الخرطوم «القدس العربي»: حذر رئيس الوزراء السوداني السابق ـ رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» عبد الله حمدوك من المخاطر الوجودية التي تواجهها البلاد في ظل تمدد الحرب المندلعة فيها منذ أكثر من عام.
ولفت إلى تنامى خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية الأمر الذي يهدد بقاء الدولة السودانية، داعيا إلى التصدي لها ومحاصرة من وصفهم بـ« العنصريين ودعاة الفتنة بكل حزم وجدية».


جاء ذلك خلال مخاطبته أمس الإثنين المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وسط مشاركة واسعة للمجموعات المدنية والحركات المسلحة الداعية إلى إنهاء الحرب واستعادة الانتقال المدني للسلطة في البلاد.
وقال «حمدوك» إن الحرب في عامها الثاني دخلت مرحلة غير مسبوقة من تدمير للشعب السوداني والبنية التحتية للبلاد، لافتا إلى ارتفاع وتيرة الانتهاكات وسط نُذر المجاعة التي تهدد ملايين السودانيين.
ونوه أن عدم تدارك تبعات المجاعة سيؤدي الى فقدان أضعاف مضاعفة من الأرواح تفوق أعداد الذين راحوا تحت نيران الرصاص، مناشدا المجتمع الإقليمي والدولي بتحمل مسؤولياته والضغط على الأطراف المتصارعة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط وألا يتم استخدام الغذاء والدواء كسلاح لقتل المزيد من المدنيين. وطالب المجتمع الدولي بالسعي الفوري والجاد لإيقاف الحرب وإعادة الأطراف المتصارعة إلى طاولة التفاوض وفق رؤية متكاملة للحل تقود إلى الوقف الفوري للمعارك وإيصال المساعدات الإنسانية والعودة إلى مسار الانتقال المدني الديمقراطي للسلطة.
ورأى ان استمرار الحرب يشكل كارثة آنية وبعيدة المدى، مضيفا: « أن نتائجها الحتمية أرواحٌ تزهق وأجيالٌ تُدّمر ومواردُ تهدر وشعبٌ يتعرض للذل والمهانة في أماكن نزوحه ولجوئه».
وتابع: « إنه من غير اللائق أن يدعو من هو في مأمن الى استمرار الحرب تحت أي ذريعة كانت».
وأكد أن جهود القوى المدنية لم تتوقف منذ الساعات الأولى لانفجار الأوضاع، مشيرا إلى أن اتصالاتها مستمرة مع طرفي النزاع، والقوى، والمنظمات الإقليمية، والدولية.
وقال حمدوك إن جهود جمع القوى المدنية أخذت بعض الوقت حتى استطاعت قطع خطوة مهمة عبر تنظيم الاجتماع الموسع الذي انعقد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا والذي أفضى إلى تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».
وأشار إلى جهود توسيع التحالف، والدعوات التي وجهتها التنسيقية للقوى السياسية والحركات المسلحة والنقابات المهنية ولجان المقاومة للانضمام إلى

