سيول وبكين وطوكيو تتفق على نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
سيول "أ ف ب": اتفقت كوريا الجنوبية والصين واليابان اليوم خلال قمّتها الأولى منذ خمس سنوات، على أن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية والاستقرار فيها فيما أعلنت بيونغ يانغ نيّتها إطلاق قمر اصطناعي تجسّسي جديد.
وقالت هذه الدول في بيان مشترك إن السلام في شبه الجزيرة "يصب في مصلحتنا المشتركة"، وأعادت تأكيد التزامها "نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية وبذل الجهود من أجل التوصل إلى تسوية سياسية" لهذه القضية.
وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا "لقد أعدنا تأكيد أن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية يصبّان في المصلحة المشتركة لبلادنا".
سارعت كوريا الشمالية للرد مشيرة إلى أن المناقشات تشكل "استفزازا سياسيا خطرا" وتنتهك وضعها الدستوري كدولة تملك السلاح النووي.
إستفزاز سياسي
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في بيان نشرته وسائل الإعلام الرسمية إن "مناقشة نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية اليوم تشكل استفزازا سياسيا خطرا" مضيفا أن ذلك "ينتهك الموقف الدستوري لبلادنا كدولة تملك أسلحة نووية".
وقُبيل افتتاح القمّة، أبلغت كوريا الشماليّة خفر السواحل اليابانيّين بأنّ نافذة إطلاق الصاروخ الذي سيضع القمر الاصطناعي في المدار، والتي تستمرّ ثمانية أيّام، فُتحت ليل الأحد الاثنين، وحدّدت ثلاث مناطق خطر بحري قرب شبه الجزيرة الكورية وجزيرة لوزون الفيليبينية حيث يمكن أن يسقط حطام من الصاروخ.
وبذلك، أكدت بيونغ يانغ المعلومات الواردة من أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية والتي تفيد بأن بيونغ يانغ تنوي وضع قمر اصطناعي لأهداف عسكرية في المدار مجددا.
وفي نوفمبر، أطلقت بيونغ يانغ ثلاثة أقمار اصطناعية، وضع فقط آخرها في المدار بنجاح، ما أثار إدانة دولية.
وقبل إجرائه محادثات مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ وكيشيدا، قال الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في كلمته الافتتاحية إن "أي عملية إطلاق باستخدام تكنولوجيا الصواريخ البالستية من شأنها أن تنتهك القرارات المتعددة لمجلس الأمن الدولي وتقوّض السلام والاستقرار الإقليميين والعالميين".
من جهته، دعا تشيانغ جميع الأطراف إلى "ممارسة ضبط النفس والحيلولة دون تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية".
تعزيز التعاون
وفي هذه القمة الثلاثية الأولى منذ خمس سنوات، اتفقت سيول وطوكيو وبكين على تعزيز تعاونها الثلاثي من خلال تنظيم اجتماعات مماثلة بشكل منتظم.
وقال رئيس كوريا الجنوبية إنه "يجب تعزيز نظام التعاون الثلاثي" موضحا "قررنا عقد اجتماعات ثلاثية بشكل منتظم".
من جهته، حضّ لي تشيانغ كلا من كوريا الجنوبيّة واليابان على رفض "الحمائيّة" والانفصال الاقتصادي.
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أنّ "لي دعا إلى عدم تحويل القضايا الاقتصاديّة والتجاريّة إلى ألاعيب سياسيّة أو مسائل أمنيّة، وإلى رفض الحمائيّة والانفصال وقطع سلاسل التوريد".
كذلك، أعلن المسؤولون الثلاثة في بيانهم المشترك أنهم سيسعون للتوصل إلى اتفاق ثلاثي للتجارة الحرة وسيعملون على "تسريع المفاوضات" للتوصل إلى هذا الاتفاق الذي سيكون "حرا وعادلا وشاملا ومفيدا للطرفين".
وقال يون إن الدول الثلاث "قررت إنشاء بيئة شفافة للتجارة والاستثمار، وإنشاء سلسلة توريد مضمونة".
وبعد مناقشاتهم، انضم السياسيون الثلاثة إلى قادة أعمال للمشاركة في قمة اقتصادية تهدف إلى تعزيز التجارة بين الدول الثلاث.
