صحيفة التغيير السودانية:
2024-09-26@21:47:13 GMT

كارثة السودان المنسية

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

كارثة السودان المنسية

د. الشفيع خضر سعيد

لن نتوقف عن تكرار ما صرخنا به في أكثر من مقال سابق من أن حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، والتي لا تزال حتى اللحظة تقتل وتحرق وتدمر في السودان، أفرزت كارثة مأساوية هي، بكل المقاييس، من ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. هذه النتيجة تعززها المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية، وقبل ذلك صرخات الاستغاثة وأنات الألم من الضحايا لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت بالرصاص، أو جوعا، أو نتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، أو قهرا بسب الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة، كما تعززها ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.

وكما أشرنا عدة مرات، أنه ومنذ اندلاع الحرب، تضافرت وتداخلت جملة من العوامل في تركيبة كارثية ومميتة من جراء الاقتتال المباشر اشتملت على النزوح والتشرد وشح المدخلات الزراعية والدمار الذي حاق بالبنية التحتية للصناعات الغذائية والخدمات الصحية في السودان، لتضع أكثر من 65٪ من سكان السودان في حاجة مباشرة للمساعدات الإنسانية، وما يقرب من 50٪ من التعداد الكلي للسودانيين في حاجة ماسة للعون الغذائي، بينما حوالي 20 مليون منهم في حالة العوز الغذائي الحاد.

وتسببت الحرب في تناقص مساحة الأراضي التي تمت زراعتها هذا العام إلى 37٪ بالمقارنة مع الأعوام السابقة، كما أن هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منع زراعة مليون فدان في الموسم الزراعي الحالي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية، وعطل سلاسل الإمداد بالمدخلات الزراعية مسببا نقصان المساحة المزروعة بالقمح بنسبة 70% على الأقل. أيضا، لم تسلم مخازن صندوق الغذاء العالمي من عمليات النهب المتعددة خلال هذه الحرب، وكان آخرها في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عندما قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، ونهب مخزون الأغذية التي كان من المخطط لها أن تغطي الحاجة الغذائية لمليون ونصف مواطن سوداني لمدة شهر، بالإضافة إلى معالجة أوضاع سوء التغذية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.

وتزايدت حالات الوفاة نتيجة لانعدام الغذاء في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في المناطق المحاصرة والمتأثرة بالصراع بشكل مباشر مثل الخرطوم ودارفور، فيما ألقت أوضاع الحرب أيضا بآثارها على الأوضاع الإنسانية في المناطق خارج سيطرة الجيش والدعم السريع، في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وهي مناطق كانت تشهد بالأساس أوضاعا إنسانية صعبة. أما العجز في تمويل احتياجات المعونة الغذائية التي يحتاجها الوضع في السودان، فقد بلغ حوالي 80%، ومن المؤكد أن الوضع الغذائي والصحي في البلاد يتدهور يوميا مع استمرار القتال.

إن هذه الإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية حول الكارثة الإنسانية في السودان، ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة إلى ضمير العالم لكي يصحو، واستنفار لدول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة، ودعوة إلى المنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة.

التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان هو المطلب الرئيس والأساسي.

صحيح أن التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد استمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة المتفشية وانعدام الغذاء والدواء، فإن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.

وفي اعتقادي، أن أقل ما يمكن أن يقوم به الضمير العالمي تجاه هذه المأساة المنسية، هو تفعيل دور مجلس الأمن الدولي عبر استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لصلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.

إن الرسالة الواضحة التي ترسلها مأساة السودان إلى العالم ملخصها أن شعب السودان يواجه الموت، صحيح بسبب استمرار العنف وغياب الأمن والأمان، ولكن أيضا بسبب انعدام الغذاء والدواء، وتدني الخدمات الأساسية الضرورية للحياة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وبسبب ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال، وإلى حل سياسي في الأفق القريب. أما ضعف الاستجابة من منظومات المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية المعنية، وتقصير العالم في أن يولي هذه المعاناة الإنسانية المتفاقمة ما تستحق من اهتمام، فهو أمر معيب وغير مقبول. وكون العالم لا يضع هذا الأمر في مقدمة أولوياته، فهذا خلل يقترب من حد الجريمة.

لكن، ليس العالم وحده هو من يتحمل وزر هذه الجريمة، وإنما المسؤولية بالأساس تقع على عاتق القوى المدنية والسياسية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن التأثير المباشر لهذه الكارثة الإنسانية. هذه القوى المنقسمة على نفسها، إذا كانت هناك قضية واحدة من المفترض أن تتوحد حولها، فهي كيفية استثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت من جراء هذه الكارثة. حوارات العملية السياسية، وفترات الانتقال، وجدل التأسيس ومخاطبة جذور الأزمة…وغيرها، كلها قضايا هامة ومطلوب بحثها والتوافق حولها، ولكن الأولوية الآن هي كيفية إنقاذ الشعب السوداني من تداعيات الكارثة الإنسانية المهلكة. لذلك أتمنى أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال أي من اجتماعات القوى المدنية السودانية، وأن تكون هي المفتاح لفك عقدة وحدة هذه القوى.

