تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتابع يورج سورنسن Georg Sorensen أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus University الدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، والذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي ، بقوله: إحدى الرؤى، والتى تبناها إيمانويل وولرستين  Immanuel Wallerstein وديفيد هارفى David Harvey، تقوم على أن الرأسمالية تنطوي على  منطق نظامي منغرس في صُلب تكوينها بجعل التأزم ملمحًا باقيًا لا يفارق النظام فالأزمات تتكرر بطرق عديدة وتتراكم على نحو يجعل الأزمة التالية أخطر من سابقتها.

 ويدفع ديفيد هارفى بأن "مشكلة استيعاب فائض رأس المال"  هي المشكلة الرئيسة في النظام. ولكى يطرد التراكم الرأسمالي لا بد لرأس المال من منفذ لفائض التنامي . وفى العام 1970 نشأت الحاجة إلى العثور على منافذ استثمارية جديدة لمبلغ 0.4 تريليون دولار سنويا، وهو المبلغ الذى أصبح اليوم 1.6 تريليون دولار، وبحلول العام 2030 سوف يصبح  ثلاثة تريليونات سنويا. والعثور على منافذ مربحة لفائض بهذه الضخامة هو أمر "بالغ الصعوبة" وربما كنا نقترب، بكل بساطة، من نقطة لم يعد فيها هذا الأمر ممكنا، وهذا هو الأصل في عمق التأزم الحالي. 

وبالنسبة إلى وولرستين  لا يمكن تحقيق أرباح كافية لرأس المال في حالة التنافس الكامل، وبالتالي، "لابد على الأقل، من شبه احتكار للقوة الاقتصادية العالمية". لكن الاحتكارات تتحلل ذاتيا بمرور الوقت لأن منتجين جددًا يدخلون السوق العالمية. ومع تراجع ربحية المنتجات الرئيسة يكف الاقتصاد العالمي  عن النمو ويدخل مرحلة الركود. ويزيد الأزمة احتداما عنصران إضافيان: من ناحية تزايد كُلف الإنتاج (العمالة، والمدخلات، والضرائب)، ومن ناحية أخرى الضغط الإضافي على النظام، الناشئ عن النمو في الصين وفى بقية آسيا، الذى يعود إلى "التوسع المفرط في توزيع فوائض القيمة". وبنحو عام لقد دخلنا فترة تأزم بنيوى لم يعد في وسع النظام الرأسمالي فيها أن يُقَّوم اعوجاجه، والأرجح هو أن السؤال الرئيس قد يكون "ما الذى سيحل محل هذا النظام؟". 

وحتى إذا كان المؤلفان يؤكدان أن نتائج الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي ليست من المعطيات المسبقة لأن الصراعات السياسية تؤدى دورًا أساسيا فيها، فالميل إلى الحتمية واضح فى تحليلهما. فالتوترات الموجودة فى جوهر النظام هى التى تتولد عنها القوى الدافعة الحاسمة التى تمضى بالنظام إلى التأزم البنيوى وإلى التحول.

ويقدم روبرت كوكس Robert Cox عرضا لهذه المقاربة الأوسع، والمستلهمة من جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico وأنطونيو جرامشي Antonio Gramsci، والرسالة الرئيسة المتصلة بــ "النظام الدولي" عند كوكس هي أن توازن القوى الدولي يتغير، فالسيطرة العالمية للولايات المتحدة سوف يحل محلها شيء آخر. وليس واضحا بعد، على نحو كامل، ما هو ذلك لاشىء الذى سيحل محلها، قد يكون نظاما تعاونيا لما بعد الهيمنة ن تتفق فيه الدول على تعاون سلمى من أجل منفعة متبادلة، وقد يكون عالما يحكمه التنافس المفتوح بين مراكز قوة متصارعة. 

