لفهم السياق السياسي الذي سبق تنظيم الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016،وحالة الارتباك التي عاشها خصوم حزب العدالة والتنمية، لابد من التوقف عند يوم 18شتنبر 2016، حيث عاشت مدينة الدار البيضاء على إيقاع مظاهرة احتجاجية غريبة أثارت الكثير من الجدل والنقاش نظرا لطبيعة الشعارات التي رفعت فيها من جهة، ونظرا لعدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن تنظيم هذه المظاهرة والدعوة لها، بل الأغرب من ذلك حسب ما وثقته العديد من المواقع الإلكترونية أن أغلب الحاضرين فيها من الناس البسطاء الذين لا يعرفون سبب حضورهم وتم التغرير بهم من طرف جهات مختلفة وتضليلهم بمبررات مختلفة، كان أبرزها أن هذه المسيرة تنظم دفاعا عن الصحراء المغربية ضد أعداء الوحدة الترابية للمملكة.

.

مسيرة "ولد زروال" الإسم الحركي لمظاهرة الدار البيضاء الغريبة...

أطلقت المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على هذه المظاهرة اسم مسيرة "ولد زروال"، وهي تسمية لنائب برلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، ورد اسمه على لسان إحدى السيدات التي صرحت لأحد المواقع الإلكترونية بأنها تشارك في هذه المسيرة بدعوة من البرلماني المذكور مقابل استفادتها من خروف العيد.

المسيرة نظمت تحت شعار: "لا لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع"، ورفعت فيها لافتات مكتوبة تطالب بإسقاط بنكيران وحزبه، حملها نساء ورجال بعيدين جدا عن إدراك معناها، وتم استهداف العديد من قيادات العدالة والتنمية عبر رفع صورهم وكيل الاتهامات لهم..

كاتب هذه السطور نال حظه من القذف المعتاد، وظهر بأن الذين قادوا حملات ممنهجة ضده ليسوا بعيدين عمن خططوا لهذه المسيرة الفضيحة..

رغم الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، فإن جميع المؤشرات كانت تشير إلى صعوبة ترجمة هذا الفوز الانتخابي إلى انتصار سياسي يساهم في ترسيخ المسار الديمقراطي في البلاد، فرغم التعيين الملكي لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة بناء على مقتضيات الفصل 47 من الدستور، فقد تعذر على رئيس الحكومة المكلف تشكيل تحالف حزبي يضمن له الأغلبية البرلمانية الضرورية للتصويت على البرنامج الحكومي طبقا للفصل 88 من الدستور.طبعا، الذين خططوا لهذه المسيرة كانوا يعرفون ما يريدون: قاموا باستباق انتخابات السابع من أكتوبر عبر استدعاء النموذج المصري ومحاولة تجريبه في المغرب، أي نزع غطاء الشرعية الشعبية عن الحزب الأول، تمهيدا لإسقاطه عبر انتخابات تشريعية يتأثر فيها الناخبون بحملة الدعاية السلبية ضد حزب العدالة والتنمية، و"يقتنع" فيها الرأي العام الوطني والدولي بتراجع شعبية العدالة والتنمية، وشعبية زعيمه عبدالإله بنكيران، تعبيدا للطريق السيار أمام الحزب المقرب جدا من طرف السلطة آنذاك لتولي مهمة رئاسة الحكومة، وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي جرى تأسيسه سنة 2008 لتولي مهام الحكومة في أول انتخابات تشريعية وليس للعب دور المعارضة، إلا أن رياح الربيع العربي أجهزت على طموحات هذا الحزب وجاءت بحزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة..

كانت إرادة من خطط لهذه المسيرة تستلهم من النموذج المصري، وما جرى يوم 30 يوليو بساحات القاهرة، حينما خرج الملايين مطالبين برحيل الرئيس المنتخب تمهيدا لاستيلاء الجيش على السلطة بعد سحب "التفويض الشعبي" منه، وبقية القصة معروفة...

بين النموذج المصري والمغربي .. أو في أسباب فشل مسيرة ولد زروال..

الذين خططوا لهذه المسيرة ونظموها لم ينتبهوا إلى العديد من الفروقات الجوهرية التي تجعل التجربة المغربية بعيدة جدا، عن إمكانية استنساخ أي نموذج ومحاولة استنباته قسرا داخل التربة المغربية.

