كانت مجزرة رفح الجديدة التي أحرق وقتل فيها العشرات من بيوت وسكان رفح متوقعة، لأن سلوك عصابة نتنياهو بات متوقعا ومفهوما. فبعد إعلان الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" يوم السبت عن "كمين محكم" أدى إلى أسر جنود جدد من جيش الاحتلال، لم يكن رد هذا الجيش "مستغربا"، لأن قيادة المستعمرة الصهيونية في فلسطين تتصرف كما يليق بها: كعصابة مارقة، وليس كدولة لها أهداف سياسية وعسكرية تريد تحقيقها من الحرب.



مثل أي عصابة، يتحرك جيش المستعمرة بردات فعل "بدائية" انتقامية، وليس كجيش نظامي يسعى "للنصر"، وكلما نفذت المقاومة عملية نوعية، كلما ارتكب جريمة انتقامية جديدة.

وإضافة لغريزة الانتقام، فإن جيش الاحتلال أراد توجيه رسائل متعددة من هذه المجزرة الجديدة، هذه أهمها:

التفاوض بالدم

الرسالة الأولى هي للمفاوض الفلسطيني الذي أظهر وجها مختلفا عن ما اعتاد عليه مفاوضو الاحتلال من ممثلي السلطة الفلسطينية. ثمة مفاوض صلب هنا يتحدى ويناور ويجرؤ أن يقول لا، ويعرف أوراق قوة الاحتلال وأوراق قوته، ويفاوض بناء عليها، ولذلك فإن الاحتلال يستخدم المجازر ليفاوضه بدم المدنيين الفلسطينيين.

يأتي توقيت هذه الرسالة مع الحديث عن قرب انطلاق جولة جديدة من المفاوضات، بعد اجتماع عقد في باريس لهذا الغرض، وبعد أن أفشل التعنت "الإسرائيلي" ورقة المفاوضات السابقة التي وافقت عليها حركة حماس، ثم رفضها نتنياهو
يعلم جيش الاحتلال أن المفاوض الفلسطيني هو ابن مجتمعه، وأنه ليس قاطع طريق، ولذلك يضغط عليه من خلال إيلام حاضنته الاجتماعية. استخدم الاحتلال هذه الاستراتيجية الدموية خلال كل الحروب العدوانية منذ عام 2008 حتى الآن، ولكنه يستخدمها ببشاعة أكبر هذه المرة. بالمقابل فإن المفاوض الفلسطيني يعلم أن عدم وقف الحرب بشكل كامل في إطار صفقة تبادل الأسرى يعني بأن الاحتلال سيأخذ استراحة قصيرة، ويستعيد أسراه -وهي الورقة الأهم بيد المفاوض الفلسطيني- ثم يعود للقتل مجددا. ولذلك، فإن هذه الاستراتيجية القذرة لم تنجح حتى الآن بتحقيق أهدافها، برغم ثمنها الباهظ إنسانيا.

ويأتي توقيت هذه الرسالة مع الحديث عن قرب انطلاق جولة جديدة من المفاوضات، بعد اجتماع عقد في باريس لهذا الغرض، وبعد أن أفشل التعنت "الإسرائيلي" ورقة المفاوضات السابقة التي وافقت عليها حركة حماس، ثم رفضها نتنياهو.

عصابة مارقة فوق القانون

أما الرسالة الثانية من مجزرة رفح فهي موجهة للأمم المتحدة، ومحكمتها "محكمة العدل الدولية"، والجنائية الدولية، وكل منظومة العمل والقانون الدوليين. هذه الرسالة مفادها أن "إسرائيل" ليست دولة تعمل وفق القانون الدولي، بل هي عصابة مارقة ترى نفسها فوق القانون وفوق منظمة الأمم المتحدة التي كانت هي من أسس هذه الدولة/ العصابة.

بدأت هذه الرسالة بالظهور بعد دقائق من إصدار قضاة محكمة العدل الدولية قرارا يطالب الاحتلال بوقف العدوان على رفح، في إطار الإجراءات لمنع "الإبادة الجماعية" للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث نفذت طائرات الاحتلال هجوما كبيرا في رفح، ثم ألحقته بالمجزرة الرهيبة بحق خيام النازحين التي نفذت بعد أقل يوم من قرار المحكمة.