وفيما يتصل بالنظام الدولي، بمعناه، فإن تحليل كوكس، وتحليلات كثيرة أخرى، تتنبأ بتراجع مركز الولايات المتحدة وبظهور نظام جديد يقوم على ما بعد الهيمنة. ويجادل فى هذه النقطة كتاب "تخليق الرأسمالية العالمية " The Making of Global Capitalism لليو بانيتش  Leo Panitch وسام جندين Sam Gindin، فهما يذهبان إلى أن تخليق الرأسمالية الكونية لا يمكن أن تنهض به قوى السوق وحدها، فهو  يحتاج إلى دولة تملك القوة والإرادة والقدرة على خلق الإطار الضروري لقوى السوق الرأسمالية وعلى الإشراف عليها من حيث القواعد والضوابط واحترام الملكية الخاصة.

وقد باشرت الولايات المتحدة بأداء هذا الدور بالفعل في 1939 عندما تبينت مجموعة من رجال الأعمال الكبار الحاجة إلى إحلال نظام يقوم على التجارة الحرة وتشرف عليه الولايات المتحدة، محل نظام تجاوزته الأيام قائم على الإمبريالية. ولتحقيق هذه الطموحات تعين تنفيذ المهمة الأولى المتصلة بها وهى إعادة تنشيط الرأسماليتين الأوروبية والغربية واليابانية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد انطلقت هذه المهمة بقوة خطة مارشال Marshall Plan وبتكريس نظام بريتون وودز Bretton Woods (صندوق النقد الدولى وما يعرف اليوم بالبنك الدولي World Bank؛ وقد أفضى ذلك إلى "العصر الذهبى" للنمو والتوسع الرأسماليين الريغانية في الثمانينيات والتسعينيات  من القرن العشرين. 

ففترة التأزم لا ينظر إليها باعتبارها مقدمة لتراجع اقتصادي طويل المدى فى الولايات المتحدة. لقد كانت مرحلة إعادة هيكلة لاحتواء وتقليص مطالب المنظمات العمالية؛ وكان ذلك نجاحا تاما. فقد كانت الأجور الحقيقية فى القطاع الخاص فى الولايات المتحدة فى 1999 أدنى منها فى 1968. وانفتحت النيوليبرالية على العولمة التى قادتها الولايات المتحدة باعتبارها الميسر و"المستهلك المنقذ". فاقمت العولمة ضعف المنظمات العمالية لكنها عززت في الوقت ذاته الموقع القيادي للولايات المتحدة فى الصناعات الأساسية للحواسيب والبرمجيات والصيدلة والطيران. 

وبدلا من الغرق في وحل الأزمة، تولت الولايات المتحدة قيادة صريحة لعولمة الرأسمالية. أشرفت الولايات المتحدة على دمج الصين في الاقتصاد العالمي. وتبقى الصين معتمدة على الولايات المتحدة باعتبارها سوقا لجانب رئيس من انتاجها وهى مخترقة على نحو كثيف من قبل الاستثمار الأجنبي الغربي المباشر. لكن أصل الإطار الأساسي لاقتصاد رأسمالي عالمي ينبع من الولايات المتحدة التي تبقى مهيمنة على المؤسسات الدولية فيما يتصل بالقواعد والضوابط والاستجابة للأزمات. وفى الوقت ذاته تفاقم اللامساواة والاستغلال فى الولايات المتحدة وفى غيرها من البلدان ينتقل بسهولة. إلى مختلف فضاءات نظام كثيف العولمة. وبإيجاز، فالبعد الاقتصادى مهم فى حد ذاته لكن التأثير المتبادل بين الدول والمؤسسات الدولية لا يقل أهميه ومواصلة البحث فى توزيع القوة هى وحدة من طرق توضيح هذه العلاقة. ولا يمكن اختزال النظام الدولى فى توترات صُلبيه متأصلة فى بنية الاقتصاد الرأسمالى. 

