سواليف:
2025-03-07@07:47:25 GMT

بصراحة

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

#بصراحة

د. #هاشم_غرايبه

على مدى تاريخ الشعوب، لم تنجح النزعة القومية في توحيد أمة إلا عند توفر شرط لازم، وهو وجود زعيم مخلّص ذي عزيمة حديدية ورؤية ثاقبة، وغالبا ما كانت هذه الوحدة تنهار بزوال تلك الشخصية أو زوال أفكاره.
نجحت محاولات الوحدة لبعض القوميات الأوروبية على نطاق محدود ولفترة بقاء الزعيم مثل الوحدة الألمانية والإيطالية والروسية، لكنها انحسرت سريعا، ليكتشف الأوروبيون وبعد تجارب مريرة، أن تعاونهم بدوافع مصلحية وليست قومية في إطار اقتصادي فضفاض هو البديل الأمثل للقوميات المتصارعة.


الحالة الأمريكية إثبات قوي على نجاح الوحدة بمعزل عن الروابط القومية للأمة، وصمدت هذه الوحدة متحدية التباينات القومية والإثنية.
في الحالة العربية، لم تسعف عوامل عديدة مثل وحدة اللغة والجغرافيا والعرق والطباع في تحقيق أدنى درجة من وحدة القبائل في الجزيرة العربية لعشرات القرون، وظلت النزاعات والصراعات القبلية هي السمة الغالبة.
ما توحد العرب إلا عندما جاء الإسلام بمنهجه الأممي الذي يتجاوز الانتماءات العرقية والقومية، ولم تكن شخصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الفريدة في التاريخ، كافية لوحدها في تحقيق أقوى وحدة عرفها البشر، فلو كانت معتمدة على شخصيته وليست على الفكر الذي جاء به، لكانت وفاته ستؤدي الى عودة التفكك، لكن ما حصل أنها ترسخت وقويت لتصبح أقوى بكثير من الوحدة القومية، بدليل أنه ومع التوسع المتواصل لرقعة الأمة، كانت الروابط الوحدوية تقاوم بفعالية كل محاولات الشعوبية وإحياء النزعات القومية للشعوب التي انضمت حديثا للأمة، بل وتندمج القومية الداخلة في الإسلام حديثا فورا وتجاهد لنشر الإسلام لبقاع جديدة، فرأينا طارق بن زياد (الأمازيغي) يقود جيشا مسلما فيه قرشيون وأفارقة ليفتح الأندلس، وقدم علماء وفلاسفة من فارس وخراسان والهند وتركيا علومهم للبشرية بصفتهم مسلمين، وليس بانتماءاتهم القومية، وباللغة العربية (لغة القرآن) وليس بلغتهم الأم.
وكما ثبت أن انصهار القوميات تحت عنوان موحد هو الأمة الإسلامية هو نهائي لا رجعة فيه، بدليل انها بعد أن ضعفت الدولة وتفسخت لم تنفصل عن الإسلام، في حين عادت كل الشعوب المستعمرة الى ثقافتها بعد زوال المستعمر.
بل كانت الشعوب الغازية للأمة كالمغول والفرس سرعان ما تذوب فيها وتعتنق مبادئها، فتلتحق بها وتصبح جزءا منها بدلا من تلحقها بها.
وهكذا عرفت البشرية الأممية لأول مرة في تاريخها كمنهج إسلامي بامتياز، لم يسبقها إليه أحد، انطلاقا من مبدأ: “ليس لعربي على أعجمي فضل ..”، أما تطبيق مبدأ العدالة الإجتماعية والمساواة، وإزالة الفوارق الطبقية اجتماعيا (إلغاء العبودية والسخرة)، واقتصاديا (للفقير حق معلوم في مال الغني وليس تفضلا)، فكانت هذه العناصر الثلاثة متكاملة كافية لترسيخ الوحدة بدرجة جعلتها سمة أساسية لرخاء المجتمع واستقرار الأمن العام.
دامت هذه الوحدة طيلة الإلتزام بالمنهج القويم، لكن النزعات الفردية والأطماع المعادية، والتي هي نقاط الضعف البشري، غالبا ما تترعرع في ظل ضعف النظام السياسي الناجم عن انشغال الحاكم بمصالحه عن المصلحة العامة، لذلك تتولد الشروخ والانقسامات في كيان الأمة، وهذا ما حدث منذ أواخر الدولة العباسية، لكن ظلت الأمة واحدة رغم التجزئة السياسية، وجاءت دولة المماليك ثم الدولة العثمانية كوريث سياسي للأمة، واثباتا على أممية الدولة الإسلامية، وأن قيادتها ليست مقتصرة على العرب.
كانت وسيلة بريطانيا لتقويض هذه الدولة استنهاض النزعات القومية، فاخترقت الأتراك من خلال جمعية الاتحاد والترقي التي أذكت النزعة الطورانية وتتريك العرب، ومن جهة الأخرى أرسلت “لورنس” لأغراء الشريف حسين بتوسيع مملكته الحجازية والإنفصال عن الدولة العثمانية تحت مسمى الثورة العربية، وفي الهند أججت مشاعر الهندوس ضد المسلمين.
أما مقتل الأمة وسبب فشلها المعاصر فكان استبعاد البعد الإسلامي من منهجية الأحزاب القومية العربية، بل وساهم المستعمرون الأوروبيون في دعم هذه الأحزاب بإيهام الشعوب العربية، من خلال إعلام أنظمة (سايكس – بيكو) التي أسسوها كبديل للدولة الإسلامية الجامعة، بأن (المد القومي) الذي ادعت الأنظمة انتهاجه، هو التقدمية التي ستحقق الازدهار، مقابل أن الفكر الإسلامي ظلامي رجعي.
والآن .. وبعد قرن من الهزائم العسكرية والفشل في تحقيق الوحدة أو على الأقل الحد الأدنى من كرامة المواطن
ألا يجدر بنا التوقف للمراجعة وإعادة النظر فيما اجترح في حق الأمة من أخطاء؟.

