زوجتي النّكدية حكمت عليّ بالتعاسة الأبدية
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
سيدتي، بعد التحية والسلام أحييك وأحيي قراء منبر قلوب حائرة وكل متتبعي الموقع الأغر “النهار اونلاين”، ول
ا يفوتني أن أثني على سعة صدرك وكبير معرفتك بالأمور ما دفعني اليوم أن لأقصدك طالبا المشورة.
سيدتي،فقد طعم الحياة وحلاوتها وبتّ متوجسا من مستقبلي الزوجي والأسري، فقد قطعت شوطا لا يمكنني العودة حياله إلى الوراء،والسبب سيدتي الكريمة زوجتي.
اي نعم، إنسانة بدت لي قبل زواجي منها أنها طيبة خلوقةو مميزة، فلم أفوّت فرصة التقدم لخطبتها حتى لا يظفر بها أحد سواي. تزوجنا وأحسست بأني ملكت الدنيا ، إلا أنني سرعان ما تفاجأت ببعض الخلال والطباع التي لم أكن أعلم أنها متجذرة في رفيقة دربي.
فزوجتي سيدتي ليست من النوع الذي يعدّ النعم يحصي ما تملكه، بل هي من النوع الذي يهوس بما لدى الأخرين ولو كان ما يملكونه على حساب صحتهم وكيانهم وإستقرارهم. زوجتي تحيا حياة الأخرين، وتحسدهم على ما يملكون وعلى بعض الأحلام التي يحققونها.
تحول جلّ حديثي مع رفيقة دربي إلى لوم وعتاب، وبات حيائي أمام أهلي كبيرا لإحتدام نقاشاتنا،حقيقة وعدتها بالحياة الكريمة والإستقرار لكنني لم أعدها أن أكون علاء الدين بمصباحه السحري أحقق كل الأماني والرغبات.
متوجّس أنا من نكد سيقلب حياتي جحيما، وخائف أنا من سعادة لن أرى منها شيئا، فما السبيل مع زوجتي النكدية التي ستحكم عليّ بالتعاسة الأبدية؟
أخوكم ن.محمد من الوسط الجزائري.
الرد:
هوّن عليك أخي ومرحبا بك في ركن قلوب حائرة الذي أتمنى أن يكون ردي من خلاله شافيا لما بك من سقم وحيرة.
أأسف لحال عديد النساء اللواتي تتوسمن تحقيق الأحلام وبلوغ الأوهام بعد الزواج من زوج لا حول له ولا وقوة، ضاربات عرض الحائط بهذه المحاولات كل ما له علاقة بسعادتهن ومستقبل أولادهن.
لا ألومك في مسألة تسرعك في الإرتباط بزوجتك أخي بقدر ما أنا ألومك لأنك فسحت أمامها المجال لتطلق العنان لغطرستك التي لم يتأذى منها سواك. أتفهّم مسألة أنك لا تريد جرحها، لكنني أرى في المقابل أنها داست على كرامتك ولم يكفها ذلك حيث أنها تمادت وهي تروم معك وبك المحال.
عليك أخي كبح جماح هذه الزوجة التي قضت على كل أحلامك الزوجية وبترت كل ما من شأنه أن يجعلك سعيدا في بداية زواجك، ولك أن تتخيل إن أنت تركت لها الحبل على الغالب وبعد قدوم الأبناء فكيف سيكون حالك يا ترى؟
إبن مع زوجتك لغة الحوار البناء بأن يكون الحمد والشكر لله عزوجلّ هو ما يلهج به لسانها ، فصحة البناء وتوفر القوت اليومي يكفي لنكون من السعداء، كما أنه عليها أن تكون لك السنّد إن كانت تريد بلوغ بعض الأحلام والأمور المادية عوض أن تحبط من عزيمتك وتقلل من همتك . أردعها بالتي هي أحسن ,إن لم تجد منها ما يريحك عليك أن تشهد عليها أحدا من أهلها، فالله الذي خلقنا لم يكلف نفسا إلا وسعها، فما بالك بالإنسان الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.