وكتبت صحيفة هانكيوريه الكورية الجنوبية اليوم قبل القمة "هذا الاجتماع مهم لأنه قناة الاتصال المنتظمة الوحيدة التي يمكن لزعيمَي كوريا الجنوبية واليابان أن يجتمعا فيها مع الزعيم الصيني".
ويسعى يون سوك يول، رئيس كوريا الجنوبية منذ العام 2022 إلى تحسين علاقات بلاده مع اليابان، القوة الاستعمارية السابقة، في مواجهة التهديدات المتزايدة من بيونغ يانغ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی شبه الجزیرة الکوریة نزع السلاح النووی کوریا الجنوبیة بیونغ یانغ
إقرأ أيضاً:
كوريا الجنوبية وكيف تُفشل انقلابا عسكريا في خمس ساعات؟
قبل أسبوعين، حاول الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية. ارتعب الكوريون، لكنهم خلال ساعات قليلة كانوا قد استطاعوا إلغاء قرار الرئيس، وخلال عشرة أيام كانوا قد أجبروه على إعلان التنحي، بعد أن حاول وزير دفاعه الانتحار في محبسه، وبعد أن اتفق كافة الكوريين على رفض الأوضاع الاستثنائية، بما فيهم حزب الرئيس نفسه. لم يستغرق حراك الكوريين طويلًا، لكن دراسة الأسباب التي أدت إلى إفشال محاولة الرئيس الكوري النكوص عن الديمقراطية، حق لها أن تستغرق وقتا أطول كثيرا من ذلك الوقت الذي امتد لقرابة خمس ساعات وأفشل فيه الكوريون هذه المحاولة.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو نادر الحدوث، تخبرنا التجربة التاريخية أن تقريبا نصف محاولات الانقلاب العسكري تفشل في الإطاحة بالنظام أو في ترسيخ دعائم نظام جديد. وقبل أن ندلف إلى الحالة الكورية، فمن نافلة القول أنه كلما زادت الثقة في المؤسسات الديمقراطية، مثل الانتخابات والبرلمان، كلما كان من الأصعب تنفيذ محاولة الانقلاب. وفي أغلب المحاولات الفاشلة للانقلاب على الديمقراطية والدستور، كان المواطنون هم حائط الصد أمام المتآمرين، ينطبق هذا على الكثير من محاولات الانقلاب، مثل تلك التي فشلت في ألمانيا عام 1920، بعد عامين فقط من الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وليس انتهاء بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها عسكريون ومدنيون أتراك في يوليو/تموز 2016 على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سلجوق بَيْرَقْدار مهندس المُسيَّرات الطامح لتغيير العالمlist 2 of 2كيف يقتل جنود جيش الاحتلال بدمٍ بارد؟end of list إعلاناللحظات الأولى للانقلابات العسكرية تبدو أخطر لحظات البلاد على الإطلاق في البلاد المستقرة، إذ حينها يقرر المواطنون إذا ما كانوا مستعدين لدفع ثمن الديمقراطية الحقة، وإيقاف محاولة سرقة إرادتهم، إنها اللحظة التي يتحول فيها عوام الناس إلى أبطال لبلادهم، وهو ما حدث بالضبط في كوريا الجنوبية.
ما الذي حدث؟في الساعة الحادية عشرة مساء بالتوقيت المحلي يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الثاني، أعلن رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" في خطاب متلفز مفاجئ تطبيق الأحكام العرفية في البلاد. اتهم الرئيس الذي انتُخب قبل سنتين الحزب الديمقراطي المعارض، والذي يسيطر على ما يقرب الثلثين من مقاعد البرلمان بالتعاون مع بعض الأحزاب الصغيرة، اتهمه بالتعاطف مع كوريا الشمالية والانخراط في أنشطة معادية للدولة.
ورغم محاولة الجيش والشرطة السيطرة على مبنى البرلمان، دعا زعيم المعارضة نواب الحزب الديمقراطي إلى الالتحاق بالبرلمان للتصويت لرفض القرار الرئاسي. تمكن النواب من اجتياز الحواجز بمساعدة آلاف المحتجين الذين واجهوا قوات الجيش والشرطة بلا عنف، والوصول إلى قبة البرلمان.
