر من القتال، لذلك ليس هناك جدوى من الاستمرار في محاولة إسقاطها عسكريا، وثالثها أن قوات الجيش في رفح تقترب من منصات الصواريخ، ولعل الحركة أرادت استخدامها قبل أن يستولي عليها الاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية المقاومة غزة الاحتلال القسام غزة الاحتلال المقاومة القسام صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تحت الأرض
إقرأ أيضاً:
ما رسائل المقاومة من تصعيد عملياتها بغزة وما أثرها على الاحتلال؟
صعّدت المقاومة الفلسطينية عملياتها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، في وقت يتزايد فيه الحديث الإسرائيلي عن تآكل قوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وانتهاء قدرتها القتالية، وهو ما دحضته سلسلة من الكمائن والهجمات النوعية مؤخرا.
ومنذ منتصف الشهر الجاري، شهدت مناطق عدة داخل القطاع، أبرزها بيت حانون وحي التفاح وخان يونس، عمليات هجومية للمقاومة، استُخدمت فيها الأنفاق والأسلحة المضادة للدروع، وأوقعت إصابات وقتلى في صفوف قوات الاحتلال.
وفي ذلك، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن الكمائن التي نفذتها كتائب القسام خلال 96 ساعة، وبلغت نحو 7 عمليات، تحمل طابعا نوعيا يعكس تطورا تكتيكيا لافتا.
وأوضح، في حديثه لبرنامج مسار الأحداث، أن معظم هذه العمليات تمّت في المناطق العازلة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال، ما يؤكد على فاعلية الأنفاق وقدرة المقاتلين على العمل خلف خطوط العدو دون أن يتم كشفهم أو إحباطهم.
واعتبر الدويري أن صمت المقاومة طوال قرابة شهر لم يكن تراجعا، بل نتيجة لتحولات في تكتيك الجيش بعد تعيين رئيس الأركان الجديد إيال زامير، الذي منح أولوية مطلقة لسلاح الجو بنسبة 80% من الجهد الناري، مقابل تراجع دور القوات البرية.
إعلانوأشار إلى أن المقاومة كانت خلال تلك الفترة محرومة من فرص الاشتباك، لكنها أعادت التموضع لاستغلال أي ثغرة تكتيكية.
رسائل وتوقيت
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة، فإن العمليات الأخيرة ترسل رسائل سياسية وعسكرية في توقيت بالغ الدلالة.
فبعد أشهر من الحرب والدمار والحصار المشدد، تنجح المقاومة في تنفيذ عمليات جريئة داخل العمق الميداني للاحتلال، الأمر الذي يقوّض مزاعم تل أبيب بالقضاء على المقاومة، ويعيد خلط الأوراق على طاولة التفاوض السياسي.
واعتبر عفيفة أن عملية بيت حانون، على وجه الخصوص، تمثل نقطة تحول، إذ خرج خلالها مقاتلو القسام من الأنفاق إلى منطقة تبعد نحو 300 متر عن السياج الفاصل، ونفذوا كمينا دقيقا أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخرين، ثم انسحبوا بسلام.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة الإسرائيلية عن "توسيع الحرب"، تظهر مؤشرات داخلية على تصدع الجبهة الداخلية، حسب ما أكده الخبير بالشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، والذي لفت إلى أن العمليات الفلسطينية الأخيرة زادت من حدة التوتر داخل المجتمع الإسرائيلي.
وأضاف مصطفى أن الجيش الإسرائيلي بات يعتمد سرديات متناقضة، مثل الحديث عن تحرير الأسرى بينما تتواصل الخسائر دون تقدم ملموس. وأشار إلى أن هذا التناقض يضعف الثقة بالقيادة العسكرية، خاصة في ظل اتهامات علنية بتواطؤ الجيش مع أجندة نتنياهو السياسية للبقاء في الحكم.
ورأى اللواء الدويري أن نوعية السلاح المستخدم في الكمائن تعكس تطورا في تكتيكات المقاومة رغم الحصار، فصواريخ "الياسين 105" استخدمت بفاعلية في كمين التفاح لاستهداف ناقلات الجنود، بينما تم استخدام قذائف "آر بي جي" في بيت حانون لضرب آلية غير مصفحة.
وفي ما يتعلق بأبعاد العمليات سياسيا، شدد وسام عفيفة على أن العمل الميداني للمقاومة يخدم المسار السياسي، إذ يشكل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية للقبول بمبادرة حماس الأخيرة التي تقترح صفقة شاملة تتضمن وقف الحرب وانسحابا كاملا.
إعلانلكن الضغوط الداخلية الإسرائيلية تبقى غير كافية، كما يرى مصطفى، بسبب بنية الحكومة اليمينية التي لا تعير أهمية للرأي العام أو التكاليف البشرية.
شخصنة الحرب
وأكد أن تصريحات رئيس الشاباك رونين بار، التي أشار فيها إلى "شخصنة الحرب من قبل نتنياهو"، تُعد مؤشرا على تململ داخل المؤسسة الأمنية قد يتصاعد إذا استمرت الخسائر دون نتائج ملموسة.
ورأى الدويري أن المقاومة قادرة على الاستمرار في تنفيذ عمليات مفاجئة ومؤلمة، خاصة إذا ما ركزت على الضربات العميقة التي تؤثر نفسيا وسياسيا داخل إسرائيل.
وأشار إلى أن 75% من شبكة الأنفاق لا تزال فاعلة، ما يمنح المقاومة هامش مناورة للتخطيط وشن هجمات خاطفة.
ورغم أن الاحتلال يلجأ إلى معاقبة المدنيين للرد على تلك العمليات، كما يقول عفيفة، فإن المقاومة تحاول الحد من الخسائر البشرية من خلال اختيار توقيتات ومواقع لا تجر إلى اشتباكات واسعة، في محاولة للتوازن بين الاستنزاف العسكري وتفادي الكلفة الإنسانية المرتفعة.
واستشهد مهند مصطفى بتصريحات اللواء احتياط إسحاق بريك، التي وصف فيها ما جرى في غزة بـ"الهزيمة الموجعة"، ليؤكد أن المعايير الإسرائيلية للنصر لم تتحقق: فلا القضاء على حماس تحقق، ولا جرى فرض شروط تل أبيب على اتفاق وقف إطلاق النار، مما يقوّض الخطاب السياسي الإسرائيلي.
وتوقع مصطفى أن تتصاعد الضغوط السياسية مع اتساع رقعة التململ الشعبي وغياب الأفق العسكري، في ظل رفض الحكومة التراجع عن أهدافها رغم الخسائر. واعتبر أن العامل الأميركي لا يزال هو الأكثر تأثيرا، في حين أن الداخل الإسرائيلي قد يشهد تحولات حاسمة في حال تصاعد العصيان أو تكرار العمليات المؤلمة.
ورأى الدويري أن أسلوب القتال الإسرائيلي تغير بشكل جذري، إذ أصبح الجيش يركز على القصف المكثف من الجو والمدفعية، دون الدخول إلى عمق المناطق المبنية، مع تعزيز وجوده على التلال المحيطة، مما يدل على خشية من الالتحام المباشر، ويمنح المقاومة فرصة أفضل لتنفيذ ضربات خاطفة.
إعلانواعتبر مهند مصطفى أن استمرار الانقسام داخل إسرائيل سيضعف قدرة الحكومة على الحسم، وأن أي تغيير جوهري في الميدان أو الموقف الأميركي قد يُعجّل بفرض تسوية لا تلبي الشروط الإسرائيلية، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة تتجاوز الحسابات العسكرية إلى رهانات سياسية وجودية.