لجريدة عمان:
2024-07-01@23:55:17 GMT

الاستعداد لصدمة الصين الثانية

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

دونالد ترامب داعية من الطراز القديم للحمائية وظل يشير منذ بعض الوقت إلى أنه إذا انتخب سيفرض بسرعة رسومًا جمركيةً بنسبة 10% أو أكثر على كل الواردات.

لكن الرئيس بايدن ليس بأي حال داعية لحرية التجارة، فإنجازه التشريعي الذي يحمل بصمته والمتمثل في قانون خفض التضخم، وهو في الحقيقة يتعلق أساسا بمحاربة التغير المناخي، يحتوي على عدة بنود ذات نزعة قومية تستهدف قصر الدعومات المالية في المقام الأول على السلع الصناعية المنتجة في أمريكا الشمالية.

وتفرض إدارة بايدن الآن رسومًا جمركيةً تصل نسبتها إلى 100% على الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وضرائب على سلع مستوردة أخرى تشمل أشباه الموصلات والبطاريات.

الأثر الفوري لهذه الرسوم سيكون ضئيلًا لأن الولايات المتحدة تستورد في الوقت الحاضر القليل جدا من السلع الخاضعة لها من الصين. لكن تحركات بايدن أكثر من مجرد خطوة رمزية. فهي تحذير بأن الولايات المتحدة لن تقبل «صدمة ثانية» من الصين أو زيادة في الواردات يمكن أن تقوض أجزاء حيوية من أجندة الحكومة.

لفهم ما أتحدث عنه من المفيد استعراض بعض التاريخ الاقتصادي والفكري.

ارتفعت صادرات الصين من السلع المصنّعة للولايات المتحدة بداية من سنوات التسعينات، وأعتقد من الإنصاف القول إن معظم الاقتصاديين وأنا من بينهم لم يستبدّ بهم القلق في البداية من هذا التطور، فهنالك مقولة قديمة في دوائر علم الاقتصاد وهي إذا أراد بلدٌ أن يبيعك الكثير من الأشياء المفيدة بأسعار منخفضة يجب ألا تحتج، بل إذا كان عليك أن تفعل شيئًا ما أرسل خطاب شكر إلى ذلك البلد.

حسنًا، حتى الاقتصاديين التقليديين يعلمون أن الأمور ليست بتلك البساطة، الواردات الرخيصة قد تجعل بلدا ما أكثر ثراء عموما، لكنها أيضا تؤذي أعدادًا ليست قليلة من العاملين، في الحقيقة ثار جدل حاد في التسعينات حول ما إذا كانت الواردات من بلدان الأجور المتدنية سبب رئيسي لتصاعد اللامساواة في الأجور بالولايات المتحدة. واتفق وقتها معظم الاقتصاديين، وأنا من بينهم أيضا، أن الواردات سبب لارتفاع اللامساواة ولكنها ليست السبب الرئيسي.

كما اتضح أيضًا ومنذ فترة طويلة أن العجوزات التجارية يمكن أن تكون ضارة إذا تراجع الاقتصاد باستمرار مع عدم وجود طلب كاف لبلوغ التوظيف الكامل.

لم يكن ذلك مشكلة كبيرة خلال معظم الحقبة الأولى لارتفاع الواردات من الصين. لكنه صار مهما بعد الأزمة المالية في عام 2008 والتي أدت إلى تراجع التوظيف لسنوات.

الجدير بالذكر أنني خلال تلك الفترة أصبحتُ متشددًا تجاه الصين وطالبتُ دون نجاح واضعي السياسات في الولايات المتحدة بالتهديد بفرض رسوم جمركية ما لم تعمل الصين على خفض فائضها التجاري برفع قيمة اليوان. لكن ذلك القلق تلاشي بالتدريج.

على أية حال انتقل الجدل الاقتصادي بعد صدور دراسة في عام 2013 من اعداد ديفيد أوتور وديفيد دورن وجوردن هانسن تحت عنوان «متلازمة الصين» والتي صارت معروفة لاحقًا وعلى نطاق أوسع بصدمة الصين.

قدَّر مؤلفو الورقة أن واردات الصين حلت محل حوالي 1.5 مليون عامل صناعي أمريكي في الفترة بين 1990 و2007. ذلك في حد ذاته ليس رقمًا كبيرًا في اقتصاد بحجم ودينامية اقتصادنا. في الحقيقة في الولايات المتحدة يتم فصل أو الاستغناء عن حوالي 1.5 مليون عامل لسبب أو آخر في كل شهر.

لكن ما أشار إليه أوتور وزملاؤه أن صناعات أمريكية عديدة تتمركز بشدة في أماكن جغرافية بعينها. لذلك فقدان الوظائف بسبب الواردات في حين يبدو ضئيلًا في المتوسط إلا أنه مدمر لمجتمعات محلية عديدة، وأنا أحب للتمثيل بذلك استخدام صناعة الأثاث والتي ربما فقدت مئات الآلاف من الوظائف لصالح الواردات الصينية، هذا عدد قليل جدًا قياسًا بحجم الاقتصاد الأمريكي، لكن صناعة الأثاث كانت تتركز في منطقة بيدمونت بولاية كارولاينا الشمالية. لذلك تصاعد الواردات الصينية عصف بالاقتصادات المحلية كما في منطقة هيكوري- لينوار- مورجانتون الحضرية.