وخلال ساعة واحدة، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بشكل كبير، وانخفضت أسعار الأسهم، لكن الأهم أن المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع كانوا قد استطاعوا تأمين البرلمان الذي صوّت بالإجماع لحجب المرسوم في جلسة طارئة، بحضور 190 من الأعضاء البالغ عددهم 300.
وبعد 5 ساعات ونصف الساعة (أي أقل من المدة التي استغرقها هذا المقال بحثا وكتابة)، وتحديدا في الرابعة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، أعلن الرئيس "يون" أنه سيتراجع عن قراره بفرض الأحكام العرفية، وأن قوات الجيش ستنسحب إلى ثكناتها.
بالنسبة لمواطن كوري خلد إلى النوم في العاشرة مساء واستيقظ في السادسة صباحا، فلن يكون بإمكانه الشعور بما شعر به المحتجون حينها، لكن معرفته بتاريخ كوريا الجنوبية القريب سيمكّنه من استيعاب ما حدث بكل تأكيد.
إعلان كوريا الجنوبية.. الشعب يتذكر إسقاط النظامبدأ عهد الانقلابات العسكرية في كوريا الجنوبية قبل 63 عاما عندما أطاح انقلاب عسكري عام 1961 بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا. سيطر الجيش على البلاد لـ18 عاما، إلى أن اغتيل قائد الانقلاب والرئيس "بارك شونغ هي" في أكتوبر/تشرين الأول عام 1979. كان "شونغ هي" قد أحكم السيطرة على السلطة، لذلك ترك مقتله المفاجئ فراغا كبيرا أدى لصعود عدد من الحركات الداعية للديمقراطية والتي كان "شونغ هي" قد ضيّق عليها الخناق.
تولى رئيس الوزراء حينها حكم البلاد مؤقتا. وبعد شهرين لم يستطع فيهما أن يبسط سيطرته على الحكومة، أطاح به انقلاب عسكري جديد عُرف بانقلاب الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول 1979، وهذا هو الانقلاب الذي يتذكره الكوريون جيدا، فقد كانت آخر مرة يتم فيها فرض الأحكام العرفية في البلاد.
كعادة قادة الانقلابات العسكرية، نفى قائد الانقلاب "شون دو هوان" أن يكون لحركته العسكرية أي بُعد سياسي، ونفى اهتمامه بالحكم والسياسات المحلية. لكن خلال أشهر قليلة، ومع عودة الطلاب للدراسة في المدارس والجامعات، أخذت المظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري وحكم "دو هوان" في الاتساع إلى أن عطلت كثيرا من نواحي الحياة في العاصمة سيول وبقية مدن كوريا الجنوبية. وفي 17 مايو/أيار 1980، أعلن "دو هوان" تمديد العمل بالأحكام العرفية وتوسيع نطاقها لتشمل كامل البلاد، وحظر بث أو إذاعة أو نشر أي انتقاد علني للحكومة، وكذلك منع أي تجمعات سياسية، وإغلاق الجامعات، وتجريم الإضرابات العمالية، وإنهاء المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.
يصنف الكوريون ما حدث في مايو/أيار باعتباره انقلابا جديدا، لكن ربما يكون من الدقة وصفه بخطوة تعزيز الجنرال "دو هوان" لسلطته التي بدأت مع انقلاب ديسمبر/كانون الثاني قبل ذلك بـ6 أشهر.
لم يرضَ الكوريون بذلك، خاصة الطلاب في جامعة شونام الوطنية العريقة، في مدينة غوانجو. تظاهر الطلاب والأساتذة والسكان، وساعدهم مواطنون رأوا التعامل الوحشي من الشرطة والجيش مع المتظاهرين. سيطر المدنيون على المدينة، واستطاعوا إبعاد الجيش، وحاولوا التفاوض معه، لكن على مدار الأيام التالية وصلت تعزيزات الجيش إلى القوات التي كانت قد انسحبت إلى تخوم المدينة وضواحيها، ليحاصروا جميع الطرق المؤدية إلى غوانجو.
إعلانعندما قرر الجيش اقتحام غوانجو في السابع والعشرين من مايو/أيار، استطاع هزيمة المدنيين في 90 دقيقة وصل فيها إلى قلب المدينة. لكن الجرائم التي ارتكبها الجيش عاش الكثيرون آثارها لسنوات طويلة، فقد أطلق الجيش النار على الطلاب، واغتصب جنوده المتظاهرات، وعذبوا الطلاب، وقتلوا خلال هذه المواجهات ما يصل إلى 2,300 مواطن كوري، في مذبحة يعرفها الكوريون جيدا، وتُخلدها الأفلام الدرامية والنصب التذكارية.