ولنلاحظ المفارقة الكبيرة هنا، حيث تمتنع محكمة العدل الدولية بسبب حساباتها السياسية ومراعاتها لدولة الاحتلال وحلفائها؛ عن إصدار قرار بوقف الحرب تماما كما طالبت المدعية دولة جنوب أفريقيا، فيما تبالغ هذه "الدولة" بضرب قرارات المحكمة عرض الحائط، دون أي مراعاة أو حسابات سياسية.

تريد حكومة نتنياهو أن تثبت من هذا السلوك أنها قوية ولا تكترث لمؤسسات الأمم المتحدة، بل إنها قالت على لسان رئيس إنها مستعدة لاستكمال الحرب حتى بدون دعم الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يبدو علامة قوة لدولة الاحتلال في الوقت الراهن، إلا أنها تكتب نهايات هذا المشروع الاستيطاني على المدى المتوسط والبعيد
تريد حكومة نتنياهو أن تثبت من هذا السلوك أنها قوية ولا تكترث لمؤسسات الأمم المتحدة، بل إنها قالت على لسان رئيس إنها مستعدة لاستكمال الحرب حتى بدون دعم الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يبدو علامة قوة لدولة الاحتلال في الوقت الراهن، إلا أنه يكتب نهايات هذا المشروع الاستيطاني على المدى المتوسط والبعيد، لأنه يساهم بعزله أكثر وأكثر، حتى يصبح عبئا على الدول الغربية الداعمة له. لا نتحدث هنا عن سنوات قليلة لنهاية المشروع الصهيوني، بل عن مسار طويل قد يستمر لعقود، يساهم الصمود الفلسطيني والتأييد الشعبي الدولي بصناعته، وسيؤدي في نهاية المطاف لعزل مشروع الاحتلال وإنهائه.

تصاعد الصراعات داخل المستعمرة

الرسالة الثالثة من مجزرة رفح موجهة من حكومة نتنياهو للمعارضة السياسية "الإسرائيلية"، وللأصوات الصحفية والأكاديمية وعائلات أسرى الاحتلال في غزة، والتي تطالب بعقد صفقة تبادل فورية مع فصائل المقاومة. لقد ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف الحرب داخل مجتمع الاحتلال، وتصاعدت المقالات والتحليلات التي تصف ما يحصل في غزة بأنه "مستنقع" للجيش، المتوقع أن يستمر العدوان على رفح لعدة أسابيع، لأن مجلس الحرب يحتاج ذلك، للقول لجمهوره إنه قضى على ما تبقى من "كتائب حماس" وحقق النصر العسكري الكامل، قبل أن يبدأ بالتفاوض الحقيقي للإفراج عن أسراه في غزة، وصياغة مستقبل القطاعوتتحدث عن عدم جدوى غزو رفح، وهي أصوات ستتصاعد أكثر عندما يعترف جيش الاحتلال بأسر جنود جدد منه في عملية جباليا التي أعلن عنها أبو عبيدة يوم السبت.

أراد مجلس الحرب، من خلال المجزرة الأخيرة، أن يقول لهذه الأصوات المعارضة إنه مستمر بالعدوان، وإنه لن يتراجع عن خوض معركة رفح.

لا يوجد خلاف داخل "مجلس الحرب" الصهيوني حول استكمال الحرب في رفح، ولذلك فإن المتوقع أن يستمر العدوان على رفح لعدة أسابيع، لأن مجلس الحرب يحتاج ذلك، للقول لجمهوره إنه قضى على ما تبقى من "كتائب حماس" وحقق النصر العسكري الكامل، قبل أن يبدأ بالتفاوض الحقيقي للإفراج عن أسراه في غزة، وصياغة مستقبل القطاع.

يبقى القول إن هناك فرقا بين ما يريده الاحتلال وبين ما يستطيع تحقيقه. إن ما يجري الآن هو حرب فُرضت على الفلسطينيين من احتلال غاشم، يريد أن ينهي من خلالها ظاهرة المقاومة بكل أشكالها، ولكن إرادته غير حتمية التحقق، فهذا صراع طويل، لن ينتهي إلا بإنهاء الاحتلال الأخير في القرن الواحد العشرين، رغم كل التضحيات التي لا تقدر بثمن.

x.com/ferasabuhelal

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رفح نتنياهو المجازر الإسرائيلي غزة إسرائيل غزة نتنياهو مجازر رفح مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال هذه الرسالة هذا السلوک مجلس الحرب مجزرة رفح فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟

تحظى المعادن النادرة بحضور قوي على طاولة المفاوضات الجارية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أبدت الولايات المتحدة اهتماما بالغا بتوقيع اتفاق مع كييف لإدارة هذه المعادن، وهو ما تم فعلا أمس الأربعاء.