أوصيك بضرورة عدم التفكير في الطلاق، ولتفسح المجال لزوجتك حتى تكتشف أغوار شخصيتك الطيبة رويدا رويدا، فلا يوجد في الزواج المبني على الإحتواء إلا كل الخير، وما الزوجة الكيسة إلا تلك التي تكون عضدا لزوجها لا معولا تكسر به شوكته وتثبط من كيانه أمام نفسه وأمام أهله. أدعو الله أن تتحسن أمورك ومن أن ينصلح حالك لما هو أحسن وأفضل وكان الله في عونك.
ردت:”ب.س”
**
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين
قام نظام حافظ الأسد وابنه بشار طوال خمسين عاما على تغلغل ضباط الطائفة العلوية في المفاصل العسكرية والأمنية والحكومية في الدولة، وهو ما هيَّأ لهم حكما مستقرا بالحديد والنار، ولكن الأسد استخدم وجوها سُنية بارزة لتكون بمنزلة الواجهة السياسية التي تحمي نظامه الطائفي.
وكان من أبرز هذه الوجوه وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس الذي يُعد أطول وزراء الدفاع العرب عهدا، فقد بَقِي الرجلُ في منصبه هذا أكثر من ثلاثين سنة كاملة!
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خزائن الرعب وتفاصيل فروع القتل والتعذيب الأمنية السوريةlist 2 of 2العلويون والقصة الغامضة لحكم سورياend of listوُلد مصطفى طلاس في 11 مايو/أيار 1932 في بلدة الرستن بمحافظة حمص، وفي عام 1947 التحق بالكلية الحربية في المدينة نفسها، وفيها تعرّف على مجموعة من الضباط البعثيين، كان من بينهم صلاح جديد وحافظ الأسد، وبعد تخرجه في أوائل الخمسينيات أصبح ضابطا في الجيش السوري.
وكما يقول محمد نذير سنان في كتابه "لماذا سورية؟"، فمع قيام الوحدة بين سوريا ومصر بين سنوات (1958-1961)، نُقل طلاس إلى القاهرة برفقة عدد من الضباط، كان من بينهم حافظ الأسد، ومحمد عمران، وصلاح جديد، الذين سيقودون العديد من الانقلابات التالية.
وخلال تلك الفترة، توطدت علاقته خصوصا مع رفيقه حافظ الأسد، وعندما وقع الانفصال، اعتُقل الأسد في القاهرة، بينما عاد طلاس إلى سوريا، مصطحبا معه زوجة الأسد وابنته بُشرى، ولاحقا أُفرِج عن الأسد في صفقة تبادل مع مصر.
وفي عام 1963، مع بداية حكم البعث، نال مصطفى طلاس مكافأة على إخلاصه، رغم أنه لم يكن له دور بارز في انقلاب الثامن من آذار، الذي قاده مجموعة من الضباط العسكريين في خطوة كانت تبدو محدودة، لكن طلاس الذي لم يُعرف بنشاطه الثوري، أثبت ولاءه للنظام القادم، وهو ما سيجعله قريبا من دائرة السلطة.
إعلانولكن في عام 1964، انفجرت الأوضاع في حماة عندما اندلعت مواجهات دامية بين الشعب الرافض لممارسات السلطة الجديدة، التي اجتاحت مدنا عدة على شكل إضرابات ومظاهرات شعبية واسعة.
وفي المقابل قامت السلطة البعثية بتهديد كل صوت معارض بعنف، حيث اقتحمت المحال التجارية المغلقة ونهبت محتوياتها، وأطلق النظام يد الجيش لقمع المعارضة، حتى وصل الحال إلى قصف مسجد السلطان في حماة، الذي تحول حينئذ إلى ملاذ للمطاردين، وكانت النتيجة سقوط 17 ضحية من أبناء المدينة، وهو ما يمكن أن يوصف بالإرهاصات المبكرة لمجزرة حماة التي ستقع بعد ذلك بثمانية عشر عاما.
