لجريدة عمان:
2025-04-26@04:54:54 GMT

الاستعداد لصدمة الصين الثانية

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

دونالد ترامب داعية من الطراز القديم للحمائية وظل يشير منذ بعض الوقت إلى أنه إذا انتخب سيفرض بسرعة رسومًا جمركيةً بنسبة 10% أو أكثر على كل الواردات.

لكن الرئيس بايدن ليس بأي حال داعية لحرية التجارة، فإنجازه التشريعي الذي يحمل بصمته والمتمثل في قانون خفض التضخم، وهو في الحقيقة يتعلق أساسا بمحاربة التغير المناخي، يحتوي على عدة بنود ذات نزعة قومية تستهدف قصر الدعومات المالية في المقام الأول على السلع الصناعية المنتجة في أمريكا الشمالية.

وتفرض إدارة بايدن الآن رسومًا جمركيةً تصل نسبتها إلى 100% على الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وضرائب على سلع مستوردة أخرى تشمل أشباه الموصلات والبطاريات.

الأثر الفوري لهذه الرسوم سيكون ضئيلًا لأن الولايات المتحدة تستورد في الوقت الحاضر القليل جدا من السلع الخاضعة لها من الصين. لكن تحركات بايدن أكثر من مجرد خطوة رمزية. فهي تحذير بأن الولايات المتحدة لن تقبل «صدمة ثانية» من الصين أو زيادة في الواردات يمكن أن تقوض أجزاء حيوية من أجندة الحكومة.

لفهم ما أتحدث عنه من المفيد استعراض بعض التاريخ الاقتصادي والفكري.

ارتفعت صادرات الصين من السلع المصنّعة للولايات المتحدة بداية من سنوات التسعينات، وأعتقد من الإنصاف القول إن معظم الاقتصاديين وأنا من بينهم لم يستبدّ بهم القلق في البداية من هذا التطور، فهنالك مقولة قديمة في دوائر علم الاقتصاد وهي إذا أراد بلدٌ أن يبيعك الكثير من الأشياء المفيدة بأسعار منخفضة يجب ألا تحتج، بل إذا كان عليك أن تفعل شيئًا ما أرسل خطاب شكر إلى ذلك البلد.

حسنًا، حتى الاقتصاديين التقليديين يعلمون أن الأمور ليست بتلك البساطة، الواردات الرخيصة قد تجعل بلدا ما أكثر ثراء عموما، لكنها أيضا تؤذي أعدادًا ليست قليلة من العاملين، في الحقيقة ثار جدل حاد في التسعينات حول ما إذا كانت الواردات من بلدان الأجور المتدنية سبب رئيسي لتصاعد اللامساواة في الأجور بالولايات المتحدة. واتفق وقتها معظم الاقتصاديين، وأنا من بينهم أيضا، أن الواردات سبب لارتفاع اللامساواة ولكنها ليست السبب الرئيسي.

كما اتضح أيضًا ومنذ فترة طويلة أن العجوزات التجارية يمكن أن تكون ضارة إذا تراجع الاقتصاد باستمرار مع عدم وجود طلب كاف لبلوغ التوظيف الكامل.

لم يكن ذلك مشكلة كبيرة خلال معظم الحقبة الأولى لارتفاع الواردات من الصين. لكنه صار مهما بعد الأزمة المالية في عام 2008 والتي أدت إلى تراجع التوظيف لسنوات.

الجدير بالذكر أنني خلال تلك الفترة أصبحتُ متشددًا تجاه الصين وطالبتُ دون نجاح واضعي السياسات في الولايات المتحدة بالتهديد بفرض رسوم جمركية ما لم تعمل الصين على خفض فائضها التجاري برفع قيمة اليوان. لكن ذلك القلق تلاشي بالتدريج.

على أية حال انتقل الجدل الاقتصادي بعد صدور دراسة في عام 2013 من اعداد ديفيد أوتور وديفيد دورن وجوردن هانسن تحت عنوان «متلازمة الصين» والتي صارت معروفة لاحقًا وعلى نطاق أوسع بصدمة الصين.

قدَّر مؤلفو الورقة أن واردات الصين حلت محل حوالي 1.5 مليون عامل صناعي أمريكي في الفترة بين 1990 و2007. ذلك في حد ذاته ليس رقمًا كبيرًا في اقتصاد بحجم ودينامية اقتصادنا. في الحقيقة في الولايات المتحدة يتم فصل أو الاستغناء عن حوالي 1.5 مليون عامل لسبب أو آخر في كل شهر.

