تونس- قال معارضون في تونس إن قرار الرئيس قيس سعيد بإقالة رئيسة حكومته نجلاء بودن، محاولة لإلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد على الفريق الحكومي، وإلهاء الرأي العام عن حقيقة الأوضاع المتأزمة، بينما يؤكد أنصار قيس سعيد أن التغيير الحكومي سيضخ دماء جديدة بهدف إصلاح الأوضاع.

وفي بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية نُشر في ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء، قرر الرئيس قيس سعيد إقالة رئيس الحكومة نجلاء بودن، المرأة الهادئة التي لا تعصيه، دون توضيح أسباب الإقالة.

وعيّن سعيّد المدير السابق للشؤون القانونية في البنك المركزي التونسي أحمد الحشاني رئيسا للحكومة، وهو رجل لا يُعرف عنه في الساحة السياسية أي نشاطات تذكر سواء في صف المعارضة أو الحكم، كما لا تعرف عنه أي كفاءة اقتصادية.

وقبل 5 أيام التقى سعيد في مبنى رئاسة الحكومة كل من رئيسة الحكومة بودن ووزيرة المالية، ولم يخف امتعاضه من أداء الحكومة، خاصة فيما يتعلق بتوفير المواد الأساسية، ولا سيما توفير الخبز الذي يشهد منذ فترة تذبذبا كبيرا في توفيره وتوزيعه.

وتشهد تونس -خصوصا منذ إعلان الرئيس سعيد تدابيره الاستثنائية قبل عامين- وضعا ماليا واقتصاديا خانقا وغير مسبوق، إذ تدهورت القوة الشرائية للتونسيين جراء التضخم، في حين شهدت أغلب المواد الأساسية المدعمة من الدولة -ولا سيما الحبوب والسكر والقهوة والزيت النباتي والمحروقات- نقصا حادا في السوق.

معالجة الخطيئة بالخطأ

وحول ردود فعل المعارضين، قال المكلف بالإعلام والاتصال بحركة النهضة عبد الفتاح التاغوتي إن "الرئيس سعيد عالج الخطيئة بالخطأ، عبر إقالة رئيسة حكومة فاشلة وتعيين آخر نكرة ليس له دراية أو كفاءة سياسية أو اقتصادية"، مقدرا أن تتجه البلاد نحو مزيد من التأزم والتدهور الساحق.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى التاغوتي أن إقالة بودن هدفه بشكل أساسي إلقاء اللوم على الفريق الحكومي الذي اختاره بنفسه قبل نحو عام ونصف، وتحميلهم مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية، معتبرا أنها محاولة منه لإلهاء الرأي العام واسترجاع شعبيته المهدورة.

وأضاف أن "بودن هي مجرد ورقة احترقت بيد الرئيس وهو الآن يعمل على تضليل الرأي العام بأنه يسعى لإصلاح الأوضاع التي عجزت حكومته على حلحلتها"، مشيرا إلى أن حكومة بودن كانت صامتة لا تتكلم في وجه الرئيس وتنفذ تعليماته حرفيا، لكنها فشلت في إدارة البلاد وتسببت في حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

واعتبر المتحدث أن إقالة بودن إقرار ضمني من الرئيس بسوء اختياراته، مضيفا أن "الرئيس وعد قبل عامين على انقلابه بإصلاح الأوضاع، لكنه فشل وحكومته فشلا ذريعا في إدارة البلاد"، معتبرا أنه "وجه باختياره نجلاء بودن رئيسة للحكومة رسالة سيئة للمرأة التونسية، لأن البلاد تعج بالكفاءات النسوية بكافة الميادين، لكنه اختار امرأة ضعيفة ولا دراية سياسية أو اقتصادية لها".

ويقول التاغوتي إن الرئيس هو من يتحمل بسياساته الفاشلة وأخطائه المتراكمة وانعدام كفاءاته في إدارة البلاد مسؤولية انهيار الأوضاع، لاسيما برفضه الاتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض يساعد البلاد على تعبئة الموارد بالعملة الصعبة، مؤكدا أن الأوضاع ستزداد سوءا مع رئيس الحكومة الجديد.

وكان من المقرر أن تحصل تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على أقساط بعد اتفاق مبدئي مع خبراء صندوق القد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن الاتفاق تعطل تمام بسبب رفض الرئيس سعيد شروط الصندوق والمتمثلة أساسا في رفع الدعم الحكومي على المواد الأساسية كالمحروقات وغيرها.

تهرب من المسؤولة

من جهته، قال الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، إن قرار الرئيس سعيد إقالة رئيسة الحكومة بودن محاولة للتهرب من المسؤولية والتضحية بها بعد الفشل في الحكم، مؤكدا أن "الإقالة عملية ترقيعية لن تستطيع إصلاح الأوضاع، لأن أسباب الفشل لا تزال قائمة بسبب سياسة الرئيس".