ما يفعله التعليم في وطن ضائعظلت كوريا الجنوبية تحت حكم العسكر 8 سنوات، عانى خلالها الكوريون من ديكتاتورية عسكرية مقيتة، تميزت بقمع الحريات السياسية، والقضاء على أي معارضة في مهدها. كذلك لم يستطع النظام الحفاظ على شرعيته طويلا بعد مذبحة غوانجو، والتي أكدت مطالب المتظاهرين بالحرية والعدالة، حتى لو لم تكن الأمور سانحة في ذلك الوقت.
لكن الديكتاتوريات العسكرية تختلف، ففي حالة كوريا الجنوبية، وهو كذلك ما جرى في تركيا إلى حد بعيد بعد انقلاب عام 1980، بدأت البلاد في التعافي اقتصاديا بدرجة كبيرة، وهو ما قاد إلى تغيرات اجتماعية هائلة، برزت في صعود طبقة وسطى أكثر تعليما وأرقى ثقافة وأشد وعيا بالسياسة وبتأثير الحكم السلطوي على حياة الناس.
وصعود الطبقة الوسطى يرتبط دوما بظهور المطالب بالمزيد من الحرية السياسية والاجتماعية، وهو ما حدث في كوريا. ففي يونيو/حزيران عام 1987، وبعد 7 أعوام من حكم "دو هوان" العسكري، قُتل الطالب الجامعي "بارك يونغ شول" على يد محققين من الشرطة أثناء التحقيق معه. ورغم أن آلاف الطلاب كانوا قد قُتلوا بطرق أكثر وحشية قبل ذلك بـ8 سنوات، أثار مقتل "شول" مظاهرات عارمة، قبل أن يزداد أوار هذه المظاهرات عقب مقتل ناشط آخر نتيجة عنف الشرطة مع المتظاهرين.
البرلمان الكوري الجنوبي أقر عزل الرئيس بعد محاولته فرض الأحكام العرفية (الأوروبية)اتسع نطاق المظاهرات ليشمل كوريا الجنوبية كلها، فقد شارك الملايين من العمال والموظفين والطلاب في المطالبات بالإصلاح السياسي والديمقراطي. وكان أهم ما ميز هذه المظاهرات هو جَلَد المتظاهرين واستمرارهم لفترات طويلة في الشوارع، ما جعل السلطة تستشعر الخطر، وليعلن نائب الرئيس "روو تاي وو" في 29 يونيو/حزيران عن قرارات مفاجئة بسلسلة من الإصلاحات الدستورية التي تستجيب لمطالب المتظاهرين.
إعلانفقد أعلن "تاي وو" عن السماح بانتخابات رئاسية بالتصويت الحر والمباشر، وعن عودة الحقوق المدنية، والسماح بالحريات الصحفية، وتمرير إصلاحات تضمن نزاهة الانتخابات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1987، شهدت كوريا الجنوبية أول انتخابات تعددية بعد عقود من الحكم العسكري، ليفوز فيها "تاي وو" نفسه، صديق الديكتاتور ونائبه، لأسباب من بينها انقسام المعارضة. لكن على الرغم من كونه جزءا من نظام "دو هوان"، وعلى الرغم من فساده وانخراطه في الحكم العسكري سابقا، كان "تاي وو" مضطرا للرضوخ لمطالب الناس واتخاذ إجراءات تضمن الانتقال الديمقراطي، وهو ما تعزز خلال التسعينات بشكل كبير.
لم ينسَ الكوريون ما حدث في غوانجو، ولم يغفروا لـ"دو هوان" ما فعل. لذلك، في عام 1996، حُكم على "دو هوان" بالإعدام جزاء تدبيره الانقلاب العسكري ولجرائم نظامه في غوانجو، وكذلك حُكم على "تاي وو"، الذي خرج من السلطة في فبراير/شباط عام 1993، بالسجن 17 عاما. لكن في العام التالي، أعلن الرئيس الكوري "كيم يونغ سام" عن العفو عن الرئيسين السابقين، بناء على نصيحة الرئيس المنتخب الجديد "كيم داي يونغ"، والذي تولى السلطة في فبراير/شباط 1998. المفارقة أن "داي يونغ"، الرئيس الثامن لكوريا الجنوبية، والذي أعطى النصيحة بالعفو عن "تاي وو" و"دو هوان"، كان معارضا حكم عليه نظام "دو هوان" بالسجن 20 عاما!
