أنا مسلم هندي وأخشى أن أقول هذا
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
كنت أرد على الهاتف بكلمة «سلام»، ولم أعد أفعل. فلم أعد أرغب في أن يعرف الناس أنني مسلم.
ابتداء، وفي ما عدا اسمي، ليس ثمة الكثير الذي يكشف أنني مسلم. فأنا لا أرتدي قلنسوة، وأجتنب في العلن ارتداء الباثاني كورتا الفضفاضة وزركشة كلامي بمفردات من الأردو، وهذه جميعًا علامات هوية المسلمين الهنود. وذلك لأنه في الهند في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي لا يحسن بك أن تخاطر.
تقوم حكومة مودي الهندوسية الشوفينية منذ عشر سنوات بتشويه أمة من مائة مليون مسلم باعتبارهم خطرين غير مرغوب فيهم. وفي الآونة الأخيرة، مضى بذلك الخطاب إلى مستوى أشد دنوًّا خلال أسابيع الاقتراع الستة في الانتخابات الوطنية في الهند، التي من المتوقع على نطاق واسع أن تظفر له بفترة حكم من خمس سنوات هي فترته الثالثة على التوالي، فبات يصف المسلمين مباشرة بـ«العملاء» في بلد يسعى هو وأتباعه إلى تحويله إلى دولة هندوسية.
وبرغم هذه الإهانة، بات للأسف مألوفًا لدى المسلمين الهنود من أمثالي ممن يعيشون -بعد عقد من التشهير والعنف والقتل- في خوف يومي من تحديد هوياتهم ومهاجمتهم أن يضطروا إلى إنكار أنفسهم حماية لها.
الهند هي موطن أضخم شعب مسلم في العالم. وقد جاءنا الإسلام قبل قرابة ألف وثلاثمائة سنة، وينحدر المسلمون من أسلاف ينتمون إلى هذه الأرض اعتنقوا الإسلام قبل قرون. وكثير من المسلمين الهنود ناضلوا ضد الاستعمار البريطاني، ورفض الملايين قرار تقسيم البلد سنة 1947 إلى الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. فالهند وطننا، وأمثالي من الناس وطنيون فخورون.
لكن قومية مودي الهندوسية جعلتنا أهدافا في ما قد يكون أضخم حملة في الكوكب لغرس التطرف في شعب. غرست بذورها مع تأسيس منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج عام 1925، وهي منظمة هندوسية يمينية سعت إلى إقامة دولة هندوسية كاملة في الهند مستلهمة الفاشية الأوروبية التي سادت ذلك العصر. وحينما فاز حزب بهارتيا جاناتا التابع لمودي -والمتفرع عن منظمة راشتريا سوايامسيفاك- بانتخابات عام 2014 وأصبح مودي رئيسًا للوزراء، رأى هو وأتباعه في ذلك لحظة حضارية ظل الهندوس ينتظرونها. إذ بدا مودي هو الملك الإلهي القادر على تحرير الحضارة الهندوسية بعد قرون من السيطرة، سيطرة سلسلة من الحكام المسلمين في أول الأمر وصلوا إلى الذروة مع الإمبراطورية المغولية التي حكمت الهند لقرابة ثلاثة قرون ثم سيطرة المستعمرين البريطانيين الذي أعقبوهم.
وليس رهاب الإسلام بالجديد على الهند، وسبق أيضًا أن واجه المسلمون تمييزًا وعنفًا متواترًا على مدى أجيال هيمنت فيها نخبة هندوسية ليبرالية من الطبقة العليا على السياسة الديمقراطية العلمانية في الهند. لكن في ظل قيادة مودي اليمينية، باتت كراهية المسلمين فعليا سياسة دولة. الهند الآن بلد تُتهم فيه الشرطة بالتقاعس بينما الهندوس يهاجمون المسلمين، وينجو فيه قتلة الأقليات الدينية من العقاب ويدعو المتطرفون الهندوس جهارًا إلى إبادة جماعية للمسلمين.