في تلك الأثناء، عُيِّنَ طلاس الضابط العسكري قاضيا لمحكمة عرفية ميدانية، حينها أصدر أحكاما بالإعدام على علماء وشباب من مدينة حماة، ليعلن مبكرا عن ولائه للنظام البعثي الجديد.
في المقابل سعى الرئيس السوري وقتها وأحد ضباط البعث البارزين أمين الحافظ للقاء مع شيخ المدينة محمود الحامد، في خطوة تهدئة لتخفيف الاحتقان الناتج عن هذه المحاكمات والأحداث، وليُعلن بعدها عن عفو شامل عن جميع المحكومين في هذه القضية.
رسمت هذه الأحداث الصادمة بين السلطة والجيش بداية مسيرة مصطفى طلاس السياسية مبكرا، حيث كشفت عن ولائه العميق لطموحاته الشخصية وتطلعاته في الوصول إلى السلطة بأي شكل ولون.
في تلك الأثناء، كانت العلاقة بين طلاس وأمين الحافظ متوترة، فبينما كان طلاس يتحرك تحت إشراف صديقه المقرب حافظ الأسد، الذي كان يتمتع بميول طائفية واضحة، ويسعى لتشبيك الضباط العلويين وتقوية مراكزهم، كان أمين الحافظ، الرئيس السني، يتعامل مع المسألة الطائفية بعدم اهتمام لافت.
وفي عام 1965 كان مصطفى طلاس يسعى بكل قوة لاعتقال كبار الضباط الموالين لأمين الحافظ في منطقة حمص العسكرية المعروفة بالمنطقة الوسطى، وبترتيب وتنسيق مع صلاح جديد وحافظ الأسد.
وكما يذكر طلاس في مذكراته "مرآة حياتي"، فقد أصدر أمين الحافظ، بتأييد القيادة القومية لحزب البعث الذي كان على رأسه مؤسِّسه ميشيل عفلق وآخرون، قرارا يقضي بإقصاء طلاس عن قيادة المنطقة الوسطى، ليخسر منصبه العسكري بسبب مشاركته في تسريح عدد من الضباط السنة الموالين للحافظ، بتوجيه من صديقيه حافظ الأسد وصلاح جديد.
إعلانوعلى إثر هذه الحادثة بدأ الترتيب داخل حزب البعث من الضباط العلويين والدائرين في فلكهم مثل مصطفى طلاس للإطاحة بالمعارضين لنفوذهم المتصاعد، وعلى رأسهم مؤسس الحزب ميشيل عفلق وأمين الحافظ وغيرهم.
وفي النهاية نجح هذا المخطط في 23 فبراير/شباط 1966، حين شهدت الساحة الحزبية ما عُرف بثورة "الشُّباطيين"، حيث قام مجموعة من الضباط العلويين، وعلى رأسهم صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد، بالإطاحة بأمين الحافظ وكل مؤسسي حزب البعث الأوائل مثل ميشيل عفلق والبيطار، بالإضافة إلى القيادات السياسية كافة.
وعلى إثر ذلك، تولى صلاح جديد منصب نائب الأمين العام لحزب البعث، وظل هذا المنصب مرفوعا رغم تصفية القيادات التقليدية، بينما عُيِّنَ حافظ الأسد وزيرا للدفاع، وبعد نجاح الانقلاب الجديد، وكما وعد الأسد رفيقه طلاس سابقا، فقد عاد إلى منصبه قائدا للمنطقة الوسطى، وهو ما حدث، الأمر الذي جعل طلاس يستوثق من علاقته وولائه لصديقه حافظ الأسد بصورة مطلقة.
الذراع اليمنى لحافظ الأسدفي عام 1967، وقعت الهزيمة المدوية التي عُرفت في تاريخ العرب الحديث بـ"النكسة"، وكان نور الدين الأتاسي يشغل منصب رئيس الجمهورية في سوريا في ذلك الحين، ولم يكن في الحقيقة سوى واجهة سنية ضعيفة تحركها الأيادي العسكرية، في حين كان يوسف زعين يشغل منصب رئيس الوزراء.
