لجريدة عمان:
2025-01-28@01:51:03 GMT

أنا مسلم هندي وأخشى أن أقول هذا

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

كنت أرد على الهاتف بكلمة «سلام»، ولم أعد أفعل. فلم أعد أرغب في أن يعرف الناس أنني مسلم.

ابتداء، وفي ما عدا اسمي، ليس ثمة الكثير الذي يكشف أنني مسلم. فأنا لا أرتدي قلنسوة، وأجتنب في العلن ارتداء الباثاني كورتا الفضفاضة وزركشة كلامي بمفردات من الأردو، وهذه جميعًا علامات هوية المسلمين الهنود. وذلك لأنه في الهند في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي لا يحسن بك أن تخاطر.

تقوم حكومة مودي الهندوسية الشوفينية منذ عشر سنوات بتشويه أمة من مائة مليون مسلم باعتبارهم خطرين غير مرغوب فيهم. وفي الآونة الأخيرة، مضى بذلك الخطاب إلى مستوى أشد دنوًّا خلال أسابيع الاقتراع الستة في الانتخابات الوطنية في الهند، التي من المتوقع على نطاق واسع أن تظفر له بفترة حكم من خمس سنوات هي فترته الثالثة على التوالي، فبات يصف المسلمين مباشرة بـ«العملاء» في بلد يسعى هو وأتباعه إلى تحويله إلى دولة هندوسية.

وبرغم هذه الإهانة، بات للأسف مألوفًا لدى المسلمين الهنود من أمثالي ممن يعيشون -بعد عقد من التشهير والعنف والقتل- في خوف يومي من تحديد هوياتهم ومهاجمتهم أن يضطروا إلى إنكار أنفسهم حماية لها.

الهند هي موطن أضخم شعب مسلم في العالم. وقد جاءنا الإسلام قبل قرابة ألف وثلاثمائة سنة، وينحدر المسلمون من أسلاف ينتمون إلى هذه الأرض اعتنقوا الإسلام قبل قرون. وكثير من المسلمين الهنود ناضلوا ضد الاستعمار البريطاني، ورفض الملايين قرار تقسيم البلد سنة 1947 إلى الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. فالهند وطننا، وأمثالي من الناس وطنيون فخورون.

لكن قومية مودي الهندوسية جعلتنا أهدافا في ما قد يكون أضخم حملة في الكوكب لغرس التطرف في شعب. غرست بذورها مع تأسيس منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج عام 1925، وهي منظمة هندوسية يمينية سعت إلى إقامة دولة هندوسية كاملة في الهند مستلهمة الفاشية الأوروبية التي سادت ذلك العصر. وحينما فاز حزب بهارتيا جاناتا التابع لمودي -والمتفرع عن منظمة راشتريا سوايامسيفاك- بانتخابات عام 2014 وأصبح مودي رئيسًا للوزراء، رأى هو وأتباعه في ذلك لحظة حضارية ظل الهندوس ينتظرونها. إذ بدا مودي هو الملك الإلهي القادر على تحرير الحضارة الهندوسية بعد قرون من السيطرة، سيطرة سلسلة من الحكام المسلمين في أول الأمر وصلوا إلى الذروة مع الإمبراطورية المغولية التي حكمت الهند لقرابة ثلاثة قرون ثم سيطرة المستعمرين البريطانيين الذي أعقبوهم.

وليس رهاب الإسلام بالجديد على الهند، وسبق أيضًا أن واجه المسلمون تمييزًا وعنفًا متواترًا على مدى أجيال هيمنت فيها نخبة هندوسية ليبرالية من الطبقة العليا على السياسة الديمقراطية العلمانية في الهند. لكن في ظل قيادة مودي اليمينية، باتت كراهية المسلمين فعليا سياسة دولة. الهند الآن بلد تُتهم فيه الشرطة بالتقاعس بينما الهندوس يهاجمون المسلمين، وينجو فيه قتلة الأقليات الدينية من العقاب ويدعو المتطرفون الهندوس جهارًا إلى إبادة جماعية للمسلمين.

ومن يفكر في الاحتجاج يجازف بإطلاق الغوغاء الهندوس عليه. وذلك ما جرى بعد إجازة حكومة مودي سنة 2019 لقانون الجنسية فيه تمييز ضد المسلمين ووعد حزبه بطرد «العملاء» من البلد. ولما احتج مسلمون هنود، رد أحد أنصار مودي بخطاب إثاري يلام في إثارة اشتباكات دموية بين الهندوس والمسلمين في دلهي في فبراير 2020. اتُهمت الشرطة بغض البصر بينما يجري تدمير محال للمسلمين ويتعرضون هم أنفسهم للعدوان بل وللقتل.

