سودانايل:
2024-12-26@19:43:52 GMT

كارثة السودان المنسية

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

لن نتوقف عن تكرار ما صرخنا به في أكثر من مقال سابق من أن حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، والتي لا تزال حتى اللحظة تقتل وتحرق وتدمر في السودان، أفرزت كارثة مأساوية هي، بكل المقاييس، من ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. هذه النتيجة تعززها المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية، وقبل ذلك صرخات الاستغاثة وأنات الألم من الضحايا لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت بالرصاص، أو جوعا، أو نتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، أو قهرا بسب الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة، كما تعززها ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.



وكما أشرنا عدة مرات، أنه ومنذ اندلاع الحرب، تضافرت وتداخلت جملة من العوامل في تركيبة كارثية ومميتة من جراء الاقتتال المباشر اشتملت على النزوح والتشرد وشح المدخلات الزراعية والدمار الذي حاق بالبنية التحتية للصناعات الغذائية والخدمات الصحية في السودان، لتضع أكثر من 65٪ من سكان السودان في حاجة مباشرة للمساعدات الإنسانية، وما يقرب من 50٪ من التعداد الكلي للسودانيين في حاجة ماسة للعون الغذائي، بينما حوالي 20 مليون منهم في حالة العوز الغذائي الحاد.

وتسببت الحرب في تناقص مساحة الأراضي التي تمت زراعتها هذا العام إلى 37٪ بالمقارنة مع الأعوام السابقة، كما أن هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منع زراعة مليون فدان في الموسم الزراعي الحالي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية، وعطل سلاسل الإمداد بالمدخلات الزراعية مسببا نقصان المساحة المزروعة بالقمح بنسبة 70% على الأقل. أيضا، لم تسلم مخازن صندوق الغذاء العالمي من عمليات النهب المتعددة خلال هذه الحرب، وكان آخرها في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عندما قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، ونهب مخزون الأغذية التي كان من المخطط لها أن تغطي الحاجة الغذائية لمليون ونصف مواطن سوداني لمدة شهر، بالإضافة إلى معالجة أوضاع سوء التغذية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.

وتزايدت حالات الوفاة نتيجة لانعدام الغذاء في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في المناطق المحاصرة والمتأثرة بالصراع بشكل مباشر مثل الخرطوم ودارفور، فيما ألقت أوضاع الحرب أيضا بآثارها على الأوضاع الإنسانية في المناطق خارج سيطرة الجيش والدعم السريع، في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وهي مناطق كانت تشهد بالأساس أوضاعا إنسانية صعبة. أما العجز في تمويل احتياجات المعونة الغذائية التي يحتاجها الوضع في السودان، فقد بلغ حوالي 80%، ومن المؤكد أن الوضع الغذائي والصحي في البلاد يتدهور يوميا مع استمرار القتال.

إن هذه الإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية حول الكارثة الإنسانية في السودان، ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة إلى ضمير العالم لكي يصحو، واستنفار لدول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة، ودعوة إلى المنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة.

التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان هو المطلب الرئيس والأساسي.

صحيح أن التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد استمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة المتفشية وانعدام الغذاء والدواء، فإن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.

وفي اعتقادي، أن أقل ما يمكن أن يقوم به الضمير العالمي تجاه هذه المأساة المنسية، هو تفعيل دور مجلس الأمن الدولي عبر استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لصلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.

إن الرسالة الواضحة التي ترسلها مأساة السودان إلى العالم ملخصها أن شعب السودان يواجه الموت، صحيح بسبب استمرار العنف وغياب الأمن والأمان، ولكن أيضا بسبب انعدام الغذاء والدواء، وتدني الخدمات الأساسية الضرورية للحياة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وبسبب ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال، وإلى حل سياسي في الأفق القريب. أما ضعف الاستجابة من منظومات المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية المعنية، وتقصير العالم في أن يولي هذه المعاناة الإنسانية المتفاقمة ما تستحق من اهتمام، فهو أمر معيب وغير مقبول. وكون العالم لا يضع هذا الأمر في مقدمة أولوياته، فهذا خلل يقترب من حد الجريمة.

