الميكروبات تحدد الهوية.. فتح جديد قد يقلب موازين الطب الشرعي
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
عند حدوث أيّ جريمة تتدخل الفرق الجنائية ويبدأ التحقيق مباشرة على عدّة مراحل، فتستدعي المرحلة الأولى عمل المحققين على جمع وتحليل الأدلة الموجودة في مسرح الجريمة بدقة عالية، مثل دراسة الأسلحة المستخدمة وفحص السوائل البيولوجية مثل الدم والعرق، ومطابقة آثار الأقدام وبصمات الأصابع وغير ذلك، ويعد ذلك كلّه بداية جمع الخيوط لإعادة بناء قصّة كاملة مترابطة الأحداث.
ويشير عالِم الجريمة الفرنسي "إدموند لوكارد" أنّ هناك عملية تُدعى "مبدأ التبادل"، وينصّ على أنّ "كلّ اتصالٍ يترك أثرا"، وهذا يعني أنه ما من جريمة كاملة، بل إنّ المجرم يترك أثرا بشكل أو بآخر سواء أكان ذلك مرتبطا بالضحية مباشرة أم بالبيئة أو بالسجل التاريخي وغيره.
وفي عهد "لوكارد" بداية القرن العشرين؛ كان تطبيق هذا المبدأ باستخدام عدسات التكبير لفحص الأشياء، والتي ربّما لا ترتبط بشكل مباشر بالجاني، وهذا يعني أنّ الأمر قد يستغرق فترة زمنية أطول ومراحل إضافية في عملية التحقيق.
الآثار الميكروبية وعلم الأحياء الدقيقة الشرعيوكشفت دراسة حديثة نُشرت بمجلة "جينس" عن عاملٍ ثوري قد يقلب الموازين مستقبلا، وهو علاقة البكتيريا الموجودة على الجلد في ترك آثار على الملابس التي يرتديها الإنسان، وإمكانية استمرار هذه الآثار عدة أشهر قبل أن تختفي، مما يسهّل عملية تحديد هوية مرتديها بشكل مباشر.
وعلى الرغم من أنّ علم الأدلة الجنائية تطوّر كثيرا خلال السنوات الأخيرة بفضل الاستعانة بخلايا الجلد والشعر والسوائل البيولوجية في تحديد هويّة الأشخاص، فإن الكشف عن هوية الجاني على المستوى الميكروبي يُعد مرحلة متقدمة للغاية وثورية.
وقد تنتقل هذه الميكروبات المرتبطة بأجزاء مختلفة من جسم الإنسان إلى المحيط عند حدوث تماس مباشر، وقد تبقى لفترات طويلة هناك، وهو ما يجعلها لا تُقدر بثمن في الإجابة على مجموعة متنوعة من أسئلة الطب الشرعي والجنائي.
وبدأ علم الأحياء المجهري الشرعي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في مكافحة الإرهاب البيولوجي، أما اليوم فإن دائرة استخدامه باتت أوسع من ذي قبل، إذ يطبّق للتعرّف على الأفراد بعد وفاتهم، وفهم صحتهم قبل حدوث الوفاة، وتحديد كيف ولماذا ماتوا، وكم من الوقت استغرق الأمر.. وقياسا على هذا التطور الكبير في علم الأدلة الجنائية، يقترح الباحثون تحديثا لمبدأ "لوكارد" ليكون في حلته الجديدة على النحو التالي: "كلّ اتصالٍ يترك أثرا ميكروبيولوجيا بالضرورة".
جسم الإنسان يستضيف تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة، وعدد الكائنات الميكروبية يساوي تقريبا عدد الخلايا في الجسم (شترستوك) الميكروبيوم.. عالَم ميكروبي داخل الإنسانويُطلق لفظ "الميكروبيوم" على مجموع الميكروبات التي تعيش مع الكائن الحي سواء أكانت على سطح جسمه مباشرة أم بداخله. ويعتقد العلماء أنّهم ما زالوا بصدد تعلّم المزيد عن مقدار انتقال الميكروبيوم الخاص بالفرد إلى المحيط، والمدة الزمنية التي يبقى فيها قبل أن يندثر، وأيّ الميكروبات تُعد أكثر فائدة لتحديد هوية الشخص. كما أنّ هناك بعض التحديات في فصل الميكروبات عن بعضها البعض عندما تتعدد المصادر.
وفي 2021 أطلق باحثون من جامعة "سنترال لانكشاير" في المملكة المتحدة وآخرون من جامعة "إيسترن بيدمونت" في إيطاليا، وصفا دقيقا على تلك الميكروبات التي تنتقل باللمس وتوجد على الجلد هو "الميكروبيوم اللمسي"، ودرسوا كيف يمكن لهذه البكتيريا أن تنتقل وتستمر لمدة تصل إلى شهر على الأسطح غير المسامية مثل الشرائح الزجاجية.
كما عمدوا إلى تحليل حمض نووي مأخوذ من عينات بعض الجثث جُمدت لمدة تصل إلى 16 عاما، ليجدوا أنّ الميكروبات المتجمدة قادرة على تحديد سبب الوفاة ومرحلة التحلل.