باتت الجرافات تنتشر في مسيرات اليمين، ويرسمها أنصار مودي وشما على أذرعهم وتتردد في أغنيات الوطنية الهندوسية، وذلك بسبب استعمالها في مناطق خاضعة لحكم حزب بهارتيا جاناتا في الهدم غير الشرعي لبيوت وأعمال المسلمين ممن يتجاسرون على الاعتراض. قررت بعض الولايات عدم قانونية العلاقات بين المسلمين والهندوس، بناء على نظرية مؤامرة هندوسية عبثية ترى أن رجال المسلمين يغوون الهندوسيات في سياق خطة بعيدة المدة لتحويل الهند إلى أمة مسلمة.

وبدلا من أن تعترف النخبة الهندوسية الليبرالية بدورها في ترسيخ المشاعر التي استثمرها مودي، نرى أنها لم تبذل جهدًا يذكر للمساعدة في ما عدا التعبير غير المجدي عن الحنين إلى التسامح الهندوسي الضائع. وليس بيد مسلمي الهند ما يمكن أن يفعلوه من داخل النظام السياسي، برغم أن نسبة المسلمين من شعب الهند قد ازدادت 14%، فإن نسبة أعضاء البرلمان المسلمين تراجعت إلى أقل من 5% اليوم، مقارنة بـ9% في أوائل الثمانينيات.

كان رد فعل المسلمين على قهرهم هو الصمت المطبق إلى حد كبير. فالكثيرون منا عازفون ببساطة عن الاعتراض على الصفقة المريرة التي أقرتها حكومة مودي، وهي أننا لكي نوجد بوصفنا مواطنين هنودا، فلا بد أن نقبل في خنوع تحريف التاريخ ونزع الإنسانية والشيطنة.

ثمة ما يموت داخل المرء بسبب هذا الامتهان، وبسبب معرفته أنه جوهريًا خارج نطاق حماية القانون. لم تعد والدتي تزودني بلحم الضأن وأنا راجع إلى دلهي بعد زيارتها كما اعتادت. إذ تخشى أن يخطئ البعض ويظنونه لحما بقريا، وقد تردد أن عشرات المسلمين تعرضوا للقتل أو الاعتداء من غوغاء هندوس لشكهم في قتلهم البقر -وهو مقدس لدى الهندوس- أو لأكلهم لحم البقر أو حيازته. واليوم يكرر الآباء المسلمون على أسماع أبنائهم سلسلة محظورات: لا تظهر إسلامك في العلن، لا تعلن اسمك، لا تدخل مناطق الهندوس، ولا تسافر منفردا، ولا تدخل في مواجهات محتملة.

وفي حين أننا نحذر بعضنا بعضا من الاندماج، يصعب أن نتصالح مع الأمر كله. لقد تأصل في إحساس كل منا بنفسه وتعبيره عنها ألم يصعب محوه. والعلامات المادية التي نحاول إخفاءها ليست خاصة بالمسلمين في الهند كلية. فقد يروق لقريبي أن يرتدي الباثناي كورنا، لكن كثيرا من الهندوس مثله أيضا. وأختي الصغرى تفضل تغطية رأسها، وكذلك كثير من نساء الهندوس، وإن لم يكن بحجاب. وأنا مرتبط باستعمال كلمات معينة من الأردو ظلت طويلا من سمات الثقافة الشائعة في الهند أيضا بين الهندوس.

يفضي إنكار الهوية إلى إحباط عميق. بتنا الآن خلال التجمعات مع الأصدقاء والأهل نجتنب السياسة، فمناقشة فيل الغرفة لا تفيد إلا في تذكرتنا بقلة حيلتنا. والثقل التراكمي لكل هذا أنشأ فينا أزمة صحة ذهنية، هي أزمة خوف واكتئاب بين المسلمين. غير أنه بسبب نقص فادح في عمالة الصحة الذهنية في الهند وبسبب الفهم المحدود لواقعنا الجديد لدى كثير من المعالجين النفسيين الهنود غير المسلمين، يظل على كثير من المسلمين أن يتكيفوا بأنفسهم.

