تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

«إلى بيوتنا، إلى أعمالنا، إلى الشواطئ، إلى حقولنا.. يجب أن نعود.. إلى أراضينا المخمرة بالبن المبيضة بالقطن.. المخضرة بالأذرة.. يجب أن نعود، إلى التنقيب عن الماس والذهب والنحاس والنفط يجب أن نعود، إلى أنهارنا وبحيراتنا، إلى الجبال والغابات يجب أن نعود، إلى نضرة شجر التين، إلى أساطيرنا وموسيقانا ونيراننا.

. يجب أن نعود».

الشاعر البرتغالي "أ جوستينو نيتو"

في واقع الأمر، أن الحديث عن الأدب الأفريقي يحتاج إلى مجلدات كثيرة، حتى نستطيع الحديث عن كل هذا الثراء الفكري والأدبي المتفرد للأدب الأفريقي فكل نوع أدبي سواء قصة أو شعرا أو رواية أو مسرحية أو أسطورة أو حكاية شعبية أو تراثية نجد أننا أمام معضلة كبيرة، وهي من أين نبدأ هل نبدأ بالمعاناة التي عاشتها أفريقيا في ظل الاستعمار ما جعلها فريسة للجهل والظلم والظلمة وهذا ما نجده متجليًّا في الكثير من الأعمال الإبداعية أو في الفنون الأفريقية. 

ونجد في الفترات الأخيرة أنه أصبح هناك توجه كبير نحو الاهتمام بالأدب الأفريقي وترجمته إلى اللغة العربية في ظل النهضة التي تشهدها حركة الترجمة، بل إن هناك الكثير من الدراسات سواء اللغوية أو الأنثروبولوجية التي توجهت إلى دراسة ما يصدر عن القارة الأفريقية من فنون سواء المتعلقة بالموروث الشعبي أو التراث الأفريقي، وفي هذا العدد سنحلق سويًّا في الأدب الأفريقي من خلال بعض الإصدارات التي تناولت الأدب الأفريقي ومنها الكتاب الصادر حديثًا عن عالم المعرفة للكاتب موكوما وانجوجي وهو ابن الأديب الأفريقي الكبير نجوجي واثيونجو صاحب رواية "أشياء تداعي"، ورواية "شيطان على الصليب"، وترجمة الدكتور صديق جوهر خبير الترجمة، تحت عنوان "نهضة الرواية الأفريقية.. طرائق اللغة والهوية والنفوذ"، وأيضًا كتاب الأدب الأفريقي الصادر عن نفس السلسلة للدكتور على شلش، والذي يطرح من خلاله أهم ملامح الأدب الأفريقي بشتى أنواعه، مع استعراض لأهم شعراء وأدباء القارة السمراء .

الأديب الأفريقي الكبير نجوجي واثيونجو

نهوض الرواية الأفريقية

وهذا الكتاب يعد من الكتب المهمة التي قامت بتحليل النصوص الأدبية الأفريقية وطرح من خلاله عدة تساؤلات مهمة، والتي من الممكن أن تكون بداية جديدة للولوج لعالم الأدب الأفريقي وقبل التطرق إلى تلك التساؤلات التي تنظر إلى الأدب الأفريقي من منظور جديد. 

ويشكل كتاب "نهضة الرواية الأفريقية" اختراقًا جديدًا في مجال النقد الأدبي العالمي، بل، ويُعد إضافة كبيرة وإثراء علميًّا للمكتبة العربية، لأنه لا يقتصر فقط على دراسة الأدب الأفريقي من منظور أدبي أو لغوي وإنما وضع في اعتباره التيارات المختلفة والأجيال المتعددة، متضمنًا في سياق الدراسة الأبعاد السياسية والاجتماعية والتاريخية، والجيوسياسية، أخذًا في الاعتبار "أدب الشتات الأفريقي في جميع أنحاء العالم، مع أيضًا إشكالية الكتابة بلغة المستعر سواء المستعمر الفرنسي أو البريطاني . 

