الحشاني بعد بودن.. ما دلالات إقالة قيس سعيد لرئيسة حكومته؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
تونس- قال معارضون في تونس إن قرار الرئيس قيس سعيد بإقالة رئيسة حكومته نجلاء بودن، محاولة لإلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد على الفريق الحكومي، وإلهاء الرأي العام عن حقيقة الأوضاع المتأزمة، بينما يؤكد أنصار قيس سعيد أن التغيير الحكومي سيضخ دماء جديدة بهدف إصلاح الأوضاع.
وفي بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية نُشر في ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء، قرر الرئيس قيس سعيد إقالة رئيس الحكومة نجلاء بودن، المرأة الهادئة التي لا تعصيه، دون توضيح أسباب الإقالة.
وعيّن سعيّد المدير السابق للشؤون القانونية في البنك المركزي التونسي أحمد الحشاني رئيسا للحكومة، وهو رجل لا يُعرف عنه في الساحة السياسية أي نشاطات تذكر سواء في صف المعارضة أو الحكم، كما لا تعرف عنه أي كفاءة اقتصادية.
وقبل 5 أيام التقى سعيد في مبنى رئاسة الحكومة كل من رئيسة الحكومة بودن ووزيرة المالية، ولم يخف امتعاضه من أداء الحكومة، خاصة فيما يتعلق بتوفير المواد الأساسية، ولا سيما توفير الخبز الذي يشهد منذ فترة تذبذبا كبيرا في توفيره وتوزيعه.
وتشهد تونس -خصوصا منذ إعلان الرئيس سعيد تدابيره الاستثنائية قبل عامين- وضعا ماليا واقتصاديا خانقا وغير مسبوق، إذ تدهورت القوة الشرائية للتونسيين جراء التضخم، في حين شهدت أغلب المواد الأساسية المدعمة من الدولة -ولا سيما الحبوب والسكر والقهوة والزيت النباتي والمحروقات- نقصا حادا في السوق.
معالجة الخطيئة بالخطأوحول ردود فعل المعارضين، قال المكلف بالإعلام والاتصال بحركة النهضة عبد الفتاح التاغوتي إن "الرئيس سعيد عالج الخطيئة بالخطأ، عبر إقالة رئيسة حكومة فاشلة وتعيين آخر نكرة ليس له دراية أو كفاءة سياسية أو اقتصادية"، مقدرا أن تتجه البلاد نحو مزيد من التأزم والتدهور الساحق.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى التاغوتي أن إقالة بودن هدفه بشكل أساسي إلقاء اللوم على الفريق الحكومي الذي اختاره بنفسه قبل نحو عام ونصف، وتحميلهم مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية، معتبرا أنها محاولة منه لإلهاء الرأي العام واسترجاع شعبيته المهدورة.
وأضاف أن "بودن هي مجرد ورقة احترقت بيد الرئيس وهو الآن يعمل على تضليل الرأي العام بأنه يسعى لإصلاح الأوضاع التي عجزت حكومته على حلحلتها"، مشيرا إلى أن حكومة بودن كانت صامتة لا تتكلم في وجه الرئيس وتنفذ تعليماته حرفيا، لكنها فشلت في إدارة البلاد وتسببت في حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
واعتبر المتحدث أن إقالة بودن إقرار ضمني من الرئيس بسوء اختياراته، مضيفا أن "الرئيس وعد قبل عامين على انقلابه بإصلاح الأوضاع، لكنه فشل وحكومته فشلا ذريعا في إدارة البلاد"، معتبرا أنه "وجه باختياره نجلاء بودن رئيسة للحكومة رسالة سيئة للمرأة التونسية، لأن البلاد تعج بالكفاءات النسوية بكافة الميادين، لكنه اختار امرأة ضعيفة ولا دراية سياسية أو اقتصادية لها".
ويقول التاغوتي إن الرئيس هو من يتحمل بسياساته الفاشلة وأخطائه المتراكمة وانعدام كفاءاته في إدارة البلاد مسؤولية انهيار الأوضاع، لاسيما برفضه الاتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض يساعد البلاد على تعبئة الموارد بالعملة الصعبة، مؤكدا أن الأوضاع ستزداد سوءا مع رئيس الحكومة الجديد.
وكان من المقرر أن تحصل تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على أقساط بعد اتفاق مبدئي مع خبراء صندوق القد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن الاتفاق تعطل تمام بسبب رفض الرئيس سعيد شروط الصندوق والمتمثلة أساسا في رفع الدعم الحكومي على المواد الأساسية كالمحروقات وغيرها.
تهرب من المسؤولةمن جهته، قال الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، إن قرار الرئيس سعيد إقالة رئيسة الحكومة بودن محاولة للتهرب من المسؤولية والتضحية بها بعد الفشل في الحكم، مؤكدا أن "الإقالة عملية ترقيعية لن تستطيع إصلاح الأوضاع، لأن أسباب الفشل لا تزال قائمة بسبب سياسة الرئيس".
