وصل إيمانويل ماكرون، الأحد، إلى ألمانيا في أول زيارة دولة يجريها رئيس فرنسي لهذا البلد منذ ربع قرن، داعيا للدفاع عن الديمقراطية في مواجهة النزعة القومية في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

وقال ماكرون بعد فترة قصيرة من وصوله برفقة قرينته بريجيت إلى العاصمة الألمانية برلين إن "العلاقات الفرنسية الألمانية لا غنى عنها ومهمة لأوروبا".

ورفض ماكرون إشارة أن العلاقات، التي غالبا ما توصف بأنها محرك أوروبا، قد بدأت تتراجع، وقال "هذا ليس صحيحا، نحن نمضي قدما للأمام".

وأكد الرئيس الفرنسي أن زيارة الدولة التي يقوم بها إلى ألمانيا تأتي في "لحظة حاسمة تمر بها أوروبا"، حيث تواجه القارة عدوانا عسكريا من جانب روسيا إلى جانب التحديات المتعلقة بتغير المناخ والذكاء الاصطناعي. وأضاف ماكرون: "علينا أن نواجه بشكل أساسي طموحات استعمارية في أوروبا، وعودة لاستخدام العنف والفوضى، وتحديات غير مسبوقة لمستقبلنا".

وقال الرئيس الألماني "نحن بحاجة إلى تحالف للديموقراطيين في أوروبا"، مضيفا أن ماكرون "محق في إشارته إلى أن الظروف اليوم قبل الانتخابات الأوروبية تختلف عن الانتخابات السابقة، لقد حدثت أمور كثيرة".


من جهته أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن تأييده من حيث المبدأ للتدابير التي اقترحها ماكرون لجعل قارة أوروبا قوية اقتصاديا وآمنة.

وكتب شولتس على منصة "إكس"، معلقا على خطاب مبادئ ألقاه الرئيس الفرنسي، قائلا إن الهدف المشترك لفرنسا وألمانيا هو أن "تبقى أوروبا قوية".

وأضاف شولتس مخاطبا ماكرون: "خطابك يحوي محفزات جيدة تتعلق بالكيفية التي يمكن لنا بها أن ننجح في هذا".

وحضر ماكرون مهرجانا للديمقراطية في أولى محطاته في ألمانيا، وقد حذّر رفقة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير من "تنامي الانبهار بالاستبداد" في الدولتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون: "ننسى في كثير من الأحيان أنها معركة" لحماية الديمقراطية، ولفت إلى أن القوميين لو كانوا في السلطة في أوروبا في السنوات الأخيرة "لما كان التاريخ على ما هو عليه"، مشيرا إلى قرارات متّصلة بجائحة كوفيد وغزو روسيا لأوكرانيا.

وكان ماكرون حذر، في كلمة ألقاها في جامعة السوربون في باريس، من أن أوروبا تواجه خطرا كبيرا "لإضعافها أو حتى التقليل من مرتبتها" خلال العقود المقبلة.

وطالب ماكرون بوضع استراتيجية دفاعية أوروبية تعتمد على صناعة أسلحة مشتركة، وتسريع إعادة التسلح بتمويل من أموال الاتحاد الأوروبي من أجل التعامل مع التهديد الروسي.

كما رأى ماكرون أنه يجب إعادة النظر في السياسة التجارية في ضوء الإعانات الضخمة التي تقدمها الصين والولايات المتحدة لصناعاتهما، وطالب بمنح مزايا تفضيلية للمنتجات الأوروبية في مجال التكنولوجيات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي.

"أوروبا يمكن أن تموت"
تأتي زيارة ماكرون قبل أسبوعين من الانتخابات الأوروبية حيث تظهر استطلاعات الرأي أن ائتلافه يتخلّف بفارق كبير عن اليمين المتطرف وقد يواجه صعوبة في الحلول في المركز الثالث.

في ألمانيا أيضا، تظهر استطلاعات تخلّف الأحزاب الثلاثة المنضوية في ائتلاف المستشار أولاف شولتس عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، رغم تورط الحزب المناهض للهجرة في سلسلة فضائح.

وفي خطاب مهم بشأن السياسة الخارجية الشهر الماضي، وجّه ماكرون تحذيرا من التهديدات التي تواجهها أوروبا في عالم متغيّر غداة الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

وقال: "أوروبا التي نعرفها اليوم قابلة للموت.. يمكن أن تموت ويعتمد الأمر على خياراتنا فحسب".

وفي برلين جدّد ماكرون دعوته للأوروبيين "للتصويت للحزب الذي ندعمه والحزب الذي يدافع عن أوروبا".

ويزور الرئيس الفرنسي، الثلاثاء، مدينة مونستر الألمانية ليتوجّه لاحقا إلى ميزبرغ خارج برلين لعقد محادثات مع شولتس وحيث ينعقد اجتماع مشترك للحكومتين الفرنسية والألمانية.


"تميل إلى العدائية"
الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام وتشمل أربع محطّات سيسعى خلالها إيمانويل ماكرون للتأكيد على الأهمية التاريخية للعلاقة ما بعد الحرب بين البلدين الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي، في وقت تحيي فرنسا الشهر المقبل ذكرى مرور 80 عاما على إنزال النورماندي الذي شكل بداية نهاية الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية.

