د. الشفيع خضر سعيد
لن نتوقف عن تكرار ما صرخنا به في أكثر من مقال سابق من أن حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، والتي لا تزال حتى اللحظة تقتل وتحرق وتدمر في السودان، أفرزت كارثة مأساوية هي، بكل المقاييس، من ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. هذه النتيجة تعززها المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية، وقبل ذلك صرخات الاستغاثة وأنات الألم من الضحايا لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت بالرصاص، أو جوعا، أو نتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، أو قهرا بسب الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة، كما تعززها ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.
وكما أشرنا عدة مرات، أنه ومنذ اندلاع الحرب، تضافرت وتداخلت جملة من العوامل في تركيبة كارثية ومميتة من جراء الاقتتال المباشر اشتملت على النزوح والتشرد وشح المدخلات الزراعية والدمار الذي حاق بالبنية التحتية للصناعات الغذائية والخدمات الصحية في السودان، لتضع أكثر من 65٪ من سكان السودان في حاجة مباشرة للمساعدات الإنسانية، وما يقرب من 50٪ من التعداد الكلي للسودانيين في حاجة ماسة للعون الغذائي، بينما حوالي 20 مليون منهم في حالة العوز الغذائي الحاد.
وتسببت الحرب في تناقص مساحة الأراضي التي تمت زراعتها هذا العام إلى 37٪ بالمقارنة مع الأعوام السابقة، كما أن هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منع زراعة مليون فدان في الموسم الزراعي الحالي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية، وعطل سلاسل الإمداد بالمدخلات الزراعية مسببا نقصان المساحة المزروعة بالقمح بنسبة 70% على الأقل. أيضا، لم تسلم مخازن صندوق الغذاء العالمي من عمليات النهب المتعددة خلال هذه الحرب، وكان آخرها في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عندما قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، ونهب مخزون الأغذية التي كان من المخطط لها أن تغطي الحاجة الغذائية لمليون ونصف مواطن سوداني لمدة شهر، بالإضافة إلى معالجة أوضاع سوء التغذية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
وتزايدت حالات الوفاة نتيجة لانعدام الغذاء في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في المناطق المحاصرة والمتأثرة بالصراع بشكل مباشر مثل الخرطوم ودارفور، فيما ألقت أوضاع الحرب أيضا بآثارها على الأوضاع الإنسانية في المناطق خارج سيطرة الجيش والدعم السريع، في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وهي مناطق كانت تشهد بالأساس أوضاعا إنسانية صعبة. أما العجز في تمويل احتياجات المعونة الغذائية التي يحتاجها الوضع في السودان، فقد بلغ حوالي 80%، ومن المؤكد أن الوضع الغذائي والصحي في البلاد يتدهور يوميا مع استمرار القتال.
إن هذه الإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية حول الكارثة الإنسانية في السودان، ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة إلى ضمير العالم لكي يصحو، واستنفار لدول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة، ودعوة إلى المنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة.
التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان هو المطلب الرئيس والأساسي.
صحيح أن التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد استمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة المتفشية وانعدام الغذاء والدواء، فإن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.
وفي اعتقادي، أن أقل ما يمكن أن يقوم به الضمير العالمي تجاه هذه المأساة المنسية، هو تفعيل دور مجلس الأمن الدولي عبر استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لصلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.
إن الرسالة الواضحة التي ترسلها مأساة السودان إلى العالم ملخصها أن شعب السودان يواجه الموت، صحيح بسبب استمرار العنف وغياب الأمن والأمان، ولكن أيضا بسبب انعدام الغذاء والدواء، وتدني الخدمات الأساسية الضرورية للحياة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وبسبب ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال، وإلى حل سياسي في الأفق القريب. أما ضعف الاستجابة من منظومات المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية المعنية، وتقصير العالم في أن يولي هذه المعاناة الإنسانية المتفاقمة ما تستحق من اهتمام، فهو أمر معيب وغير مقبول. وكون العالم لا يضع هذا الأمر في مقدمة أولوياته، فهذا خلل يقترب من حد الجريمة.