نقلاً عن القدس العربي

الوسومد. الشفيع خضر سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الکارثة الإنسانیة هذه الکارثة فی السودان

إقرأ أيضاً:

د.الربيعة يلقي كلمة المملكة في اجتماع بنيويورك حول المساعدات الإنسانية بالسودان

شارك معالي المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة اليوم، في اجتماع حول تكلفة التقاعس عن الاستجابة في السودان- الدعم العاجل والجماعي لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية للسودان والمنطقة، وذلك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين بمدينة نيويورك.


وأوضح معاليه في كلمة المملكة العربية السعودية التي ألقاها خلال الاجتماع أن هذ الاجتماع يسلط الضوء على الوضع الراهن للمساعدات الإنسانية في جمهورية السودان الشقيقة، مشيرًا إلى أن الشعب السوداني يواجه تحديات هائلة ويعمل على التغلب عليها ويستحق منا الكثير.
وقال: “إدراكًا من المملكة العربية السعودية لواجبها تجاه السودان بذلت جهودًا حثيثة منذ بداية الأزمة الإنسانية هناك لإيجاد سبل لإعادة الأمل إليهم، وأولها إعلان جدة الذي استهدف ضمان حماية المدنيين ووصول المساعدات الإغاثية العاجلة لهم، كما ساعدت جهود مجموعة “العمل من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان” مؤخرًا في الوصول إلى آلاف المحتاجين في دارفور، بالرغم من أن التصعيد الأخير للعنف في بعض المناطق أدى إلى تفاقم الوضع المتدهور، الأمر الذي أجبر الملايين على الفرار من منازلهم تاركين وراءهم كل ما يملكون، حتى أفرادًا من عائلتهم أحيانًا.


وأضاف الدكتور الربيعة: “لقد قدمت المملكة دعمًا للسودان بأكثر من 3 مليارات دولار أمريكي، شملت مساعدات إنسانية بلغت قيمتها 132 مليون دولار أمريكي موزعة على العديد من المناطق الجغرافية والقطاعات الإنسانية، كما تحولت جهود مركز الملك سلمان للإغاثة قبل اندلاع الأزمة في أبريل 2023م نحو تنفيذ تدخلات أكثر استدامة، إلا أن الأوضاع الإنسانية المتدهورة بسبب هذا الصراع بددت تلك المكاسب، الأمر الذي اضطرنا للعودة لتقديم المساعدة الفورية، مفيدًا أن المركز ضاعف جهوده في نطاقات الاحتياج بالسودان حيث نفذ منذ أبريل 2023 م أكثر من 70 مشروعًا إنسانيًا بتكلفة تجاوزت 73 مليون دولار أمريكي بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى”.
وأشار إلى تتابع الجسور الإغاثية السعودية الجوية والبحرية من خلال المركز لمواجهة التحديات الملحة، التي يتم تمويلها عبر الدعم الحكومي والشعبي من خلال إطلاق المركز “الحملة الشعبية لإغاثة الشعب السوداني” التي بلغت التبرعات من خلالها أكثر من 125 مليون دولار. وأوضح الدكتور عبدالله الربيعة أنه بالرغم من الجهود التي يبذلها المركز إلا أن التحديات ما تزال موجودة، وتبعات الأزمة تستوجب تضافر جهود الجميع لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون قيود، مع تنفيذ استجابة مستدامة ومنسقة، ووصول آمن وغير مقيد إلى المناطق المتأثرة بالنزاع.
وفي ختام كلمته قال المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة: “إننا كمجتمع إنساني ينبغي أن نتعامل مع الأزمة الإنسانية التي يشهدها السودان بعيدًا عن الاعتبارات السياسية؛ فهي مأساة إنسانية تستوجب تجاوز الانقسامات، ويمكننا معًا إحداث تغيير حقيقي يضمن تمتع جميع الشعب السوداني بفرص متساوية لإعادة بناء حياتهم، مبينًا أن المملكة مستمرة في بذل ما بوسعها لإنهاء الأزمة والوصول إلى استقرار وأمن السودان وشعبه ليعيش حياة كريمة”.

مقالات مشابهة

  • د.الربيعة يلقي كلمة المملكة في اجتماع بنيويورك حول المساعدات الإنسانية بالسودان
  • ” الوضع الراهن لم يعد مقبولاً” .. الزبيدي يؤكد أمام مجلس الأمن على وجوب العمل لإنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن  
  • رئيس مجلس القيادة اليمني: ندعو العالم للتدخل لحل الأزمة الإنسانية بصنعاء
  • «424» مليون دولار دعم إضافي من أمريكا لصالح الاستجابة الإنسانية بالسودان
  • زيلينسكي يحذر من كارثة نووية عالمية.. ما القصة؟
  • فيديو «التغيير»: شمبات.. الموت في صمت
  • الحذر من مخططات فرق الموت الاخوانية واستهداف قيادات سودانية مدنية في الخارج
  • الرئيس الصربي: العالم على شفا كارثة نووية بسبب الصراعات الدولية
  • رئيس صربيا: العالم على شفا كارثة نووية
  • كارثة على السودان.. العسكري يحذر من انهيار سد النهضة