أولا، الفرق الجوهري بين منصب رئيس حكومة في ظل نظام ملكي ومنصب رئيس دولة في ظل نظام جمهوري، فرئيس الحكومة في النظام الدستوري المغربي يتمتع بصلاحيات محدودة، في ظل نظام ملكي يتمتع فيه الملك بصلاحيات تنفيذية حصرية في المجالات الاستراتيجية والعسكرية والدينية، وهو ما يجعل الرهانات السياسية لكلا التجربتين مختلفتين.

ثانيا، اختلاف الظروف الإقليمية والجيواستراتيجية، ذلك أن رئيس الجمهورية في مصر، هو رئيس الجيش داخل دولة ترتبط باتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني، بينما كانت القناعة السياسية لرئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين مخالفة ضمنيا لهذه الاتفاقية، وقد ظهر ذلك في حرب غزة سنة 2012 حينما صرح محمد مرسي، بأن بلاده لن تترك غزة وحدها، واصفا الهجمات الإسرائيلية على القطاع بأنها عدوان سافر على الإنسانية، بل قام بسحب السفير المصري من إسرائيل وأوفد رئيس الوزراء آنذاك هشام قنديل إلى غزة، على رأس وفد يضم عددا من مساعدي الرئيس ومستشاريه والوزراء.. كل هذه القرارات كان من شأنها أن تساهم في تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري، وتثير حفيظة الكيان الصهيوني وحلفائه الاستراتيجيين من حملة العقيدة الصهيونية داخل الإدارة الأمريكية..

ومن شأن التغيير التدريجي للعقيدة الاستراتيجية للجيش المصري استفزاز بعض دول الخليج التي ترى في الجيش المصري حليفا معتبرا ضد ما تعتبره تهديدا استراتيجيا على المستوى الإقليمي وهو إيران وأطماعها التوسعية في المنطقة..

وقد كانت هذه المعطيات الجيواستراتيجية من الأسباب التي دفعت عددا من العقلاء إلى تقديم النصيحة لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية..

ثالثا ـ جماعة الإخوان المسلمين جاءت إلى منصب رئاسة الجمهورية في ظل نظام إقليمي معقد دون تراكم سياسي معتبر، علينا أن نتذكر أن أغلب قيادات الجماعة كانت في السجن قبيل ثورة يناير 2011، وعاشت على إيقاع توتر مستمر بينها وبين النظام الحاكم، بينما تجربة العدالة والتنمية كانت مختلفة تماما، فقد جربت العمل الجماعي والبرلماني لمدة تزيد عن 20 عاما قبل أن تشارك في الحكومة وتنجح في رئاستها لمدة خمس سنوات متواصلة، وقد انطلق حزب العدالة والتنمية من قناعة راسخة بالعمل في توافق دائم مع المؤسسة الملكية وبعدم التنازع معها.

رابعا ـ رغم قوة تنظيمها، فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعاني من معارضة شديدة من طرف فئات شعبية واسعة، من أبرزها ملايين الأقباط الذين ينظرون بعين الريبة والشك إلى هذه الجماعة، بالإضافة إلى العديد من النخب الفنية والفكرية والثقافية والإعلامية التي كان من السهل تأليبها ضد حكم الإخوان، وهو ما لا ينطبق على حالة العدالة والتنمية في المغرب، الذي حظي باحترام مقدر من طرف مختلف الفئات الشعبية بمن فيهم داخل الأوساط الفنية والإعلامية وغيرها، وهو ما أكدته الاستحقاقات الانتخابية لـ  25 نوفمبر 2011، والانتخابات البلدية ليوم 4 شبتمبر 2015..

فشلت مسيرة "ولد زروال" لكن الاندماج الكامل لحزب العدالة والتنمية لم يتحقق..

فشلت مسيرة 18 سبتمبر، واتضح بأن هناك صعوبة كبيرة لتضليل الشعب المغربي الذي عاقب منظميها بتصويته الباهر في الانتخابات التشريعية التي جرى تنظيمها يوم 7 أكتوبر..

لكن أسئلة الاندماج السياسي الكامل لحزب العدالة والتنمية في النظام السياسي المغربي طرحت بقوة بعد هذه المسيرة التي زعزعت الكثير من الثقة بين الحزب وبين مراكز النفوذ داخل السلطة، التي لم يكن من الممكن تنظيم مسيرة بهذا الحجم في الدار البيضاء دون تيسير منها، أو دون موافقتها على الأقل..