أصبحت الدلالة السياسية للورقة أكثر أهمية بعد سنوات قليلة لاحقة عندما اتضح أن الضرر الذي ألحقه تصاعد الواردات بالمجتمعات المحلية ساهم في انتخاب الرئيس ترامب.

لذلك كانت صدمة الصين الأولى مشكلة حقيقية. بل حتى الاقتصاديين أنصار حرية التجارة عموما (الذين لا يتعاطفون بأي حال مع الحمائية الفظة من النمط الترامبي) يشعرون بالقلق الآن من آثار الزيادات السريعة في الواردات.

لكن مهلا، لماذا أقول صدمة الصين الأولى؟ أقول ذلك لأن هنالك كما هو واضح صدمة صين ثانية تتشكل.

هذه الصدمة الجديدة تعكس بشكل كبير ضعف الصين وليس قوتها، واقع الحال، الاقتصاد الصيني في مشكلة. فالإنفاق الاستهلاكي متدنٍّ جدًا كحصة من الدخل القومي والمستويات المرتفعة للإنفاق الاستثماري التي كانت تحرك الاقتصاد أصبحت غير قابل للاستدامة فيما يقود انخفاض عدد السكان في سن العمل وتباطؤ التقدم التقني إلى تناقص الغلة (العوائد).

أمكن للصين حجب هذه المشاكل بفقَّاعة إسكان ضخمة وقطاع عقاري متضخم. لكن يبدو أن تلك اللعبة انتهت.

الحل الواضح هو تحويل المزيد من الدخل للوحدات العائلية وتقوية الطلب الاستهلاكي، لكن من البَيِّن أن زعيم الصين شي جينبينج يبدو، للغرابة، غير مستعد لعمل ما هو مطلوب. فهو لا يزال مركزًا على الإنتاج بدلا عن الاستهلاك.

سأترك تفسير هذا التردد للخبراء الصينيين. هل يعود السبب إلى الجغرافيا السياسية؟ أو إلى الخوف من أن يصبح الشعب الصيني كسولا؟

مهما كانت الأيديولوجيا أو الاستراتيجية التي تقف وراء رفض الصين زيادة الإنفاق الاستهلاكي فان المخرج الوحيد للصين بالنظر إلى هذا الرفض هو تحقيق فوائض تجارية ضخمة وإغراق أسواق البلدان الأخرى بالسلع التي تنتجها ولكن لا يمكنها أو لا تريد استهلاكها.

لكن ما تقوله إدارة بايدن للصين أساسا هو: لا. لا يجب عليك أنت تفعلي ذلك. أنتِ في اقتصاد العالم لاعبٌ أكبر من أن يُلقي بنتائج إخفاقات سياساته في أحضان البلدان الأخرى.

لماذا لا يمكن للولايات المتحدة ببساطة قبول السلع الرخيصة من الصين؟ لا تزال المخاوف من الضرر الذي لحق بالمجتمعات المحلية من صدمة الصين الأولى قائمة، لكن هنالك أيضا قضية جديدة، إنها التغير المناخي. فالسلع التي تخضع للزيادة في الرسوم الجمركية أو لرسوم جديدة هي منتجات مرتبطة أساسا بالتحول إلى الطاقة الخضراء.

في هذا الجانب معظم التقارير الصحفية تتحدث عن السيارات الكهربائية، لكن أهم منها البطاريات العملاقة التي بدأت الآن تلعب دورا حيويا في حل مشكلة انقطاعات الطاقة المتجددة (فالشمس لا تشرق دائما والرياح لا تهب في كل الأوقات).

لماذا ببساطة لا تشتري الولايات المتحدة المنتجات الصينية؟ السبب هو الاقتصاد السياسي، فنظرا إلى التهديد الوجودي الذي يمثله التغير المناخي يجب ألا يكون التحالف السياسي الذي يقف وراء التحول إلى الطاقة الخضراء هشا. لكنه كذلك. لقد أمكن لإدارة بايدن الحصول على دعومات كبيرة للطاقة المتجددة فقط بربط هذه الدعومات بإيجاد وظائف صناعية محلية. وإذا اعتبرت هذه الدعومات، بدلا عن ذلك، مصدرًا لتوليد وظائف في الصين سنفقد آخر وأفضل أمل لنا في تجنب الكارثة المناخية، وهذا اعتبار يتفوق بسهولة على كل الحجج المعتادة ضد الرسوم الجمركية.

لذلك بفرض هذه الرسوم الجديدة يفعل مسؤولو إدارة بايدن ما يجب عليهم أن يفعلوه، ولا أرى أي بديل آخر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة صدمة الصین من الصین

إقرأ أيضاً:

الصين تحث الولايات المتحدة على العمل وفقا لـ"اللاءات الخمس"

حثت الصين الولايات المتحدة على العمل وفق اللاءات الخمس التي تعهد بها بايدن والاحترام الجاد لسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية ولعب دور إيجابي لتنمية العلاقات وليس العكس.