لقد ترددت في كتابة هذه المقالة. فلا يفترض بي أن أحتج، أو أعترض. وحينما أفعل ذلك أحيانًا، فأنشر على الإنترنت شيئًا، يكون رد الفعل النمطي هو «اذهب إلى باكستان». ولكن لماذا أرحل؟ أنا هندي. ولدت هنا، شأن أسلافي ممن عارضوا الأساس الديني للتقسيم مع باكستان وآمنوا بمثل الديمقراطية العلمانية الهندية.

لكن كثيرًا من المسلمين هربوا على مدار السنين، مهاجرين إلى أستراليا، وكندا وبريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وأماكن أخرى بسبب سوء المناخ السياسي. وكثير ممن لا يملكون الهجرة ينتقلون من الأحياء ذات الأغلبية الهندوسية أو الأحياء المختلطة التي عاشوا فيها لعقود، إلى مناطق إسلامية أكثر فقرًا طلبًا للأمن. لقد كنت أنا واثنان من أصدقائي المسلمين نمتلك شققا في ضاحية قرب نيودلهي يعيش فيها كثير من الهندوس المنتمين إلى الطبقة العليا. لكن في 2020، بعد إجازة قانون المواطنة التمييزي، اجتاح غوغاء هندوس الحي مطالبين بدماء المسلمين. سرعان من انتقل صديقاي المسلمان من الحي. واحتفظت أنا بشقتي، ولكني سمعت في المصعد ذات مساء سنة 2022 حوارًا بين رجلين يتناقشان في أن كثيرًا للغاية من الكاتوا (وهو اصطلاح ازدرائي يعني المسلمين وهو مشتق من الختان) يعيشون في المنطقة. في اليوم التالي تركت المنطقة. والمؤسف أن أصدقاء وزملاء من الهندوس باتوا أكثر فتورًا وبعدًا وأن التواصل ينقطع.

في الأول من يونيو، تنتهي فترة الانتخاب الهندية. وهي تطل علينا بوصفها يوم الرعب للمسلمين من أمثالي. إذ تذهب أغلب التوقعات إلى أن مودي سوف يحقق نصرًا آخر، وأن مزيدًا من الترسخ سوف يناله حكم الغوغاء واحتقار مائتي مليون مسلم من الأغلبية الهندوسية.

محمد علي صحفي مستقل يعيش بين نيويورك والهند، ويؤلف حاليًا كتابًا عن النشأة في الهند في ظل سعي مودي وحكومته إلى تحويل الهند إلى بلد هندوسي

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الهند کثیر من

إقرأ أيضاً:

المفتي: التشريع الإسلامي يعزز الإخاء الإنساني بين المسلمين وغيرهم

قال الدكتور نظير محمد عيَّاد– مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا عندما ننظر إلى الواقع، فإننا نقف على جملةٍ من الأمور التي تتعلَّق بالإنسانية والمسلمين، خاصَّة في ظل وجود حالةٍ من التنازُع والتشرذُم بين المسلم وأخيه المسلم، مشيرًا إلى أن فلسفة التشريع الإسلامي تحرص على تحقيق مصدر التآخي بين الناس، وقد قامت على هذا المبدأ الأصيل، فهي تنظر إليه على أنه الركيزة الأولى والمدخل الرئيسي لتحقيق الأُخوَّة الإنسانية والريادة الحضارية التي ننشدها جميعًا. 

وتابع المفتي خلال مشاركته في ندوة "الفتوى وأثرها في تحقيق الوحدة الإسلامية"، التي استضافها جناح مجلس حكماء المسلمين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الأحد، وتحدث فيها فضيلة مفتي الجمهورية إلى جانب الأستاذ الدكتور سمير بودينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام-: أن فلسفة التشريع الإسلامي تقوم على حرص الإسلام على تحقيق مصدر التآلف والتآخي والتوحُّد بين الإنسان وأخيه الإنسان، وكذلك بين المسلم وأخيه المسلم بشكل خاص، ذلك لأن فلسفة الإسلام تنطلق من قولِ الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، مشيرًا إلى أن هذه الآية تقوم على الوحدة بين المسلم وأخيه المسلم. ولو توقَّفنا عند العنصر الرئيسي، سوف نجد أن المبدأ الأصيل الذي قامت عليه هذه الفلسفة هو التأكيد على الوحدانية المطلقة لله، وهذه الوحدانية هي مقصد كافَّة الأنبياء، ومن ثَم نلحظ هذه الوحدة في مضامين الرسالة الغرَّاء التي حملها الإسلام. ويمكن أن نقف من خلالها على أن فلسفة التشريع الإسلامي تقود لمصلحة البلاد والعباد، فالوحدانيَّة لله تعالى هي مقصد للناس جميعًا. 