ما عاشه المغرب من إصلاحات دستورية سنة 2011، لم يكن مندرجا في إطار انتقال ديمقراطي حقيقي بقدر ما يتعلق بتطور في النص المكتوب، انعكس بشكل محدود على الممارسة، التي ظلت مترددة ومتأرجحة بين دستور جديد وثقافة سياسية قديمة، لم تتخلص من ترسبات العديد من التقاليد والممارسات المحافظة التي تتغذى على المفارقات اليومية بين تقدمية النص وتخلف الممارسة وعجز النخب السياسيةوهو ما جعل المصطفى الرميد أحد القيادات البارزة لحزب العدالة والتنمية وزير العدل والحريات آنذاك يخرج عن تحفظه، ويدون في صفحته على الفايسبوك موقفا يربط بين ما وصفه بـ "العجائب والغرائب" بتنظيم الانتخابات التشريعية التي كان من المزمع إجراؤها على بعد أقل من شهر، مشتكيا بأنه "لا يُستشار في الانتخابات المقبلة من طرف وزير الداخلية، مثلما كان عليه الحال في استحقاقات 4 سبتمبر المنصرم"، ومعلنا للرأي العام أنه "خلال الانتخابات الجماعية السابقة كان يقرر مع وزير الداخلية في كل ما يتعلق بالشأن الانتخابي، بينما حاليا، على بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات 7 أكتوبر تقع عجائب وغرائب" مؤكدا تبرئة ذمته مما أسماه "أي نكوص أو انحراف في سير الانتخابات المقبلة" قائلا: "وزير العدل لا يستشار ولا يقرر في هذا الشأن، ما يعني أن أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف لا يمكن أن يكون مسؤولا عنه".

وهي إشارة واضحة بأن السماح بتنظيم هذه المسيرة من طرف السلطات العمومية، يعني أن هناك إرادة للتأثير في الانتخابات التشريعية، وهو ما كان يعكس وجود مناخ من سوء الفهم وضعف الثقة لم تنجح تجربة خمس سنوات من العمل الحكومي في تبديده.

وبالفعل، جرى تنظيم الانتخابات التشريعية ليوم السابع من أكتوبر في جو من التقاطب الحاد بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وتأخرت سلطات وزارة الداخلية في الإعلان عن نتائج الانتخابات بعد انتهاء عملية فرز الأصوات، مما دفع بعبد الإله بنكيران إلى تنظيم ندوة صحافية رفقة أعضاء الأمانة العامة والإعلان من مقر الحزب المركزي بالرباط عن فوز حزب العدالة والتنمية، بعدها خرج وزير الداخلية ليعلن عن النتائج الرسمية التي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى بـ 125 مقعدا متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 102 مقعدا..

والخلاصة..

رغم الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، فإن جميع المؤشرات كانت تشير إلى صعوبة ترجمة هذا الفوز الانتخابي إلى انتصار سياسي يساهم في ترسيخ المسار الديمقراطي في البلاد، فرغم التعيين الملكي لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة بناء على مقتضيات الفصل 47 من الدستور، فقد تعذر على رئيس الحكومة المكلف تشكيل تحالف حزبي يضمن له الأغلبية البرلمانية الضرورية للتصويت على البرنامج الحكومي طبقا للفصل 88 من الدستور.

وهو ما يعني أن ما عاشه المغرب من إصلاحات دستورية سنة 2011، لم يكن مندرجا في إطار انتقال ديمقراطي حقيقي بقدر ما يتعلق بتطور في النص المكتوب، انعكس بشكل محدود على الممارسة، التي ظلت مترددة ومتأرجحة بين دستور جديد وثقافة سياسية قديمة، لم تتخلص من ترسبات العديد من التقاليد والممارسات المحافظة التي تتغذى على المفارقات اليومية بين تقدمية النص وتخلف الممارسة وعجز النخب السياسية، وهو ما كان بالإمكان تجاوزه بالتوافق الجماعي حول متلازمة "الإصلاح في ظل الاستقرار"، غير أن هذا الشعار نفسه أبان عن محدوديته، أيضا، بعد تعثر تشكيل أغلبية حكومية بعد ستة أشهر من الحوار والتفاوض مع الأحزاب السياسية، انتهت بإصدار القصر الملكي لبلاغ يوم الأربعاء 15 مارس 2017  قرر فيه الملك أن يعين شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية كرئيس جديد للحكومة ، معلنا بشكل ضمني عن إعفاء عبد الإله بنكيران، هذا الإعفاء الذي كان مسبوقا بتأويلات متعددة كشفت عن محدودية النص الدستوري أمام سلطة التأويل المفتوحة على عدة قراءات، وهو ما فتح المجال أمام فقهاء القانون الدستوري لاستعراض العديد من القراءات حول النص الدستوري ولاسيما الفصل 47 من الدستور..