هيمنة اللغات الأجنبية

يقول الدكتور صديق جوهر في مقدمة ترجمته للكتاب: "إن المؤلف يدخل في الجدال الدائر بأن الصراع والتناحر بين اللغات الأفريقية للهيمنة على الساحة الثقافية، لأسباب عرقية، أسهما جزئيًّا في تمكين اللغة الاستعمارية من الازدهار والتنامي في القارة، ولكن السبب الرئيسي في هيمنة اللغات الأجنبية على الفضاءات الأدبية في القارة هو رغبة النخب الأفريقية في أن تكون اللغات الاستعمارية- خصوصا الإنجليزية والفرنسية- هي اللغات التي يُكتب بها الأدب الأفريقي" ، وهنا نجد أننا أمام أهم الإشكاليات التي تواجه الأدب الأفريقي ولهذا جاءت أطروحات المؤلف في بحثه حول الرواية الأفريقية ينطلق من تلك التساؤلات التي أبرزها :"هل من الأفضل كتابة الرواية الأفريقية بلغات الاستعمار أم باللغات المحلية الأصلية؟، وهل يمكن اعتبار الرواية التي كتبها روائي من أصل أفريقي ولد وعاش في المهجر الأوروبي أو الأمريكي أدبًا أفريقيًّا؟ وهل يمكن اعتبار الروايات التي تدور أحداثها بين أفريقيا ودول المهجر أدبًا أفريقيًا؟" وغيرها من التساؤلات التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الأدبية وقت طرحها.. وهو ما يجعلنا أمام الكثير من الحقائق حول الأدب الأفريقي من خلال الدراسة والتحليل، لبعض الأعمال الروائية الأفريقية متخذًا في ذلك إطار مهني نقدي من خلال الاشتباك مع قضايا التعددية سواء المتعلقة بالتعددية اللغوية والعرقية والجنسية والهوية والمسائل المتعلقة بالجندرية. 

الدكتور صديق جوهر خبير الترجمة

صديق جوهر : المؤلف قد انتهي إلى اعتبار أن الأدب الأفريقي هو أدب عالمي مصغر لأنه يجمع كتابات وإنتاج مئات الكتاب والكاتبات سواء من يستقرون في أفريقيا بمن في ذلك أدباء جنوب أفريقيا الأوائل

 

ويتابع "جوهر" في هذا الصدد:" أن المؤلف قد انتهي إلى اعتبار أن الأدب الأفريقي هو أدب عالمي مصغر لأنه يجمع كتابات وإنتاج مئات الكتاب والكاتبات سواء من يستقرون في أفريقيا بمن في ذلك أدباء جنوب أفريقيا الأوائل – ويكتبون باللغات الاستعمارية (الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية) أو من كتبوا الروايات باللغات المحلية ومن ثم ترجمتها إلى لغات الاستعمار، علاوة على الأدباء من ذوي الأصول الأفريقية الذين يعيشون في المنفى والمهجر والكاريبي ومنطقة الأطلسي الأسود والأدباء الذين ينحدرون من أصول أفريقية ويتنقلون بين الوطن الأم والأوطان البديلة في المهجر". 

التوجه نحو العمق الأفريقي 

ولعلنا في هذا الجزء نجد أننا أمام تساؤل آخر من واقع الدراسات التي تناولت الأدب الأفريقي سواء من قبل الباحثين والنقاد أو حتى من قبل المتمردين الذين تصدروا المشهد وأخذوا يبحثون عن جذور الأدب الأفريقي ويقومون برفد الساحة الأدبية بهذا النوع الأدبي المتفرد والذي تغلبه الحكاية والأسطورة وهموم الشتات والمنفى، والعيش بين نيران المستعمر والبعد عن البيئة التي ينتمون إليها وهي القارة السمراء. 

وهنا نعود إلى ما ذكره الدكتور على شلش في كتابه "الأدب الأفريقي" والذي نجده من أهم المراجع العلمية التي نعود إليها حينما نبدأ بعملية البحث والتقصي عن أدب القارة السمراء ويقول :"كان موضوع الأدب الأفريقي حتى عهد قريب حكرا للمتفرقين في أوروبا وأمريكا . وفي أوروبا - بوجه خاص ظهر على أيديهم مصطلح الأدب الأفريقي. ولكن هذا المصطلح اختلط منذ ظهوره بالنزعات الاستعمارية ومخلفاتها الثقافية. وتدرج في مجاله من الأدب الشعبي (الفلكلوري) غير المكتوب إلى الأدب المكتوب باللغات الأوروبية الثلاث التي دخلت في ركاب السيطرة الاستعمارية، وهي بترتيب ظهورها في أفريقيا - البرتغالية والإنجليزية والفرنسية" . 

