خصخصة القطاع الصحي في مصر والطبقية في الرعاية الصحية
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
يعيش المصريون حالة من عدم اليقين المجتمعي، والقلق من عدم مقدرة محدودي الدخل والفقراء في الحصول على خدمات الرعاية الصحية؛ بعد إقرار "قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر"؛ وهو قانون يسمح بتأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين المصريين والأجانب، وتلك حالة يُحذر منها المتابعون للحالة الصحية؛ باعتبارها حلقة أخيرة من سلسلة الخصخصة للصحة والتي بدأتها الدولة منذ بضع سنوات، في ظاهرة ترجع إلى شروط صندوق النقد الدولي بعد منح مصر قرض مالى عام 2016.
تعريف الخصخصة بصورة عامة
هي نقل الموارد الاقتصادية من الملكية العامة إلى ملكية أفراد أو كيانات خاصة، وغالبًا ما يكون ذلك في الخدمات أو في صناعات محددة، وفي بعض الحالات، قد تكون الملكية الخاصة جزءًا من شراكة أكبر بين القطاعين العام والخاص.
مراحل تطبيق خصخصة الصحة في مصر
أولا ـ مستشفيات التكامل الصحي: بناء على توجيهات السيسى في شهر ديسمبر 2016 بخصخصة مستشفيات التكامل الصحي ومنحها للقطاع الخاص لتشغيلها، فقد بدأ التنفيذ خلال سنة 2017م، بطرح 48 مستشفى تكامل صحى في 9 محافظات بالصعيد بتكلفة 42 مليون دولار من قرض البنك الدولي، وقد اعترض عدد من أعضاء البرلمان للتخوف من عدم وجود ضمانات لمسألة وصول الخدمة الطبية للفقراء ، لأنه سيمثل عبئا ماديا كبيرا عليهم، حيث أن مستشفيات التكامل تمنح الخدمة الطبية في مناطق واسعة جغرافيا لا يوجد بها بدائل لتقديم الرعاية الصحية .
ومن جانبها، فقد استنكرت نقابة الأطباء مقترح بيع مستشفيات التكامل على اعتبار أنها خطوة أولى في بداية لخصخصة قطاع الصحة، وسوف تؤدي إلى ارتفاع سعر الخدمة الطبية ومعاناة الطبقات الفقيرة من الشعب.
إن بيع هذه الأصول والصروح الطبية العملاقة يعني خسارة كبيرة للغاية للشعب المصري المالك الحقيقي لهذه الأصول؛ ويتسبب في الكثير من المخاطر المتوقعة بعد انتقال ملكيته لهذه الصروح الطبية العملاقة ومنحها للمستثمرينثانيا ـ صدر قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، والذي يقنن إجراءات خصخصة المستشفيات الحكومية، حيث يحول الخدمة الصحية إلى سلعة ترتفع تكاليفها بناء على رغبة المستثمرين أصحاب المستشفى، وهو القانون الذي يزيد الأعباء على المواطنين، حيث يطلب من المواطن دفع مبالغ مالية تصل إلى 10 % رسوم لكل خدمة طبية يحتاجها مثل التحاليل وفحص الأشعة والأدوية، بالرغم من أنه يتم خصم نسبة مئوية من إجمالي دخله باعتبارها اشتراكا إجباريا يتم تحصيله شهريا يشمله هو وجميع أفراد أسرته.
ثالثا ـ تطبيق قانون الشراكة رقم 67 لسنة 2010 لتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العام ، و نظرا لضعف البنية التحتية في محافظة بورسعيد والتي تقرر البدء بها ، فقد تم تفعيل القانون والذى يلزم الحكومة في حالة عدم القدرة على الصرف في القيام بإدخال شريك معها، وبناء عليه فقد تم استحواذ مجموعة كليوباترا التابعة لأبراج كابيتال الإماراتية على مستشفى التضامن، ومجموعة دار الفؤاد على مستشفى الزهور، ومجموعة المغربي للعيون على مستشفى الرمد، ومجموعة مجدي يعقوب على مستشفى الأطفال التخصصي، وكان اللافت للنظر هو الإعلان عن ذلك أمام المواطنين بعد تغيير اللافتات على واجهات المستشفيات لتحمل أسماء المستثمرين.
رابعا ـ إنشاء شركة قابضة " رعاية مصر " من خلال هيئة الرعاية الصحية:
في نهاية نوفمبر2021، قامت هيئة الرعاية الصحية، التابعة للتأمين الصحي الشامل، بإنشاء شركة قابضة "رعاية مصر"، كخطوة لخصخصة الخدمات الصحية، والشركة الجديدة ستعمل في كلٍّ من؛ إدارة المستشفيات، وإدارة الكيانات الصحية، وإنشاء المستشفيات وصيانتها، والتحول الرقمي والحلول التكنولوجية في الصحة، وحاضنات الأفكار التكنولوجية الصحية.
