محللون إسبان: الاعتراف بفلسطين كدولة لا يكفي لإنهاء الإبادة
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
مدريد- أثار تقدم الموقف الإسباني بدعم الجانب الفلسطيني، الذي وصل إلى مستوى الاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة، إعجاب المراقبين له، عند مقارنته بردود الفعل الشعبية والرسمية في دول أخرى، إلا أنه داخل إسبانيا يرى متابعون أنه غير كافٍ، ورغم استحسانه، فهو يُضاف إلى سلسلة التفاعلات الرمزية.
ويعتقد النشطاء الإسبان، الذين شاركوا في العديد من الفعاليات والمظاهرات المتكررة على مدار الأشهر الـ7 الماضية، أن أهمية قطع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل لا تقل أهمية عن الاعتراف الرسمي بفلسطين، وأكدوا أن تحقيق هذا المطلب سيدفع بشكل أكبر إلى وقف الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.
وبالرغم من حدة التصريحات الرسمية الإسبانية في الفترة الأخيرة، فإن محللين يرون أنها لن تؤثر على العلاقات الإسبانية الإسرائيلية على المدى البعيد. كما أن الموقف الإسباني المتقدم بدعم الطرف الفلسطيني لن يؤثر على علاقات مدريد مع الولايات المتحدة أو مع الدول الأوروبية المنحازة للطرف الإسرائيلي.
أمر تقليدييؤكد أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة فالنسيا والباحث بالشأن الفلسطيني خورخي راموس أن دعم إسبانيا للشأن الفلسطيني يعتبر أمرا تقليديا منذ فترة طويلة، لكنه ازداد بشكل واضح منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويُرجع ذلك إلى جهود التعبئة التي قامت بها "شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين"، التي تضم أكثر من 40 منظمة اجتماعية وحركة شعبية.
وبحسب راموس الناشط في هذه الشبكة أيضا، فإن هذا القرار السياسي كان مدفوعا بالمظاهرات الحاشدة التي كانت تشهدها البلاد بشكل شهري، والتي تفاعل الشعب الإسباني معها في قرابة 100 مدينة إسبانية، وتحديدا منذ يناير/كانون الأول الماضي.
لكنه يستدرك بالقول إن الطلب المباشر لهذه المظاهرات الحاشدة كان حظر الأسلحة الموجهة إلى إسرائيل وقطع جميع العلاقات معها، ولم يكن مطلب الاعتراف بدولة فلسطين، وإنما كان ذلك قرارا حكوميا.
وهو ما تؤكده أيضا أليس سامسون إستابي، العضو في ائتلاف "أوقفوا التواطؤ مع إسرائيل" في كاتالونيا. وتتفق مع راموس بخصوص الدعم الإسباني التاريخي لفلسطين، والدور الذي لعبته "شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين" خلال الأشهر الماضية.
لكنها ترى أيضا أن الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة التي تحكم أوروبا، وبسبب مواقفها الداعمة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، شكلت عاملا دافعا لإسبانيا لتتخذ موقفها الحالي.
وتوضح إستابي أن الضغط المجتمعي في بلد مثل إسبانيا، لا تحكمه حكومة ذات توجهات يمينية، عزز شعور أنه "يجب علينا القيام بشيء ما". ورغم أن الاعتراف بدولة فلسطين لم يكن أحد مطالب حركة المقاطعة، فإن المطلوب الآن هو إنهاء التواطؤ الذي يسمح لإسرائيل بارتكاب جرائمها دون عقاب.
خورخي راموس باحث إسباني وخبير بالشأن الفلسطيني يعتبر اعتراف إسبانيا بدولة فلسطين قرارا سياسيا (الجزيرة) تمثيل كاملمن جانبه، ركز أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة غرناطة دييغو شيكا هيدالغو على اتخاذ الحكومة الإسبانية قرارها في هذه الفترة تحديدا، واعتبر أنها تسعى بتوجهها الأخير للاعتراف بفلسطين كدولة إلى تحقيق هدفين، أولهما الحصول على تأييد شعبي إضافي لها، باستجابتها لمطلب جزء من المجتمع الإسباني.
كما أن الحكومة الإسبانية -بحسب هيدالغو- تقدم نفسها باعتبارها جهة فاعلة ورائدة في سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، وتحاول كسر الإجماع السائد، وتغيير جزء من الموقف الأوروبي الخارجي.
وبرأيه، فقد استغلت هذه الحكومة الفرصة مع قرب انتخابات الاتحاد المقبلة لتهيئة الأجواء، ومحاولة التأثير على خيارات الناخبين.
وتوقع أستاذ التاريخ هيدالغو أن تتخذ العلاقة بين إسبانيا وفلسطين شكل التمثيل الكامل على مستوى السفارات بين البلدين، وأن فلسطين ستحتفظ بمكانة الأولوية في سياسات المساعدات الإسبانية، وربما ترتفع قيمة المساعدات والتمويل المقدم خلال السنوات المقبلة.