وأضاف مفتي الجمهورية أنه: لا يمكن أن نقف أمام هذه الأركان دون أن تأخذ عقلك إلى هذه الوحدة التي حافظ عليها الإسلام؛ فالصلاة على الرغم من مواقيتها المختلفة بين دولة وأخرى، إلا أنها محدَّدة بشروط مُعيَّنة وتفاصيل دقيقة وأركان وأصول تربط الناس من خلال هذه العبادة ومن خلال وحدة القِبلة والمعبود. فالجميع يصطفُّ لرَبٍّ واحدٍ في عبادة واحدة. والأمر ذاته يتأكَّد من خلال شروط الزكاة التي تقوم على وحدة النصاب ووحدة العام أو الحول. كذلك الصيام، إذ يبدأ الناس الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويمتنعون عن شهوتي البطن والفرج. كما تجمع شعيرةُ الحج الناسَ لمعبودٍ واحدٍ وشعائر واحدة وركن واحد؛ ومن ثَم فإن علَّة الشريعة أنها تُقرِّب ولا تُبعِّد. 

كما أوضح المفتي أننا إذا تركنا الفلسفة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية في إرساء مبادئ الوحدة بين الناس، وانتقلنا إلى قضية الفتوى لوجدناها تُعزِّز من الإخاء الإنساني بين المسلم والمسلم وبين المسلم وغير المسلم. فالمسلم يبحث عن الوِئام والاتفاق، والمفتي لا يستطيع أن يكشف عن هذه الغاية إلا إذا توفَّرت معه الأدوات والعلوم والمعارف؛ لأنها تدفع لإزالة الإشكال بين النصوص وغيرها من الأمور، لنصل في النهاية إلى تحقيق مبدأ الوحدة والاتحاد. 

في السياق ذاته، أكد المفتي أننا عندما نتوقف أمام الفتوى وما يتعلق بها من أمور، لا بد أن نشير إلى الأمر الأول، وهو كونها مهمَّةً عظيمةً؛ فالله عز وجل هو مَن تولَّى الإفتاء بذاته، ثم نقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين، ثم العلماء. 

وتابع: أما الأمر الثاني، فهو أن هذه المهمة مع عِظَم قدرها إلا أنه لا بد أن ننظر إليها على أنها الحصن الآمن للمجتمع. وهنا ننظر قليلًا إلى علاقة الفتوى بالمقاصد الشرعية، وإذا ما نظرنا إلى علاقة الفتوى بهذه المقاصد أدركنا أن البقاء للبلاد والمحافظة على العباد لا تتأتَّى إلا من خلال الفتوى الرشيدة، ومن ثَم فهي مسؤولية مشتركة بين المفتي والمستفتي. فالمفتي يُدرِك عِظَم المسؤولية؛ فهو المُبلِّغ عن الله، أما المستفتي فلا بد أن يدرك أن المفتي يُبيِّن له الحكم وفقَ ما وقف عليه من أسئلة، ومن ثم فلا بد أن يترفَّع عن الأهواء؛ ولهذا نجد أن المفتي لا يتوافر فيه مجرد العلم فحسب، بل يجب أن يتوافر فيه العلم والهِبة الفِطريَّة والذكاء الفِطري ليقف على صِدق المستفتي من عدمه. 

ومن هنا، أُحيِّي التجربةَ التي وقفَتْ عليها المؤسسات الدينية في حرصها على الالتزام بالفتوى وآدابها ومراعاة ما يتعلق بالمفتي والمستفتي حتى يتم إنزال الحكم الشرعي في موضعه. 
وأشار فضيلته إلى قضية الفتوى والعلاقة بين المفتي والمستفتي، وكيف أن السؤال المعروض والإجابة عليه يُسهمان في خلق الأمن المجتمعي. وكيف أن جنوح المفتي أو المستفتي إلى الباطل لِهوًى أو منفعةٍ أو شهوةٍ يؤدِّي إلى إنزال الحكم على غير مُرادِه، مما ينتج عنه نظرة جائرة للشريعة ساعد عليها إما جرأة مُفتٍ أو تدليسُ مُستفتٍ. قائلًا: إذا كنا نتحدث عن أمنٍ مجتمعي، فلا بد أن يُراعَى في الفتوى أمانة السائل وسَعَة أفق المفتي، حتى يكون الحكم في موضعه والرأيُ في محله المعهود. 