كيف يفشل الانقلاب العسكري؟يعتقد الأكاديميون والمحللون أن بداية الحكم الديكتاتوري تتنوع، لكن أغلب الديكتاتوريات لا تبدأ بالانقلاب الكامل عن نظم ديمقراطية قائمة، بل على العكس، تتطور من داخل بنى سياسية قائمة بالفعل. وبهذا التصنيف، يمكن القول إن محاولة الرئيس الكوري "يون سوك يول" فرض الأحكام العرفية تمثل الخطوة الأولى من الانقلاب العسكري.
لكن ما أضعف محاولة "يول" لم يكن الوعي الشعبي حديث التجربة بالحكم العسكري فحسب، بل وجود مؤسسات قوية وحس وطني عالٍ جعل النواب المنتمين إلى حزب الرئيس يصوتون لرفض الأحكام العرفية التي أعلنها. كذلك يمكن القول إن التراجع السريع عن القرار بفرض الأحكام العرفية يشير إلى أن الإعداد لهذه الخطوة لم يكن قد تم بكفاءة، فلم يكن الرئيس الكوري قد أمّن دعما لقراراته من داخل الحكومة أو حتى الجيش، إلا في نطاق محدود للغاية، وهو ما أدى بوزير الدفاع الكوري للاستقالة خلال أقل من 36 ساعة بعد العودة عن القرارات.
إعلاناعتُقل وزير الدفاع المستقيل بعد أيام، ويوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول أعلنت السلطات عن إنقاذه من محاولة قتل نفسه في زنزانته في الليلة السابقة.
وبالتزامن، اقتحمت قوات الشرطة مقر إقامة الرئيس لتفتيشه وسط مقاومة منه. ويوم السبت، الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول، أعلن يون سوك يول أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للبلاد بعد عزله من قبل البرلمان في وقت سابق اليوم، معربا عن شعوره بـ"إحباط شديد"، ودعا إلى إنهاء "سياسة المواجهة".
يخبرنا السيناريو الكوري أنه كان على الرئيس أن يضمن ولاء عدد مؤثر من أفراد النخبة العسكرية والسياسية في البلاد، فلم يكن بإمكان الرئيس إقناع مؤيديه بأن منفعتهم المباشرة ستتحقق بفرض الأحكام العرفية. فالرئيس هو الخاسر الأكبر من التململ الشعبي، وحتى حزبه لم يرَ مصلحة في الحفاظ على قراره، ولم يكن ممكنا حشد المزيد من الدعم في الوقت الذي يلام فيه الرئيس على التسبب بما يعاني منه الكوريون من مصاعب اقتصادية وإضرابات طويلة شملت قطاعات مختلفة أهمها القطاع الطبي.
فكما تقول أدبيات العلاقات المدنية العسكرية، لا يمكن لانقلاب عسكري أن ينجح من غير تأييد من الجيش أو قطاع معتبر منه، وهو ما لم يتحقق في حالة كوريا الجنوبية. وكوريا الجنوبية ليست استثناء، فقد أفشل الأرجنتيون محاولة مماثلة في الثمانينيات، وأفشل الروس انقلابا آخر كان يحاول بث نفخة أخيرة من الحياة في الاتحاد السوفياتي، ونتذكر جميعًا كيف أفشل الأتراك محاولة انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2016.
ورغم الاختلافات الكثيرة والفوارق الزمنية والمكانية بين محاولات الانقلاب الفاشلة تلك، تظل العديد من العوامل مشتركة بين التجارب، بما يشير إلى الطريقة الناجعة في مواجهة الانقلابات العسكرية، خاصة لوأدها في مهدها إن صح التعبير.
