بيت القفل.. طراز معماري فريد وشاهد على براعة الإنسان العماني
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
نظرا لطبيعة محافظة مسندم الجبلية وقلة السهول المنبسطة فيها فقد تركز الاستيطان البشري منذ القدم على المصاطب الجبلية وفي الجيوب الساحلية المتناثرة بين سواحلها المشرشرة والمتداخلة وقد تميز الاستيطان البشري في المناطق الجبلية بنمط معماري متميز وفريد من العمارة يدل على مدى براعة الإنسان العُماني القديم في التأقلم مع ظروف الطقس والحياة وقدرته على تطويع موارد الطبيعة من حوله لتناسب احتياجاته واحتياجات أسرته وقد ظل هذا الطراز شاهدا على قدم الاستيطان البشري في المنطقة ويسمى هذا النوع من العمارة «بيت القفل» وتنتشر مثل هذه البيوت أكثر في المناطق الجبلية المرتفعة التي كانت موطنا لكثير من بدو المنطقة الذين تركوا هذه المناطق الجبلية ولكن ظل معظمهم يحتفظ بهذه البيوت ويأتي إليها بين حين وآخر خاصة في فصل الشتاء.
التقت «عمان» بيوسف بن محمد الشحي أحد المهتمين في التاريخ في حوار يعيد إلى الذاكرة نمطا معماريا ندر تشييده في الوقت الحاضر مع تفاصيل جميلة لكيفية بنائه واستخداماته.
يقول يوسف بن محمد بن علي الشحي يسمى هذا الطراز المعماري بيت القفل، وذلك نظرا لدقة بنائه وقوة إحكامه وكان الأجداد والآباء يحرصون في القرون الماضية على بناء مساكنهم في الأماكن المرتفعة وذلك تجنبا لمخاطر سقوط الأمطار التي كانت تهدد البيت في المناطق المنحدرة والبيت عبارة عن غرفة واحدة مبنية من الصخر الأحمر الجبلي أو غيره من الصخور المتوفرة في المنطقة الذي كانت تبنى به أيضا آنذاك القلاع التاريخية القائمة في المنطقة ومناطق أخرى بمحافظة مسندم حتى الآن وتدل مواد البناء المستخدمة في بنائه على عبقرية الأجداد الفطرية فالجدران مبنية من الطين الذي يجعل حرارة البيت معتدلة في الصيف ودافئة في الشتاء أما السقف فمن خشب السدر والسمر وتوضع فوقه طبقة من الطين وبينهما ورق شجر صغير يعرف بـ«السخبر» وذلك لمنع سقوط الطين عند هطول الأمطار في فصل الشتاء.
نظام متكيف مع الطبيعة
من أهم ما يميز بيت القفل هو تصميمه بطريقة خاصة ومناسبة لظروف الطقس المختلفة وفي هذا الجانب يقول يوسف الشحي: «يمثل بيت القفل نوعا خاصا من العمارة يدل على مدى براعة الإنسان القديم في التأقلم مع ظروف الطقس والحياة وكيفية تطويعه الطبيعة من حوله لتناسب احتياجاته واحتياجات أسرته ويعود سبب تسمية هذا النوع من البيوت لوجود نظام قفل خاص به فهو يحوي قفلين يمكنان صاحب البيت من التحكم فيه بشكل أكبر ولحفظ البضائع بالداخل عند مغادرة صاحب البيت في فصل الصيف إلى السواحل ويتميز بيت «القفل» بأمرين: الأول أن حجارة وصخور وجدران «القفل» تكون مرصوفة بشكل متلاصق يربطها ويلحمها بعضها بالبعض الآخر «الجص» أو «الطين» وما يسمونه «طين المقطع» الذي يقوم مقام الإسمنت في البناء الحديث في سد الثغرات الموجودة بين الحجارة أما الأمر الثاني فهو أن غرفة النوم في بيت «القفل» وهي عادة غرفة واحدة رئيسية تنام فيها العائلة كلها فإنها محفورة داخل الأرض بعمق متر تقريبا، كي تساعد على حماية النائمين من البرد الشديد وعواصف الجبال والهواء البارد أيام الشتاء.
تعاون في البناء
ويؤكد يوسف الشحي على روح التعاون الأسري والقبلي الذي كان سائدا فما إن كان الشخص ينوي الزواج وبناء منزل للعائلة حتى يهب الكبير والصغير من أجل المعاونة في عملية البناء التي تمر بمراحل متعددة تتميز كل مرحلة بدقتها وتفاصيلها وتقع على عاتقهم مهمة البناء وقد يطلبون «فزعة» أي نجدة ومساعدة من أبناء الحي فإذا اجتمع هؤلاء للمساعدة سمي هذا التجمع «حشيد» أي الحشد من الأصدقاء الذين يساعدون في إتمام بناء بيت القفل.
المرحلة الأولى
وتبدأ أولى مراحل بناء بيت القفل بحفر حفرة بيت القفل على شكل مربع أو حسب رغبة مالك البيت في شكلها أو عمقها وعادة تكون شكل مستطيل بعمق متر فإذا تم هذا باشروا بحفر أساس البيت وهو الأساس الذي ستقوم عليه جدران البيت الأربعة فبيت القفل عامة مربع الشكل وتوجد في داخله دكتين يفصل بينهما مكان الجلوس وتحضير الطعام أي أن تصميم البيت مكون من دكتين مرتفعتين تتوسطهما مساحة الجلوس أي استقبال الضيوف وصنع الطعام فإذا تم تكديس الصخور التي ستبنى بها الحيطان، فحينذاك يقومون بتهيئة «الجص» الذي يصنعونه في محارق خاصة وهو المادة التي تمسك وتشد الحجارة بعضها إلى البعض الآخر أو أن يستعملوا بدلا عنه «الطين» وهو مادة طينية حمراء شديدة التماسك تصلح للبناء، وأحسنه ما يسمى «طين المقطع». فإذا وضعوا حجر الأساس ارتفعوا بالبناء بأن يضعوا حجرا جنب حجر بشكل هندسي ويملأون الثغرات بينهما بالجص أو بطين المقطع فيتماسك الحجر ويرتفع الحائط محافظين على استقامته وعدم بروز أحجار منه لئلا يميل ويسقط.
المرحلة الثانية
ونظرا لكبر حجم الأواني الفخارية التي يستخدمها سكان المناطق الجبلية لتخزين الطعام فإنه يتم البدء بوضعها في البيت قبل الشروع في بناء السقف حيث يقول يوسف الشحي: إذا ارتفعت الجدران ووصلت إلى أعلى من قامة الإنسان بدأوا بإدخال الأواني الفخارية «الخرس» الذي تحفظ به الحبوب والتمر والعسل وغيرها ثم يعمدون إلى السقف ويباشرون بتهيئة المواد التي يصنع منها ليقوموا بالتسقيف وتتكون مواد التسقيف عادة من أخشاب شجر السدر القوي ويسمونه «علبة»، وتوضع أخشاب السدر بشكل متراص على حيطان البيت لتكون المرحلة الأولى من عمل التسقيف.
فإذا تم هذا رصوا فيما بينها وشدوها بعضها بالآخر ثم جهزوا أحجارا صخرية صغيرة اسمها (الصفي) تصف ما بين (العلب) أي خشب السدر المتراص. وبعد ذلك يهيئون (الغيلة) وهي خلطة تصنع من الطين الأحمر والتبن وعيدان ورق شجر (السخبر) تخلط بالماء جيدا فتصبح كثيفة ومتماسكة وتفرش جيدا على خشب السدر والحصى الصغير الموجود بينهما حتى تسد كافة الثغرات والتشققات فإذا انتهوا من هذا العمل فرشوا ترابا بارتفاع قدم إلى قدمين فوق الغيلة فيصير السقف قويا يتحمل زخات المطر الكثيف فلا يترشح منه الماء إلى داخل البيت كما أنه يتحمل ثقل أهل البيت إن هم رغبوا بالمنام فوق سطح المنزل صيفا ويكون السقف مائلا قليلا إلى الخلف كي يتخلصوا من ماء المطر إذا تجمع فوقه وذلك ببناء (التسنيفة) وهو الحاجز الذي يحصر ماء المطر ويؤدي به إلى المرزاب لينسكب الماء إلى الخارج وتصنع التسنيفة من صف الحجارة واحدة جنب الأخرى فوق السقف وعلى مداره ويخرج جزء منها إلى الخارج ويثبت في أجزائها حجر عريض هو المرزاب الذي (ينسف) الماء أي يقذف به إلى الخارج ويسمى أقشوع القفل - فإذا تم بناء السقف انصرفوا إلى سد شقوق حيطان القفل من الداخل بالطين الأحمر المخلوط بالتبن وشعر الماعز فيسدون به الفتحات الصغيرة التي قد تظهر ويطلون به ما بين الأحجار لضمان عدم تسرب الهواء البارد أو مياه الأمطار منها.
نظام قفل خاص
ويضيف يوسف الشحي: إذا صادف أن وجد رجال البناء حجرا واحدا كبيرا له سطح مسطح، أو وجدوا حجرين كبيرين بهذا الشكل، وكان البيت صغير الحجم، تعاونوا على رفع الحجر الضخم أو الحجرين وثبتوهما على الجدران فإذا تم كل هذا وضعوا باب الدار واسمه باب (القفل) ويصنع من خشب السدر المربوط بالمسامير الحديدية القوية، والباب مكون من صفيحتين وأحيانا من صفيحة واحدة ولكل باب مفتاحان واحد اسمه (العلق) ويفتح المعلقة (القفل الداخلي للبيت) والثاني اسمه (لمفرية) وتكون أسفل الباب وتفتح بطريقة خاصة ومعقدة لا يعرفها إلا صاحب البيت أما بالنسبة لنظام التهوية والنوافذ ففيه فقط فتحة في سقف المنزل للتهوية تقع في زاوية المطبخ من غرفة الجلوس ويسمى (مصباح) أو (الفغل) يسمح بدخول النور ومنه يخرج دخان المطبخ أيضا ويسدونه عادة بأغصان نبات العنزروت ذي الأشواك التي تمنع دخول الثعابين والجرذان والحشرات إلى الداخل.
مزار سياحي
وأكد يوسف الشحي أحد المهتمين بالتاريخ أهمية الحفاظ على بيوت القفل وترميمها بحيث تصبح شاهدا على النمط المعماري الفريد خاصة كونها أصبحت في الآونة الأخيرة مزارا سياحيا للعديد من السياح الذين يبحثون عن التاريخ الحضاري القديم والشواهد الأثرية القائمة منها والدالة على تاريخ الاستيطان وطبيعة حياة أهلها. ويظل بيت القفل في جبال محافظة مسندم شاهدا على براعة الإنسان العماني وتطويعه لبيئته الجبلية الوعرة ليتكيف مع الحياة القاسية فيها ولتظل هذه البيوت اليوم تاريخا ومتحفا للأجيال يبرز نمطا معماريا خاصا وفريدا لا مثيل له على هذه الأرض.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المناطق الجبلیة
إقرأ أيضاً:
أوريشنيك أم صاروخ عابر للقارات؟ روسيا تحيّر الخصوم والخبراء
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت متأخر من ليل الخميس، أن روسيا أطلقت صاروخا باليستيا فرط صوتي في طور التجربة على هدف في أوكرانيا ليل الأربعاء، لكن التقارير تضاربت بشأن نوع الصاروخ المُستخدم في الهجوم، وفقا لتقرير بمجلة نيوزويك الأميركية.
وخلال حديث تلفزيوني، خاض بوتين في تفاصيل الصاروخ الذي استُخدم في الغارة على دنيبرو بأوكرانيا، وفقا لما نقله الإعلام الروسي.
وقال إن "من بين العمليات التي أُنجزت تجربة أحد أحدث أنظمة الصواريخ الروسية متوسطة المدى، وهو صاروخ باليستي فرط صوتي مزود برأس حربي غير نووي".
وأضاف أن "المشغلين الروس أطلقوا على المنظومة اسم أوريشنيك (شجرة البندق). واعتُبرت التجارب ناجحة، حيث أُصيب الهدف وفق المخطط".
وحذر بوتين من أن بلاده قد تضرب أهدافا عسكرية لأي دولة تورد أسلحة تستخدم لمهاجمة روسيا.
وذكر الرئيس الروسي أن إجراء تجربة قتالية لمنظومة "أوريشنيك" جاء ردا على التصرفات "العدوانية" لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد موسكو، مشيرا إلى إطلاق أوكرانيا صواريخ أميركية وبريطانية بعيدة المدى ضد روسيا.