ووفقا لتقرير أعده مراسل الجزيرة في كييف حسان مسعود، فإن هذه المعادن -التي تمتلك الصين نصف الاحتياطي العالمي منها- تعتبر واحدة من أهم ساحات التنافس الدولي نظرا لأهميتها الكبيرة في العديد من الصناعات الإستراتيجية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اشتباكات صحنايا تكشف هشاشة السلام بين الدروز والحكومة السوريةlist 2 of 2الأمن يستعيد السيطرة على أشرفية صحنايا بعد اشتباكات مسلحةend of list

وإلى جانب خصوبتها، تُعرف الأراضي الأوكرانية بغناها بالفحم والمعادن الثقيلة والنادرة التي تشد أنظار الغرب والشرق على حد سواء، وهو ما أحال السيطرة عليها من صراع إقليمي إلى نزاع دولي.

وبعد أن كانت السيطرة على إقليم دونباس -الذي يحمل اسم المناجم الضخمة التي يزخر بها- واحدة من أهم عوامل اشتعال الحرب قبل ثلاث سنوات، فإن حفاظ كييف على ما تبقى منه قد يكون سببا لتوقف هذه الحرب، كما يقول التقرير.

فقد خسرت أوكرانيا خُمس أراضيها في هذه الحرب، بما فيها أهم المناطق التي تحوي موارد طبيعية تقليدية كالفحم والحديد ورواسب النفط والغاز، وأجزاء من المعادن النادرة والحساسة.

وقف الحرب حفاظا على المعادن

ويبدو السعي الأميركي الحثيث إلى وقف الحرب محاولة لإنقاذ ما تبقى من هذه المعادن خارج السيطرة الروسية، حتى يتسنى لكييف وحلفائها الغربيين الاستفادة منها.

إعلان

وبعد بحث معمق، خلص التقرير إلى أن غالبية هذه المعادن بالغة الأهمية والندرة، تمثل مطمعا للدول الكبرى وكبار صناع التكنولوجيا في العالم- تقع في مناطق لا تزال خاضعة للسيطرة الأوكرانية.

فعلى حدود دونباس مباشرة، تقع مدينة دنيبروبتروفسك التي تسيطر عليها كييف بشكل كامل، وهي مدينة تختزن أرضها عددا من هذه المعادن النادرة مثل النيكل، الكوبالت، اليورانيوم، والمنغنيز وغيرها من المواد التي تدخل في الصناعات النووية والعسكرية الحساسية.

كما تحتضن منطقة "كريفي ريه"، أكبر مناجم الحديد الأوكرانية، الذي تمكنت الجزيرة من الدخول إليه والتعرف إلى طريقته في التنقيب عن الحديد والخامات الأخرى.

ووفقا لمدير منجم الحديد في شركة "بي آي سي" (BIC) بمقاطعة كريفي ريه، أوليغ غرافشينكو، فإن كييف لا تزال تستخرج الحديد منخفض التركيز من أحد محاجر المقاطعة، رغم أنهم لا يعملون بكامل طاقتهم بسبب الحرب.

الفولاذ الإلكتروني

وعلى ضخامتها، فإن المعدات والأجهزة الموجودة في هذا الموقع تظل صغيرة أمام حجم الموارد التي تخفيها الأرض الأوكرانية، وهذا ما جعل "سيرغي" يواصل العمل في مصنع "كريفي ريه ستال"، طوال مدة الحرب.

يقول هذا المواطن الأوكراني للجزيرة، إن خسارة بلاده مصنع آزوف ستال الشهير للصلب، دفعه أكثر إلى مواصلة العمل سبيلا للحفاظ على موارد البلاد.

ويمثل "كريفي ريه ستال"، أكبر مصانع الصلب المتبقية بيد الأوكرانيين، وهو لا يتوقف عن إنتاج ملايين الأطنان سنويا لإطفاء شيء من نار الطلب العالمي على الفولاذ وأنواع الحديد المختلفة.

