ما من شك في أن مشعلي حرب أبريل قد ندموا على ما اقترفته أيديهم الآثمة من جرم عظيم، لما أخطأ عرابو الحرب التي أريد لها أن تكون خاطفة لمسح من أطلقوا عليهم اسم (عرب الشتات) من جغرافيا بلاد السودان، عندما لم يحسبوا لإرادة المولى حساب، كما قال الفتى البدوي حادي ركب القوة المسلحة المعتدى عليها، فعلى الرغم من تبني المعتدين لما يدعون بأنه طريق الإله، إلّا أن ذات الإله قد أخزاهم بسلسلة متتالية من الهزائم العسكرية والنفسية منذ صبيحة فجر اليوم الأول للطامة الكبرى، فلا يعقل أن تكون ممن يستوثقون بعروة الإله الوثقى وفي ذات الحين يتركك ذات الإله لقمة سائغة لمن أسميتهم (جراد الصحراء)، لقد قالها كبيرهم ذات لحظة من لحظات الضعف، أنهم لو كانوا يعلمون بأن نسبة خسائر حربهم المتخيلة ستكون عشرة بالمائة من نسبة خسائر الحرب الواقعة اليوم، لما أقدموا على سلك هذا المسلك الأرعن، لكنها العزة بالإثم والصلف والغرور والفساد الكبير، وسفك دماء الأبرياء لثلاثة عقود من السنين العجاف، أرهقوا فيها ظهور النساء بسياط الزندقة ادعاءً وكذباً منهم باتباع نهج سيد الأولين والآخرين، الذي قال رفقاً بالقوارير، أيضاً ندم السودانيون على التباطؤ والتواكل طيلة أزمنة البطش السابقة، في عدم المواجهة الحاسمة والسريعة مع دويلة الزندقة والكهنوت، وتمنوا عودة الأيام حتى يذيقوا من أشعل ديارهم ناراً لا تبقي ولا تذر مر القتال، لكن رحمة الله قد وسعت هذه الأمة بأن أرسل إليها فتية أشداء على الزنادقة رحماء فيما بينهم، تراهم يقاتلون في سبيل وطن الكرامة كأنهم بنيان مرصوص، لا يعبئون بلؤم تجار الدين المتكئين على الأرائك الوثيرة بعواصم وحواضر السلطان سليمان القانوني، يرسلون براميل اللهب والموت القاصفة لرؤوس الناس والمباني على السواء.
حينما أدلى حكماء الأمة برأيهم حول هذه الشرذمة الضالة ووصفوا خلقها وأخلاقها، وأنها سوف تغرق البلاد في بحار وأنهر من الدماء، عندما يحين الأجل المحتوم بنزع مقاليد الحكم منها، كانوا محقين فيما ذهبوا إليه من نصح، فقد أخرج اتباع هذه الفئة الضالة أبشع ما تحمله أنفسهم المشبعة بالكره والبغض والعنف والعسف الموجه ضد الدولة والمجتمع، فبعدما تيقنوا من استحالة إعادة ملكهم العضود الحقود، ضربوا المنشآت الحيوية بطيرانهم الأجير، ونسفوا قواعد الجسور والأبراج الرامزة لسيادة الدولة، ولم تسلم من شرهم حتى الأنعام في البوادي البعيدة، قطعوا أوصالها بشظايا الحديد المتناثر من قنابل الطيران العميل، كل هذا التخريب والتدمير المتعمد نابع من قاعدة فكرية ظلوا يرددونها عبر السنوات التي كانوا جاثمين فيها على صدر الشعب المكلوم، ألا وهي (فلترق كل الدماء)، واليوم شهد العالم مدى فظاعة وجرأة الزنادقة وتجار الدين في الإصرار والترصد لإراقة دماء الأطفال في أحشاء أمهاتهم، فكان حري بهم أن يندموا ليس على مأساة الأمة ولكن على ضياع سلطانهم الباطش، وفقدانهم الأبدي لثروات هذه الأرض الولود، فأصيبوا بهستيريا ضرب العشواء وتخبط الذي يتخطفه الشيطان من المس، لقد ذهبت القصور ونزحت الصقور الحزبية التي كانت تتحدى الأمة بأن تمدد لسانها للعق كوعها، في أيام غابرات شهدت تهديدات بقطع الرؤوس وتحديات بالكسح والمسح من الوجود، لكل من تسول له نفسه قول كلمة لا في وجه السلطان الجائر الذي أدمن الرقص على جثث ضحاياه، لكنها إرادة الرحمن الرحيم الذي يمدد لكل من طغى وتجبر في طغيانه ليعمه، فسرعان ما يقلب ظهر المجن لكل من قتل نفساً بغير حق، وها هي إمارات القصاص العظيم قد شهدها كل ذي بصيرة.