في الحلقة القادمة نتابع هذا النقاش الدستوري الهام..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير المغربية التجربة المغرب سياسة اسلاميون تجربة سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الأصالة والمعاصرة لحزب العدالة والتنمیة الانتخابات التشریعیة حزب العدالة والتنمیة الإخوان المسلمین الإله بنکیران هذه المسیرة من الدستور فی ظل نظام العدید من ما کان وهو ما من طرف

إقرأ أيضاً:

حصانة مطلقة ولكن.. ماذا يعني قرار المحكمة العليا بالنسبة لترامب؟

قضت المحكمة العليا الأميركية، الاثنين، بأن الرئيس السابق، دونالد ترامب، يتمتع ببعض الحصانة من الملاحقة القضائية، فما التداعيات السياسية والقانونية لهذا القرار؟

كان الرئيس السابق قد طلب من أعلى محكمة أميركية الحصول على الحصانة الكاملة من الملاحقة القضائية في القضية الجنائية التي تتعلق بمساعيه لقلب نتائج انتخابات الرئاسة عام 2020 التي خسرها، لصالحه.

ويواجه الرئيس السابق، المرشح الجمهوري المفترض لانتخابات عام 2024، أربع تهم جنائية فيدرالية في العاصمة واشنطن بمحاولة إلغاء فوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، في انتخابات عام 2020. 

ويواجه ترامب تهمة التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة والتآمر لعرقلة إجراء رسمي هو جلسة الكونغرس التي عقدت في السادس من يناير 2021 للمصادقة على فوز بايدن في الانتخابات.

وهو متهم أيضا بالتآمر لحرمان الأميركيين من حق التصويت وبأن يتم فرز أصواتهم.

وجاء في قرار المحكمة الذي أيده ستة قضاة وعارضه ثلاثة آخرون أن "الرئيس لا يحظى بأي حصانة عن أعماله غير الرسمية"، لكن له "الحق على الأقل بحصانة افتراضية عن أعماله الرسمية".

وقال رئيس المحكمة المحافظ، جون روبرتس، في رأيه المستند إلى رأي الأغلبية إن أي رئيس "ليس فوق القانون" ولكنه يحظى بـ"حصانة مطلقة" من الملاحقة الجنائية لأعمال رسمية قام بها وهو في السلطة.

وجاء في نص الرأي الذي نشرته "سي أن أن": "لا يجوز تجريم تصرفات الرئيس ضمن سلطته الدستورية الحصرية. ولا يجوز للمحاكم أن تفصل في دعوى جنائية تنظر في مثل هذه الإجراءات الرئاسية. وهكذا تخلص المحكمة إلى أن الرئيس يتمتع بحصانة مطلقة من الملاحقة الجنائية بسبب سلوك يقع ضمن نطاق سلطته الدستورية الحصرية".

وقال روبرتس، "الرئيس محصن تماما من الملاحقة القضائية بسبب السلوك المزعوم الذي يتعلق بمناقشاته مع مسؤولي وزارة العدل" لأن تلك المحادثات تقع ضمن "سلطته الدستورية الحصرية".

وكتب روبرتس أيضا أنه "محصن بشكل افتراضي على الأقل" من الملاحقة القضائية من ادعاء لائحة الاتهام بأنه وحلفاءه حاولوا الضغط على نائب الرئيس، مايك بنس، لتغيير نتائج الانتخابات لأن ترامب كان منخرطا في "سلوك رسمي" في ذلك الوقت.

في المقابل، رفض قضاة المحكمة الثلاثة ذوو الميول الليبرالية حكم الأغلبية.