ومن يفكر في الاحتجاج يجازف بإطلاق الغوغاء الهندوس عليه. وذلك ما جرى بعد إجازة حكومة مودي سنة 2019 لقانون الجنسية فيه تمييز ضد المسلمين ووعد حزبه بطرد «العملاء» من البلد. ولما احتج مسلمون هنود، رد أحد أنصار مودي بخطاب إثاري يلام في إثارة اشتباكات دموية بين الهندوس والمسلمين في دلهي في فبراير 2020. اتُهمت الشرطة بغض البصر بينما يجري تدمير محال للمسلمين ويتعرضون هم أنفسهم للعدوان بل وللقتل.
باتت الجرافات تنتشر في مسيرات اليمين، ويرسمها أنصار مودي وشما على أذرعهم وتتردد في أغنيات الوطنية الهندوسية، وذلك بسبب استعمالها في مناطق خاضعة لحكم حزب بهارتيا جاناتا في الهدم غير الشرعي لبيوت وأعمال المسلمين ممن يتجاسرون على الاعتراض. قررت بعض الولايات عدم قانونية العلاقات بين المسلمين والهندوس، بناء على نظرية مؤامرة هندوسية عبثية ترى أن رجال المسلمين يغوون الهندوسيات في سياق خطة بعيدة المدة لتحويل الهند إلى أمة مسلمة.
وبدلا من أن تعترف النخبة الهندوسية الليبرالية بدورها في ترسيخ المشاعر التي استثمرها مودي، نرى أنها لم تبذل جهدًا يذكر للمساعدة في ما عدا التعبير غير المجدي عن الحنين إلى التسامح الهندوسي الضائع. وليس بيد مسلمي الهند ما يمكن أن يفعلوه من داخل النظام السياسي، برغم أن نسبة المسلمين من شعب الهند قد ازدادت 14%، فإن نسبة أعضاء البرلمان المسلمين تراجعت إلى أقل من 5% اليوم، مقارنة بـ9% في أوائل الثمانينيات.
كان رد فعل المسلمين على قهرهم هو الصمت المطبق إلى حد كبير. فالكثيرون منا عازفون ببساطة عن الاعتراض على الصفقة المريرة التي أقرتها حكومة مودي، وهي أننا لكي نوجد بوصفنا مواطنين هنودا، فلا بد أن نقبل في خنوع تحريف التاريخ ونزع الإنسانية والشيطنة.
ثمة ما يموت داخل المرء بسبب هذا الامتهان، وبسبب معرفته أنه جوهريًا خارج نطاق حماية القانون. لم تعد والدتي تزودني بلحم الضأن وأنا راجع إلى دلهي بعد زيارتها كما اعتادت. إذ تخشى أن يخطئ البعض ويظنونه لحما بقريا، وقد تردد أن عشرات المسلمين تعرضوا للقتل أو الاعتداء من غوغاء هندوس لشكهم في قتلهم البقر -وهو مقدس لدى الهندوس- أو لأكلهم لحم البقر أو حيازته. واليوم يكرر الآباء المسلمون على أسماع أبنائهم سلسلة محظورات: لا تظهر إسلامك في العلن، لا تعلن اسمك، لا تدخل مناطق الهندوس، ولا تسافر منفردا، ولا تدخل في مواجهات محتملة.
وفي حين أننا نحذر بعضنا بعضا من الاندماج، يصعب أن نتصالح مع الأمر كله. لقد تأصل في إحساس كل منا بنفسه وتعبيره عنها ألم يصعب محوه. والعلامات المادية التي نحاول إخفاءها ليست خاصة بالمسلمين في الهند كلية. فقد يروق لقريبي أن يرتدي الباثناي كورنا، لكن كثيرا من الهندوس مثله أيضا. وأختي الصغرى تفضل تغطية رأسها، وكذلك كثير من نساء الهندوس، وإن لم يكن بحجاب. وأنا مرتبط باستعمال كلمات معينة من الأردو ظلت طويلا من سمات الثقافة الشائعة في الهند أيضا بين الهندوس.
يفضي إنكار الهوية إلى إحباط عميق. بتنا الآن خلال التجمعات مع الأصدقاء والأهل نجتنب السياسة، فمناقشة فيل الغرفة لا تفيد إلا في تذكرتنا بقلة حيلتنا. والثقل التراكمي لكل هذا أنشأ فينا أزمة صحة ذهنية، هي أزمة خوف واكتئاب بين المسلمين. غير أنه بسبب نقص فادح في عمالة الصحة الذهنية في الهند وبسبب الفهم المحدود لواقعنا الجديد لدى كثير من المعالجين النفسيين الهنود غير المسلمين، يظل على كثير من المسلمين أن يتكيفوا بأنفسهم.
