هآرتس: هل كشف احتفال اليمين بمجزرة رفح الوجه القبيح لإسرائيل؟
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
يقول البعض إن احتفال اليمين الإسرائيلي بمذبحة المدنيين برفح هو الوجه القبيح الحقيقي لإسرائيل، مما يجعل أولئك الذين يعتقدون أو يعرفون فعلا أن ثمة "إسرائيل مختلفة" يواجهون تحديا مستحيلا في سعيهم لإثبات العكس.
هذا ما يلخصه مقال بصحيفة هآرتس الإسرائيلية التي أكدت في بدايته أن المذبحة التي شهدتها مدينة رفح الفلسطينية الأحد الماضي كانت حتمية، حيث إنه بغض النظر عن مدى دقة الضربات العسكرية الإسرائيلية، وفي ظل وجود أكثر من مليون لاجئ فلسطيني في مخيمات المنطقة، كان لا بد، عاجلا أم آجلا، أن يتسبب ذلك بخسائر بشرية جماعية.
وأوضحت أن تلك الغارة الإسرائيلية أحدثت دمارا واسع النطاق، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 45 شخصا، وأظهرت اللقطات المدنيين وهم يتخبطون في خيام محاصرة بالجحيم.
وكالعادة، تقول كاتبة المقال أليسون كابلان سومر كان قادة إسرائيل ومواطنوها ومناصروها في الخارج على أهبة الاستعداد للدفاع عن جيش إسرائيل "الأخلاقي".
ولفتت الكاتبة إلى أن هؤلاء عبروا عن رفضهم وشجبهم لأي اتهام بأن العدوان كان من الممكن تجنبه، أو أي تلميح إلى أن ما وقع كان متعمدا، بما في ذلك استخدام كلمات مثل "إبادة جماعية" أو "مذبحة".
فمثل تلك الاتهامات "تحريف غير دقيق للحقيقة في أحسن الأحوال ومعاداة حقيرة للسامية في أسوئها"، حسب زعمهم.
"ولكن قبل أن يتمكنوا من القيام بذلك هذه المرة، أصبح من الواضح بشكل مؤلم منذ البداية أن جهودهم ستذهب سدى"، وفقا لسومر.
ماغال وبن غفيروسرعان ما بدأت أصوات وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة في إسرائيل بالاحتفال بالنيران، حسب الكاتبة، وبالتالي بوفاة أولئك الذين غمرتهم النيران، من خلال مقارنة الصور على سبيل المزاح بالنيران التذكارية التي أشعلت في لاغ بعومر-العطلة اليهودية التي صادفت نفس يوم عيد المجزرة.
وأضافت أن هؤلاء المتطرفين عبروا عن سعادتهم بأن هذا الحريق كان "المشعل المركزي في رفح"، متمنين للمتضررين "عيدا سعيدا"، في تغريدات تم حذفها لاحقا، لكنها لن تُنسى، وسيتم الإشارة إليها كدليل على أن الحريق كان متعمدا، بل تم الاحتفال به، على حد قولها.
وأوضحت سومر أن الصحفي الأبرز الذي أذكى نيران الكراهية هو ينون ماغال، الذي يثبت باستمرار أنه إيتمار بن غفير الإعلام الإسرائيلي، ويبدو أنه، مثل الوزير المتطرف، يبتهج ويفتخر بالمظاهر الوقحة التي تنم على الاستهتار بحياة الفلسطينيين ونكران إنسانيتهم.
وختمت بأن بن غفير وماغال بسلوكيِهما يقدمان أدلة كافية على النوايا الخبيثة لعرقلة أي محاولة تقوم بها إسرائيل للدفاع عن سلوك جيشها، مما يجعل محو صورة "الوجه القبيح لإسرائيل" صعبة على من يعتقدون أن لها وجها آخر.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
اليمين المتطرف في أوروبا.. من حالة عابرة الى ظاهرة مستدامة
لم تأخذ بعض الزوايا حيزًا كافٍ في النقاشات بشأن صعود اليمين المتطرف في أوروبا. فقد بات معلوماً أن انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة شهدت تقدماً كبيراً للأحزاب المنتمية لليمين المتطرف في دولٍ وازنة في الاتحاد الأوروبي شأن فرنسا وإيطاليا وألمانيا، ما قد يُنذر بـ"تحولات جوهرية" في مقاربة التكتل الأوروبي لعدد من الملفات داخلياً وخارجياً.
لكن يبدو أن البعض يغفل دور شبكات الأعمال والتمويل في دعم اليمين معتدلاً كان أم متطرفاً، ويفضّل التركيز على الجانب الأيديولوجي وهو مهم بلا شك لكنّه لم يعد الأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام وفي نتائج الانتخابات. إذ تكشف جولة سريعة على أبرز الصحف والمواقع الإلكترونية الأوروبية عن غياب التحليل العميق لكيفية عمل شبكات التمويل الكبرى وتقديمها الدعم اللوجستي الذي يعزز مَكانة القوى والاحزاب اليمينية في السياسة كما في الحياة الاجتماعية. لذلك لا بد من السؤال بإلحاح عن تأثير الشركات الكبرى ورجال الأعمال المحافظين في تعزيز دور الحركات اليمينية.
