تستمر الصحافة الغربية في إقناعنا أن هذا قد يحدث، حرفيا، غدا، ولم يتبق سوى الاتفاق على بعض التفاصيل الصغيرة.. فهل هذا صحيح؟

إقرأ المزيد هل تصبح بريطانيا المرشح الأول لضربة روسيا للغرب؟ وهل يكون الشرق الأوسط مكان الضربة؟

إن مثل هذا الاتفاق المحتمل له أبعاد عدة:

البعد الأمني

بعد تطبيع العلاقات مع إيران، ارتفع مستوى الأمن في المملكة العربية السعودية بشكل جذري، حيث تم تحييد التهديد الرئيسي للبلاد، الحرب مع إيران، لبعض الوقت على الأقل.

وبطبيعة الحال، نظريا قد يكون من الممكن التراجع عن التطبيع، ولكن في الوقت الراهن لا يوجد سبب للقلق. بل إن اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة في حد ذاتها الآن هي أكبر تهديد للتطبيع، وبالتالي للسلام في المنطقة، مع احتمال جر السعودية إلى حرب محتملة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران، وفي المستقبل، ضد الصين.

من الممكن نظريا افتراض أن تطبيع العلاقات مع طهران عبر الوساطة الصينية ليس أمرا جديا، وكان محاولة لإثارة غيرة واشنطن، لكنني شخصيا أنطلق من أن تحول السعودية نحو الشرق حقيقي واستراتيجي.

المجال الثاني في البعد الأمني هو أن الحرب في اليمن قد انتهت، على ما أعتقد، أخيرا. وأثبت الغرب والولايات المتحدة عدم موثوقيتهما كحليف في الحروب الهجومية، فمثل هذا التحالف، على أية حال، لم يساعد السعودية على النصر، فلا فائدة إذن من إزعاج الأعداء والأصدقاء من أجل مكاسب غير موجودة. وكما يقال، فإن "فوائد ذلك أمر مشكوك فيه، لكن أضراره واضحة".

المجال الأمني الثالث هو أن إسرائيل لا تشكل تهديدا للرياض، بغض النظر عن التطبيع المفترض للعلاقات معها أو بدونها، لا سيما في الظروف الراهنة. ولا جدوى من تكبد تكاليف في جوانب أخرى من أجل القضاء على تهديد غير موجود في هذا الاتجاه.

المجال الأمني الرابع: تطبيع العلاقات مع إسرائيل على خلفية الإبادة الجماعية في غزة سيقوض بالتأكيد موقف النخبة السعودية الحاكمة ليس فقط في العالم الإسلامي، ولكن أيضا، والأهم من ذلك، داخل المملكة. وفي الانهيار الاقتصادي المقبل، سيؤدي انخفاض الإنتاج إلى انخفاض الطلب على النفط، وأسعار النفط، وبالتالي دخل البلاد النفطي. وستحتاج السلطة حينها إلى كل ذرة من الولاء من جانب مواطنيها، لأن المصاعب التي سيواجهها السكان ستكون عظيمة، وسيكون غضبهم عارما.

إقرأ المزيد لم دمّر الروس والسوريون والليبيون والعراقيون وغيرهم بلدانهم؟

المجال الأمني الخامس هو الالتزام الحقيقي والمهم والوحيد الذي يمكن لواشنطن أن تتحمله بموجب هذه المعاهدة، وهو عدم مهاجمة المملكة العربية السعودية نفسها. لكن الثمن هو رفض ليس فقط التركيز على الصين، بل أيضا رفض تطبيع العلاقات مع إيران وحياد السعودية.

في الوقت نفسه، واستنادا لمصلحة السعودية الاستراتيجية في التخلي عن مثل هذا الاتفاق، فمن المنطقي أن تماطل المملكة لكسب الوقت والمساومة متظاهرة بأن الرياض بشكل عام ليست ضدها، لكن هناك شروط.

البعد السياسي

من الصعب عليّ أن أتخيل كيف يمكن للولايات المتحدة أن تسدد للمملكة العربية السعودية ثمن الأضرار التي يمكن أن تلحق بسمعة الرياض في العالم الإسلامي وغيرها من التكاليف. وقد تكون هذه التكاليف بلا معنى على نحو مضاعف، نظرا للشكوك في قدرة إسرائيل على البقاء بالأساس كدولة في أعقاب التغيرات التي تحدث في العالم.