وكتبت القاضية، سونيا سوتومايور، في اعتراضها على الأمر: "دعوا الرئيس ينتهك القانون، ودعوه يستغل زخارف منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، ودعوه يستخدم سلطته الرسمية لتحقيق أهداف شريرة... هذه هي رسالة الأغلبية اليوم".

وأضافت: "لقد تغيرت العلاقة بين الرئيس والأشخاص الذين يخدمهم بشكل لا رجعة فيه. وفي كل استخدام للسلطة الرسمية، أصبح الرئيس الآن ملكا فوق القانون".

وتابعت: "لم يسبق في تاريخ بلادنا أن كان لدى رئيس مبررا للاعتقاد بأنه سيتمتع بحصانة جنائية إذا استخدم ميّزات منصبه لانتهاك القانون الجنائي".

وفي أول رد فعل له على القرار، رحب الرئيس الأميركي السابق بـ"انتصار كبير" للديمقراطية، وكتب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، "أنه انتصار كبير لديموقراطيتنا ودستورنا، أنا افتخر بكوني أميركيا!".

وأشاد زعيم الأغلبية بمجلس النواب، الجمهوري ستيف سكاليز، بقرار المحكمة، وقال: "بقرار اليوم، خلصت المحكمة العليا إلى ما كنا نعرفه طوال الوقت: لا يمكن محاكمة الرئيس على أفعاله الرسمية. إن استخدام وزارة العدل التابعة للرئيس بايدن كسلاح ضد الرئيس ترامب أمر شائن وغير دستوري ويجب أن يتوقف". 

وقال سكاليز: "بينما أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الديمقراطيين يعتقدون أن طريقهم الوحيد لتحقيق النصر في نوفمبر هو من خلال محاكمة خصمهم السياسي، فإن قرار اليوم يوضح أن هذا غير مسموح به في نظامنا الدستوري".

في المقابل، قال فريق حملة الرئيس، جو بايدن: "فقد دونالد ترامب عقله بعدما خسر انتخابات 2020 وشجع عصابة على قلب النتائج. ترامب يترشح بالفعل للرئاسة كمجرم مدان لنفس السبب الذي جعله يجلس مكتوف اليدين بينما هاجمت عصابة مبنى الكابيتول بعنف. هو يعتقد أنه فوق القانون وهو مستعد للقيام بأي شيء من أجل الوصول إلى السلطة والبقاء فيها".

ما التداعيات المتوقعة؟

وبدلا من أن ينظروا الدعوى بأنفسهم، أمر قضاة المحكمة العليا المحاكم الأدنى بالتوصل إلى كيفية تطبيق القرار بدقة على قضية ترامب.

وتقول واشنطن بوست إن حكم المحكمة الذي صدر بأغلبية  6-3 يعيد القضية إلى المحكمة الابتدائية لتحديد متى وما إذا كان ترامب سيمثل للمحاكمة.

ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات القانونية الطويلة المتبعة في مثل هذه القضايا إلى تأجيل محاكمته، ما ينهي احتمالات محاكمة الرئيس السابق قبل الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.

ونتيجة لهذا القرار، سوف تعيد المحكمة العليا القضية إلى قاضية المحكمة الفيدرالية تانيا تشوتكان، التي نظرت في قضية ترامب، لتحديد أي الأفعال المزعومة في لائحة الاتهام رسمية، وتلك التي سوف تعتبر غير رسمية. 

وإذا تم اعتبار أفعاله رسمية، فمن المحتمل وقف محاكمة ترامب جنائيا وإسقاط القضية.

وتتوقع واشنطن بوست بموجب ذلك عقد محاكمة مصغرة هذا الصيف أو الخريف.

لكن لن تنتهي المحاكمة على الأرجح قبل انتخابات نوفمبر، لأن قرارات المحكمة قابلة للاستئناف، ما يجعل من غير المرجح إن لم يكن من المستحيل، أن يحاكم الرئيس السابق قبل أن يدلي الناخبون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لهذا العام.

وخلال المحاكمة أيضا، سيُسمح لمحامي ترامب والمدعين العامين الذين يعملون مع المستشار الخاص سميث بمناقشة لائحة الاتهام وما إذا كان ترامب يتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية، وهي العملية التي ستتطلب إحاطات مكتوبة ومرافعة شفوية.