وجاءت تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة عندما طلب منها تقديم إحاطة بشأن المحادثة الهاتفية بين النائب التنفيذي لوزير الخارجية الصيني ما تشاو شيوي، ونائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل.

إقرأ المزيد ترامب يكشف كيف تصبح أمريكا صديقة لروسيا والصين وكوريا الشمالية

وقالت ماو إنه في 27 يونيو 2024 أجرى ما تشاو شيوي محادثة هاتفية مع كامبل وتبادل الجانبان وجهات النظر بشكل صريح ومتعمق حول العلاقات الصينية - الأمريكية الحالية، والقضايا محل الاهتمام المشترك.

وتحدث النائب التنفيذي لوزير الخارجية الصيني بالتفصيل عن موقف الصين العادل بشأن القضايا المتعلقة بتايوان وشيتسانغ وبحر الصين الجنوبي وأوكرانيا.

وقالت المتحدثة إن ما تشاو شيوي شدد خلال المحادثة الهاتفية مع كامبل على عدد من المسائل.

ملف تايوان

وذكرت أن الدبلوماسي الصيني قال "إن مسألة تايوان في قلب المصالح الأساسية للصين وهي الخط الأحمر الأول الذي لا يمكن تجاوزه في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة".

إقرأ المزيد الصين تدعو الولايات المتحدة للتوقف عن تأجيج الصراع في أوكرانيا والسعي لاستعادة السلام

وأوضح أن ما يسمى "استقلال تايوان" طريق مسدود وأن التواطؤ والدعم من أجل ما يسمى "استقلال تايوان" سيؤديان إلى نتائج عكسية.

وشدد على أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك بشكل كامل الطبيعة الانفصالية لسلطات الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان والضرر الجسيم الذي تلحقه بالسلام والاستقرار عبر المضيق، وأن تلتزم بالبيانات المشتركة الثلاث بين الصين والولايات المتحدة، وتكف عن تسليح تايوان، وتتصرف بناء على التزامها بعدم دعم ما يسمى "استقلال تايوان".

شيتسانغ والفلبين

وصرح ما تشاو شيوي بأن القضايا المتعلقة بشيتسانغ تتعلق بسيادة الصين ووحدة وسلامة أراضيها، وأنه يتعين على واشنطن أن تتوقف عن تشجيع القوى الساعية إلى ما يسمى "استقلال التبت" بأي شكل من الأشكال وأن تكف عن التدخل في شؤون الصين الداخلية متخذة القضايا المتعلقة بشيتسانغ ذريعة.

وأوضح في السياق أن السبب الجذري للتوتر الحالي حول منطقة رنآي جياو هو أن الفلبين تخلت عن التوافق الذي توصلت إليه مع الصين وتحدت سيادة الصين ووحدة وسلامة أراضيها من خلال إرسال كمية كبيرة من مواد البناء إلى السفينة الراسية في رنآي جياو بشكل غير قانوني، في محاولة لتحقيق الاحتلال الدائم لمنطقة رنآي جياو.

إقرأ المزيد الصين تطالب الولايات المتحدة بوقف الضغوط المفروضة على علاقاتها مع روسيا

وشدد على أنه يتعين على الجانب الأمريكي التوقف عن تشجيع ودعم استفزازات الجانب الفلبيني واتخاذ إجراءات ملموسة للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.

الأزمة الأوكرانية

وبين ما تشاو شيوي أن موقف الصين بشأن الأزمة الأوكرانية موضوعي وعادل، وأنه يتعين على الجانب الأمريكي التوقف عن تشويه سمعة الصين وإلقاء اللوم عليها بلا أساس، والتوقف عن عرقلة التبادلات الاقتصادية والتجارية الطبيعية بين الصين وروسيا.

وأكد أن الصين تعارض بشدة إساءة استخدام العقوبات الأحادية غير المشروعة والولاية القضائية طويلة الذراع من قبل الجانب الأمريكي.

وشدد على أن بكين ستحمي بحزم الحقوق والمصالح المشروعة والقانونية للكيانات الصينية والأفراد الصينيين.

المصدر: "شينخوا"

مقالات مشابهة

  • مبادئ شي الخمسة للتعايش السلمي
  • مناظرة محزنة ومؤسفة
  • بعد المراجعة الثانية.. صندوق النقد يوافق على 360 مليون دولار لغانا
  • وزير الصحة يعلن المباشرة بالمرحلة الثانية من الضمان الصحي
  • نحن السودانيين اعداء انفسنا بتدخلنا في ما لايعنينا (2)
  • الصين تحث الولايات المتحدة على العمل وفقا لـ"اللاءات الخمس"
  • سنغافورة تسعى لاستقطاب شركات الذكاء الاصطناعي من الصين
  • الولايات المتحدة تشتري من الصين كمية قياسية من التبغ والسجائر في مايو
  • بالأرقام.. آخر تحديث على عدد الرؤوس النووية وتقسيمها بين دول العالم
  • الصين تحث الولايات المتحدة على تعزيز الاستقرار في العلاقات الثنائية