مقالات ذات صلة الأعين الغافية عن الضفة الغربية 2024/05/27

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: بصراحة

إقرأ أيضاً:

التصنيفات لا تهزم الشعوب.. الإرهاب في غزو الدول لا مقاومة المحتلين



ويعد اليمن مثالاً حياً على هذا التحول، إذ أن تصنيف صنعاء منظمة إرهابية يعكس، في الحقيقة، اعترافاً أمريكياً بعجز الولايات المتحدة عن فرض السيطرة، بعد فشلها على الأصعدة العسكرية والاقتصادية.

هذا التصنيف لن يؤثر على صنعاء، بل يعزز صمودها، ويجعلها رقماً صعباً في المنطقة، وفي حين تراهن أمريكا على عزل القوى التي تعارضها، تجد نفسها في كل مرة أمام واقع جديد يعيد تعريف النفوذ والمقاومة.

يقدم اليمن اليوم نموذجاً لهذه المقاومة، فبعد أن أعلنت أمريكا تصنيف أنصار الله منظمة إرهابية في 2021، كان القرار بمثابة اعتراف بالعجز الأمريكي أمام إرادة الشعب اليمني، والتصنيف جاء نتيجة اخفاق واشنطن في السيطرة على الوضع في المنطقة.

ففي حين كان هذا التصنيف في الظاهر محاولة أمريكية للضغط على صنعاء، إلا أنه في الواقع لم يكن سوى إعلاناً عن ضعف، فالولايات المتحدة على مدى سنوات حاولت فرض هيمنتها على اليمن عبر أدوات عسكرية واقتصادية، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، فكان التصنيف سلاحاً أخيراً في معركة خاسرة.

ليس من المستغرب أن تتحول الأنظمة التي لا تتوافق مع السياسات الأمريكية إلى أهداف على قوائم الإرهاب، فواشنطن لطالما استخدمت هذا التكتيك مع الدول والحركات التي تحد من نفوذها، ومع ذلك يظل هذا التصنيف فارغ المضمون في حالة اليمن، الذي لا يعتمد على النظام المالي الغربي ولا يلتزم بالقوانين الأمريكية التي تستخدمها كأدوات للضغط.

التصنيف الأمريكي ليس له أثر كبير على الأرض، لأن صنعاء لم تعد بحاجة للاعتراف الأمريكي، والحصار والعقوبات لم تمنع اليمن من الاستمرار في مساره الثابت، بل إن مثل هذه القرارات قد تصبح دافعاً إضافياً لدفع المزيد من الشعوب للالتحاق بمسار المقاومة.

وبالنظر إلى تاريخ هذه التصنيفات، نجد أن الولايات المتحدة قد تصدرت هذه اللعبة السياسية مرات عدة، ففي 19 يناير 2021 تم تصنيف أنصار الله لأول مرة منظمة إرهابية، في خطوة وصفها المراقبون بأنها نتيجة عجز أمريكي عن التأثير في المشهد اليمني، ومع العودة في 2025 لهذا التصنيف، تظهر الولايات المتحدة في موقف أضعف.