  وللحديث بقية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الرأسمالية النظام الدولی

إقرأ أيضاً:

اليأس والعزلة الدولية يدفعان نظام الكبرانات لفرض التأشيرة على المغاربة والتخطيط لمنع الجزائريين من زيارة المغرب

زنقة 20. الرباط

في خطوة غبية، أعلن النظام العسكري الجزائري عن قرار يعود لفترة الحرب الباردة، بفرض التأشيرة على كافة المواطنين المغاربة الحاملين لجواز سفر مغربي.

القرار الصادر عن الخارجية الجزائرية، والذي يعتبر “لا حدث” لدى المغاربة بحكم أن الشعب المغربي لا يفكر أصلاً في السفر إليه، لن يتضرر منه سوى العائلات المختلطة المغربية الجزائرية، بحكم أنه لا وجود لشيء إسمه السياحة أو الإستثمار بين البلدين، منذ سنوات.

فالقرار البليد للنظام العسكري الجزائري، سقط كالصاعقه على العائلات المختلطة المغربية الجزائرية التي سيعاني أفرادها مع المساطر القنصلية بعدما كانوا يعاونون بسبب غياب خطوط جوية مباشرة.

متتبعون للشأن الجزائري، وضمنهم نشطاء ومعارضون مقيمون في المنفى، إعتبروا أن هذا القرار الغبي، هو في الأصل قرار عسكري وليس قرار دبلوماسي، بحكم أن الجيش من يتحكم في مصير البلاد والممسك الفعلي بكل السلطات.

فهذا القرار حسب هؤلاء، يمهد لمنع المواطنين الجزائريين من زيارة المغرب، وربما تسليط عقوبات حبسية في حق من يزور المغرب من الجزائريين خاصة مع قرب تظاهرات رياضية دولية من حجم كأس أمم أفريقيا و كأس العالم 2030، في سابقة ستعيد إلى الأذهان، الأنظمة الشمولية ككوريا الشمالية.

لكن هؤلاء يعتبرون أيضاً أن هذا القرار يكشف عن مدى اليأس الذي وصل اليه النظام العسكري الحاكم في الجزائر بعدما قضى نصف قرن في معاداة المملكة المغربية دون أن يحقق شيئاً، بل فقط مزيد من إستنزاف أموال الشعب الجزائري لصالح مليشيات إنفصالية.

كما أن هذا القرار يحمل بين طياته تعبيراً رسمياً عن مدى الغضب من العزلة الدولية التي بات النظام العسكري الجزائري يعيش في كنفها، بعدما بات وضيعاً معزولاً، تخلت عنه فرنسا و إسبانيا لصالح المغربي بل وحتى روسيا التي لم تعد تقيم له وزناً، وأضحت تميل إلى التقارب مع المغرب.

مقالات مشابهة

  • المركزي الصيني يضخ سيولة في النظام المصرفي بقيمة 182 مليار يوان
  • الخارجية الإيرانية: نتائج تقاعس المجتمع الدولي تجاه جرائم الصهاينة ستنعكس على العالم قريبًا
  • الخزانة البريطانية تحذر: خطة حزب العمال للضرائب قد ترتد سلبا
  • اليأس والعزلة الدولية يدفعان نظام الكبرانات لفرض التأشيرة على المغاربة والتخطيط لمنع الجزائريين من زيارة المغرب
  • السوداني يعلن موقف العراق من احداث غزة ولبنان أمام الأمم المتحدة ويحذر: النظام الدولي يواجه تهديداً
  • الرئاسي يدعو النواب إلى إعادة النظر في إنشاء المحكمة الدستورية العليا، ويقول إن “توقيته مثير للقلق”
  • تحليل بريطاني: الحوثيون تحدوا النظام الدولي ولا بد من سحقهم
  • اتحاد الغرف يصدر أول دفتر إدخال مؤقت للبضائع بالمملكة
  • السجن و3 ملايين ريال غرامة مخالفة نظام البيانات الشخصية
  • العواد: لابد من إعادة النظر في مسألة الحراس الأجانب في ‎دوري يلو.. فيديو