خامسا ـ قرار بتأسيس شركة إي هيلث "e-Health" بالشراكة بين الهيئة العامة للتأمين الصحي وشركة " آى فاينانس " للاستثمارات المالية والرقمية، بالقرار رقم 2118 لسنة 2021، و بهذه الخطوة ستُنقل تبعية المستشفيات الحكومية والوحدات، من كونها أملاكًا للدولة أو منشآت تابعة لمديريات الصحة في المحافظات، إلى الشركة القابضة الجديدة للمرة الأولى في التاريخ المصري، كما أن ذلك سيكون بمثابة خصخصة للخدمة الصحية، والتفافًا على قانون التأمين الصحي الشامل الجديد الصادر بالقرار رقم 2 لسنة 2018، ، ومشكلة القرار تكمن في كونه ربط تقديم الخدمة الصحية بالتوازن المالي، بمعنى وجوبية تحقيق الربح وأن القرار مُخالف لمضمون وروح المادة 18 من الدستور المصري الصادر عام 2014، التي تُلزم الحكومة بتقديم الخدمة الصحية لكل المواطنين.
سادسا ـ خصخصة مستشفيات المؤسسة العلاجية الناجحة : حيث أعلنت وزارة الصحة يوم 15 سبتمبر 2022م، عن طرح خمسة من أكبر مستشفياتها للبيع أمام القطاع الخاص رسمياً، ليمثل خبرا صاعقا وصادما في ذات الوقت لملايين المصريين، خاصة وأن المستشفيات المستهدفة بالخصخصة في المرحلة الأولى هي: المستشفى القبطي ، ومستشفى العجوزة، ومستشفى هليوبوليس، ومستشفى شيراتون، ومستشفى الجلالة، على أن تتبعها مستشفيات أخرى مثل دار الشفاء والجمهورية ومبرة مصر القديمة ومبرة المعادي، والاستثمار في هذه المستشفيات قد يكون من خلال الإدارة، أو بنظام حق الانتفاع لمدة زمنية محددة.
يصر النظام على بيع أصول مصر وصروحها الطبية العملاقة؛ في سياق سياساته المرنة تجاه إملاءات صندوق النقد الدولي، والتي بدأت بعرض مستشفيات المؤسسة العلاجية للبيع رغم نجاحها وتحقيقها الاكتفاء الذاتي دون تلقي أي دعم من الدولةسابعا ـ وثيقة سياسة ملكية الدولة (يونيو 2022): تشمل منهجية تحديد الأصول المملوكة للدولة، والتوجه نحو المزيد من تمكين القطاع الخاص، وآليات تنفيذ سياسة ملكية الدولة المصرية للأصول العامة وتشجيع القطاع الخاص، وأن صندوق مصر السيادي له دور رائد لتعزيز المشاركة مع القطاع الخاص، والاستفادة من الخبرات الإدارية للقطاع الخاص الطبي في مشروعات التأمين الصحي الشامل.
ثامنا ـ قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر، والمعروف إعلاميا بأنه “قانون تأجير المستشفيات “؛ والذي أثار المخاوف مؤخرا من احتمالية تشريد 75 % من القوى العاملة وما يصاحب ذلك من تساؤلات مشروعة بشأن الطواقم الطبية والعاملين بهذه المنشآت من حيث ضمان استمرارية الحقوق المالية ومأمونية الاستقرار المجتمعي لهؤلاء العاملين وأسرهم، وعدم وجود نسبة محددة لتقديم خدمات التأمين الصحي وعلاج نفقة الدولة للطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.
خصخصة الصحة وزيادة معاناة المرضى:
إن بيع هذه الأصول والصروح الطبية العملاقة يعني خسارة كبيرة للغاية للشعب المصري المالك الحقيقي لهذه الأصول؛ ويتسبب في الكثير من المخاطر المتوقعة بعد انتقال ملكيته لهذه الصروح الطبية العملاقة ومنحها للمستثمرين:
1 ـ انعدام الرقابة: من الواقع حاليا أن رقابة الحكومة على المستشفيات الاستثمارية والخاصة يكاد يكون منعدما؛ ، وتحول أغلبها إلى مشروعات استثمارية هدفها تحقيق الأرباح، وليس تقديم الخدمات العلاجية، والتخفيف عن آلام المرضى، وقد عانى المرضى كثيرا خلال فترة انتشار وباء كورونا وزيادة الطلب التي فاقت قدرات المستشفيات الحكومية ، فتوجه المرضى إلى المستشفيات الخاصة حيث زات فيها معاناة المواطنين بسبب غياب الرقابة الحكومية .