تحالف المصالح
لا تدعم شبكات الأعمال والتمويل دائمًا اليمين لأسباب أيديولوجية بحتة، بل لأن ذلك يتناسب مع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فيما يستفيد اليمين بدوره من هذا الدعم لتوسيع نفوذه الشعبي والسياسي. ولا يقتصر الدعم على تمويل الحملات الانتخابية، بنحو مباشر أو غير مباشر، بل يتعداه إلى إنشاء مراكز أبحاث ومؤسسات فكرية (Think Tanks) تختبئ خلفها شبكات الأعمال، وتعمل من خلالها على ترويج أفكار اقتصادية واجتماعية تتقاطع مع أجندة اليمين بمختلف تياراته. أعرق هذه المراكز هو معهد آدم سميث في بريطانيا وأكثرها شهرةً هو مركز سيبوس (CEPOS) في الدنمارك.
إن عمق التحولات الاقتصادية والسياسية في أوروبا تنذر بأن صعود اليمين المتشدد ليس ظاهرة طارئة قد تختفي مع تجاوز الأزمات الاقتصادية ومكافحة العنصرية والحدّ من الهجرات غير الشرعية، بل هو ظاهرة راسخة يتمتع دعاتها ببنية ثابتة في البلديات والمؤسسات. وهذه الظاهرة مرشحة للاتساع اذا ما طبق دونالد ترامب تهديداته الاقتصادية الخطيرة ضد القارة العجوز.ووصل الأمر بشبكات الأعمال تلك إلى الهيمنة على أجهزة الاعلام أي السلاح الفعال للتيارات والأحزاب السياسية. إذ يجري امتلاك أو تمويل وسائل إعلام تقليدية أو منصات رقمية بهدف الترويج لخطاب يحرّض على المهاجرين من دول غير أروربية ويربط الهجرة ربطا تعسفيا بقضايا محلية مثل البطالة والتغيرات الثقافية والأمن، أو لخطاب معادٍ للمسلمين مع تصويرهم كتهديد للهوية الأوروبية، فضلاً عن هدف التأثير على السياسات الرسمية لدفعها باتجاه سوق حرة أقل تقنينًا (حيث ينخفض تدخل الحكومة في الأنشطة الاقتصادية)، وباتجاه تخفيض الضرائب على الشركات والثروات الكبرى بالإضافة إلى دعم إجراءات مناهضة للنقابات العمالية والتشريعات الحمائية التي قد تعيق مصالح رأس المال الكبير. ولعل أبرز مثال هو أداء صحيفتَي "ديلي ميل" و"ذا صن" في بريطانيا وكذلك "غازيتا بولسكا" و"دزينييك" في بولندا.
ولم توفر وسائل الإعلام هذه، أي جهدٍ لاستغلال قضايا الهجرة وإثارة قلق المواطنين على هويتهم القومية وعلى جوانب من اقتصادهم على رأسها سوق العمل في مقابل الهائها عن قضايا عدم المساواة الاقتصادية أو قضايا السياسية الخارجية التي غالباً ما تحمل الدول الأوروبية على تبني مواقف متماهية مع السياسة الأميركية بمعزل عن مصالحها الخاصة.
وبالحديث عن إلهاء الرأي العام، وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام ولا سيما الفرنسية والهولندية منها إلى تلقي التمويل لشن حملات مضادة للسياسات البيئية الصارمة، واستغلال احتجاجات بعض الفئات المتضررة مثل المزارعين وسائقي الشاحنات ضد القيود البيئية. فضلاً عن دعم روايات مشكّكة بالتغيّر المناخي أو ترويج حلول "بديلة" تصب في مصلحة الشركات الكبرى. وهذا ما كشفت عنه سلسلة تقارير نشرها موقع Science Feedback ركزت بمعظمها على نشر بعض الجهات معلومات مضلِّلة لتقويض نشاط الحملات البيئية.
التحوّلات داخل اليمين الأوروبي
تحوّلاتٌ عميقة شهدها اليمين الأوروبي خلال العقدين الأخيرين أثرت في المشهد السياسي بشكل واضح. وما المكاسب التي حققها "حزب البديل من أجل ألمانيا" و"التجمع الوطني" في فرنسا و"حزب إخوة إيطاليا" وكذلك "حزب الحرية" النمساوي سوى ثمرة هذه التحولات التي بدأت مع صعود اليمين الشعبوي عام 2015 بفعل الأزمة التي ولّدها تدفق اللاجئين، ثم زاد نفوذه مع صعود شخصيات قيادية مثل مارين لوبان في فرنسا وجيورجيا ميلوني في إيطاليا وهربرت كيكل في النمسا وفيكتور أوربان في المجر.