أما الحكام الفعليون لسوريا في تلك الفترة فكانوا: صلاح جديد نائب الأمين العام لحزب البعث، وحافظ الأسد وزير الدفاع، وأحمد سويداني رئيس الأركان.
وعقب النكسة، وفي ظل الصراع على السلطة، تصاعدت الخلافات بين الصديقين المقربين لهذا السبب، ونظرا للولاء المطلق الذي أدركه حافظ من صديقه طلاس، فقد عيَّنه في عام 1968 رئيسا لأركان الجيش، وذراعه اليمنى به، خاصة في تلك السنوات التي تصاعد فيها الصراع بين حافظ الأسد وصلاح جديد، وبلغ ذروته في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، عندما حاول صلاح جديد الحصول على قرار من القيادة القومية لإقالة حافظ الأسد ومصطفى طلاس.
إعلانلكن حافظ الأسد سبقهم، ونزل بدباباته إلى الشوارع، فقام باعتقال صلاح جديد وأعضاء القيادة القومية وكل مَن كانوا موالين له، وعلى رأسهم نور الدين الأتاسي رئيس الجمهورية الضعيف، الذي ظل في السجن حتى وفاته عام 1992، بينما مات صلاح جديد في السجن أيضا في العام التالي 1993.
بعد نجاح ما سمَّاه حافظ الأسد بالحركة التصحيحية، تولى الحكم مباشرة، وكانت تلك المرة الأولى التي يصل فيها رئيس من الطائفة العلوية إلى السلطة في سوريا، وهي طائفة تُشكِّل أقل من 10% من السكان، وأمام هذا الواقع الجديد كان من المتوقع أن يكون مصطفى طلاس بمنزلة الواجهة السنية في التركيبة الحاكمة الجديدة.
وفيما بعد ترقى إلى رتبة عماد، وهي رُتبة خصصت له وتميزت عن باقي الضباط، وأُسندت إليه وزارة الدفاع طوال فترة حكم الأسد، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، إلا أن طلاس بقي في نظر كثير من أهل السنة في سوريا ضابطا ذا قيمة محدودة.
ويتأمل باتريك سيل في كتابه "الأسد، الصراع على الشرق الأوسط" في الحاشية التي كانت تحيط بحافظ الأسد، وكان منهم بالطبع مصطفى طلاس، ورأى أن بقاءهم في مناصبهم لفترات طويلة يرجع إلى "الولاء" والولاء فقط، يقول: "في سنته الأولى جمع الأسد فريقه، فاستخدم رجالا قُدِّر لهم أن يعملوا تحت حكمه خمسة عشر عاما أو تزيد، ومثلما كان الأسد منسجما مع نفسه في مبادئه السياسية، بدا أنه يتردد كثيرا في تغيير الوجوه من حوله، كان من طبعه تقدير الولاء تقديرا عاليا".
كان مصطفى طلاس أحد اللاعبين في صياغة خطط حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضد الكيان الصهيوني، حيث كان له دور بارز في التنسيق مع الجانب المصري لإدارة العمليات العسكرية.
ورغم أن الجيش السوري حقق نجاحا مبدئيا بفضل عنصر المفاجأة الذي مَكَّن قواته من الوصول إلى شواطئ طبرية، فإن عجز القيادة العسكرية عن توفير الدعم اللازم للتقدم أو تعزيز الهجوم حال دون استثمار هذا الانتصار، الأمر الذي أدى إلى تراجع القوات السورية وفقدان كل ما أنجزته، بالإضافة إلى نزوح سكان 20 قرية نحو دمشق، لتنتشر الخيام الخاصة بالوافدين على أطراف العاصمة.