من جهته، شكك الباحث راموس بحدوث تغيرات على أرض الواقع في فلسطين، ويرى أن الجانب الإسرائيلي انتقد قرار الاعتراف الإسباني، متجاوزا أسس ومبادئ الدبلوماسية القانونية، في إشارة إلى قرار منع القنصلية الإسبانية في القدس من تقديم خدماتها للفلسطينيين.
وعدّ الأمر سابقة في تاريخ العلاقات الإسبانية الإسرائيلية، وانتهاكا لمعاهدة فيينا الدولية للعلاقات القنصلية لعام 1967.
الناشطة أليس إستابي ترى أنه على مدريد قطع علاقاتها مع إسرائيل (الجزيرة) دلالة رمزيةبدورها، ترى الناشطة إستابي أنه ينبغي سؤال الحكومة الإسبانية الآن "عن ما إذا كانت ستستمر في إقامة علاقات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية مع المهاجم الرئيسي للدولة الفلسطينية التي اعترفت بها للتو؟". وأكدت أنه يجب على مدريد أن "تتوقف عن المساواة بين الاحتلال والمحتل"، وتنهي علاقاتها مع المتسبب بالإبادة الجماعية، وأن لا تتسامح مع المتسبب بمعاقبة الشعب الفلسطيني.
وبالرغم من الانزعاج الإسرائيلي وتنديده بالمواقف والتصريحات الإسبانية الأخيرة، كحديث يولاندا دياز نائبة رئيس الوزراء الذي تضمن عبارة "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر"، فإن المراقبين لطبيعة العلاقات الإسبانية الإسرائيلية لا يتوقعون أنها ستتأثر بشكل كبير.
ويوضح ذلك أستاذ التاريخ المعاصر دييغو هيدالغو بقوله إن تل أبيب سبق وأن حذرت من قطع العلاقات الدبلوماسية مع مدريد، لكنها لم تصمد طويلا، وأكد أن العلاقات بين البلدين ستعود لسابق عهدها قريبا، وأن المواقف الإسبانية لن تؤثر على علاقتها مع واشنطن أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
بينما يرى الباحث الإسباني بالشأن الفلسطيني خورخي راموس أن تصريحات نائبة رئيس الوزراء تحمل دلالة رمزية فقط، ويقول "ما لم تقطع إسبانيا علاقاتها مع إسرائيل، فإن الاعتراف بفلسطين وتصريحات دياز سيكونان مجرد أمور رمزية". ويؤكد "إن ذاكرة الشعب الفلسطيني مليئة بالخطابات والقرارات والرموز، لكنها فارغة من الحقائق على أرض الواقع".
ويضيف أنهم بحاجة اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- إلى أفعال حقيقية، كتلك التي تدعو لها حركة المقاطعة العالمية (بي دي إس) وهي "قطع كل أشكال التواطؤ مع النظام الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني المرتكب للفصل العنصري والإبادة الجماعية".
وتقول إستابي "نحن بحاجة إلى زيادة الضغط أكثر من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن الرمزية تمثل خطوة واحدة في هذا "العالم العنصري والاستعماري الذي نعيش فيه"، لكن الكلمات والرموز لن توقف الإبادة الجماعية.
وبرأيها، فإنه على إسبانيا أن تتخذ إجراءات أقوى بكثير لإنهاء التواطؤ مع الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وإنهاء الاحتلال الواقع على الشعب الفلسطيني، كإيقاف تجارة الأسلحة مع تل أبيب، وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، ودعم القضية المرفوعة في محكمة العدل الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی أستاذ التاریخ مع إسرائیل
إقرأ أيضاً:
محللون: فلول الأسد لن يقودوا ثورة مضادة لأنهم مجرد عصابات
لا يبدو فلول نظام بشار الأسد قادرين على إحداث البلبلة التي يحاولون إثارتها نظرا إلى طبيعتهم المافياوية وغياب كل من الدعم الخارجي والإعلامي والحاضنة الشعبية، حسب ما يقوله خبراء.
فبعد 20 يوما فقط من سقوط النظام، قتلت مجموعة من فلول الأسد 14 من عناصر الأمن في الإدارة الجديدة، وأصابت آخرين في اشتباك جرى على خلفية مزاعم بحرق ضريح أحد رموز الطائفة العلوية.
ولم تسارع السلطة الجديدة لاستخدام القوة ضد هذه المجموعات، لكنها طالبتهم بتسليم أنفسهم وإلقاء سلاحهم وأمهلتهم في هذا الأمر 4 أيام، وهو موقف تبناه شيوخ الطائفة الذين دعوا في بيان رسمي للحفاظ على السلم الأهلي.
لكن هؤلاء المسلحين رفضوا الانصياع لمطلب تسليم أنفسهم، مما دفع الحكومة للتحرك ضدهم بشكل عملي وأكثر قوة ومؤسساتية لتوقيفهم، منعا لمزيد من الفوضى.