وفي الدراسة الحديثة التي أجريت، طُلِب من شخصين في أستراليا ارتداء قميصين من القطن لمدة 24 ساعة، ثمّ وُضع القميصان بجوار ملابس أخرى لم تُلبس من قبل، وأُخضعت الملابس للحفظ بدرجات حرارة منخفضة لمدة 6 أشهر. وفي أثناء عملية الفحص كانت تؤخذ عيّنات من كلا القميصين والملابس الأخرى على فترات متقطعة في إيطاليا وفي بريطانيا.
وكشفت النتائج أنّ المتطوعَين في التجربة كانا قد نقلا من جسميهما ميكروبات مميّزة للقميصين، ويمكن التعرّف عليهما بسهولة عند فحص القميصين وتحديد من صاحب كلّ قميص. وظلّ أثر الميكروبيوم الموجود على القميصين حاضرا لمدة تصل إلى 180 يوما. كما لاحظوا أنّ بعض البكتيريا انتقلت من القميصين إلى الملابس الأخرى الموجودة قربهما، مما يشير إلى قدرة الميكروبات على الانتقال بين المواد والأسطح الأخرى.
وبعيدا عن مميزات الفحص المجهري الثوري، فإنّ الثياب والملابس تعد أبرز الأدلة في مسرح الجريمة، ويمكن التعرّف على هويّة الشخص من خلال بعض المؤشرات مثل الجنس والمهنة والدخل والحالة الاجتماعية، وربّما الانتماءات السياسية والدينية والثقافية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
موازين القوى فى طريق التغيير
لا شك أن العالم أدرك يقينًا كذب واستبداد وتسلط وحقارة الدول الكبرى التى تحكم وتتحكم فى العالم، ازداد الوعى العالمى وتجلت أمام الجميع حقيقة الذئاب التى تنهش، والمتآمرون الذين انتهكوا كافة القوانين الدولية والإنسانية من أجل أن يعيشوا وحدهم فى الأرض.
ولكن هل يظل العالم كما هو تحكمه قوى الشر والظلام، مدعو الديمقراطية وحقوق الإنسان؟، بالطبع لا، العالم سيتغير خلال سنوات وموازين القوى ستتغير وكم من إمبراطوريات وممالك عظيمة سقطت وأصبحت ماض يذكرها التاريخ فقط.
المشهد العالمى الآن غامض وإن كنا على يقين أن للظلم نهاية، وأن كثيرين سيخرجون من عباءة الشيطان الذى نصب من نفسه شرطيًا على العالم فخطط وأفسد وارتكب مذابح تحت زعم محاربة الإرهاب، سيتكتلون ضده حتى يحرقونه كما أحرق ودمر دولًا وشعوبًا وسيذهب إلى مذبلة التاريخ.
المتابع لما يدور فى العالم يدرك أن تغيير موازين القوى قادم لا محالة، ولنضرب أمثلة صغيرة ببعض الأحداث التى قد تبرهن على هذا التغيير، فقد أجريت منذ أيام انتخابات برلمانية فى اليابان وجورجيا وجاءت النتائج عكس كل التوقعات لتثبت أن الكتلة الشرقية سوف تجذب مزيدًا من المؤيدين وسيكون لها شأن آخر خلال السنوات المقبلة.
فى اليابان لقى الحزب الليبرالى الديمقراطى الحاكم، القابع فى السلطة منذ سنوات خسارة كبيرة، حيث حصل على أقل من 18% من الأصوات، والسبب سخط شعبى نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الين، والتضخم، المثير أن من فاز هو الحزب الدستورى المعارض
والذى ينتمى للوسط ويميل للصين وهذا يشير إلى بدء تغير قواعد اللعبة فى اليابان.
وفى جورجيا شكلت نتائج الانتخابات البرلمانية ضربة قوية للجورجيين المؤيدين للغرب، الذين اعتبروا الانتخابات اختيارًا بين الحزب الحاكم الذى يوطد علاقاته مع روسيا والمعارضة التى كانت تأمل فى تسريع التكامل مع الاتحاد الأوروبى، فقد حصل حزب الحلم الجورجى الحاكم الموالى لروسيا على أكثر من 54%، ورفضت المعارضة الاعتراف بالهزيمة، بل ورفضتها رئيسة جورجيا سالوميه زورابيشفيلى الفرنسية التى تخلت عن جنسيتها، ولم تكتف بالرفض بل دعت الشعب للتظاهر رفضًا لنتيجة الانتخابات معرضة بلدها لخطر الفوضى.
وبالطبع نتيجة الانتخابات فى اليابان وجورجيا ليست فى صالح أمريكا التى تعد اليابان إحدى أذرعتها وسط النمور الأسيوية، وعلى الـطرف الآخر يشكل خروج جورجيا من الاتحاد الأوروبى خطرًا على الكتلة، فربما تقدمت دولًا أخرى بطلبات للخروج من هذا التكتل كل حسب مصالحه، وما زال خروج بريطانيا من التجمع شبحًا يهدد هذا التحالف بالانهيار.
علمنا التاريخ أنه لا شىء يستمر مهما كانت قوته وجبروته، كما أن كل فترة تظهر قوى تحكم وتسيطر وتختفى بعد سنوات من الظلم والطغيان، وأعتقد أنه آن الأوان لهذه القوى المتغطرسة الشريرة التى تعادى الإنسانية أن تذهب إلى غير رجعة.
حفظ الله مصر من كل سوء
[email protected]