وفي حديثه للجزيرة نت، قال المكي إن "الرئيس سعيد يواصل سياسة الخطأ والهروب إلى الأمام بتخوينه للمعارضة وإلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع عليهم وعلى فريقه الحكومي السابق، بينما يمسك هو بكل مقاليد السلطة بصلاحيات واسعة النطاق دون أن يحقق إنجازا واحد منذ انتخابه على رأس السلطة"، بحسب تعبيره.

وأضاف المتحدث أن "الرئيس يستمر في مراكمة الأخطاء على حساب تونس والتونسيين"، معتبرا أن الأزمة في البلاد سياسية بامتياز وتتطلب حوارا وطنيا شاملا لإنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية، جراء الانحراف بالديمقراطية وتدهور الاقتصاد واختلال التوازنات المالية للدولة، وعجزها عن توريد أبسط الضروريات المعيشية.


انطلاقة جديدة

لكن لأنصار الرئيس سعيد قول مخالف، إذ يؤكد الناشط السياسي أحمد الكحلاوي أن سعيد قرر برفضه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، طبقا لشروط البنك بإلغاء الدعم الحكومي مقابل منح القرض لتونس، الدخول في مرحلة جديدة بالتعويل على قدرات الدولة الذاتية دون الانحناء إلى الخارج.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الكحلاوي "هذه المرحلة الجديدة تتطلب كفاءة جديدة على رأس الحكومة لا تتوفر في رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن رغم أنها امرأة وطنية ضحت من أجل بلادها في ظروف صعبة"، مشيرا إلى أن تدهور الأوضاع في تونس كان نتيجة لما وصفه بـ"فساد الأحزاب التي حكمت البلاد طيلة السنوات العشر الماضية".

وأوضح أن الرئيس سعيد اختار نجلاء بودن لرئاسة الحكومة في 29 سبتمبر/أيلول 2021 "لنظافة يدها وعلاقاتها الخارجية بحكم مسؤولياتها السابقة في الجامعة التونسية وفي وزارة التعليم العالي"، لكنه يرى أن درايتها في إدارة الحكومة بقيت محدودة لقلة تجربتها وثقل المسؤولية في ظل الأوضاع الصعبة.

وأكد أن التغيير الحكومي الحالي سيضخ دماء جديدة في الحكومة للقيام بالإصلاحات اللازمة للخروج من الأزمة، لا سيما مع عودة تصدير الفوسفات بنسق إيجابي وتحسن إيرادات السياحة، قائلا "نحن الآن ذاهبون في تطوير العمل وتسريع الإنجاز، حتى نمر من مرحلة الركود إلى مرحلة حيوية فيها نمو".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تدهور الأوضاع الرئیس سعید نجلاء بودن قیس سعید فی إدارة

إقرأ أيضاً:

بعد محاولات اغتيال الرئيس الصومالي.. مقديشو على حافة الهاوية مع تصعيد تهديدات جماعة الشباب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في تصعيد خطير يعكس اتساع نطاق العنف والتطرف في الصومال، كشفت تقارير أمنية حديثة عن محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على يد جماعة الشباب المتشددة. 

هذه المحاولة تكشف عن استراتيجية الجماعة المتزايدة في تنفيذ عمليات انتقامية وتعزيز نفوذها في البلاد، ما يهدد بتقويض جهود الاستقرار التي تبذلها الحكومة الصومالية بدعم من المجتمع الدولي.

محاولة اغتيال الرئيس.. رسالة تهديد واضحة

تعكس المحاولة الأخيرة لقتل الرئيس الصومالي تصعيدًا خطيرًا في هجمات جماعة الشباب، التي تسعى منذ سنوات للإطاحة بالحكومة المركزية في مقديشو.

 الهجوم، الذي تم تنفيذه عبر تفجير استهدف موكب الرئيس أثناء تنقله، لم يحقق أهدافه لكن خلف وراءه رسائل تهديد واضحة.

وجماعة الشباب، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، أكدت على عزمها مواصلة محاولاتها لزعزعة استقرار الحكومة الانتقالية في الصومال.

العملية جاءت في وقت حساس، حيث تسعى الحكومة الصومالية إلى تعزيز سلطتها في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، بينما تقوم بدعم دولي واسع لإعادة بناء مؤسسات الدولة. 

والهجوم، رغم فشله، يوضح أن جماعة الشباب لا تزال تشكل تهديدًا رئيسيًا للأمن في البلاد.

توسيع دائرة الهجمات.. استراتيجيات الجماعة في التصعيد

 جماعة الشباب تسعى بشكل متزايد إلى توسيع دائرة عملياتها لتشمل هجمات على الشخصيات الحكومية العليا، فضلاً عن استهداف المدنيين في المناطق المتفرقة من البلاد. 