من حيث المبدأ، ولو كنت مكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كنت سأفكر في التوقيع على مثل هذه الاتفاقية فقد مقابل التقنيات التي من شأنها أن تسمح بإنشاء أسلحة نووية في المستقبل. من الممكن التراجع عن قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن القنبلة النووية ستبقى. لكنني أخشى أنه لمثل هذه الشروط لم يتبق ما يلزم من بعض العقود من السلام مطلوبة لتطوير البرنامج النووي الحربي المحتمل للسعودية. كان ينبغي أن يتم ذلك في وقت سابق.

 أضف إلى ذلك ان الأمريكيين قد فقدوا مثل هذه الكفاءات، وقد فقدوا القدرة على تخصيب اليورانيوم، والآن روسيا تقوم بذلك نيابة عنهم. ووافقت الولايات المتحدة مؤخرا فقط على برنامج يهدف إلى استعادة الكفاءات ذات الصلة.

ثانيا، لن تتخذ الولايات المتحدة هذه الخطوة لأسباب سياسية.

كما يمكن للإدارة الديمقراطية أن تخرج من البيت الأبيض، ولن يكون للتوقيع على أي معاهدات معها أي معنى، لأن الإدارة القادمة يمكنها إعادة التفاوض على المعاهدات، كما فعل ترامب مع الاتفاق النووي الإيراني. ولم تعد أي اتفاقيات مع الولايات المتحدة، من حيث المبدأ، موثوقة، لا سيما الاتفاقيات الأمنية، حيث تتخلى الولايات المتحدة بسهولة عن التزاماتها.

إقرأ المزيد هل تتمكن الولايات المتحدة من تجميد صراع أوكرانيا وبدء حرب كبيرة في الشرق الأوسط في العام 2024؟

البعد الاقتصادي

لقد أظهر اليمنيون الصامدون والشجعان بالفعل الثمن الاقتصادي الذي يمكن أن تدفعه الدول الداعمة لإسرائيل. والمملكة العربية السعودية هي الدولة الأكثر هشاشة بهذا المعنى، وفي ظل الظروف الراهنة، فإن أي فوائد اقتصادية محتملة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل ستكون أقل بألف مرة من الخسائر المحتملة.

باختصار، فإن هذا هو بالأحرى اتفاق على عدم الاعتداء الأمريكي على السعودية، وعلى مشاركتها في الحرب العالمية الثالثة إلى جانب واشنطن. أي أن "الاتفاقية الأمنية" هي في الواقع اتفاقية حول غياب الأمن للسعودية.

وهو ما يعني، من الناحية الاستراتيجية، أنه يتعين على السلطات السعودية أن تبذل قصارى جهدها لتجنب التوقيع على هذه الاتفاقية. سأكون شديد الدهشة إذا تم توقيع هذه الاتفاقية.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أخبار إيران أخبار السعودية أخبار اليمن ألكسندر نازاروف الأزمة اليمنية جو بايدن حلف الناتو دونالد ترامب محمد بن سلمان واشنطن تطبیع العلاقات مع العربیة السعودیة الولایات المتحدة مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

مؤتمر فرساي .. قصة معاهدة سلام أشعلت الحرب العالمية الثانية

في 18 يناير 1919، افتُتحت أعمال مؤتمر باريس للسلام في قصر فرساي بفرنسا، بحضور ممثلي 32 دولة من القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.

 جاء المؤتمر بعد توقف القتال في 11 نوفمبر 1918، بهدف صياغة اتفاقيات سلام تُعيد الاستقرار إلى أوروبا والعالم، بعد أربع سنوات من الصراع المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 16 مليون شخص.

 افتتاح المؤتمر وأهدافه
 

افتتح المؤتمر بحضور أبرز قادة الحلفاء، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، والرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج، ورئيس الوزراء الإيطالي فيتوريو أورلاندو. كان الهدف الرئيسي للمؤتمر إعادة تشكيل خريطة العالم، وتعويض الخسائر، ووضع نظام عالمي يضمن منع تكرار حرب مماثلة.