لكن، ليس العالم وحده هو من يتحمل وزر هذه الجريمة، وإنما المسؤولية بالأساس تقع على عاتق القوى المدنية والسياسية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن التأثير المباشر لهذه الكارثة الإنسانية. هذه القوى المنقسمة على نفسها، إذا كانت هناك قضية واحدة من المفترض أن تتوحد حولها، فهي كيفية استثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت من جراء هذه الكارثة. حوارات العملية السياسية، وفترات الانتقال، وجدل التأسيس ومخاطبة جذور الأزمة…وغيرها، كلها قضايا هامة ومطلوب بحثها والتوافق حولها، ولكن الأولوية الآن هي كيفية إنقاذ الشعب السوداني من تداعيات الكارثة الإنسانية المهلكة. لذلك أتمنى أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال أي من اجتماعات القوى المدنية السودانية، وأن تكون هي المفتاح لفك عقدة وحدة هذه القوى.
نقلاً عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الکارثة الإنسانیة هذه الکارثة فی السودان
إقرأ أيضاً:
أغرب أطباق الإفطار في العالم.. من السودان إلى ماليزيا
يعتاد أغلب المسلمين في رمضان، على الإفطار على التمر لقيمته الغذائية العالية، علاوة على كونه من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك يقبلون دوما على شراء التمر بكثرة قبل قدوم شهر رمضان، بالإضافة إلى اعتيادهم على تناول أطباق معينة على وجبة الإفطار التي تختلف من مكان لآخر، وفقا لـ«dailynews».
الإفطار في السودانيعتمد أهل السودان في وجبات إفطارهم على بعض العادات والتقاليد مثل الحرص على تناول عصير حلو وحامض مكون من الذرة والقمح والبقوليات المسلوقة والقمح المسلوق والعصيدة، وأهم ما يميز السودانيون الإفطار الجماعي؛ تجتمع كل أسرة مع جيرانها في إفطار جماعي بالشارع.
من أهم أطباق المائدة في تونس طبق «الحريرية»، وسلطة الخضار المشوية بزيت الزيتون والبهارات، وطبق «البريك» الذي يتصدر الموائد في أغلب البيوت، وهو عبارة عن فطائر كبيرة محشوة بالدجاج واللحم، ويأتي معها من الأرز المطبوخ بالتمر والزبيب، بالإضافة إلى الكسكسي الشهير.
يبدأ اليمنيون عادة بتناول التمر والماء أو القهوة، ثم يذهبون إلى المسجد لأداء صلاة المغرب ثم يعودون إلى البيت، وتحتوي المائدة على عدة أصناف، منها الشفوت والشوربة، الأول يتكون من الخبز واللبن، والثاني يتكون من القمح المطحون المخلوط بالحليب والسكر أو مرق اللحم حسب الرغبة، توجد حلويات عبارة عن خليط من الحلويات اليمنية والهندية مثل بنت الصحن والرواني والكنافة والقطايف والبسبوسة والبقلاوة.
في شهر رمضان لا يختلف الأتراك عن غيرهم في الإفطار على التمر أو الزيتون والجبن بأنواعه، وفي رمضان تخبز المخابز خبزا خاصا، يسمى «بيدا» وهي كلمة فارسية تعني نوعا من الفطائر بأحجام مختلفة، ويقف الأطفال في طوابير طويلة قبل موعد الإفطار للحصول على الفطائر الطازجة.
في ماليزيا يجتمع أهل الريف خصيصا لتناول الإفطار معا كل يوم، فيصنعون فطورا منديا، وهو وجبة شهيرة في شهر رمضان، وأهم العادات الماليزية أن كل بيت في القرية يطعم كل أهل القرية في يوم واحد.