لكن ما أشار إليه أوتور وزملاؤه أن صناعات أمريكية عديدة تتمركز بشدة في أماكن جغرافية بعينها. لذلك فقدان الوظائف بسبب الواردات في حين يبدو ضئيلًا في المتوسط إلا أنه مدمر لمجتمعات محلية عديدة، وأنا أحب للتمثيل بذلك استخدام صناعة الأثاث والتي ربما فقدت مئات الآلاف من الوظائف لصالح الواردات الصينية، هذا عدد قليل جدًا قياسًا بحجم الاقتصاد الأمريكي، لكن صناعة الأثاث كانت تتركز في منطقة بيدمونت بولاية كارولاينا الشمالية. لذلك تصاعد الواردات الصينية عصف بالاقتصادات المحلية كما في منطقة هيكوري- لينوار- مورجانتون الحضرية.

أصبحت الدلالة السياسية للورقة أكثر أهمية بعد سنوات قليلة لاحقة عندما اتضح أن الضرر الذي ألحقه تصاعد الواردات بالمجتمعات المحلية ساهم في انتخاب الرئيس ترامب.

لذلك كانت صدمة الصين الأولى مشكلة حقيقية. بل حتى الاقتصاديين أنصار حرية التجارة عموما (الذين لا يتعاطفون بأي حال مع الحمائية الفظة من النمط الترامبي) يشعرون بالقلق الآن من آثار الزيادات السريعة في الواردات.

لكن مهلا، لماذا أقول صدمة الصين الأولى؟ أقول ذلك لأن هنالك كما هو واضح صدمة صين ثانية تتشكل.

هذه الصدمة الجديدة تعكس بشكل كبير ضعف الصين وليس قوتها، واقع الحال، الاقتصاد الصيني في مشكلة. فالإنفاق الاستهلاكي متدنٍّ جدًا كحصة من الدخل القومي والمستويات المرتفعة للإنفاق الاستثماري التي كانت تحرك الاقتصاد أصبحت غير قابل للاستدامة فيما يقود انخفاض عدد السكان في سن العمل وتباطؤ التقدم التقني إلى تناقص الغلة (العوائد).

أمكن للصين حجب هذه المشاكل بفقَّاعة إسكان ضخمة وقطاع عقاري متضخم. لكن يبدو أن تلك اللعبة انتهت.

الحل الواضح هو تحويل المزيد من الدخل للوحدات العائلية وتقوية الطلب الاستهلاكي، لكن من البَيِّن أن زعيم الصين شي جينبينج يبدو، للغرابة، غير مستعد لعمل ما هو مطلوب. فهو لا يزال مركزًا على الإنتاج بدلا عن الاستهلاك.

سأترك تفسير هذا التردد للخبراء الصينيين. هل يعود السبب إلى الجغرافيا السياسية؟ أو إلى الخوف من أن يصبح الشعب الصيني كسولا؟

مهما كانت الأيديولوجيا أو الاستراتيجية التي تقف وراء رفض الصين زيادة الإنفاق الاستهلاكي فان المخرج الوحيد للصين بالنظر إلى هذا الرفض هو تحقيق فوائض تجارية ضخمة وإغراق أسواق البلدان الأخرى بالسلع التي تنتجها ولكن لا يمكنها أو لا تريد استهلاكها.

لكن ما تقوله إدارة بايدن للصين أساسا هو: لا. لا يجب عليك أنت تفعلي ذلك. أنتِ في اقتصاد العالم لاعبٌ أكبر من أن يُلقي بنتائج إخفاقات سياساته في أحضان البلدان الأخرى.

لماذا لا يمكن للولايات المتحدة ببساطة قبول السلع الرخيصة من الصين؟ لا تزال المخاوف من الضرر الذي لحق بالمجتمعات المحلية من صدمة الصين الأولى قائمة، لكن هنالك أيضا قضية جديدة، إنها التغير المناخي. فالسلع التي تخضع للزيادة في الرسوم الجمركية أو لرسوم جديدة هي منتجات مرتبطة أساسا بالتحول إلى الطاقة الخضراء.

في هذا الجانب معظم التقارير الصحفية تتحدث عن السيارات الكهربائية، لكن أهم منها البطاريات العملاقة التي بدأت الآن تلعب دورا حيويا في حل مشكلة انقطاعات الطاقة المتجددة (فالشمس لا تشرق دائما والرياح لا تهب في كل الأوقات).

لماذا ببساطة لا تشتري الولايات المتحدة المنتجات الصينية؟ السبب هو الاقتصاد السياسي، فنظرا إلى التهديد الوجودي الذي يمثله التغير المناخي يجب ألا يكون التحالف السياسي الذي يقف وراء التحول إلى الطاقة الخضراء هشا. لكنه كذلك. لقد أمكن لإدارة بايدن الحصول على دعومات كبيرة للطاقة المتجددة فقط بربط هذه الدعومات بإيجاد وظائف صناعية محلية. وإذا اعتبرت هذه الدعومات، بدلا عن ذلك، مصدرًا لتوليد وظائف في الصين سنفقد آخر وأفضل أمل لنا في تجنب الكارثة المناخية، وهذا اعتبار يتفوق بسهولة على كل الحجج المعتادة ضد الرسوم الجمركية.