ومع انتشار التيارات الأكثر تطرفًا وتصاعُد الدعوات إلى "استعادة أوروبا البيضاء" من الأجانب بدت أحزاب اليمين التقليدي، مثل حزب الجمهوريين في فرنسا أو الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، مربكة وغير مستعدة للتعامل مع هذه التغيرات. فما كان من بعضها إلا أن تبنى أجندة أكثر يمينية لاستعادة الناخبين على غرار ما فعلت جورجيا ميلوني في إيطاليا، فيما رفض البعض الآخر الانزلاق نحو التطرف كما فعل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" الذي رفض التعاون مع "البديل لألمانيا". لكن، في بعض الحالات واجهت الأحزاب اليمينية أزمة وجودية انحسار الدعم الذي تدفق لصالح التيارات الأكثر تشددًا، على غرار ما أصاب الحزب الجمهوري الفرنسي الذي يُعدّ حزباً سياسياً من اليمين ووسط اليمين.
انعكست هذه التحولات على المجتمعات الأوروبية وزادت حدّة الانقسام بين مناصري القيم الليبرالية والتعددية، وبين أنصار القومية والهوية الوطنية المتشددة. وزادت الهوّة الفاصلة بين الطبقات الوسطى والعاملة التي تأثرت بالخطابات القومية والحمائية الاقتصادية. فتصاعدت الحركات المناهضة لليمين المتطرف، مثل "السترات الصفراء" في فرنسا أو التظاهرات المناهضة لحزب "البديل لألمانيا" ما عمّق الانقسامات المجتمعية.
الاختلافات داخل أوروبا نفسها
قد يُنظر إلى صعود اليمين في أوروبا على أنه ظاهرة موحَّدة ومتناسقة، إلا أن الواقع يُظهر اختلافات جوهرية بين دول القارة. فبرغم تشابه بعض القضايا التي يستغلها اليمين لتحقيق المكاسب السياسية، مثل الهجرة والهوية الوطنية، إلا أن العوامل التاريخية والاقتصادية تلعب دورًا مهماً في رسم مسار الصعود وأسبابه ونتائجه في كل دولة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يختلف الإرث السياسي بين كل من أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية إذ بقي اليمين المتطرف في أوروبا الغربية على الهامش السياسي لعقود تلت الحرب العالمية الثانية. ولم ينتعش إلا مع حدوث تغيرات اقتصادية صادمة كالعولمة وتراجع الصناعات التقليدية الذي أدى إلى فقدان الوظائف لدى الطبقات الوسطى والعاملة ما عزز شعورها بعدم الأمان الاقتصادي وزاد من جنوحها نحو رفض المهاجرين والتشكيك في السياسات الأوروبية الموحَّدة.
إن صعود اليمين في أوروبا ليس ظاهرة موحدة، بل يتشكل وفقًا للسياقات المحلية، حيث تلعب التقاليد السياسية والتحديات الاقتصادية والمستجدات دورًا أساسيًا في توجيه مساراته المختلفة.أما في أوروبا الشرقية، فجاء صعود اليمين في سياق مغاير ولد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حين شهدت الدول الوليدة انتقالًا اقتصاديًا وسياسيًا غير مستقر، ما أدى إلى نشوء خطاب يستند إلى القومية المحافظة والعداء للنخب الليبرالية.
في المقابل، تأثرت دول البحر الأبيض المتوسط مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، بصعود اليمين بطريقة مختلفة. فهذه الدول عانت من أزمات اقتصادية حادة، مرتبطة بأزمة الديون التي ظهرت عام 2008، ما أفقد الأحزاب التقليدية ثقتها بالمؤسسة الأوروبية فتنامى دور الحركات اليمينية التي استغلت الغضب الشعبي تجاه الاتحاد الأوروبي وخيارات الأحزاب المحلية المعتدلة.
هكذا تساهم العوامل الاقتصادية في صعود الأحزاب اليمينية، عندما ترتبط بأزمة اقتصادية أو فقدان الثقة بالمؤسسات. أما العوامل السياسية والإيديولوجية فتحدد طبيعة الخطاب اليميني وحدوده. وعليه، فإن صعود اليمين في أوروبا ليس ظاهرة موحدة، بل يتشكل وفقًا للسياقات المحلية، حيث تلعب التقاليد السياسية والتحديات الاقتصادية والمستجدات دورًا أساسيًا في توجيه مساراته المختلفة. مساراتٌ ذكرنا منها ما يتعلق بالسياسات الداخلية لكل دولة على حدة، علماً أن ما يتصل بالعلاقات الخارجية لا يقل أهمية ويستحق مساحةً واسعةً للبحث والنقاش خصوصاً مع عودة دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية وإستئنافه نهج الحمائية الاقتصادية والمواجهة المباشرة مع عدد من الدول والتكتلات ومن بينها أوروبا.
موجز القول، إن عمق التحولات الاقتصادية والسياسية في أوروبا تنذر بأن صعود اليمين المتشدد ليس ظاهرة طارئة قد تختفي مع تجاوز الأزمات الاقتصادية ومكافحة العنصرية والحدّ من الهجرات غير الشرعية، بل هو ظاهرة راسخة يتمتع دعاتها ببنية ثابتة في البلديات والمؤسسات. وهذه الظاهرة مرشحة للاتساع اذا ما طبق دونالد ترامب تهديداته الاقتصادية الخطيرة ضد القارة العجوز.
*كاتبة وإعلامية لبنانية