2 ـ ارتفاع أسعار الخدمات الصحية: استنزاف المستشفيات الخاصة لجيوب المرضى، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها الجميع، خاصة وأن مصاريف احتجاز المريض من أجل تلقي الإسعافات الأولية فقط، قد تتجاوز عدة آلاف من الجنيهات في كثير من المستشفيات، الأمر الذي يمثل أزمة كبيرة للمواطنين، ولا سيما مع غياب الرقابة الحكومية أو ضعفها.
3 ـ استحواذ القطاع الصحي واحتكار تقديم الخدمة: والذي أصبح جاذباً بشكل كبير لمستثمري الخليج، نتيجة الأرباح والعوائد الضخمة التي تحققها المستشفيات الخاصة، لتحتل الاستحواذات المالية في هذا القطاع المرتبة الثانية من إجمالي القطاعات الاقتصادية المصرية، وهذا يزيد من القلق بشأن التكتلات الاحتكارية في القطاع الطبي الخاص، الذي يشكو أغلب المصريين من انفلات أسعار خدماته.
4 ـ تسليع الصحة: يصر النظام على بيع أصول مصر وصروحها الطبية العملاقة؛ في سياق سياساته المرنة تجاه إملاءات صندوق النقد الدولي، والتي بدأت بعرض مستشفيات المؤسسة العلاجية للبيع رغم نجاحها وتحقيقها الاكتفاء الذاتي دون تلقي أي دعم من الدولة، والتي كانت إحدى محطات خصخصة الخدمة الصحية وتحويل الرعاية الطبية التي تعتبر واجبا دستوريا على الدولة إلى سلعة؛ وهي سياسات تهدد تماسك المجتمع ووحدته، وتزيد من إحساس المواطن بوجود فروق طبقية في تلقى الرعاية الصحية.
خصخصة الصحة لا تناسب قدرات طبقة الفقراء الذين يتزايدون في مصر:
في ندوة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في أكتوبر عام 2023، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، قالت الدكتورة هبة الليثي مستشار الجهاز المركزي للإحصاء، إن هناك علاقة وثيقة بين الفقر والأمن الغذائي والرعاية الصحية للمواطن؛ وكشفت الليثي أن عدد المؤمن عليهم والمشتركين بالتأمينات الاجتماعية من الفقراء بدأ يقل منذ عام 2017 ، وهو مؤشر خطير نتيجة افتقادهم الغطاء التأميني الذي يحميهم من الصدمات الاقتصادية المتوقعة. وأشارت إلى أن هناك 80% من الأسر الفقيرة لا يستفيدون من برنامج "تكافل وكرامة" بينما يستفيد منه 20% فقط من الفقراء.
في حين أشار تقرير البنك الدولي إلى ارتفاع التفاوتات المكانية بين المناطق الريفية والحضرية خلال عام 2022، إذ يعيش نحو 66% من الفقراء في مناطق ريفية، مع وصول معدلات التضخم السنوي فيه إلى 42.6%.
ومن جانبها قالت الدكتورة عالية المهدي أستاذة الاقتصاد أن نسبة الفقر المتوقعة في عام 2025 قد تصل إلى 36% من السكان في مصر، كما تشير التقديرات إلى أن الفقراء يشكلون في عام 2023 نحو 33.3% من إجمالي السكان مقابل 29.5% في عام 2019. وهذا يعني أن نحو 37 مليون شخص يعيشون في حالة فقر عام 2023.
خطورة قانون تأجير المستشفيات الحكومية على مستقبل الرعاية الصحية في مصر:
القانون يسمح بخروج عدد من المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين الصحي الشامل، وعدم إخضاعها لأسعار الخدمة المرتبطة بالمنظومة، مع الاكتفاء بإلزام المستثمرين فقط بتخصيص نسبة من إجمالي الخدمات للمنتفعين بالقانون، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى التقليل من فعالية المنظومة ذاتها، كما يهدد إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، خاصة للفئات الأكثر احتياجا في المجتمع، فضلا عن افتقاد ضمانات الجودة والنزاهة في تقديم الخدمات الصحية، إضافة إلى أنه يزيد من هجرة الأطباء للخارج، ويحدث حالة من التجريف المتعمد للكفاءات الطبية والفنية، والتي تهدد بانهيار منظومة الرعاية الصحية بصورة عامة .