لذلك بفرض هذه الرسوم الجديدة يفعل مسؤولو إدارة بايدن ما يجب عليهم أن يفعلوه، ولا أرى أي بديل آخر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة صدمة الصین من الصین

إقرأ أيضاً:

ألمانيا تتوقع ركودا اقتصاديا هذا العام وتُحمّل ترامب المسؤولية

خفضت الحكومة الألمانية توقعاتها للنمو الاقتصادي إلى صفر للعام الجاري، ورجحت مواجهة عام صعب آخر لصاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا. وقال وزير الاقتصاد المنتهية ولايته روبرت هابيك الخميس، في برلين ، إن هذا يأتي بعد أن كانت برلين تتوقع في يناير /كانون الثاني أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.3% هذا العام، لكن إدارة يسار الوسط المنتهية ولايتها
تعتقد الآن أن الاقتصاد سوف يكتنفه الركود هذا العام.

وعازا هايبك مواجهة اقتصاد بلاده للركود إلى سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية التي تعمد إلى زيادة الرسوم الجمركية وتقليل من الاستيراد من الخارج ودعم الصناعة المحلية.

وقال هابيك لدى عرضه التوقعات إن "السياسة التجارية الأميركية القائمة على التهديد وفرض الرسوم الجمركية تؤثر مباشرة على الاقتصاد الألماني المعتمد بشدّة على التصدير".

وتوقعت الحكومة الألمانية في وقت سابق نموا ضئيلا نسبته 0.3% هذا العام بعدما سجّلت أكبر قوة اقتصادية في أوروبا انكماشا مدى العامين الماضيين.

كما خفضت توقعات النمو للعام 2026 إلى 1% من نسبة 1.1%.

وتعد الولايات المتحدة، وهي وجهة رئيسية للمنتجات الألمانية من السيارات وصولا إلى المواد الكيميائية، أكبر شريك تجاري لألمانيا وبلغت حصتها من الصادرات الألمانية العام الماضي نحو 10%.

إعلان

وتفرض الولايات المتحدة حاليا رسوما جمركية نسبتها 10% على صادرات الاتحاد الأوروبي إليها، بعدما أعلنت في وقت سابق عن نسبة رسوم أعلى بلغت 20% جمّدت تطبيقها لاحقا لمدة 90 يوما.

وقال هابيك إن "الرسوم الجمركية والاضطرابات في السياسة التجارية تؤثر على الاقتصاد الألماني أكثر من البلدان الأخرى".

وأفاد أثناء مؤتمر صحافي في برلين "نعتمد على الأسواق المفتوحة والأسواق العاملة وعلى عالم قائم على العولمة. هذه هي الأمور التي أثرَت هذه البلاد".

سجّل إجمالي الناتج المحلي الألماني انكماشا بنسبة 0.3% عام 2023 وبنسبة 0.2% عام 2024، على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.

كما يواجه منافسة صينية شرسة بشكل متزايد في قطاعات رئيسية مثل السيارات والآليات.

وتحدث هابيك عن "تحوّل" فيما يتعلق بالقطاعات التي كانت تضخ المال عادة للاقتصاد الألماني. وقال إن "كبار شركائنا التجاريين، الصين والولايات المتحدة، وجارتنا روسيا، يسببون لنا المشاكل".

حجم التبادل التجاري بين ألمانيا وأميركا بلغ 273 مليار دولار عام 2024 (شترستوك) (شترستوك) أميركا الشريك الأهم

تشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة أصبحت -ولأول مرة عام 2024- الشريك التجاري الأول لألمانيا منذ عام 2015، متجاوزة الصين.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 252.8 مليار يورو (273 مليار دولار). منها 161 مليار يورو (173.9 مليار دولار) صادرات ألمانية إلى الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • هل ستكون رئاسة ترامب الثانية ودية تجاه كوريا الشمالية؟
  • مسؤولون أمريكيون يكشفون كيف تمكن الحوثيون من إعاقة خطة ترامب والانتقال للمرحلة الثانية منها؟
  • انخفاض أسعار الذهب.. كيف يؤثر القرار الصيني على جاذبية المعدن النفيس؟
  • خلافا لسلفه بايدن.. ترامب يمتنع عن مصطلح خاص بمأساة الأرمن
  • خمس أوراق رابحة قد تستخدمها الصين في حربها التجارية مع الولايات المتحدة
  • مسؤولون يكشفون لـCNN كيف نجح الحوثي بإعاقة خطة ترامب والانتقال للمرحلة الثانية منها
  • تحليل :هل ستكون رئاسة ترامب الثانية ودية تجاه كوريا الشمالية؟
  • ألمانيا تتوقع ركودا اقتصاديا هذا العام وتُحمّل ترامب المسؤولية
  • الرئيس الأميركي يعيد إشعال فتيل الحرب التجارية مع الصين
  • الصين: الباب مفتوح لمحادثات تجارية مع الولايات المتحدة