ويتابع :"ثم شمل أدب اللغات الأفريقية المكتوبة مثل السواحلية والزولو والهوسا . ومع ذلك لم يسلم المصطلح من التحيز لأوروبا، والعطف على الأفارقة من منظور التلمذة على الأوروبيين، ولكن موجة التحرر والاستقلال التي اجتاحت القارة الأفريقية في الخمسينيات وما بعدها أدت إلى تغيرات كثيرة في معاني المصطلح ودلالاته الثقافية، كما أدت إلى ظهور عدد كبير من الأدباء الجدد، لا في اللغات الأوروبية الثلاث المذكورة وحسب، وإنما في اللغات المحلية المكتوبة أيضًا".

الأسطورة في الأدب الأفريقي 

يزخر الأدب الأفريقي بالقصص والأساطير والتي تعتمد في ثناياها على المعتقدات الشعبية والتي تتخذ من الطبيعة أشياء تتعبدها وتقدسها، ولعبت المخيلة الجمعية للشعب الإفريقي دورًا كبيرًا والتي انعكست على الأشكال الأدبية خاصة فيما يتعلق بالأدب الشعبي الشفاهي. 

وهذا النوع الأدبي يعتبر وثيقة مهمة تستحق التأمل والدراسة، فهو يعتبر بمثابة الزاد الذي يحمل معه عمق الثقافة الأفريقية المعتمد على الخيال الشعبي، ومعبرًا عن وجدان الإنسان الأفريقي الذي نشأ بين أحضان الطبيعة، قبل أن تنبشه وتشوهه آثار المستعمر الغربي. 

فمع مرور الزمن تطور الأدب الأفريقي الشعبي والذي أخذ يبحث عن القوة الغيبية التي تخلصه من الرعب والخوف من المجهول، مثل خوفه من مظاهر ومتقلبات الطبيعة مثل الزلازل والبراكين والأعاصير ولهذا ابتدع من خيال مخيلته أساطير وألهه حتى ينجو بنفسه من كل تلك الأشياء، ونجد أن أغلب ما يملكه الإنسان الأفريقي من موروث شعبي وحكايات وأساطير ترتبط بالأساس بالإنسان باعتباره هو محور الأسطورة، وأيضًا المعتقد الديني الذي نجد أنه لعب دورًا محوريًّا عند الشعوب الأفريقية فنسج خياله الأسطورة الغرائبية، التي تشعرك وأنت تتفحصها بالمتعة والجمال وتوافر عناصر التشويق التي تنفذ إلى قلب من يقرأها أو يسمعها، إذ تمتزج عناصر الطبيعة بالإنسان لتنسجا معًا أسطورة طبيعية نابعة من قلب ما يعتقده ويؤمن به الإنسان الأفريقي. 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأدب الأفريقي صديق جوهر الروایة الأفریقیة

إقرأ أيضاً:

يوم المرأة العالمي: إعادة التفكير في الحرية التي لم تكتمل

في يوم المرأة العالمي، نحتفي بها، لكن بأي امرأة؟
تلك التي رسمها الخيال الجماعي في صورة انتصارٍ رمزي؟ أم المرأة التي ما زالت تقف عند حافة التاريخ، تنظر إلى حريتها كضوء بعيد لا يكتمل؟

التاريخ ليس مجرد خط صاعد نحو التقدم، بل شبكة معقدة من الصراعات. والمرأة، رغم كل ما تحقق، لم تخرج تمامًا من ظل الأنظمة التي صاغت وجودها.
قد تكون تحررت من بعض السلاسل، لكنها ما زالت محاطة بجدران غير مرئية، جدران صنعتها السياسة، والدين، والاقتصاد، وحتى اللغة نفسها.
هكذا نجد أن أسماء مثل فاطمة أحمد إبراهيم، التي ناضلت من أجل حقوق المرأة في السودان، لم تواجه فقط السلطة السياسية، بل واجهت بنية اجتماعية متجذرة صممت كي تعيد إنتاج القهر بأشكال جديدة.