وفي حديثه للجزيرة نت، قال المكي إن "الرئيس سعيد يواصل سياسة الخطأ والهروب إلى الأمام بتخوينه للمعارضة وإلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع عليهم وعلى فريقه الحكومي السابق، بينما يمسك هو بكل مقاليد السلطة بصلاحيات واسعة النطاق دون أن يحقق إنجازا واحد منذ انتخابه على رأس السلطة"، بحسب تعبيره.
وأضاف المتحدث أن "الرئيس يستمر في مراكمة الأخطاء على حساب تونس والتونسيين"، معتبرا أن الأزمة في البلاد سياسية بامتياز وتتطلب حوارا وطنيا شاملا لإنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية، جراء الانحراف بالديمقراطية وتدهور الاقتصاد واختلال التوازنات المالية للدولة، وعجزها عن توريد أبسط الضروريات المعيشية.
انطلاقة جديدة
لكن لأنصار الرئيس سعيد قول مخالف، إذ يؤكد الناشط السياسي أحمد الكحلاوي أن سعيد قرر برفضه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، طبقا لشروط البنك بإلغاء الدعم الحكومي مقابل منح القرض لتونس، الدخول في مرحلة جديدة بالتعويل على قدرات الدولة الذاتية دون الانحناء إلى الخارج.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الكحلاوي "هذه المرحلة الجديدة تتطلب كفاءة جديدة على رأس الحكومة لا تتوفر في رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن رغم أنها امرأة وطنية ضحت من أجل بلادها في ظروف صعبة"، مشيرا إلى أن تدهور الأوضاع في تونس كان نتيجة لما وصفه بـ"فساد الأحزاب التي حكمت البلاد طيلة السنوات العشر الماضية".
وأوضح أن الرئيس سعيد اختار نجلاء بودن لرئاسة الحكومة في 29 سبتمبر/أيلول 2021 "لنظافة يدها وعلاقاتها الخارجية بحكم مسؤولياتها السابقة في الجامعة التونسية وفي وزارة التعليم العالي"، لكنه يرى أن درايتها في إدارة الحكومة بقيت محدودة لقلة تجربتها وثقل المسؤولية في ظل الأوضاع الصعبة.
وأكد أن التغيير الحكومي الحالي سيضخ دماء جديدة في الحكومة للقيام بالإصلاحات اللازمة للخروج من الأزمة، لا سيما مع عودة تصدير الفوسفات بنسق إيجابي وتحسن إيرادات السياحة، قائلا "نحن الآن ذاهبون في تطوير العمل وتسريع الإنجاز، حتى نمر من مرحلة الركود إلى مرحلة حيوية فيها نمو".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: تدهور الأوضاع الرئیس سعید نجلاء بودن قیس سعید فی إدارة
إقرأ أيضاً:
أزمة الحاكم العسكري بمالي ورئيس حكومته.. ما جذورها وتداعياتها على المنطقة؟
تصاعدت خلال الأيام الأخيرة، الأزمة بين رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي عاصيمي غويتا، ورئيس حكومته شوغيل كوكالا مايغا، انتهت بقرار إقالة الحكومة مساء أمس الأربعاء.
وأقال الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا، الحكومة والوزير الأول شوغيل كوكالا مايغا، بعدما انتقد الأخير بشكل واضح قبل أيام تمديد الفترة الانتقالية للعسكريين الممسكين بالسلطة في هذا البلد الإفريقي الذي يعيش على وقع توتر أمني وسياسي منذ سنوات.
وفق مرسوم وقعه رئيس المجلس العسكري الجنرال عاصيمي غويتا، وتلاه عبر التلفزيون الرسمي الأمين العام للرئاسة ألفوسيني دياوارا، فقد "تم إنهاء مهام الوزير الأول وأعضاء الحكومة".
جذور الأزمة
بدأت الأزمة بين الرجل حين انتقد رئيس الحكومة بشكل واضح، طول الفترة الانتقالية، ودعوته بشكل واضح لإجراء انتخابات تنتهي باختيار رئيس مدني للبلاد الذي يحكمه مجلس عسكري منذ نحو ثلاثة سنوات.
فقد قال رئيس الحكومة المقال شوغيل كوكالا مايغا، في تصريحات صحفية قبل أيام، إن هناك "شبح ارتباك يخيم على العلمية الانتقالية في البلاد، وإن الشعب لن يقبل أن يستمر هذا الأمر".
وأضاف في كلمة أمام الآلاف من أنصاره في باماكو يوم 16 تشرين الثاني /نوفمبر الجاري: "يمكن التحلي بالصبر لكن هذا الصبر له حدود، نحن مطالبون بالوحدة والتماسك".
ولفت شوغيل، إلى أنه كان من المنتظر أن تنتهي المرحلة الانتقالية مع بداية شهر مارس 2024، مضيفا أنه تم تمديد الفترة الانتقالية بقرار من المجلس العسكري دون التشاور معه.