رغم تضخيم الذات الذي نراه في السيرة الذاتية التي كتبها طلاس في خمس مجلدات بعنوان "مرآة حياتي"، ومحاولة تصوير نفسه بأنه الرجل الثاني في سوريا طوال ثلاثة عقود، فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ضابط الاستخبارات الفرنسي السابق والخبير في الشؤون السورية، آلان شوييه، قوله: "كان لطلاس دور محدود في وضع الإستراتيجية العسكرية للجيش السوري، حيث كانت القرارات تُتخذ من قِبَل حافظ الأسد والضباط العلويين".
وهو الأمر الذي أكده المؤرخ والدبلوماسي الهولندي نيكولاس فان دام في كتابه "الصراع على السلطة في سوريا"، فإن حافظ الأسد، بعد استيلائه على الحكم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، اعتمد اعتمادا كبيرا على مجموعة من الضباط الموالين له، الذين تولوا مراكز إستراتيجية حيوية داخل القوات المسلحة.
إعلانويلاحظ فان دام أن معظم هؤلاء الضباط كانوا من الطائفة العلوية، بينما وُكلت مناصب عسكرية رفيعة لعدد من الضباط المنتمين إلى طوائف أخرى، لكن دون أن يُشكِّلوا تهديدا فعليا لحكم الأسد، إذ ظل النفوذ الحقيقي في يد الضباط العلويين، الذين كانوا قادرين على إخماد أي محاولة للتمرد.
ولتوضيح هذا النمط، يستشهد فان دام بعدة أمثلة، منها اللواء ناجي جميل، وهو ضابط سني من دير الزور، الذي تولى قيادة سلاح الجو السوري من نوفمبر/تشرين الثاني 1970 حتى مارس/آذار 1978. ورغم منصبه الرفيع، لم يكن قادرا على استخدام سلاح الجو في مواجهة النظام، نظرا لأن القواعد الجوية الرئيسية كانت تحت سيطرة الضباط العلويين.
وينطبق هذا الأمر أيضا على ضباط سُنة آخرين كان على رأسهم اللواء مصطفى طلاس، الذي عُيِّنَ وزيرا للدفاع في مارس/آذار 1972، واللواء يوسف شكور، الذي شغل منصب رئيس الأركان لاحقا، وهو من الطائفة المسيحية (الروم الأرثوذكس).
ويرى باتريك سيل في كتابه السابق أن دور طلاس على رأس الجيش كان منع حدوث أي انقلاب عسكري على حافظ الأسد، ولعب دور في إحداث توازن عسكري وأمني أمام وحدات الجيش وقوات الأمن والمخابرات الأخرى، ولهذا السبب كان مجرد قطعة شطرنج يحركها الأسد وفقا لمصالحه الخاصة.
وسنرى ذلك واضحا في الدور الذي لعبه طلاس في مجزرة حماة عام 1982 بجوار رفعت الأسد وعلي حيدر وغيرهم من الضباط العلويين المتنفذين والمسيطرين على الجيش والقوات الأمنية، فقد كان طلاس مؤمنا بالحلول الأمنية واستخدام القوة والعنف المطلق لكل معارض لحافظ الأسد.
ففي مقابلة نادرة مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية عام 2005، دافع طلاس عن الحملة العسكرية الدموية على حماة، قائلا: "استخدمنا السلاح للوصول إلى السلطة… وأي شخص يريد انتزاعها منا، عليه أن يأخذها بالقوة"، مشيرا إلى أنه خلال تلك الفترة، كان يُنفَّذ نحو 150 حكما بالإعدام أسبوعيا في دمشق وحدها.
إعلانكان لطلاس دور مهم أيضا في حماية نظام حافظ الأسد أثناء فترة الغيبوبة التي تعرض لها حافظ عام 1984، ففي تلك الفترة، سعى رفعت الأسد، الشقيق والمزهو بقيادته لقوات "سرايا الدفاع" ذات الأربعين ألف مقاتل بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة، إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على السلطة من خلال إجراء انقلاب أبيض، مستغلا مرض أخيه.
