اعتبر شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى أن "مجزرة رفح التي نفّذها العدو الاسرائيلي في حق الفلسطينيين أخيرا، هي جريمة حرب وتحد صارخ لقرارات محكمة العدل الدولية، وانتهاك جسيم للقوانين والأعراف الدولية". وقال في بيان، "ان استشهاد وأصابة العشرات جراء القصف الإسرائيلي على مخيم النازحين شمال غربي رفح في جنوب قطاع غزة، جلهم من النساء والأطفال وكبار السن، في منطقة يفترض أنها آمنة ويوجد فيها عشرات آلاف النازحين، هي جريمة موصوفة، تضاف الى جرائم العدو الصهيوني منذ بدأ عدوانه على غزّة.
وإذ دعا "المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال للانصياع لقرارات الشرعية الدولية ومحاسبته على الاستمرار بجرائمه"، شدّد على "العمل الحثيث لوقف فوري للعدوان".
من جهة ثانية، وخلال جولة روحية قام بها في بلدة رأس المتن بدأها بزيارة قاضي المذهب الدرزي الشيخ غاندي مكارم، شدّد شيخ العقل على وجوب الارتقاء بوحدتنا الداخلية إلى المستوى الذي سار عليه السلف الصالح في نهج الالتقاء وجمع الشمل وتعزيز قيم الأخوة والتسامح، والنهل من فيض نور فكرهم الإيماني، الذي عزّز فينا تلك الوسطية التي نحتاجها جميعاً اليوم وكما يحتاجها وطننا أيضاً، بمقتضى قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ"...) .
أضاف: إنّنا نعيش في خضم تحدّيات كبيرة جداً على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية، تهدّد مسار حياتنا اليومية والقيم التي نشأ عليها مجتمعنا، ممّا يجعلنا في حالة قلق، اذا لم نُدرك مخاطرها ونحسن التعامل معها، وخوف على مستقبل أجيالنا القادمة. لذا، ونحن على مسافة قريبة من حلول أيام العشر المباركة، فإننا ندعو للعودة الى أصالتنا المعروفية وإلى ذواتنا واستدراك معاني التضحية، الهادفة الى تحقيق غايتنا المطلقة، في ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى".
وشملت الجولة زيارات إلى منازل عدد كبير من المشايخ في البلدة وخلواتها الدينية، برفقة الشيخ الجليل أبو زين الدين حسن غنام والشيخين فندي جمال الدين شجاع وأبو صافي أنور العياص وعدد من أعضاء المجلس المذهبي والمشايخ والمستشارين، واختتمت بالمشاركة في السهرة الدينية الموّسعة في خلوة البلدة، بمناسبة ترميمها وتوسعتها. وذلك بدعوة من الشيخ الجليل أبو فايز أمين مكارم، وحضور الشيخ القاضي نعيم حسن والمشايخ الأجلّاء: أبو صالح محمد العنداري، أبو علي سليمان أبو ذياب، أبو طاهر منير بركة، أبو محمود سعيد فرج، أبو حسن عادل النمر، أبو سليمان سعيد سري الدين، أبو فارس مروان فياض وماجد أبو سعدا ، الى عدد من المشايخ الأعيان وجمع من المشايخ من البلدة والجبل وباقي المناطق.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
العقل كشبكة العنكبوت.. الإنسان وخيوط الارتباط الخفية
بقلم- موسى العنزي
في ركنٍ قصيّ من الطبيعة، في تلك الزوايا التي تمرّ بها أعيننا ولا تراها، تنسج العناكب شبكاتها بهدوءٍ ودقة، في مشهد لا يخلو من الشاعريةٍ لو تأملناه. وقد يكون في هذا الخلق الصغير ما يكشف سرًّا كبيرًا عن أنفسنا، نحن بني البشر، وعن طبيعة عقولنا التي نظنها حكرًا على جماجمنا، بينما هي، في حقيقة الأمر، تمتدّ وتتوزع، تتناثر وتتشبّك.
كشف باحثون من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) أن عقل العنكبوت لا يُختزل في جسده، بل يمتد خارجًا، ليعيش داخل شبكته المصنوعة من الحرير والتوتر والاهتزاز. فإن مُسّت تلك الشبكة بسوء، اضطرب العنكبوت وارتبك، كما يضطرب الإنسان عند إصابته بجلطة؛ كأنما فُقد جزء من وعيه، لا لأن ضررًا أصاب دماغه، بل لأن موضعًا من ذاته قد تمزّق خارج جسده.
تلك الرؤية تقودنا إلى تأمل حالنا نحن. ألسنا نحن أيضًا كائنات منفتحة على العالم؟ ألسنا نعيش بما نلمسه ويَلمسنا؟ إن أفكارنا لا تتوقف عند حدود بشرتنا، بل تفيض إلى من حولنا، إلى اللغة التي نسمعها وننطقها، إلى الذكريات التي ورثناها، إلى إيماءات الأيدي، ونظرات العيون، وإحساس اللحظة العابرة التي لا تُقال. نحن لسنا جُزُرًا منعزلة، بل شبكات من خيوط لا تُرى، نعيش من خلالها وبها.
ومن هنا، يبدو لي أن النموذج القديم للعلاج النفسي- شخصان في غرفة بيضاء، يحاولان تفكيك النفس بالكلمات- يبدو قاصرًا أمام هذه الحقيقة. فكيف نُصلح جرحًا في الروح إن كانت الروح ذاتها مشتتة في غابة من العلاقات والروابط؟ كيف نردّ نهرًا إلى مجراه بشفاء قطرة مطر؟
العقل- إذًا- ليس آلة تعمل بمعزل، بل شبكة حيّة كشبكة الفطريات تحت التربة؛ لا صوتًا منفردًا بل جوقةً تعزف معًا، لا جدارًا صامتًا بل أرضًا خصبة ترتجف تحت وقع الخطى، تتفاعل مع ما حولها، وتتشكل منه.
لهذا، إن أردنا الفهم والشفاء، فلننظر لا إلى داخل النفس وحدها، بل إلى ما يحيطها: إلى حكايات الأسلاف، إلى حزن الطيور التي هاجرت ولن تعود، إلى الاسم الذي لم يُنطق فغاب، وإلى اليد التي امتدّت يومًا ثم انسحبت.
لعلّ الشفاء ليس في إصلاح ما انكسر، بل في إعادة نسج ما تمزّق. في الإنصات لا للكلمات وحدها، بل لكل ما يرتجف عند حافة الإدراك. لكل من مرّوا فينا وتركوا فينا أثرًا. لكل الأرواح التي تسكننا، ولكل العوالم التي تتذكّرها نيابةً عنّا.