الله سبحانه وتعالى يسر على المسلمين مناسك الحج، ولا تيسير بعد تيسير الله ورسوله، وتيسير الله ورسوله عام فى كل شعائر الدين، وخاصة فى فريضة الحج، لأن الحج فيه مشقة كبيرة، وهو جهاد لا قتال فيه.
ومشروعية الحج في الإسلام قامت على مقتضى تعبدي مقصوده في نية الحاج تعظيم الله سبحانه - فقط - وإظهار طاعته في تلبية نداء الله عز وجل، وكذلك الحال فى كل العبادات التى فرضها الله على عباده، دون البحث عن علة أو فائدة، ظهرت هذه العلة أو تلك الفائدة أو لم تظهر، فالمقصود هو الامتثال لأمر الله.
ولما كانت العبادة مقصدها الطاعة لأمر الله - تعالى - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - كانت رحمة الله بعباده واسعة، إذ يسر لهم في التكاليف الشرعية ما يساعدهم على أدائها، وكان ركن الحج من التكاليف الشرعية التي خصها الله بالتيسير.
والتيسير في الحج نوعان: تيسير عام وتيسير خاص، أما التيسير الخاص فمقصده التيسير في أعمال الحج، والتي منها،
أولا: التيسير في تنوع المناسك، فلم يكن الحج نوعا واحدا يجبر على فعله الناس، بل يسر الله على عباده ووسع عليهم في تنوع المناسك، إذ جعلها سبحانه على ثلاثة أنواع (إفراد - تمتع - قران).
ثانيا: التيسير في المكان الذي يحرم منه الحاج، والحج له ميقات زماني وميقات مكاني، أما التيسير في جانب الميقات المكاني إذ إنه أجاز للإنسان الذي فاته الميقات المكاني ويمر على جدة أن يحرم من جدة ولا شيء عليه، وإن فاته وكان لا يمر على جدة رجع إلى ميقاته فأحرم منه وإلا أحرم من مكانه ويجبر ذلك بدم.
ثالثا: التيسير في الطواف: إذ جعله سبعة أشواط تبدأ من الحجر الأسود وإليه ينتهي، فإذا حدث له ناقض وضوء خرج فتوضأ ثم أكمل بعد الشوط الذي وقف عنده، ولا يأتي بالطواف من أوله.
رابعا: التيسير في صلاة الركعتين خلف مقام الخليل إبراهيم عليه السلام، إذ جعل الأمر فيه ليس مقتصرا على مكان بعينه - أي أن يكون المقام أمامه مباشرة - ولكنه اشترط أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة ولو فعل ذلك خلف المقام بمسافة كبيرة.
خامساً: التيسير في السعي بين الصفا والمروة، بأن يبدأ الحاج من الصفا وينتهي إلى المروة شوطا، ويبدأ من المروة وينتهي إلى الصفا شوطاً آخر، ويسر فيه للذي لا يستطيع السعي ماشيا أن يسعى راكبا، وكذلك أمر الرجال بالسرعة عند الميلين الأخضرين ولم يلزم النساء بذلك.
إن التيسير شعار الأمة، ومراد الله تعالى منا ولنا وبنا قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وهناك فرق واضح بين التيسير والتساهل، كون التيسير له مستند من الشرع، بخلاف التساهل المبني على الهوى من غير أصل شرعي، ودعوة الإسلام للتيسير عبر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" ولا يكون التيسير أبدا بالتساهل في دين الله، بل المقصود من التيسير الحرص على أمهات الدين، وعدم الانشغال بالسنة وتضييع الفرض أو الواجب، ومن يدعو للرخصة فهذا الذي رزقه الله العلم، ومن دعى للشدة والعسر فقد دل على قلة فقهه، قال سفيان الثوري رحمه الله: "إنَّما العلمُ عندنا الرُّخصةُ مِن ثِقَةٍ، فأما التشديدُ فيُحسِنُه كُلُّ أحدٍ".
ويكفينا شعار النبي صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع حين كان يرد على كل سائل (فعلت كذا قبل كذا) فيقول صلى الله عليه وسلم: "افعل ولا حرج".
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام، ومتعنا بالنظر إلى الكعبة المشرفة، وزيارة الحبيب المصطفى، والصلاة والسلام عليه، اللهم آمين.
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التیسیر فی
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ما ترك لنا رسول الله طريقا يؤدي الى النار إلا وحذرنا منه
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل ما ترك لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه لما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
ذلك الحليم الذي يفكر فلا يعرف قابيل الفتن من دبيرها، يحاول أن يعلم أين هو منها، فإذ به وكأنه في ظلمات بعضها فوق بعض، كموج البحر، قال تعالى : (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور)ٍ ، فهي فتن يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ونحن إذ في هذه الحالة نريد أن نعتصم بحبل الله، ونتعلق بسفينة النجاة التي توصلنا إلى الله بإذنه تعالى.
لابد أن نحاول معرفة أسباب ما يجري من حولنا، فإن العصر اتسم بالإنجاز الذي قد سبق الأخلاق والقيم، وسبق النشاط الفكر والتفكر والتدبر، وقدمت المصلحة على الشريعة، وتقدمت اللذات على عبادة الله، فكان الناس في العصر على ثلاثة أنحاء : فاجر قوي، وعاجز تقي، ومؤمن كامل وفي.
أما الفاجر القوي فقد تمكن اليوم من العالم، وأراد أن يثبته فكره الذي يقدم الإنجاز على القيم والأخلاق، فهذا الرجل الذي كان يحكم أكبر دولة في العالم علم بفضائحه وسوء أخلاقه الكبير والصغير، ولكن عقلية شعبه لا ترى مع ذلك ضررًا خاصة طالما أنه ما زال ينجز وينجح في عمله، فماذا يتعلم أولادنا من هذه القصة من غير كلام، يتعلمون أن النجاح هو القوة والإنجاز حتى وإن كان فاجرًا.
وفي المقابل نرى تربية الله ورسوله لنا على غير هذا الشأن، فسيدنا رسول الله ﷺ يربينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوة، فالعجز مذموم خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس، غير أن المؤمن العاجز خير من الفاجر القوي عند الله، وينبغي أن يكون كذلك عند الناس، فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح الطهر الذي يكون به الحضارة الإنسانية الحقيقية.