نتوجه إلى الخالق العظيم متضرعين أن يطفئ نار هذه الحرب العقيمة، التي أشعل عود ثقابها الزنادقة وتجار الدين، بعد أن ثبت عدم جدوى التحشيد الجهوي والعرقي والايدلوجي لهزيمة شباب غر ميامين، نذروا أنفسهم لقتال كل من يقف محارباً للدولة المدنية الديمقراطية الفدرالية القادمة، التي لا وجود فيها لمن يدعي تمثيلاً زنديقاً لظل الإله في الأرض، الدولة التي ترعى مصالح عامة الناس دون تمييز ديني ولا عرقي ولا ثقافي ولا لغوي، واليوم كما يرى ويبصر السودانيون، قد انتهت أسطورة الدويلة الثيوقراطية الفاسدة الماجنة، المتبجحة بحديث لا يتسق مع ناموس الكون، تلك الخادمة للأجندة الخارجة عن إطار الواقعية، فكما أدعى دهاقنة وزنادقة الدويلة المهووسة من قبل بأن ملائكة الرحمن قد هبطت من السماوات العلى وقاتلت إلى جنبهم، في حربهم غير المشروعة ضد سكان جنوب السودان، ها هم اليوم يفتضح أمر زندقتهم المرتدية لجلباب الدين، أمام مقاتلين حقيقيين خاضوا اللهيب وشتتوا كتلهم المعتدية الباغية، فهي لم تكن حرب للكرامة مطلقاً وإنما هي حرب للندامة والحسرة والأسف، أن يطلق ابن البلد الطلقة المميتة الموجهة إلى قفص الوطن الصدري الذي يحمل بداخله القلب النابض بالحياة، لن يفعلها إلّا الابن غير الشرعي من أبناء الوطن غير البررة، وما أكثرهم، فقد أوقدوها ناراً وفروا منها هاربين إلى تركيا ومصر وبلدان الخليج العربي، تاركين الفقراء والمحرومين في مواجهة مع ترسانتهم التي ما قتلت إلّا طفل وامرأة وشيخ مسن، لقد هرب أصحاب الحلاقيم الكبيرة بعد سماعهم لصوت أول مدفع رباعي منصوب على ظهر سيارة من سيارات الدفع الرباعي التي يقودها الشباب الأوفياء، فحشدوا المحرشين والمغيبين والسذج ليدافعوا عن عرينهم دون أن يعوا بأن المحرّش لا يقاتل.
إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيل الحبيب الإمام
كلام الناس
نورالدين مدني
*تعززت علاقتي بالإمام الصادق المهدي إبان عملي بصحيفة"الخليج" الأماراتية في سنوات الإنقاذ الأولى كما تعززت علاقتي بالشيخ عبد المحمود أبو الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار في فترة لاحقة‘ وعبرهما تعرفت على نهج الصحوة الإسلامية ولمست عن قرب كيف أنهما إستطاعا الإنتقال بحزب الأمة وكيان الانصار إلى رحاب العصرنة والإنفتاح السياسي والفكري.
*لم تخرج علاقتي بهما من دائرة العمل الصحفي المهني وإن أصبحت أقرب إليهما سياسياً وفكرياً دون أن أنتمي لحزب الامة أو أدعي إنتماءً لكيان الانصار‘ لكنني ظللت حريصاً على متابعة نشاطهما في الساحات المحلية والإقليمية والدولية حتى الان.
*توثقت علاقتي اكثر بالإمام الصادق المهدي -عليه رحمة الله ورضوانه- من خلال اللقاءات والمؤتمرات الصحفية ومنتدى"بين الصحافة السياسة" ‘وتعرفت أكثر على مواقفه خاصة "الجهاد المدني" ومشروع"الحل القومي الديمقراطي" الذي لم يتزحزح عنه ولم يتردد‘ كما يدعي بعض الذين يتعمدون تشويه أطروحاته والإنتقاء السياسي السلبي لتصريحاته وإبرازها‘ بدلاً من إبراز التوجه القومي الكلي فيها.
*.ظل الإمام الصادق المهدي - عليه رحمة الله - متمسكاً بمواقفه الثابتة تجاه الحل السياسي السلمي الديمقراطي قبل نجاح ثورة ديسمبر الشعبية في الإطاحة بسلطة نظام الإنقاذ القهرية، وأستمر على العهد يبشر بضرورة تحقيق السلام العادل الشامل في كل ربوع السودان واسترداد الديمقراطية التي قال عنها مسبقاً في ظل سطوة النظام السابق أنها عائدة وراجحة.
اختلفت معه في بعض مواقفه وحزب الامة من قوى الحرية والتغيير التي أسهموا فيها وسط الجماهير وعبر تحالف نداء السودان في بلوتها وإحداث التغيير السياسي الذي مازال يتعثر لكن ظلت العلاقة بيني وبينه وحزب الأمة وكيان الأنصارمحل احترامي وتقديري.
إنتقل الإمام الصادق المهدي راضياً مرضياً عنه من أسرته وأحبابه وكل الذين أخذ بيدهم على طريق الوسطية والأعتدال في السودان وفي العالم.
نسأل الله عز وجل أن تظل راية الوسطية والاعتدال مرفوعة في حزب الأمة وكيان الإنصار وكل قوى الوسطية في العالم وأن يتماسكوا أكثر مقتدين بتراث الإمام الصادق المهدي الثقافي والمجتمعي لمواصلة مسيرة السلام والمحبة ونبذ الكراهية والعنف في السودان وفي كل أنحاء العالم.