طلاس يورث السلطة لبشار!في مذكراته الآنفة، يرسم مصطفى طلاس صورة الحامي لحافظ الأسد، والمدافع المخلص له، فتحت عنوان "ثلاثة أسابيع هزت دمشق"، ينقل طلاس عن رفعت الأسد قوله لحافظ الأسد بعد جلسة مصالحة بينهما: "أقسم لك بالله لولا العماد مصطفى طلاس، كل جماعتك في الأركان لا يساوون فرنك… كان الوحيد المستعد للقتال".
وكان لطلاس العديد من المواقف المثيرة للجدل على المستوى الإقليمي، فقد كان يصف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بالخائن، لأنه في زعمه أراد أن يجنّده لصالحه وقد رفض ذلك، وربما كان من الذين حرضوا حافظ الأسد على إسقاط طائرة السادات حين جاء دمشق ليخبره بعزمه السفر إلى القدس للصلح مع إسرائيل، كما اشتهر عنه سبّه الشهير للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للموقف ذاته.
وبالنظر إلى الفراغ الذي خلّفته سنواته الطويلة في وزارة الدفاع، ولتأكيد استنتاج نيكولاس فان دام وغيره من الباحثين في التاريخ السوري المعاصر بأن طلاس كان مجرد واجه سُنية تُستخدم لاعتبارات حفظ السلطة بيد العلويين، توجّه طلاس إلى مجال التأليف والنشر، فأسس دار نشر حملت اسمه، وأصدر من خلالها العديد من أعماله البارزة، كان من بينها مذكراته الشخصية "مرآة حياتي"، وكتاب "تاريخ الثورة العربية الكبرى"، و"الرسول العربي"، بالإضافة إلى "تأبين نزار قباني"، ولعل أشهر أعماله وأوسعها انتشارا كان كتابه عن "فن الطبخ".
في كتابه "الرواية المفقودة"، يستعرض نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع وقائع العاشر من يونيو/حزيران عام 2000، حيث زار بيت الرئيس ليجد وفق إيماءة من اللواء آصف شوكت أن "جثمان الرئيس (حافظ الأسد) مسجى في الغرفة المجاورة".
إعلانوفي هذا السياق، يشير الشرع إلى الدور الذي لعبه مصطفى طلاس في ترتيبات انتقال السلطة، قائلا: "لم يتساءل أيٌّ منا في جلسة حزينة كيف حدثت الوفاة المفاجئة، لكن العماد مصطفى طلاس كسر الصمت، واقترح مباشرة تعديل الدستور كي يتمكن الدكتور بشار من تولي الرئاسة. وتابع بأنّ التعديل المقترح يتطلب إبلاغ رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة لعقد جلسة طارئة لهذا الغرض".
ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، التزم مصطفى طلاس الصمت حيالها، فلم يعلن موقفا واضحا، ولم يوجّه أي انتقادات لمجازر النظام، مفضلا مغادرة سوريا والاستقرار في فرنسا مع أسرته، وسنجد من بين أبنائه الأكثر شهرة مناف طلاس، الذي كان قائدا للواء 104 في الحرس الجمهوري قبل أن ينشق عن النظام في يوليو/تموز 2012، حيث فرّ إلى تركيا، ومنها توجّه لاحقا إلى فرنسا.
وقد تباينت الروايات بشأن الدوافع الحقيقية لانشقاق مناف، فبينما أشارت بعض المصادر إلى أن قراره جاء احتجاجا على الحملة العسكرية العنيفة ضد مسقط رأسه، بلدة الرستن، رجحت مصادر أخرى أن القطيعة بينه وبين النظام بدأت خلال العملية العسكرية على حي بابا عمرو في حمص، بين فبراير/شباط ومارس/آذار 2012، حين رفض قيادة الوحدة التي شنّت الهجوم على الحي وسيطرت عليه لاحقا.
بعد حياة طويلة قضاها في خدمة آل الأسد، وفي 27 يونيو/حزيران 2017، توفي مصطفى طلاس عن عمر ناهز 85 عاما في مستشفى أفيسين قرب باريس، ليكون إحدى أهم الشخصيات التي لعبت دورا في إرعاب الشعب السوري في العقود الخمسة الأخيرة!