في الأرجنتين، عام 1987 حاول ضابط في سلاح الجو الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي سعت إلى إخضاع العسكر للإدارة المدنية ومحاكمة الضباط الذين تسببوا في انتهاكات بالغة خلال فترة الديكتاتورية العسكرية. لكن الرفض الشعبي، والذي بدأ فقط بتظاهر 500 مدني تحركوا إلى القاعدة العسكرية التي أدار منها الضابط محاولة الانقلاب، أدى في النهاية لإفشال المحاولة. اقتحم المدنيون القاعدة العسكرية هاتفين للديمقراطية، وهو ما شجع الأرجنتينيين على الخروج دعمًا للحكومة المدنية التي كانت تفاوض على الرحيل.
إعلانخلال وقت قصير، خرج أكثر من 400 ألف أرجنتيني إلى شوارع بيونس آيرس، وتعاضدت جهود المجتمع المدني والكنيسة الكاثوليكية ومؤسسات الدولة، ليصل الأمر إلى أن يحاصر عسكريون مؤيدون للديمقراطية القاعدة العسكرية، من غير أن تشتبك أو تطلق النار على منفذي محاولة الانقلاب. انتهى الأمر باستسلام المنقلبين وإعادة الديمقراطية إلى مسارها في البلاد.
وهذا ما حدث في روسيا أيضا، ففي محاولة أخيرة من الشيوعيين السوفيات لإنقاذ الاتحاد السوفياتي من التفكك تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، نفذ ضباط محاولة انقلاب في أغسطس/آب عام 1981، حينها وضع الضباط الرئيس قيد الإقامة الجبرية وحاولوا السيطرة على موسكو، لكن بسبب الحراك الشعبي الرافض للانقلاب أُفشلت المحاولة بعد 3 أيام فحسب، بمقتل 3 أشخاص فقط.
مواطن تركي يسير مع طفله للمشاركة في الاحتفال في الذكرى الأولى لإفشال محاولة الانقلاب العسكري (الأناضول)
فعلى سبيل المثال، في عام 2016 شهدت تركيا محاولة انقلاب قادها ضباط وعسكريون وشارك فيها مدنيون تابعون لحركة الداعية التركي فتح الله غولن. وعلى الرغم من وجود دوافع مصلحية وسياسية وفكرية وراء محاولة الانقلاب، لم تنجح لأسباب تشبه كثيرا أسباب كوريا الجنوبية. إذ يذكر هذا الجيل من الأتراك كيف أنه في عام 1980 شهدت تركيا انقلابا عسكريا دمويا تسبب في مقتل الآلاف وإعدام المئات وسجن عشرات الآلاف وإغلاق المجال العام في تركيا لفترة طويلة. لم ينس الأتراك، إلى حد أنه في عام 2014، صدر حكم بالسجن المؤبد على زعيم الانقلاب والرئيس لـ3 سنوات بعده، كنعان إيفرين، والذي كان يبلغ 96 عاما حينها. لم ينس الأتراك، وتعلموا أن الانقلابات العسكرية التي أطاحت بـ4 حكومات منتخبة ديمقراطيا في تركيا بين عامي 1960 و1997 لم تأتِ إلا بالضرر الكبير على البلاد.
إعلانلذلك، استطاع المواطنون الأتراك أن يجدوا في أنفسهم الشجاعة الكافية للتصدي لمحاولة الانقلاب والتي أدت لمقتل قرابة 250 مواطنا بين عسكري ومدني دفاعا عن حق الشعب التركي في الحرية والديمقراطية. إن إفشال الانقلابات العسكرية ممكن، والتجربة التاريخية لسوء الأحوال، من تدهور اقتصادي وفساد اجتماعي وتكلس سياسي وضعف على الساحة الدولية نتيجة سيطرة العسكريين على مقاليد الأمور، تعزز من الرغبة الشعبية في تغيير أوضاع بلادهم نحو الأفضل.
إذا كان هناك عامل مشترك رئيس في التجارب الثلاثة، وفي تجربة كوريا الجنوبية بالطبع، فهو الشعب الذي تفاعل مع الحدث بما يليق باللحظة التاريخية، ثم تلعب عوامل أخرى أدوارا، مثل غياب قيادة واضحة للانقلاب، أو قوة مؤسسات الدولة. لكن يبقى البطل الحقيقي في كل هذه القصص هو المواطن والمواطنة اللذان وقفا أمام الدبابة مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل ألا تُسلب منهم الحرية.