ركزت المفاوضات على عدد من القضايا الجوهرية، منها تحديد مسؤولية الدول المهزومة عن الحرب، إعادة توزيع المستعمرات، ورسم حدود جديدة للدول بناءً على التوازنات السياسية والإثنية.

أبرز القضايا على طاولة النقاش

تحميل المسؤولية لألمانيا: ناقش المؤتمر فرض عقوبات قاسية على ألمانيا، باعتبارها الطرف الرئيسي في إشعال الحرب.

إعادة ترسيم الحدود: تناول المؤتمر قضايا إعادة الألزاس واللورين إلى فرنسا، وتأسيس دول جديدة مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا، مع تقسيم الإمبراطورية النمساوية-المجرية.

تعويضات الحرب: طالب الحلفاء بتعويضات ضخمة من ألمانيا لتعويض خسائرهم الاقتصادية والبشرية.

إنشاء منظمة دولية: اقترح الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون إنشاء “عصبة الأمم” لتعزيز السلم الدولي وحل النزاعات بالطرق السلمية.


 

الدول المهزومة خارج المفاوضات

لم يُسمح للدول المهزومة، وعلى رأسها ألمانيا والنمسا والمجر، بالمشاركة في المفاوضات. وُجهت الدعوات فقط للتوقيع على المعاهدات النهائية، مما أدى إلى استياء كبير لدى هذه الدول.

أجواء المؤتمر وتوقعات الحلفاء

ساد المؤتمر توتر كبير بسبب تباين مصالح القوى الكبرى. بينما ركزت فرنسا على فرض شروط قاسية على ألمانيا لضمان أمنها، سعت بريطانيا إلى تحقيق توازن يحافظ على استقرار أوروبا. في المقابل، دعا الرئيس ويلسون إلى تحقيق سلام عادل يستند إلى “النقاط الأربع عشرة” التي أعلنها سابقًا، وأبرزها حق الشعوب في تقرير مصيرها.

وقد نصّت على التجريد العسكرى للجيش الألماني، والإبقاء على 100000 جندى فقط وإلغاء نظام التجنيد الإلزامي، وعدم السماح بإنشاء قوة جوية، السماح بحفنة من السفن الحربية لكن بدون غواصات حربية، ولا يحق للضباط الألمان التقاعد العمرى من الجيش، حيث نصت الاتفاقية على بقائهم فيه كمدة أقصاها 25 عاماً.. فى استراتيجية لجعل الجيش الألمانى خالياً من الكفاءات العسكرية المدرّبة ذات الخبرة، وفيما يتعلق بالناحية الاقتصادية.. تتحمّل ألمانيا مسؤولية تقديم التعويضات للأطراف المتضرّرة وحددت التعويضات بـ 269 مليار مارك ألمانى كدين على الاقتصاد الألماني! وقد سببت بنود الاتفاقية درجة عالية من الامتعاض والرغبة فى الانتقام لدى الشعب الألماني.

مقالات مشابهة

  • سفيرة السعودية تنقل تهاني الملك سلمان لترامب بإعادة انتخابه
  • وزير الأمن الإيراني: الولايات المتحدة ستمارس ضغوطا علينا للتصالح مع إسرائيل
  • مسؤول: تركيا قد تستأنف التجارة مع إسرائيل
  • تركيا تحدد شرطها لاستئناف التجارة مع إسرائيل
  • ترامب يعلن عن تطبيع وشيك بين السعودية وإسرائيل
  • ترامب: السعودية ستطبع العلاقات مع إسرائيل
  • سالم اليامي: السعودية لن تتنازل عن شرطها وهو الأرض مقابل السلام
  • عاجل.. الشرع يهنئ ترامب ويتطلع لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة
  • وزير الخارجية الإسباني يعلن تحقيق رقم قياسي في التبادل التجاري مع المغرب يفوق الولايات المتحدة وبريطانيا (فيديو)
  • مؤتمر فرساي .. قصة معاهدة سلام أشعلت الحرب العالمية الثانية