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصريون الخصخصة الصحة مصر صحة خصخصة رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التأمین الصحی الشامل المستشفیات الحکومیة الرعایة الصحیة الخدمات الصحیة الخدمة الصحیة القطاع الخاص على مستشفى من إجمالی فی مصر
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية
يشهد قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية تحولاً عميقاً، مدفوعاً بـ«رؤية المملكة 2030»، وتبنٍّ سريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية. في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، تشارك أليشا موبن، المديرة العامة والرئيسة التنفيذية لمجموعة «Aster DM Healthcare» رؤيتها حول كيفية إعادة الذكاء الاصطناعي تشكيل قطاع الرعاية الصحية في السعودية، وتحديات تبني هذه التقنيات، ومستقبل الرعاية الصحية الرقمية في المنطقة.
تحويل طريقة تقديم الرعاية الصحية
لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً مستقبلياً في قطاع الرعاية الصحية، بل أصبح واقعاً ملموساً يعيد تشكيل طريقة تقديم الخدمات. وفقاً لموبن، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في جعل الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة في السعودية. وتقول إنه مع وضع «رؤية 2030» التحول الرقمي أولويةً، يتم دمج الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من الرعاية الصحية، بدءاً من التشخيص والعلاج، وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.
أحد أهم تأثيرات الذكاء الاصطناعي قدرته على اكتشاف الأمراض مبكراً، غالباً قبل ظهور الأعراض. وتوضح موبن أنه في مجالات مثل الأشعة وعلم الأمراض، تساعد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة؛ ما يحسن النتائج في النهاية. هذه القدرة تُعدّ حاسمة في منطقة يمكن أن يؤدي التشخيص المبكر فيها إلى تحسين جودة حياة المرضى بشكل كبير.
أخبار قد تهمك إطلاق مركز عالمي لتصنيع الحواسيب والخوادم بعلامة “صُنع في السعودية” 6 مارس 2025 - 9:30 مساءً رئيس الشؤون الدينية يدشن “روبوت منارة” لإجابة السائلين في المسجد الحرام 5 مارس 2025 - 11:15 مساءًبالإضافة إلى التشخيص، يعمل الذكاء الاصطناعي على كسر الحواجز التي تعيق إتاحة الخدمات الصحية. وتشير موين إلى تطبيق «myAster» وهو نظام شامل للرعاية الصحية من «أستر» (Aster) يعكس كيف يمكن أن تجعل التكنولوجيا الرعاية الصحية أكثر إتاحة. يقدم التطبيق للمرضى جدولة المواعيد واستشارة الأطباء افتراضياً والوصول إلى تقارير المختبرات وإدارة الأمراض المزمنة، وحتى توصيل الأدوية من خلال منصة واحدة. وقالت موبن إن «الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية؛ بل يتعلق بضمان حصول كل مريض على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب».
تعزيز الإتاحة والتفاعل مع المرضى
في بلد شاسع، مثل السعودية، يُعدّ ضمان إتاحة الخدمات الصحية للمجتمعات النائية تحدياً كبيراً. يعمل الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه القضية من خلال تمكين الطب عن بُعد والاستشارات الافتراضية. وترى موبن أن الروبوتات والمساعدين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي يعززون تفاعل المرضى من خلال تقديم نصائح طبية فورية وجدولة المواعيد وتقييم الأعراض؛ ما يجعل الرعاية الصحية متاحة على مدار الساعة.
إدارة الأمراض المزمنة مجال آخر، حيث يُحدِث الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً. تسمح أدوات المراقبة عن بُعد المدعومة بالذكاء الاصطناعي بتتبع العلامات الحيوية في الوقت الفعلي؛ ما يتيح الكشف المبكر عن المضاعفات. وتشير موبن خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» إلى أهمية ذلك للمرضى الذين يعانون حالات، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب؛ ما يضمن التدخلات في الوقت المناسب، ويقلل من زيارات المستشفيات.
وتشرح موبن التزام شركتها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإتاحة يتجلى في تعاونها مع «غوغل كلاود» لدمج ميزات الاستجابة الصوتية باللغة العربية في منصة «myAster». وتعدّ أن هذه الميزة تتيح للمستخدمين وصف الأعراض بلهجاتهم المحلية؛ ما يضمن تفاعلات شخصية وملاءمة ثقافياً.
وتقول إن مثل هذه الابتكارات تُعدّ حاسمة في منطقة تلعب فيها اللغة والخصوصيات الثقافية دوراً كبيراً في تقديم الرعاية الصحية.