لكن السؤال الأهم: هل التحرر أن تُمنح حقوقًا ضمن قواعد لعبة لم تصممها؟ أم أن التحرر الحقيقي هو إعادة تشكيل القواعد ذاتها؟
في مجتمعات تتقن إعادة إنتاج القهر بوجوه ناعمة، يصبح السؤال أكثر تعقيدًا: هل حصلت المرأة على حريتها، أم أنها فقط صارت أكثر وعيًا بما سُلِب منها؟

وإذا كان التحرر مسارًا متجدّدًا، فإن كل انتصار تحقق كان مصحوبًا بقيود جديدة، أكثر خفاءً، وأكثر فاعلية.
المرأة نالت حق التعليم، لكن ضمن أطر تحدد لها ماذا يعني أن تكون “مثقفة” وفق تصورات السلطة، كما حدث مع ملكة الدار محمد، كأول روائية سودانية ولكن بقي صوتها محصورًا داخل سياقات لم تعترف بإبداعها كما يجب.
المرأة نالت حق العمل، لكن في سوق مصمم لإدامة أشكال غير مرئية من الاستغلال، كما شهدنا مع النساء في الثورة السودانية اللواتي وقفن في الصفوف الأمامية، ثم وجدن أنفسهن مستبعدات من مراكز القرار.
نالت المرأة الحقوق السياسية، لكنها ظلت داخل أنظمة لم تتغير جذريًا، كما حدث مع الكثير من الناشطات اللواتي تم تهميشهن بعد الثورات، رغم أنهن كنّ المحرك الأساسي لها.

في ظل هذه التناقضات، يبقى السؤال: هل تحررت المرأة حين دخلت فضاء العمل والسياسة، أم أن الفضاء نفسه أعاد تشكيلها لتناسب إيقاعه، دون أن يسمح لها بتغييره من الداخل؟
لا يزال العالم يحتفي بالمرأة بناءً على الأدوار التي تؤديها للآخرين: أم، زوجة، ابنة، وحتى في أكثر الخطابات تحررًا، تُقدَّم كـ”مُلهمة” و”صانعة تغيير”، لكن نادرًا ما تُمنح حق الوجود كذات مستقلة.

وربما السؤال الحقيقي ليس “كيف تحررت المرأة؟” بل “ممن تحررت؟” وهل التحرر من سلطة الرجل يكفي، بينما ما زالت خاضعة لسلطة السوق، والسلطة الرمزية، وسلطة الخطابات التي تحدد لها حتى كيف ينبغي أن تتمرد؟

عند هذه النقطة، لم يعد السؤال عن الحقوق وحدها كافيًا، بل أصبح من الضروري إعادة النظر في مفهوم العدالة ذاته. هل يكفي أن تكون هناك مساواة قانونية إذا كان النسيج الاجتماعي نفسه منحازًا؟ هل يمكن للمرأة أن تتحدث بصوتها، أم أنها ما زالت تتحدث داخل الأطر التي صُممت سلفًا؟ إن الاحتفاء بيوم المرأة يجب ألا يكون طقسًا رمزيًا، بل لحظة للتأمل في بنية العالم نفسه. هل هو عالم يمكن للمرأة أن تعيد تشكيله، أم أنه عالم يلتهم كل محاولة لإعادة تعريفه؟

في النهاية، الحرية ليست وجهة تصلها المرأة، بل معركة مستمرة، ليس ضد الآخر فقط، بل ضد الأوهام التي صيغت لتجعلها تعتقد أنها وصلت.
ربما السؤال الأكثر إلحاحًا ليس متى ستحصل المرأة على حقوقها الكاملة، بل: هل هذه الحقوق هي كل ما تحتاجه؟ أم أن التغيير الحقيقي يبدأ عندما لا تكون المرأة مضطرة لأن تثبت أنها تستحقها أصلًا؟

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد
  • «الأغذية العالمي»: 620 مليون دولار لمواصلة دعم النازحين غرب ووسط أفريقيا
  • شوقي ضيف.. المؤرخ الأدبي الذي أعاد كتابة تاريخ الأدب العربي
  • برنامج الأغذية العالمي يدعو لتمويل عاجل للمساعدات في أفريقيا
  • أحمد موسى يحذر على الهواء: سأقاضي الصفحات التي روجت لأكاذيب ضدي
  • منطقة الساحل الأفريقي.. مركز الإرهاب العالمي للعام الثاني على التوالي
  • يوم المرأة العالمي: إعادة التفكير في الحرية التي لم تكتمل
  • وزير الاتصالات للمرأة في يومها العالمي: كل عام وأنتِ القوة التي تبني المستقبل
  • خفة النص التي احتملها الغذامي ولم يطقها البازعي!
  • من بينهم ليبيا .. الوكالة الأمريكية للتنمية تبلغ شركاءها الرئيسيين في شمال أفريقيا بانسحابها من جميع المشاريع التي شاركت فيها