ويقول موقع أكسيوس إن من المؤكد أن الناخبين لن يعرفوا ما إذا كان المرشح الجمهوري المفترض قد انتهك القانون من خلال محاولته إلغاء الانتخابات، قبل موعد الانتخابات.

كان الموعد الأصلي لمحاكمة ترامب في قضية الانتخابات هو 4 مارس، أي قبل وقت طويل من الانتخابات المقررة في نوفمبر. 

لكن المحكمة العليا وافقت في فبراير على الاستماع إلى مرافعته بشأن الحصانة الممنوحة للرئيس، ما جمد القضية بينما نظرت المحكمة فيها في أبريل.

وفي العام الماضي، رفضت المحكمة طلب المحامي الخاص، جاك سميث، بالتعجيل بالنظر واتخاذ قرار بشأن الحصانة.

ويبذل فريق ترامب الذي يواجه أربع قضايا جنائية كل ما في وسعه لتأخير المحاكمات إلى ما بعد الانتخابات على الأقل.

وأدين ترامب في مايو الماضي في نيويورك بـ34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية لإخفاء أموال تم دفعها في ذروة حملة انتخابات 2016 الرئاسية لإسكات ممثلة لأفلام الإباحية، ستورمي دانييلز، التي تقول إنها أقامت علاقة جنسية معه.

وبذلك أصبح ترامب أول رئيس أميركي سابق يدان بارتكاب جريمة. وسيتم إصدار الحكم عليه في هذه القضية 11 يوليو.

وعبر تقديم سلسلة مذكرات قبل المحاكمات، تمكن محامو ترامب من تأجيل المحاكمات المرتبطة بمساعيه لقلب نتائج انتخابات 2020 والاحتفاظ بوثائق سرية للغاية في منزله في فلوريدا.
 
وفي حال انتُخب من جديد، يمكن لترامب فور تنصيبه في يناير 2025، أن يأمر بإنهاء المحاكمات الفيدرالية في حقه.

أما محاكمته على مستوى الولاية في جورجيا بتهمة التدخل في الانتخابات، فقد أثارت أيضا حديثا بشأن حصانته. 

ويُتهم ترامب في جورجيا بالتآمر مع أكثر من 12 شخصا آخر لإفساد نتائج انتخابات عام 2020 في تلك الولاية. 

ومن غير المرجح أن تصل هذه القضية إلى المحاكمة قبل انتخابات نوفمبر بينما تراجع محكمة الاستئناف مزاعم علاقة رومانسية بين المدعية العامة لمقاطعة فولتون، فاني تي ويليس، ومدعيها العام الرئيسي.

وقرار المحكمة في قضية حصانة ترامب هو الثاني الذي يخص ترامب خلال هذه الولاية الرئاسية، بعد أن رفضت مساعي ولاية كولورادو حرمانه من المشاركة في السباق الانتخابي بسبب أفعاله بعد انتخابات 2020.

وقضت المحكمة العليا بالإجماع برفض حكم محكمة كولورادو القاضي بعدم أهلية ترامب للترشح لانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية كولورادو على خلفية الهجوم على الكابيتول. واعتبرت المحكمة أن استبعاد ترامب من خوض السباق "غير قانوني".

مقالات مشابهة

  • حصانة مطلقة ولكن.. ماذا يعني قرار المحكمة العليا بالنسبة لترامب؟
  • بلدية مصراته تدعو كافة مواطني المدينة للمشاركة في الانتخابات
  • بعد أدائه الضعيف.. هل فات الأوان على استبدال بايدن؟
  • بعد أدائه الضعيف.. هل فات الأوان على استبدال بايدن بمرشح آخر؟
  • مفوضية الانتخابات تتابع مستجدات انتخابات المجالس البلدية
  • فرنسا تخشى المجهول مع بدء انتخابات تاريخية
  • إيران.. انتخابات على طبول الحرب
  • انتخابات تشريعية تاريخية.. الفرنسيون يصوتون في الجولة الأولى من الانتخابات المبكرة
  • معاش المتقاعدين في ألمانيا يشتري 136 كغ من اللحوم وفي تركيا 16 كغ فقط!
  • سفير واشنطن السابق لـعربي21: قيس سعيّد سيفوز في انتخابات غير نزيهة بتونس