وعقب تصريحات شوغيل، خرج أنصار المجلس العسكري في مظاهرات بعدة مدن مالية للمطالبة بإقالة رئيس الحكومة، وهو ما تم بالفعل أمس الأربعاء.
شوغيل وجد نفسه في "وضع حرج"
ويرى الباحث المختص في شؤون إفريقيا ومنطقة الساحل، محفوظ ولد السالك، أن رئيس الحكومة المالية شوغيل كوكالا مايغا، وجد نفسه في وضع حرج منذ بعض الوقت.
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "شوغيل كان أمام خيارين، فإما أن يواصل دعمه للمجلس العسكري الحاكم، وهذا يعتبر نفسه مغيبا فيه عن دائرة صنع القرار، لدرجة أنه كما قال لم يسمع بقرار تمديد الفترة الانتقالية إلا في الإعلام، رغم أهمية منصبه الحكومي، وإما أن ينهي علاقته بالمجلس العسكري، ويعود إلى حاضنته الشعبية والسياسية حركة 5 يونيو".
ولفت ولد السالك، إلى أن "حركة 5 يونيو" التي تعد حاضنة شوغيل مايغا، بدأت في الفترة الأخيرة تصعد لهجتها ضد النظام العسكري، واعتقل على إثر ذلك بعض عناصرها.
وتابع ولد السالك: "يبدو أن مايغا آثر الخيار الثاني، فخرج عن صمته منتقدا المرحلة الانتقالية التي قال إنها ضبابية، وإن حركته والشعب المالي لن يقبلان استمرارها بلا نهاية، كان هذا سببا في إقالته من طرف غويتا".
تداعيات متوقعة
ويرى عدد من المتابعين أن الأزمة المتصاعدة بين الرجلين، ستكون لها تداعيات كبيرة سواء على مالي أو بقية دول الساحل التي تصنف ضمن المناطق الأكثر توترا في القارة السمراء.
وفي هذا السياق يقول خبير الشؤون الإفريقية، محفوظ ولد السالك، إن انعكاسات توتر علاقات غويتا ومايغا داخليا، سيحددها الموقف الذي سيتخذه الرجل المقال.
وأضاف ولد السالك في حديثه لـ"عربي21": "إذا صعد رئيس الحكومة المقال لهجته ضد النظام وبدأت حركته السياسية تتحرك ضمن خطها المعارض، واستطاع هو أن يعيد النشاط للحراك السياسي المعارض، فأعتقد أن البلاد حينها ستعرف أزمة سياسية، قد تشكل تهديدا للمرحلة الانتقالية، وستكون كل الاحتمالات واردة".
وتوقع المتحدث أن "يرغم هذا الأمر الحاكم العسكري غويتا على تنظيم انتخابات رئاسية عاجلة، وسيكون مضطرا على الانفتاح على المعارضة أحزابا ومنظمات".
واعتبر ولد السالك أنه "بقدر قوة الحراك السياسي المعارض في مالي، سيكون الانعكاس على الوضع في المنطقة، خصوصا بوركينا فاسو والنيجر، حيث الحراك المعارض فيهما منعدم على غرار مالي، بفعل قبضة العسكر على السلطة في هذه البلدان".
وتابع: "بالمقابل إذا لم يرق تحرك مايغا إلى ذلك المستوى المؤثر داخليا، فلا أعتقد أن توتر علاقاته مع غويتا سيكون له تأثير".
فيما يرى متابعون أن الأزمة بين الرجيلين تعكس أيضا حجم الصراع بين القوى الدولية والإقليمية في مالي، حيث يعتبر رئيس الحكومة المقال من أبرز المقربين من روسيا، فيما يعتبر رئيس المجلس العسكري أكثر قربا لتركيا التي باتت حاضرة بقوة في المنطقة.
ومنذ الانقلاب العسكري في مالي قبل ثلاث سنوات، تم تأجيل تنظم الانتخابات الرئاسية عدة مرات، وفي كل مرة يتم تبرير ذلك بعدم الجاهزية لتنظيم الانتخابات.
واستولى الجيش على الحكم في مالي سنة 2021 وأعلن رئيس المجلس العسكري أسيمي غويتا، تجريد الرئيس حينها باه نداو، ورئيس الوزراء مختار وان من صلاحياتهما.
ومنذ يونيو 2021، أصبح غويتا رئيساً انتقاليا للبلاد، وتراجع عن تعهده بإعادة السلطة للمدنيين بعد انتخابات وعد بإجرائها في فبراير 2022، لكنها لم تتم حتى الآن.
وتعاني مالي من توترات أمنية وسياسية، فيما يعش هذا شبه عزلة إفريقية، كما توترت علاقات باماكو مع الدول الغربية، إذ تم طرد القوات الفرنسية والألمانية من هذا البلد، مقابل تعزز العلاقة مع موسكو وأنقرة.