لطالما طغى التوتر على العلاقة التي تعد بمثابة محرّك الاتحاد الأوروبي، إذ لم تخف برلين امتعاضها من رفض ماكرون استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا فيما يُقال إن المسؤولين الألمان لا يشعرون بالارتياح حيال سياسات الرئيس الفرنسي الخارجية القائمة على الاستعراض في كثير من الأحيان.

وفي جلسة أسئلة وأجوبة مع الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت سابق هذا الشهر، طلب ماكرون مساعدة من المستشار الألماني أولاف شولتس لدى سؤاله عمّا إن كانت العلاقة بين فرنسا وألمانيا تسير بشكل جيّد.

وقال شولتس في تصريحات أدلى بها باللغة الفرنسية على منصة "إكس": "مرحبا أصدقائي الأعزاء، فلتحيا الصداقة الفرنسية الألمانية!". وردّ عليه ماكرون بالألمانية "شكرا أولاف! أتفق معك تماما".

ويسعى مسؤولون من الطرفين للتأكيد أنه بينما يسود التوتر بين فترة وأخرى بشأن مسائل محددة، تبقى العلاقة مبنية على أسس متينة.

لكن رفض ماكرون استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا أثار ردّا حادا بشكل غير معهود من شولتس جاء فيه أن لا خطط من هذا النوع لدى ألمانيا. كما أن برلين لا تشارك ماكرون حماسته لاستقلال استراتيجي أوروبي مع تقليل الاعتماد العسكري على الولايات المتحدة.

وقالت هيلين ميار-دولاكروا المتخصصة في التاريخ الألماني في جامعة السوربون في باريس إن "العلاقة الفرنسية الألمانية قائمة على الاختلاف وإيجاد طرق للتوصل إلى تسويات".

ووصف مدير برنامج أوروبا لدى شركة "مجموعة أوراسيا" لتحليل المخاطر مجتبى رحمن العلاقات بين فرنسا وألمانيا بأنها "ما زالت محرجة وتميل إلى العدائية".

وأضاف على منصة "إكس": "في المسائل الكبرى، يجب توقع تقدّم ضئيل" فحسب.

وأجرى ماكرون زيارات عدة لبرلين، لكن هذه هي أول زيارة دولة لرئيس فرنسي منذ 24 عاما بعد تلك التي أجراها جاك شيراك في العام 2000 والسادسة منذ أول زيارة دولة قام بها شارل ديغول بعد الحرب في العام 1962.

يشار إلى أن العلاقة بين شولتس وماكرون  كانت تميل إلى الفتور  منذ بداية فترة ولاية شولتس كمستشار، غير أن شولتس حاول التصدي لهذا الانطباع في آذار/ مارس عندما قال: "إيمانويل ماكرون وأنا لدينا علاقة شخصية جيدة للغاية - وأود أن أصفها بأنها ودية للغاية".


ملف أوكرانيا
قال الرئيس الفرنسي إن فرنسا وألمانيا ستناقشان "جميع سيناريوهات تحقيق السلام" في أوكرانيا ودعم كييف "حتى النهاية" في الاجتماع المقبل لمجلس الدفاع والأمن المشترك.

وأضاف ماكرون في مؤتمر صحفي عقب المفاوضات مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في برلين، الأحد: "سنناقش في الاجتماع المشترك القادم لمجلس الدفاع والأمن استمرار مساعدة أوكرانيا كي تقاوم حتى النهاية، وتزويدها بالمعدات، ودعمها وتدريبها، فضلا عن استعدادها لأي سيناريو لبناء سلام دائم، مبني على احترام القانون الدولي".

وتابع ماكرون في تصريحه: "أن تكون إلى جانب السلام اليوم يعني إعطاء القوة للحق. السلام ليس استسلاما. السلام ليس تخليا عن المبادئ. السلام هو قدرة الدولة على الدفاع عن حدودها وسيادتها، وكذلك عن القانون الدولي".

وفي 28 أيار/ مايو، يتضمن جدول زيارة ماكرون، الذي قدمه قصر الإليزيه، اجتماعا لمجلس الدفاع والأمن المشترك، يليه اجتماع مشترك لمجلسي وزراء البلدين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية العلاقات فرنسا المانيا فرنسا علاقات المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی الرئیس الفرنسی فرنسا وألمانیا

إقرأ أيضاً:

نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"

في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.

خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام


يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.

وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.

تفاصيل صفقة الإقرار بالذنب

وفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.

مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.

السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهو

لا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.

الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.

احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟

دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.

ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.

أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟

تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.

 

مقالات مشابهة

  • حرب تجسسية بين ألمانيا والصين.. بكين تنفي بعد اتهامات صريحة من برلين
  • المستشار الألماني في باريس لتوديع لماكرون
  • ألمانيا تطفئ محركاتها وتولّد الكهرباء من الطبيعة
  • تكريم فريق العمل المشارك فى تنظيم زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لجامعة القاهرة
  • الرئيس الروسي يحذر من محاولات تزوير وقائع الحرب العالمية الثانية وتبرير جرائم النازية
  • ألمانيا تعزز دورها العسكري للدفاع عن أوروبا
  • الموالاة والمعاداة.. بُوصلة الأُمَّــة المفقودة
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • قداحة تتسبب في فوز بوخوم على يونيون برلين بالدوري الألماني
  • الشرع يحذر من دعوات “قسد” التي تهدد وحدة البلاد وسلامة التراب السوري