لكن، ليس العالم وحده هو من يتحمل وزر هذه الجريمة، وإنما المسؤولية بالأساس تقع على عاتق القوى المدنية والسياسية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن التأثير المباشر لهذه الكارثة الإنسانية. هذه القوى المنقسمة على نفسها، إذا كانت هناك قضية واحدة من المفترض أن تتوحد حولها، فهي كيفية استثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت من جراء هذه الكارثة. حوارات العملية السياسية، وفترات الانتقال، وجدل التأسيس ومخاطبة جذور الأزمة…وغيرها، كلها قضايا هامة ومطلوب بحثها والتوافق حولها، ولكن الأولوية الآن هي كيفية إنقاذ الشعب السوداني من تداعيات الكارثة الإنسانية المهلكة. لذلك أتمنى أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال أي من اجتماعات القوى المدنية السودانية، وأن تكون هي المفتاح لفك عقدة وحدة هذه القوى.

نقلاً عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الکارثة الإنسانیة هذه الکارثة فی السودان

إقرأ أيضاً:

إلى متى

أحمد خليل

يستمر الجوع في الازدياد، حيث يعاني 343 مليون شخص في 74 دولة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهي زيادة بنسبة 10 في المائة عن العام الماضي.
يشمل هذا 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، مع تسجيل جوع كارثي في ​​مناطق مثل غزة والسودان وجنوب السودان.
واشار تقرير صادر عن برنامج الاغذية العالمي هي إحدى منظمات الامم المتحدة التي تعمل في مكافحة الجوع في العالم لتوقعات البرنامج العالمية للعام 2025، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي امام هذا التقرير الكارثي الذي يكشف مدى التحدي الذي يواجه العالم علقت الحكومة السودانية مشاركتها في نظام عالمي لرصد الجوع قبيل صدور تقرير من المتوقع أن يظهر انتشار المجاعة في أنحاء البلاد، وهي خطوة من المرجح أن تقوض الجهود الرامية إلى معالجة واحدة من أكبر أزمات الجوع في العالم.
العالم يشعر بقلق كبير جراء الوضع الكارثي بسبب انعدام الغذاء في السودان في مناطق الصراع في ولايات عديدة بالرغم من الجهود العالمية لمحاربة الجوع نجد ان منظمات الامم المتحدة تطلق استغاثة بين فترة واخرى تطلب من طرفي الصراع السماح لوصل المساعدات إلى مناطق ينعدم فيها الامن الغذائي حيث اكثر من مليون شخص على شفا المجاعة نتيجة لتوقف النشاط الزراعي وانعدام مصادر الدخل حيث يعيش معظم المواطنيين في مناطق القتال على التكايا والتي بدورها اعلنت قبل فترة خروج عدد من التكايا آخرها تكايا جنوب الحزام بالخرطوم بالإضافة إلى صعوبة وصول المساعدات الانسان يعلن ووفق مؤشر الجوع العالمي اكتر من 24 مليون شخص في السودان يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة حتى فبراير
في ذات الوقت تتعرض ولاية النيل الابيض الى فيضان وسيول ادى الى كارثة إنسانية تسببت في خسائر في الارواح و الممتلكات والمنازل والاراضي الزراعية وتشريد المئات من الاسر نزحت إلى مدينة كوستي وعسلاية نتج عنه تردي بيئ وتفشي الكوليرا ونقص حاد في الغذاء ومياه الشرب إن النزوح في ظل مثل هذه الظروف يعد كارثة إنسانية تعمق الحاجة إلى وقف الحرب

الوسومأحمد خليل

مقالات مشابهة

  • خاتمي: إيران أمام وضع خطير في الساحة الدولية
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم
  • مستشاره السابق قلق للغاية: ترامب سيقود العالم نحو كارثة
  • عن الوضع الإنساني في غزة.. الكارثة تتعاظم
  • إلى متى
  • الأزمة الغذائية في السودان تتفاقم.. 24.6 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات عاجلة
  • المركز الدولي للقيم الإنسانية يدعو الإعلام إلى دعم أخلاقيات التعايش السلمي
  • المركز الدولي للقيم الإنسانية يدعو الإعلام لدعم أخلاقيات التعايش السلمي
  • اليمن في صدارة الدول الأكثر تضرراً من الكوليرا على مستوى العالم
  • السودان: الأزمة الإنسانية والصحية غير مسبوقة