في الوقت نفسه، أبدى المحللون السياسيون سخريتهم من هذا التصنيف، معتبرين أنه ليس أكثر من محاولة يائسة لاحتواء حركة بدأت تفرض نفسها كقوة إقليمية، ورأوا أن التصنيف لن يغير الواقع السياسي في اليمن، بل سيزيد من مقاومة الشعب اليمني الذي أظهر صموداً غير مسبوقاً.

المحللون أضافوا أن هذا التصنيف ستكون له عواقب وخيمة على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، فالتصعيد المحتمل في البحر الأحمر، قد يشكل تهديداً للولايات المتحدة والكيان الصهيوني على حد سواء، حيث سيعزز التصنيف من مكانة أنصار الله ويجعل الدعم الشعبي لهم أكثر قوة.

الولايات المتحدة لم تقدم مبررات منطقية للتصنيف، سوى أن أنصار الله يستهدفون السفن الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر، ولكن إذا كان هذا هو معيار الإرهاب، فلماذا لا تُدرج اسرائيل ضمن قائمة الإرهاب، وهي التي ترتكب المجازر بحق الفلسطينيين يومياً.

التصنيف الأمريكي يظهر بشكل واضح كيف تتعامل واشنطن مع الحركات التي تؤثر على مصالحها، ففي الوقت الذي تكون فيه هذه الحركات ضعيفة تتجاهلها أو تحاول احتواءها، ولكن عندما تصبح قوة إقليمية فاعلة، تتحول فجأة إلى إرهابية، لكن على الأرض لا يبدو أن القرار سيُحدث تغييراً حقيقياً.

فبعد سنوات من الحصار والعدوان، أثبتت صنعاء أنها قادرة على الصمود والتكيف مع كل التحديات، هذا الصمود المستمر أصبح نموذجاً يُحتذى به، وأصبح التصنيف الأمريكي بمثابة دليل على فشل واشنطن في التأثير على إرادة الشعب اليمني.

وهذا ما أشار إليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، معتبراً القرار دليلاً على عجز الولايات المتحدة في التأثير على اليمن وشعبه، وجزءاً من سياسة التخبط الأمريكية في المنطقة، مبيناً أنه لن يغير من عزيمة الشعب اليمني، بل سيكون دافعاً لمواصلة المقاومة بكل قوة.

ويؤكد مراقبون أن أمريكا إذا كانت تراهن على أن هذا التصنيف سيؤدي إلى عزل صنعاء أو إضعافها، فرهانها خاطئ لأن التاريخ أثبت أن القوى التي تصنفها واشنطن اليوم تصبح غداً جزءاً من معادلات لا تستطيع تجاوزها، وما يحدث في اليمن ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.

في نهاية المطاف، لم تعد الهيمنة الأمريكية تُفرض عبر القرارات، ولم يعد التصنيف بالإرهاب سلاحاً قادراً على تغيير الواقع، واليمن بصموده وقوته، لا يكسر فقط هذا التصنيف، بل يكسر القاموس الأمريكي كله، ليعيد تعريف من هو الإرهابي، ومن هو المقاوم، ومن يحق له أن يحدد مصير الشعوب.

مقالات مشابهة

  • التصنيفات لا تهزم الشعوب.. الإرهاب في غزو الدول لا مقاومة المحتلين
  • عن المؤتمر الوطني وواجهاته
  • كانت تكتب به توقيعات سلاطين الدولة العثمانية.. فلسطيني يرسم اسم شيخ الأزهر بـ«خط الطغراء»
  • خبير سياسي: الأمة العربية تواجه تحديًا غير مسبوق
  • القمة العربية ترحب بتشكيل لجنة لإدارة غزة وتعزيز الوحدة الوطنية
  • الرئيس الشرع: سوريا كانت من أوائل الدول الداعمة للحقوق العربية
  • الرئيس الشرع: كانت سوريا ومازالت جزءاً من هذا البيت العربي الكبير وعودتها إلى جامعة الدول العربية لحظة تاريخية تعكس الرغبة بتعزيز التضامن العربي
  • رئيس بنى مزار بالمنيا: إزالة 9 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة
  • وزير الأوقاف: أعداء الشعوب يسعون لزرع الخلاف والانقسام
  • خبير قانون دولي: الأمة تترقب نتائج القمة العربية واللحظات الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية