موقع النيلين:
2025-02-23@14:16:36 GMT

الهجرة الأفريقية: شايل جبل مرة بلا وقاية (1-2)

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

تواترت واقعتان في الأسبوع الماضي شديدتا الصلة بسياسات الأرض ونزاعاتها في منطقة الساحل الأفريقي، والتي هي أصل الحرب القائمة في السودان حالياً. فقد كتبت الـ”فورين بوليسي” تتساءل في عنوانها إن كانت غانا هي الهدف التالي لحركة الجهاديين. كما تخطفت الصحافة تقرير الـ”واشنطن بوست” في 20 مايو “دول شمال أفريقيا ترمي بالمهاجرين في الصحراء بدعم من الاتحاد الأوربي”.

أثارت المقالتان قضايا لا غناء عنها متى أردنا تحسين معرفتنا بالهجرة الأفريقية من ساحل القارة بخاصة، إذ رفعتا عن هذه الهجرة الحجاب الذي أسدله عليها التركيز المبالغ فيه على دراسة وجهتها الأوروبية وعواقبها، كأنه لا مسارات لها داخل القارة. وأثارتا كذلك عامل الهوية في دراسة هذه الهجرة، ونعني بذلك النزاع على الأرض بين المزارعين والرعاة، والذي تزيد سياسات الدولة حياله من ضراوته.

جاء في الـ”فورين بوليسي” أن جماعة “النصرة” (وهي وثيقة الصلة بتنظيم “القاعدة”) مددت نشاطها أخيراً إلى الأجزاء الشمالية من بلدان أفريقية مشاطئة للمحيط الأطلنطي مثل غانا، بعد احتلالها نصف بوركينا فاسو وأجزاء من مالي والأرض على طول نهر النيجر بينهما. ومع قناعة غانا بأنها بمنأى عن نشاط “النصرة” فإن الدلائل تشير إلى أن الجهاديين استخدموا شمالها لتسوقهم وكملاذ يؤمنون به ظهرهم. وكانت غانا مع دول على ساحل الأطلنطي قد تعاقدت بـ”مبادرة غانا” (2017) كهيئة إقليمية لمنع اندلاق الإرهاب من دول الساحل إلى الدول المشاطئة بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وكثفت غانا من وجودها العسكري على حدودها الشمالية وعززته، وتكفّل الاتحاد الأوروبي بالإسناد بالاستخبارات من الجو والحرب الإلكترونية من خلال الـ21 مليون دولار التي خصصها لدعم القوات المسلحة.

تطعن واقعة غانا في المفهوم الغالب الذي يقول بأن الأيديولوجيا (الإسلام) هي الدافع من وراء التحاق شباب المسلمين بالحركات الجهادية. فمن رأي البحث المستجد في المسألة أن هوية هؤلاء الشباب، لا الأيديولوجية، هي الحكم في اختيارهم سبيل الجهاد. فيقبل على الحركة الجهادية شباب من شعب الفلاني الذين لا تعترف غانا بمواطنتهم مع أنهم يشكلون واحداً في المئة من سكانها. ومعلوم أن أصل الفلاني هو غينيا، وبدأوا هجراتهم كبادية إلى غرب أفريقيا منذ القرن الـ11 حتى بلغوا إثيوبيا. وانتهت منهم جماعة قليلة نسبياً إلى غانا لم تطل إقامتهم بها سوى لجيلين. وهم يلقون التحقير في غانا كجماعة مجبولة على الجريمة. وهو استحقار يغذي دعوة الجهاديين لهم بالانضمام إلى ركابهم.

ورأت الأكاديمية ميري إسترادا إن دراسات الهجرة الأفريقية أغفلت اعتبار الهوية في تشخيص ديناميكيتها وعواقبها. فنشأت بهذه الهجرة نقيضة ديمغرافية بين الساكن الأصيل والوافد من حيث الحقوق. وجرى التهوين من الأجنبي حتى تواثقت الحكومات على أن طرده أولى. فدخل الفلاني فاقد الحقوق لأجنبيته في صراع خاسر حول الأرض مع المزارعين الغانيين “الأصلاء”، يفاقم منه ازدياد نفرهم، علاوة على الآثار الوخيمة على البيئة بسبب تغير المناخ. ولم تنجح قوانين الجنسية الغانية في تكييف وضعية الأجنبي حيال الأصلي من السكان. ومن ذلك قانون 2012 الذي شرع طرد هؤلاء الغرباء من غانا. ولم يكتف القانون بالطرد فحسب، بل خول للدولة الاستيلاء على ماشيتهم. وهذا ما ساق الفلاني إلى مقاومة هذه الإجراءات بحقهم فقتلوا بقر المزارعين وحرقوا بيوتهم.

ثم جاءتهم الحركة الجهادية من باب تمردهم على جور فقدان الهوية، لا من باب الأيديولوجيا. وكانت غانا مثلاً أبعدت 250 طالب لجوء فلاني إلى بلدهم (بوركينا فاسو) في يوليو (تموز) الماضي بتهمة تهديد أمن البلاد. فنشرت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بياناً دعت فيه للاحتجاج على الإرجاع القسري لأولئك اللاجئين، ودعت لتضريج غانا بالدم كما ضرجت الفلاني. وطالما كانت الهوية هي سبب التحاق شباب الفلاني بالحركات الجهادية، صح لغانا، في قول الخبراء، أن تتوقف عن اضطهاد الفلاني ضمن إجراءات كثيرة عليها اتباعها لتعزيز موقفها من دون أن تصبح ساحة للجهاديين. فبوسع غانا، في قول الباحث النرويجي تور بنجامنسن، أن تتعلم من خيبة جاراتها في وجه الجهاديين بألا تجعل المواجهة نوعاً من مكافحة الإرهاب الذي تغلب عليه العسكرة بقيادة الغرب كما كانت عليه الحال في الساحل.
أثار تقرير الـ”واشنطن بوست” مسألة بؤس دراسات الهجرة الأفريقية من زاوية تركيزها على وجهتها الأوربية وذيولها من دون وجهاتها الأفريقية. فعرض لدافع الاتحاد الأوروبي لتمويل دول شمال أفريقيا لإلقاء المهاجرين الأفارقة في الصحراء، وهو الأمر المنافي لحقوق الإنسان. لكنها خطة، في قوله، أملتها سياسات أوروبية داخلية أرادت بها قوى الوسط ويمين الوسط الأوروبي وقف زحف الدوائر اليمينية إلى سدة الحكم في دول الاتحاد، من فوق موجة العداء العام للهجرة الأفريقية إلى أوروبا، والتي تعالت في العقد الأخير وصخبت. وهذا الإجحاف الأوروبي بطالبي الهجرة الأفريقيين هو ما أراد به الوسط ويمين الوسط ألا يبدو أقل صرامة بوجه هذه الهجرة من دون اليمينيين. وعلق أحدهم على أن الاتحاد الأوروبي بذاك اقترب قليلاً قليلاً من فنتازيا اليمين المتطرف، الذي يريد أوروبا قلعة لا تخترق أسوارها. ولم يعد الاتحاد الأوروبي، وهو يقف وراء هذه الانتهاكات بحق طالبي اللجوء، يتذكر مذهبه في الحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان، بعد أن أوكل لحكومات غيره أن تكون ديدباناً شديد النكال بالمهاجرين عند بوابته.

وخبر الـ”واشنطن بوست” مع ذلك لا يخرج عن النظرة التقليدية للهجرة الأفريقية وكأنها لوجهة واحدة هي أوروبا. وهي النظرة التي خرج بنجامنسن لنقضها. فالهجرة الأفريقية داخل أفريقيا، التي كان السودان ميداناً لها عبر بوابة دارفور، أغزر بكثير من تلك التي مقصدها أوروبا. فلا تزال هجرة 80 في المئة من الأفارقة إلى أكناف أفريقيا، حتى مع ازدياد وتائر الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا منذ 2015. ولهذا التحيز بقيت دراسة الهجرات الداخلية في القارة بلا أسبقية لها في البحث. ولا يزال الفهم يقضي بأن الهجرة الأفريقية استثنائية وغير تاريخية.
ونواصل

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الهجرة الأفریقیة هذه الهجرة

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يتجه إلى تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا

يتجه الاتحاد الأوروبي إلى إزالة بعض العقوبات المفروضة على سوريا، بما يشمل قطاعات البنوك والطاقة والنقل، إلا أن هذا الإجراء قد يكون مؤقتا أو قابل للتراجع.

وأفاد مسؤول أوروبي فضل عدم كشف اسمه، بأن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي سيتخذون قرارا رسميا بشأن رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا خلال اجتماعهم الاثنين المقبل في بروكسل، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".

وقال المسؤول إن قرار رفع العقوبات سيكون "قابلا للرجوع عنه وبالتالي سيعتبر تعليقا، وأن الخطوات الديمقراطية التي ستتخذها حكومة دمشق ستكون حاسمة في هذه العملية"، مضيفا أن القرار سيشمل في البداية قطاعات البنوك والطاقة والنقل.


وفي نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي توصلهم لاتفاق بشأن "خريطة طريق" لتخفيف العقوبات على سوريا.

وصرحت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، حينها بأن الاتحاد يهدف إلى التحرك بسرعة، "وفي حال اتخذت دمشق خطوات خاطئة، فيمكننا التراجع عن رفع العقوبات".

وفي 8 كانون الثاني/ ديسمبر 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

وفي 29 كانون الثاني/ يناير الماضي أعلنت الإدارة السورية تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب قرارات أخرى منها حل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية القائمة بالعهد السابق، ومجلس الشعب (البرلمان)، وحزب البعث، وإلغاء العمل بالدستور.


والأربعاء، دعت سوريا إلى رفع العقوبات عن التحويلات المالية لنظامها البنكي، مؤكدة أن هذه التحويلات تعد العامل الأساسي في دعم الاقتصاد وجذب الاستثمارات، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول عن الوكالة السورية الرسمية (سانا).

وجاءت هذه الدعوة خلال لقاء وزير الاقتصاد السوري باسل عبد الحنان مع القائمة بأعمال السفارة الألمانية في دمشق مارغريت جاكوب، إذ ناقش الجانبان سبل إعادة العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الاقتصادي وتنشيط التبادل التجاري.

مقالات مشابهة

  • وزير الشباب: نحرص على تعزيز التعاون الرياضي مع الجامعات الأفريقية
  • الاتحاد الأوروبي يتجه لرفع العقوبات جزئيا عن سوريا
  • 65 عامًا وأكبر: هل يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة ديموغرافية؟
  • الأمير فهد بن جلوي يشارك في المؤتمر الدولي للرياضة في أفريقيا
  • الاتحاد الأوروبي يتجه إلى تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا
  • إشادة واسعة من سكرتيري عموم الاتحادات الأفريقية بمركز المنتخبات الوطنية
  • جنوب أفريقيا تتقرب من أوروبا وسط تراجع العلاقات مع أميركا
  • قضايا الهجرة والاقتصاد في مقدمة البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية
  • وزير الاقتصاد يلتقي بوفد من مفوضية الاتحاد الأوروبي
  • وليد العطار يلقي محاضرة لسكرتيري عموم الاتحادات الأفريقية بتكليف من الكاف