كذلك تحدَّث عن أهمية تعزيز الأُخوَّة الإسلامية، موضحًا أن دار الإفتاء تنطلق في تحقيق هذا الأمر من خلال عدة أمور: 
الأول هو انطلاقها من المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو القرآن الكريم الذي يضع قواعد كليَّة تُسهم في إيجاد حلول لكثير من القضايا.
أما الأمر الثاني فيتعلق بنظرة دار الإفتاء إلى السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع، حيث ننظر إليها باعتبارها المُذكِّرة التفسيرية لما جاء في القرآن. مؤكدًا أنه من خلال القرآن الكريم وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يصل الإنسان إلى أمنٍ مجتمعي وفكري يتحقق من خلال القراءة المتأنِّية للنصوص الدينية. 
وأشار إلى قضية التطرف والغلو، موضحًا أن نصوص القرآن تربط بين هذين الجانبين بنطاقٍ مُحكَم من خلال تضييق النطاق على قضية التكفير والغلو. 

في السياق ذاته، أشار المفتي إلى الأمر الثالث الذي تُعنَى به دار الإفتاء، وهو تَبنِّيها للتعدديَّة الثقافية والفكرية. موضحًا أن دار الإفتاء تحرص على عرض جميع الآراء المتعددة والمذاهب الفقهية المختلفة، وجميعها يتقارب في شِقها الأعظم. كما أكد أن دار الإفتاء تعمل أيضًا على نبذ الغلو والتطرف، وقد قطعت أشواطًا في العمل على تصحيح المفاهيم، وأصدرت جملةً من الإصدارات العلمية التي تُعنَى بذلك. 

كما ترى الدار أن المفتي لا بد أن يكون مُلمًّا بمسألة الأمن الفكري، ومن ثَم يتم تدريبه على جملة من العلوم الاجتماعية والفقهية والإنسانية، مما يُعِينه على اختيار الفتوى المناسبة في الوقت المناسب. 

من جانبه قال الدكتور سمير بو دينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام: قال إن الوضع الراهن يؤثر في تغيير أولويات الفتوى، موضحًا أن الفتوى من صميم دور العلماء وأنهم ورثة الأنبياء. وتابع: عندما نرى تاريخ المسلمين نجد أن الفتوى صورة واضحة لحال الأمة. ومتى أدَّت الفتوى دورَها أدت إلى الوحدة والإخاء. وذكر أن ما يحول دون أداء الفتوى لدورها هو عدم تصدي المختصين لها، أو عدم طلب الفتوى من أهل الاختصاص. فالفتوى لها دور أساسي، ومن خلال علمائها يمكن أن نحفظ الأمن الفكري للأمة بأسرها. 

وفي الختام تطرَّق إلى دور المؤسسات البحثيَّة في تحقيق الأُخوَّة الإنسانية، مشيرًا إلى الدور التكاملي بين المعرفة الشرعيَّة والاجتماعية والإنسانية لإدراك الواقع. وكذلك قضية التمكُّن والرسوخ والخبرة العلمية التي تعدُّ معيارًا لمن يتصدَّى لإفتاء الناس، وأن مراكز الأبحاث لها دور كبير في تأهيل هذه الأجيال من المتصدِّين للإفتاء.

مقالات مشابهة

  • مسلم بن حم: بناء مجتمع مترابط ومتآزر ومزدهر
  • مسلم بن حم: “عام المجتمع” يعكس حرص القيادة الرشيدة على الاحتفاء بقيم الأصالة
  • أحمد حاتم: "لما قررت أمثل كنت محرج أقول لأهلي"
  • الحقيقة التي أدركها أخيرًا كثير من جنود الميليشيا وضباطها من المخدوعين (..)
  • مفتي الجمهورية: الفتوى تُعزز من الإخاء الإنساني بين المسلمين وغيرهم
  • القائمة بأعمال سفارة الهند لدى مصر تشيد بالعلاقات التي تربط بين القاهرة ونيودلهي
  • المفتي: التشريع الإسلامي يعزز الإخاء الإنساني بين المسلمين وغيرهم
  • ادرعي: ابتعدوا عن الحدود واسمعوا الكلمة
  • أنشيلوتي: مبابي «كثير من الجودة»
  • جندي هندي سابق يقتل زوجته ويتخلص من جثتها بطريقة بشعة