وقد أُطلق الصاروخ على مدينة دنيبرو وسط أوكرانيا من مقاطعة أستراخان جنوب غربي روسيا، وفقا لما ذكرته القوات الجوية الأوكرانية، التي قالت أيضا إن موسكو أطلقت بشكل منفصل صاروخ كينجال الفرط صوتي، و7 صواريخ كروز من طراز "خا-101".
تضارب وتحقيق
من ناحية أخرى، لم تؤكد وزارة الدفاع الروسية الأنباء التي أفادت بأن الهجوم ربما نُفذ بصاروخ عابر للقارات، كما تجنب الكرملين ووزارة الخارجية الروسية -خلال مؤتمرات صحفية أمس الخميس- الإجابة على أسئلة بشأن الاستخدام المزعوم لهذا الصاروخ.
وكذلك، شكك خبراء في إطلاق صاروخ عابر للقارات، وألمحوا إلى أن روسيا ربما أطلقت صاروخا باليستيا متوسط المدى، وذلك فيما تجري أوكرانيا تحقيقات معمقة للتأكد من نوع الصاروخ المستخدم.
من جانبه، قال كورت فولكر، السفير الأميركي السابق لدى الناتو والذي شغل أيضا منصب الممثل الأميركي الخاص في المفاوضات المتعلقة بأوكرانيا، إن روسيا ربما حاولت بهذه الضربة الصاروخية أن تجعل خطابها النووي أكثر تخويفا.
من جهة أخرى، قال وليام ألبركي، الباحث في مركز "هنري إل. ستيمسون"، إنه من الناحية العسكرية لا معنى لاستخدام صاروخ عابر للقارات، قليل الدقة نسبيا، في مثل تلك الضربة التي نفذتها روسيا.
في السياق نفسه، قال مسؤول أميركي لشبكة "إن بي سي" إن روسيا لم تطلق صاروخا عابرا للقارات على أوكرانيا كما زعمت كييف.
ما الصواريخ العابرة للقارات؟الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تستطيع قطع مسافات أبعد من 5500 كيلومتر، وتعد من الأسلحة الإستراتيجية القادرة على حمل رؤوس نووية.
وطول مداها يجعلها قادرة على تهديد أراضي دول تبعد آلاف الكيلومترات، وتعمل الولايات المتحدة حاليا على تحديث صواريخها العابرة للقارات من طراز "مينيت مان 3" -التي تشكّل المكون الأرضي من ثلاثيتها النووية- إلى طراز "سنتينل".
أما الصواريخ العابرة للقارات التي زعمت أوكرانيا أن روسيا استخدمتها ضدها فهي من طراز "آر إس-26" المتنقلة على الطرق، والتي تُعرف أيضا باسم "روبيج"، وتستطيع هذه الصواريخ حمل رأس حربي نووي أو تقليدي.
بيد أن هناك شكوكا فيما إن كان الصاروخ المستخدم في الهجوم الروسي الأخير من طراز "آر إس-26″، أو صاروخا باليستيا متوسط المدى.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن "خصائص" الصاروخ، بما في ذلك سرعته وارتفاعه، تشير إلى أنه صاروخ باليستي عابر للقارات، لكن التحقيقات جارية للوقوف على حقيقة الأمر.
هل سبق استخدامه؟
ما زالت أمور كثيرة غامضة بشأن ذلك الهجوم، لكن إذا تأكد استخدام صاروخ "آر إس-26″، فسيكون ذلك أول استخدام قتالي في التاريخ لصاروخ باليستي عابر للقارات برأس حربي تقليدي.
ويقول محللون إن روسيا إن كانت قد استخدمت صاروخ روبيج فإنه ليس الخيار العملي بالنسبة لها لضرب هدف مثل المنشأة المستهدفة في دنيبرو.
ويوضح وليام فرير، الباحث في "مجلس الجيوستراتيجيا" ببريطانيا، أن "صاروخ آر إس-26 مصمم لحمل رؤوس نووية، لكن من الواضح أنه لم يُستَخدم بهذا الشكل في ذلك الهجوم".
وأضاف أن "روسيا على الأرجح استخدمت صاروخ آر إس-26 على سبيل التخويف لداعمي أوكرانيا، لأجل تصعيد التوترات بشأن استخدام صواريخ باليستية ذات قدرة نووية، تستطيع ضرب عواصم أوروبية".