ومحاولات قتل الرئيس الصومالي تمثل جزءًا من استراتيجية أوسع للجماعة تهدف إلى إضعاف الحكومة المركزية من خلال نشر الفوضى وزرع الخوف في نفوس المواطنين، مما يجعل من الصعب على الحكومة فرض سيطرتها على مختلف المناطق.

إلى جانب استهداف المسؤولين الحكوميين، تواصل جماعة الشباب شن هجمات إرهابية على المنشآت العسكرية، بما في ذلك قواعد الجيش الصومالي والقوات الأجنبية المساندة، في محاولة لتقويض الدعم العسكري الذي يعتمد عليه الجيش الوطني في محاربة الإرهاب.

ردود فعل حكومية ودولية..  تحديات مستمرة في مكافحة الإرهاب

في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس، تعهدت الحكومة الصومالية بتكثيف جهودها لمكافحة الإرهاب والقضاء على تهديدات جماعة الشباب. 

كما أعلنت عن تعزيز التعاون مع القوات الأجنبية، وخاصة قوات الاتحاد الإفريقي "أميصوم"، لضمان تنفيذ عمليات أمنية موسعة ضد معاقل الجماعة في جنوب ووسط البلاد.

من جهة أخرى، رحب المجتمع الدولي بالجهود الصومالية لتعزيز الأمن، ولكنه حذر من أن تصاعد العنف يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي، في وقتٍ تعاني فيه العديد من الدول المجاورة من عدم استقرار سياسي وأمني. وحثت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على دعم الحكومة الصومالية في مكافحة التطرف والتطرف العنيف، وأكدت على ضرورة توفير مزيد من الدعم الإنساني للمتضررين من النزاعات.

الآفاق المستقبلية.. ماذا بعد التصعيد؟

إن محاولات اغتيال الرئيس الصومالي تفتح الباب أمام تساؤلات مهمة حول استراتيجيات الحكومة في مواجهة جماعة الشباب. 

هل ستتمكن الحكومة من فرض سيطرتها على الأراضي التي يسيطر عليها الإرهابيون؟ أم ستتسع دائرة العنف في البلاد مع مرور الوقت؟ الجواب يبدو مرتبطًا بمدى نجاح الحكومة في تكثيف حملاتها العسكرية والأمنية، وكذلك في معالجة القضايا السياسية والاجتماعية التي ساعدت في تغذية التطرف على مر السنوات.

لكن يبقى أن التهديد الأكبر الآن هو استمرار قدرة جماعة الشباب على التكيف مع الاستراتيجيات الحكومية والعسكرية، مما يجعل من الضروري تطوير خطة شاملة تجمع بين الإجراءات الأمنية والحلول السياسية والاجتماعية للقضاء على أسباب التطرف.

خاتمة.. هل سيظل الصومال في دائرة الخطر؟

الصومال اليوم يقف على مفترق طرق. في ظل الهجمات المتزايدة لجماعة الشباب، يبقى السؤال الأبرز: هل سيتمكن الرئيس الصومالي وحكومته من إيقاف موجة العنف المستمرة، أم أن البلاد ستظل تحت تهديد هذه الجماعة المتطرفة لسنوات قادمة؟ 

الأحداث الأخيرة تشير إلى أن المواجهة مع جماعة الشباب ستكون طويلة ومعقدة، وأن السبيل لتحقيق الاستقرار يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • العرفي: الأوضاع الاقتصادية تتدهور منذ تولي الدبيبة رئاسة الحكومة في طرابلس
  • خطوة لاستعادة وحدة البلاد .. روسيا تعلق علي الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات قسد
  • محافظ شمال سيناء: زيارة الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي للعريش حدث تاريخي ذو دلالات كبرى
  • رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا يبحث مع المبعوثة الأممية مستجدات الأوضاع في بلاده
  • بعد محاولات اغتيال الرئيس الصومالي.. مقديشو على حافة الهاوية مع تصعيد تهديدات جماعة الشباب
  • التكبالي: الاقتصاد الليبي وصل مرحلة “مزرية” في ظل استمرار الفساد 
  • الرئيس السيسي والعاهل الأردني يبحثان الأوضاع في قطاع غزة
  • بن شرادة: بيان المركزي يعكس تدهور الوضع المالي.. والحل يبدأ بتوحيد الحكومة
  • الحكومة الليبية تصدر بيان تتهم فيه حكومة الدبيبة وإدارة المصرف المركزي بتضليل الرأي العام وإهدار ثروات البلاد
  • الرئيس السيسي لـ«ماكرون»: نرفض أي دعوات لتهجير الفلسطينيين