تنسيقية القوى الديمقراطية تفتتح مؤتمرها التأسيسي

«تقدم» بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة القائد عبد الواحد محمد نور بالإضافة إلى المؤتمر الشعبي برئاسة علي الحاج محمد والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل). كذلك اجتمعت التنسيقية بحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل والحزب الشيوعي السوداني وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.
وأطلقت مبادرة دعت خلالها رئيس المجلس السيادي السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى عقد لقاء مع قيادة «تقدم» لبحث سبل إنهاء الحرب، مضيفا: « وجدنا ردودا إيجابية، ونتيجة لذلك التقينا بقائد قوات الدعم السريع في أديس أبابا، وقد تم الإعلان عن مخرجات اللقاء التي لم تخرج عن جهود وقف الحرب، ولا زلنا نتطلع للالتقاء بالقائد العام للقوات المسلحة».
وشرعت القوى المدنية في بناء جبهة موحدة ضد الحرب، مؤكدة أنها تهدف إلى وقف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين.
وخلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية وصف رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بأنه لحظة تاريخية يقف فيها السودانيون في وجه الحرب.
وقال إن « تقدم» وبعد إجازة رؤيتها السياسية ونظامها الأساسي واختيار قيادة جديدة، ستصبح الفاعل الأساس في عملية وقف الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي، والأكثر انفتاحا لتوسيع جهود قوى الثورة والتغيير.
وأشار إلى أن الجبهة الثورية التي تضم تحالف حركات مسلحة وتنظيمات معارضة بذلت جهودا مضنية لإيقاف الحرب، متهما الحركة الإسلامية بإشعالها والاستمرار في تأجيجها من أجل استعادة السلطة.
وادان كل الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي حدثت في البلاد منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/ نيسان الماضي، داعيا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
وأكد «أن الحل الصحيح لوقف الانتهاكات ومنع تعاظمها، هو الوقف الفوري للحرب والخضوع للجنة التحقيق الدولية المكلفة من مجلس حقوق الإنسان لمحاسبة كل من تورط في جرائم حرب وانتهاكات لحقوق المدنيين. «
وبشأن الأوضاع في إقليم دارفور، أشار إلى وضع ثلاثة خيارات على طاولة أطراف القتال تشمل: وقف الحرب عبر اتفاق وقف العدائيات أو خروج الجيش والدعم السريع من مدينة الفاشر وترك مسؤولية حفظ الامن للقوة المشتركة للحركات المسلحة بالإضافة إلى فتح ممرات آمنة تضمن خروج المدنيين من مناطق الاشتباك في مدينة الفاشر.
وأشار إلى أن جميع الخيارات المطروحة رفضت من جانب الأطراف المتقاتلة بينما تتفاقم الأوضاع في الفاشر، مضيفا: «لن نيأس من إيجاد وسيلة نضمن بها حماية المدنيين».
وقال: «إن الحركات المسلحة التي ما تزال في موقف الحياد تمضي في ترتيبات لتكوين قوة مشتركة جديدة لحماية المدنيين وحماية القوافل الإنسانية والتجارية وحراسة وتأمين المرافق العامة» مضيفا: «إن استمرار الحرب والفراغ الدستوري نتيجة لغياب سلطة شرعية أصبح أكبر مهدد لوحدة السودان».
ورأى أن الانخراط في حل سلمي لأزمة البلاد عبر عملية سياسية تعالج جذور وأسباب النزاع وتؤسس لترتيبات سياسية ودستورية جديدة هو الضامن الوحيد لعدم تقسيم البلاد.
وأضاف: « انه في حال تعذر إيجاد حل سلمي، فإن استمرار حكومة بورتسودان التي وصفها بـ«غير الشرعية» سوف يكون سببا لتقسيم البلاد، مطالبا المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بها.
ودعا السودانيين إلى تشكيل حكومتهم المدنية و«نزع الشرعية» عن الحكومة الحالية من أجل ضمان وحدة السودان.
واعتبر مشاركة الحركة الشعبية شمال، وحزبي المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي الأصل فتحا جديدا لتشكيل أكبر جبهة مدنية من القوى الرافضة للحرب والداعية لاستعادة التحول الديمقراطي والمؤمنة بمبادئ وأهداف الثورة السودانية.
وينتظر أن يستمر مؤتمر تنسيقية القوى الديمقراطية المدينة في أديس ابابا خمسة أيام، بحضور أكثر من 600 مشارك وأكثر من 20 تنظيما سياسيا ومسلحا.
وتسعى « تقدم» وفق أولوياتها المعلنة إلى وضع رؤية سياسية لإيقاف الحرب وتأسيس الدولة واعتماد هيكل تنظيمي جديد واعتماد قيادة موسعة وخطة عمل للتنسيقية لتعزيز مساعي استعادة الانتقال المدني في البلاد.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى الدیمقراطیة المدنیة وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

القراءة في عقل الأزمة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مخاطر الهجرة غير الشرعية.. ندوة لنائب وزير الخارجية ورئيس اللجنة الوطنية بجامعة أسيوط
  • القراءة في عقل الأزمة
  • محافظ أسيوط ورئيس الجامعة يشهدان فعاليات ندوة مخاطر الهجرة غير الشرعية
  • ???? ماذا تريد الإمبراطورية العجوز من السودان
  • رئيس الصومال يتعهد بتعزيز الديمقراطية وتنفيذ الانتخابات المباشرة
  • السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية
  • تقدم ملحوظ للجيش السوداني.. والبرهان: لا وقف لإطلاق النار إلا بانسحاب الدعم السريع
  • انتخاب ترامب واحتمال تأثيره على الأوضاع في السودان
  • السوداني يدعو لعدم الالتفات إلى الشائعات التي تحاول إفشال التعداد بالعراق
  • طلب البعثة الاممية التي قدمه حمدوك كانت تصاغ وتُكتب من داخل منزل السفير الانجليزي في الخرطوم!!!