لقد ترددت في كتابة هذه المقالة. فلا يفترض بي أن أحتج، أو أعترض. وحينما أفعل ذلك أحيانًا، فأنشر على الإنترنت شيئًا، يكون رد الفعل النمطي هو «اذهب إلى باكستان». ولكن لماذا أرحل؟ أنا هندي. ولدت هنا، شأن أسلافي ممن عارضوا الأساس الديني للتقسيم مع باكستان وآمنوا بمثل الديمقراطية العلمانية الهندية.
لكن كثيرًا من المسلمين هربوا على مدار السنين، مهاجرين إلى أستراليا، وكندا وبريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وأماكن أخرى بسبب سوء المناخ السياسي. وكثير ممن لا يملكون الهجرة ينتقلون من الأحياء ذات الأغلبية الهندوسية أو الأحياء المختلطة التي عاشوا فيها لعقود، إلى مناطق إسلامية أكثر فقرًا طلبًا للأمن. لقد كنت أنا واثنان من أصدقائي المسلمين نمتلك شققا في ضاحية قرب نيودلهي يعيش فيها كثير من الهندوس المنتمين إلى الطبقة العليا. لكن في 2020، بعد إجازة قانون المواطنة التمييزي، اجتاح غوغاء هندوس الحي مطالبين بدماء المسلمين. سرعان من انتقل صديقاي المسلمان من الحي. واحتفظت أنا بشقتي، ولكني سمعت في المصعد ذات مساء سنة 2022 حوارًا بين رجلين يتناقشان في أن كثيرًا للغاية من الكاتوا (وهو اصطلاح ازدرائي يعني المسلمين وهو مشتق من الختان) يعيشون في المنطقة. في اليوم التالي تركت المنطقة. والمؤسف أن أصدقاء وزملاء من الهندوس باتوا أكثر فتورًا وبعدًا وأن التواصل ينقطع.
في الأول من يونيو، تنتهي فترة الانتخاب الهندية. وهي تطل علينا بوصفها يوم الرعب للمسلمين من أمثالي. إذ تذهب أغلب التوقعات إلى أن مودي سوف يحقق نصرًا آخر، وأن مزيدًا من الترسخ سوف يناله حكم الغوغاء واحتقار مائتي مليون مسلم من الأغلبية الهندوسية.
محمد علي صحفي مستقل يعيش بين نيويورك والهند، ويؤلف حاليًا كتابًا عن النشأة في الهند في ظل سعي مودي وحكومته إلى تحويل الهند إلى بلد هندوسي
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الهند کثیر من
إقرأ أيضاً:
عمار النعيمي يستقبل سفير الهند
استقبل سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس المجلس التنفيذي، سعادة سنغاي سودهير سفير جمهورية الهند لدى الدولة.
ورحب سموه، بسعادة السفير، متمنياً له التوفيق والنجاح في أداء مهام عمله، بما يسهم في توطيد علاقات الصداقة والتعاون مع جمهورية الهند على مختلف الصعد.
جرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون مع الهند في شتى المجالات، إلى جانب عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
من جانبه عبر سعادة السفير سنغاي سودهير، عن بالغ شكره وتقديره لسمو ولي عهد عجمان، على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، مثنياً على العلاقات القوية التي تربط البلدين الصديقين.
حضر اللقاء، الشيخ راشد بن عمار بن حميد النعيمي نائب رئيس نادي عجمان، ومعالي الشيخ الدكتور ماجد بن سعيد النعيمي رئيس الديوان الأميري، والشيخ خالد بن حمدان النعيمي، وسعادة يوسف النعيمي مدير عام دائرة التشريفات والضيافة، وسعادة أحمد إبراهيم الغملاسي رئيس مكتب سمو ولي العهد، وسعادة سالم سيف المطروشي نائب مدير الديوان، والوفد المرافق لسعادة سفير جمهورية الهند، وعدد من كبار المسؤولين.