عند حدوث أيّ جريمة تتدخل الفرق الجنائية ويبدأ التحقيق مباشرة على عدّة مراحل، فتستدعي المرحلة الأولى عمل المحققين على جمع وتحليل الأدلة الموجودة في مسرح الجريمة بدقة عالية، مثل دراسة الأسلحة المستخدمة وفحص السوائل البيولوجية مثل الدم والعرق، ومطابقة آثار الأقدام وبصمات الأصابع وغير ذلك، ويعد ذلك كلّه بداية جمع الخيوط لإعادة بناء قصّة كاملة مترابطة الأحداث.

ويشير عالِم الجريمة الفرنسي "إدموند لوكارد" أنّ هناك عملية تُدعى "مبدأ التبادل"، وينصّ على أنّ "كلّ اتصالٍ يترك أثرا"، وهذا يعني أنه ما من جريمة كاملة، بل إنّ المجرم يترك أثرا بشكل أو بآخر سواء أكان ذلك مرتبطا بالضحية مباشرة أم بالبيئة أو بالسجل التاريخي وغيره.

وفي عهد "لوكارد" بداية القرن العشرين؛ كان تطبيق هذا المبدأ باستخدام عدسات التكبير لفحص الأشياء، والتي ربّما لا ترتبط بشكل مباشر بالجاني، وهذا يعني أنّ الأمر قد يستغرق فترة زمنية أطول ومراحل إضافية في عملية التحقيق.

الآثار الميكروبية وعلم الأحياء الدقيقة الشرعي

وكشفت دراسة حديثة نُشرت بمجلة "جينس" عن عاملٍ ثوري قد يقلب الموازين مستقبلا، وهو علاقة البكتيريا الموجودة على الجلد في ترك آثار على الملابس التي يرتديها الإنسان، وإمكانية استمرار هذه الآثار عدة أشهر قبل أن تختفي، مما يسهّل عملية تحديد هوية مرتديها بشكل مباشر.

وعلى الرغم من أنّ علم الأدلة الجنائية تطوّر كثيرا خلال السنوات الأخيرة بفضل الاستعانة بخلايا الجلد والشعر والسوائل البيولوجية في تحديد هويّة الأشخاص، فإن الكشف عن هوية الجاني على المستوى الميكروبي يُعد مرحلة متقدمة للغاية وثورية.

وقد تنتقل هذه الميكروبات المرتبطة بأجزاء مختلفة من جسم الإنسان إلى المحيط عند حدوث تماس مباشر، وقد تبقى لفترات طويلة هناك، وهو ما يجعلها لا تُقدر بثمن في الإجابة على مجموعة متنوعة من أسئلة الطب الشرعي والجنائي.

وبدأ علم الأحياء المجهري الشرعي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في مكافحة الإرهاب البيولوجي، أما اليوم فإن دائرة استخدامه باتت أوسع من ذي قبل، إذ يطبّق للتعرّف على الأفراد بعد وفاتهم، وفهم صحتهم قبل حدوث الوفاة، وتحديد كيف ولماذا ماتوا، وكم من الوقت استغرق الأمر.. وقياسا على هذا التطور الكبير في علم الأدلة الجنائية، يقترح الباحثون تحديثا لمبدأ "لوكارد" ليكون في حلته الجديدة على النحو التالي: "كلّ اتصالٍ يترك أثرا ميكروبيولوجيا بالضرورة".

جسم الإنسان يستضيف تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة، وعدد الكائنات الميكروبية يساوي تقريبا عدد الخلايا في الجسم (شترستوك) الميكروبيوم.. عالَم ميكروبي داخل الإنسان

ويُطلق لفظ "الميكروبيوم" على مجموع الميكروبات التي تعيش مع الكائن الحي سواء أكانت على سطح جسمه مباشرة أم بداخله. ويعتقد العلماء أنّهم ما زالوا بصدد تعلّم المزيد عن مقدار انتقال الميكروبيوم الخاص بالفرد إلى المحيط، والمدة الزمنية التي يبقى فيها قبل أن يندثر، وأيّ الميكروبات تُعد أكثر فائدة لتحديد هوية الشخص. كما أنّ هناك بعض التحديات في فصل الميكروبات عن بعضها البعض عندما تتعدد المصادر.

وفي 2021 أطلق باحثون من جامعة "سنترال لانكشاير" في المملكة المتحدة وآخرون من جامعة "إيسترن بيدمونت" في إيطاليا، وصفا دقيقا على تلك الميكروبات التي تنتقل باللمس وتوجد على الجلد هو "الميكروبيوم اللمسي"، ودرسوا كيف يمكن لهذه البكتيريا أن تنتقل وتستمر لمدة تصل إلى شهر على الأسطح غير المسامية مثل الشرائح الزجاجية.