وتذكر موبن أن استثمارات «Aster» في السعودية تتماشى مع أهداف «رؤية 2030» لتعزيز إتاحة وجودة الرعاية الصحية. وتشير إلى التزام شركتها باستثمار نحو مليار ريال سعودي (250 مليون دولار أميركي) خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة لتوسيع المستشفيات والعيادات والصيدليات والخدمات الصحية الرقمية. تقول موبن: «يهدف هذا الاستثمار إلى خلق تجربة شاملة للصحة والعافية لسكان المملكة».
لرعاية الصحية المادية والافتراضية
أحد أكثر التطورات إثارة في الرعاية الصحية الرقمية هو دمج الرعاية المادية والافتراضية. يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في ضمان استمرارية الرعاية للمرضى، بغض النظر عن موقعهم. وتبين موبن أن الذكاء الاصطناعي يتيح المراقبة عن بُعد، وتتبع الحالات المزمنة من خلال الأجهزة الذكية، وضمان حصول الأطباء على تنبيهات في الوقت المناسب إذا كانت هناك حاجة للتدخُّل.
كما تعدّ أن تزامن البيانات عبر جميع إعدادات الرعاية التي تشمل المستشفيات والعيادات والصيدليات والمنصات الصحية الرقمية مجال آخر، حيث يحدث الذكاء الاصطناعي فرقاً. وتذكر موبن أن تاريخ المريض الطبي والوصفات الطبية وخطط العلاج تكون دائماً متاحة لمقدمي الرعاية الصحية؛ ما يعزز التشخيص واتخاذ القرارات.
هذا التكامل السلس يقلل من الفجوات في الرعاية، ويضمن أن تكون المتابعات في الوقت المناسب واستباقية.
تحديات تبني الذكاء الاصطناعي
على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، فإن تبني هذه التقنيات ليس من دون تحديات. تعدّ أمن البيانات والخصوصية من أكبر العقبات. وترى موبن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من بيانات المرضى؛ ما يجعل الأمن السيبراني والامتثال للإطار التنظيمي أمراً بالغ الأهمية».
وتضيف أن إنشاء سياسات قوية لإدارة البيانات، وضمان التوافق مع لوائح بيانات الصحة في السعودية سيكون مفتاحاً للتغلب على هذا التحدي.
تحدٍّ آخر هو تكامل الذكاء الاصطناعي مع البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية. تشير موبن إلى أنه «لا تزال الكثير من المستشفيات والعيادات تعمل بأنظمة قديمة، ويتطلب الانتقال إلى الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي توافقاً سلساً». التعاون بين مقدمي الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا، وصُنّاع السياسات ضروري لتسريع هذا التحول.
بناء الوعي بالذكاء الاصطناعي بين المتخصصين في الرعاية الصحية أيضاً أمر بالغ الأهمية. وتنوه موبن بأن «التحول الرقمي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل أيضاً بتمكين الأطباء من استخدام الذكاء الاصطناعي أداةً مساعدة، بدلاً من عدّه بديلاً». وتقول: «برامج التدريب المنظمة والتعليم المستمر سيضمنان أن يعزز تبني الذكاء الاصطناعي سير العمل السريري».
ماذا عن المستقبل؟
بالنظر إلى المستقبل، تبدو موبن متفائلة بشأن دور الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية الرقمية في تشكيل مستقبل الخدمات الطبية في السعودية. وترى أن تشخيصات الذكاء الاصطناعي والطب عن بُعد وخطط العلاج المخصصة ستغير شكل الرعاية الصحية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتضيف أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل جينات المريض ونمط حياته ستؤدي إلى خطط رعاية أكثر تخصيصاً؛ ما يؤدي إلى نتائج أفضل.
على الجانب التشغيلي، يعمل الذكاء الاصطناعي على تبسيط عمليات المستشفيات، وتحسين تدفُّق المرضى، وحتى المساعدة في العمليات الجراحية. تقول موبن إنه من خلال تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي: «نحن لا نعمل فقط على تحسين طريقة تقديم الرعاية، بل نجعل الرعاية الصحية أكثر ذكاءً، وإنسانية، ومرتكزة حول المريض».
بينما تواصل السعودية مسيرتها نحو «رؤية 2030»، فإن دمج الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية سيحدث تحولاً جذرياً في نظام الرعاية الصحية بالمملكة. وبينما تظل التحديات قائمة، فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في الرعاية الصحية في السعودية لا يمكن إنكارها. من خلال معالجة هذه التحديات وتبني الابتكار، تتجه المملكة لتصبح قائدة عالمية في مجال الرعاية الصحية الرقمية.