مطلب شعبي
وتمثل الحملة الأمنية مطلبا شعبيا وقد اتخذت منحنى أكثر جدية بعد انتهاء مهلة تسليم النفس وإلقاء السلاح، برأي الكاتب والباحث السوري مؤيد قبلاوي، الذي يرى أن المواجهة صارت فرضا.
وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، قال قبلاوي إن السلطة الجديدة أصبحت مطالبة الآن بمواجهة هذه المجموعات من الفلول، لأن التسامح وتعزيز السلم المجتمعي "لا يعنيان عدم محاسبة المجرمين من رجال الأسد".
إعلانوكانت الإدارة الجديدة -يضيف قبلاوي- راغبة في تأسيس العدالة الانتقالية التي تضمن عدم اللجوء إلى الانتقام الفردي، لكن هؤلاء الذين يجري تعقبهم "ليسوا عناصر جيش وطني، وإنما هم مجموعات مرتزقة وفارضو إتاوات وتجار كبتاغون"، حسب وصفه.
ولا يعتقد قبلاوي أن هذه الجماعات قادرة على إدارة ثورة مضادة في سوريا، لأنها بحاجة لدعم دولي وإعلامي وحاضنة شعبية، وهي أمور ليست متوفرة في الوقت الراهن على الأقل.
وحتى دول الجوار، مثل العراق ولبنان، لن تغامر -كما يقول قبلاوي- بدعم هذه الجماعات، "لأنها بحاجة إلى مساعدة الإدارة الجديدة لضبط الحدود ومنع تسلل أي جماعات إرهابية إليها".
كما أن هذه الجماعات لا تستند -برأي المتحدث نفسه- إلى جيش نظامي قومي يمكنه تحريك وإدارة ثورة مضادة كما حدث في دول عربية أخرى، وإنما هي "مليشيات لا تجد قبولا حتى في حواضن العلويين أنفسهم".
الرأي نفسه ذهب إليه الباحث السياسي عمر كوش الذي يرى أن الحملة التي تشنها السلطات الجديدة تستهدف العدالة، ويقول "إنها تتم بكثير من الحكمة".
وعلى عكس النظام السابق الذي كان يقصف القرى والمدن بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي، فإن السلطة الجديدة تقوم بعمليات تمشيط دقيقة دون ترويع أو إفراط في القوة وبالتعاون مع وجهاء المناطق خاصة في العاصمة دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص.
وكان شيوخ العلويين قد دعوا الجميع لوضع السلاح بيد الدولة والابتعاد عن كل ما يثير الاحتراب الطائفي، وهو موقف يعتبره كوش دليلا على الفشل المتوقع لفلول الأسد في بلوغ مآربهم، "خصوصا أنهم لا يتعدون كونهم مجموعة من الشبيحة وبقايا الحرس الوطني".
ومن بين الأمور التي ستدفع بهذه الفلول نحو الفشل -كما يقول كوش- هو أن سوريا بكل مكوناتها تقف إلى جانب التغيير، وبالمثل تبدو مواقف دول الجوار حتى الآن على الأقل، بدليل قيام لبنان بتسليم مجموعة كبيرة من عناصر النظام إلى دمشق.
إعلان
لحظة ضرورية
أما الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي، فيصف اللحظة الحالية بالضرورية، ويرى أن فلول النظام وفروا غطاء مهما للسلطة الجديدة كي تبسط سيطرتها وتظهر هيبتها.
ويعتقد مكي أن الإدارة الجديدة كانت مترددة في التعامل بقوة مع بقايا النظام القديم خشية انهيار السلم الأهلي، لكنها بعد مقتل عدد كبير من عناصر الأمن التي أصبحت رسمية "باتت مطالبة بإظهار قدرتها على حماية نفسها وحماية البلاد حتى لا تتقوض شرعيتها".
وتوقع مكي فشل محاولات فلول نظام الأسد، وقال إنهم لن يتمكنوا من إحداث ثورة مضادة حتى لو تلقوا دعما خارجيا، بالنظر إلى أنهم يتحركون كعصابات غير منظمة، وليس كجيش وطني.
ومع اعتقاد مكي أن دولا بالمنطقة ستحاول إفشال هذا التحول المهم في سوريا، الذي يرى أنه حدث في لحظة فارقة، إلا أنه لا يتوقع وصول الأمور إلى ثورة مضادة، "لأن هذا الأمر يتطلب ترتيبات يصعب ترتيبها سريعا".
وحتى لو حاولت بعض الدول إفشال الإدارة الجديدة سياسيا وليس أمنيا، فإنهم سيجدون صعوبة كبيرة في حال نجحت السلطة السورية في احتواء الأقليات وتأمينهم ومنحهم وضعا اجتماعيا وسياسيا جيدا، حسب مكي.
وحاليا، تواصل إدارة العمليات العسكرية وجهاز الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية شن حملة أمنية وعمليات تمشيط واسعة النطاق في ريفي اللاذقية وطرطوس ومناطق أخرى في عموم البلاد.