ورغم أهمية ما ينتجه المصنع من الفولاذ والحديد المتنوع، إلا أن التركيز الأكبر ينصب على ما يسمَّى بالفولاذ الإلكتروني، الذي يدخل في صناعة محركات السيارات الذكية والمحولات وتوربينات الطاقة الكهربائية.

وينتج مصنع "كريفي ريه"، الفولاذ من خام الحديد، بينما تنتج مصانع أخرى أكثر تخصصا الفولاذ الكهربائي من خردة الحديد الذي يعالج بواسطة السيليكون.

إعلان

تريليونات الدولارات

وتقدر المعادن التي تحويها الأرض الأوكرانية بنحو 11 تريليون دولار، وهي قيمة ما تمكن العلماء من تقديره وبحثه حتى الآن، حيث تحتفظ جامعة دينبرو بقرابة 120 نوعا مختلفا منها.

وفي محاولة لتلخيص القصة الكبيرة للمعادن الأوكرانية النادرة، يقول رئيس قسم الجيولوجيا العامة بجامعة دينبرو، سيرغي شافشينكو، إن هذه العناصر الأرضية النادرة "تدخل في كل ما يحيط بنا".

ويضيف شافشينكو "لولا هذه المعادن ما كانت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر موجوة في أيدينا، فضلا عن تقنيات الصواريخ والطائرات ووسائل الفضاء"، مؤكدا أن هذه العناصر "بالغة الأهمية، وهي جزء من الصراع لأن أوكرانيا ثرية بها".

وبعيدا عن مناطق القتال، تزداد قيمة المعادن النادرة الموجودة في وسط وغرب البلاد، بما فيها حقل التيتانيوم الواقع في "جيتومر"، حيث تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطات أوروبا (ما يعادل 7% من الاحتياطي العالمي) من المعدن الذي يعتبر أساسيا في الصناعات الفضائية والطبية والبحرية.

ومع ذلك، فإن ما تمتلكه أوكرانيا من المعادن النادرة يعتبر بسيطا إذا قورن بما تمتلكه الصين التي تمتلك ثلث احتياطات العالم، وهو ما يعكس تمسك الولايات المتحدة بالوصول إلى ما تبقى خارج أيدي خصومها من هذه المعادن، وخصوصا أوكرانيا التي تعوم على بحر مما تحتاجه أميركا لصناعات الذكاء الاصطناعي مثل الغرافيت.

ففي مقاطعة كريفوغراد، جنوب وسط البلاد، حيث يقع أحد أضخم حقول الغرافيت، يبذل الأوكرانيون جهودا لتكرير المعدن الثمين وتجهيزه للاستخدام.

ويرى الخبير في المعادن النادرة، فلوديمير كادولين، أن الصين تعتبر أكبر لاعب عالمي في مجال المعادن النادرة اليوم، مؤكدا أنها تحتكرها تقريبا بعدما أزاحت الولايات المتحدة من سوقها العالمية.

وبالنظر إلى امتلاك أوكرانيا هذه الثروات وعدم قدرتها على استخراجها منفردة، سيكون من الجديد -برأي كادولين- اختيار أفضل الأطراف التي يمكنها تقديم أفضل شروط استثمارية لكييف، ما أدى إلى وضع قوانين خاصة بهذه الاستثمارات.

إعلان

في الوقت نفسه، يقول كادولين "إن هذه المعادن الأوكرانية لا يجب احتكارها من طرف واحد في ظل التنافس العالمي المحتدم عليها".

مقالات مشابهة

  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • حماس: تصريحات نتنياهو بشأن رفح تعكس جنون الهزيمة ووهم الانتصار
  • ياسمين موسى: الاحتلال يواصل عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • إبادة ممنهجة للنسل الفلسطيني... وغزة تستغيث: افتحوا المعابر
  • الدكتور البرش للجزيرة: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني بالتجويع والمجازر
  • وقفة في مديرية صنعاء الجديدة إسناداً للشعب الفلسطيني وتأكيد الجهوزية لأي تصعيد
  • إعلام إسرائيلى .. تعرض موكب نتنياهو لحادث سير قرب القدس
  • نتنياهو: مهمتنا ليست الانتصار في الحرب فقط بل إعادة المحتجزين
  • قوات الاحتلال تعتقل الصحفي الفلسطيني علي السمودي