كما عمدوا إلى تحليل حمض نووي مأخوذ من عينات بعض الجثث جُمدت لمدة تصل إلى 16 عاما، ليجدوا أنّ الميكروبات المتجمدة قادرة على تحديد سبب الوفاة ومرحلة التحلل.

وفي الدراسة الحديثة التي أجريت، طُلِب من شخصين في أستراليا ارتداء قميصين من القطن لمدة 24 ساعة، ثمّ وُضع القميصان بجوار ملابس أخرى لم تُلبس من قبل، وأُخضعت الملابس للحفظ بدرجات حرارة منخفضة لمدة 6 أشهر. وفي أثناء عملية الفحص كانت تؤخذ عيّنات من كلا القميصين والملابس الأخرى على فترات متقطعة في إيطاليا وفي بريطانيا.

وكشفت النتائج أنّ المتطوعَين في التجربة كانا قد نقلا من جسميهما ميكروبات مميّزة للقميصين، ويمكن التعرّف عليهما بسهولة عند فحص القميصين وتحديد من صاحب كلّ قميص. وظلّ أثر الميكروبيوم الموجود على القميصين حاضرا لمدة تصل إلى 180 يوما. كما لاحظوا أنّ بعض البكتيريا انتقلت من القميصين إلى الملابس الأخرى الموجودة قربهما، مما يشير إلى قدرة الميكروبات على الانتقال بين المواد والأسطح الأخرى.

وبعيدا عن مميزات الفحص المجهري الثوري، فإنّ الثياب والملابس تعد أبرز الأدلة في مسرح الجريمة، ويمكن التعرّف على هويّة الشخص من خلال بعض المؤشرات مثل الجنس والمهنة والدخل والحالة الاجتماعية، وربّما الانتماءات السياسية والدينية والثقافية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

“بيئة الحدود الشمالية ” تنظم معرضًا للتوعية بمضادات الميكروبات

المناطق_الحدود الشمالية

نظَّم فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة الحدود الشمالية، أمس، معرضًا توعويًا تحت شعار “تعامل مع مضادات الميكروبات بحرص”، تزامنًا مع الأسبوع العالمي للتوعية بمقاومة مضادات الميكروبات، وذلك في مجمع العثيم مول بمدينة عرعر.

وأوضح مدير عام الفرع بالمنطقة المهندس بندر بن صالح الهديه، أن المعرض الذي يستمر لمدة يومين يهدف إلى رفع الوعي بأهمية استخدام مضادات الميكروبات التي تؤثر سلبًا على علاج أمراض الإنسان والحيوان والبيئة، لافتًا النظر إلى أن إساءة استعمال المضادات والإفراط في استعمالها يؤدي إلى تسريع وتيرة المقاومة الميكروبية.

أخبار قد تهمك “زراعة عسير” تدشن فعاليات يوم الغذاء العضوي السعودي 2024 14 نوفمبر 2024 - 9:15 صباحًا الرياض تستضيف المعرض السعودي للدرون والذكاء الاصطناعي في المجال الزراعي “سادف 2024”.. نوفمبر المقبل 20 أكتوبر 2024 - 11:58 صباحًا

وأشار إلى أهمية الالتزام بالنصائح الموجهة من الطبيب في كيفية حفظ العلاج والفترة المحددة لكل مرض، إلى جانب التوعية بالآثار الجانبية للمضادات الحيوية ودور المجتمع للحد من مقاومة الجراثيم نتيجة سوء استخدام المضادات، أو خلافها من الأدوية التي قد يكون لها آثارها الجانبية على صحة الفرد أو المجتمع.

مقالات مشابهة

  • لسماع أقوال الطب الشرعي| تأجيل محاكمة سفاح التجمع للخميس المقبل.. شاهد
  • غدا.. «سفاح التجمع» يواجه طليقته و الطب الشرعي
  • عرض سائق على الطب الشرعي لبيان تعاطيه المخدرات لدهسه شاب بالمرج
  • تقرير الطب الشرعي.. حالة سعد الصغير الصحية تستدعي تعاطي الترامادول
  • قضية المطرب الشعبي سعد الصغير.. تقرير «الطب الشرعي» يقلب الموازين
  • تقرير الطب الشرعي: حالة سعد الصغير الصحية تستدعي تعاطي الترامادول
  • "المخدرات بتعالجني".. الطب الشرعي طوق النجاة الأخير لـ سعد الصغير أمام المحكمة
  • هل يعد تقرير الطب الشرعي طوق نجاة لسعد الصغير أم يدفعه خلف القضبان؟
  • “بيئة الحدود الشمالية ” تنظم معرضًا للتوعية بمضادات الميكروبات
  • حدث وأنت نائم| تقرير الطب الشرعي يكشف سبب وفاة الملحن محمد رحيم.. واعترافات نجل زوجة شيف شهير دهس عامل دليفري