فلسطين ومقاومتها عظيمةٌ، وشهيدها غالٍ على قلب كل مصري وطني، ليس في الأمر عواطف، ولا تفضُّل من أحد على أحد، بل هي المصائر المشتركة والقدر، الذي فرضته الجغرافيا، وفرضته وحدة العرق والثقافة والدين، ومن كافة الجوانب فلسطين مصرية، ومصر فلسطينية، رغم أنف الصهاينة والأميركان، وأعوانهم من "المأجورين" هنا أو هناك.
تلك المعاني فهمها "المماليك"، الذين خرجوا بخيولهم وسيوفهم لحماية الأرض المقدسة من زحف "المغول" تحت قيادة "سيف الدين قُطُز"، وقبلهم فهمها الأيوبيون لما دخل "صلاح الدين " إلى مصر ليحررها من عميل الصليبيين الوزير "ضرغام"، ودخل فلسطين ليحرر بيت المقدس، فهو كان يعلم أن مصَر مُعَلّقٌ مصيرها بفلسطين، وفلسطين مُعلّقٌ مصيرها بمصر.
مبدعون وطنيونوهذه المعاني فهمها المبدعون المصريون الوطنيون، منذ نكبة 1948، وهنا لن نناقش خيبات الساسة والعسكريين، بل نقترب من "فلسطين" التي أحبَّها وصَوَّرها المبدعون في قصائد وقصص قصيرة، وأفلام سينمائية، استطاعت الإبقاء على "جوهرة" العروبة، حيّةً في وجدان الأجيال المتعاقبة، والفيلم الأول الذي واكب النكبة في العام 1948، هو "أرض السلام" وشارك فيه عمر الشريف وفاتن حمامة وغيرهما من نجوم السينما في مصر.
وفيه سرد للمقاومة البطولية التي أبداها الشعب الفلسطيني في مواجهة عصابات الصهاينة المدعومة من الجيش البريطاني، وفيه ذِكرٌ للبطولات التي قام بها المتطوِّعون من مصر، وقد سبق البطل "أحمدعبدالعزيز" الجميع إلى فلسطين ومعه كتائب المتطوِّعين، قبل أن يرسل الملك فاروق الجيش بصفة رسمية، وحارب "أحمد عبدالعزيز"، ورجاله وحقق انتصارات كبيرة، ووافاه الأجل برصاصة من مقاتل مصري، بطريق الخطأ، كان يظنه واحدًا من الصهاينة.
وقدمت السينما المصرية في الحقبة نفسها أفلامًا، اهتمت ببطولات الجيش، وفي الفترة التي أعقبت 23 يوليو/تموز 1952، ظهرت في السينما قصة "الأسلحة الفاسدة" التي اعتبرها الضباط الأحرار، السبب في هزيمة الجيش المصري في فلسطين.
لكن "خالد محيي الدين" أحد المؤسسين للضباط الأحرار، قال في مذكّراته التي حملت عنوان: "الآن أتكلم"، وصدرت في عدة طبعات بالقاهرة في تسعينيات القرن الماضي: إن الأسلحة الفاسدة، ليست المسؤولة عن الهزيمة، إنما الهزيمة مصدرها عدم وجود"قوة نيران" كافية لردع العدو الصهيوني المدعوم بالسلاح البريطاني المتطور، وعدم حصول الجيش المصري على التدريب القتاليِّ الكافي، في الفترة السابقة على دخول الحرب.
والفيلم المهم الذي حاول تقديم صورة حقيقية وصادقة عن المقاومة الفلسطينية، المتواجدة في لبنان في فترة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت والجنوب، هو: "ناجي العليّ" الذي أنتجه الفنان "نور الشريف"، وأخرجه عاطف الطيب، وقام فيه بدور الفنان ناجي العليّ، رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي اغتاله "الموساد" في لندن، حتى يخرس صوته المزعج لدولة الكيان.
وكما كان ناجي العليّ مزعجًا للصهاينة في حياته، كان فاضحًا لوكلاء إسرائيل وعملاء المخابرات الأميركية في مماته، فهاجموا "نور الشريف " هجومًا عنيفًا.
شعر المقاومة المصريوفي الوقت ذاته كان الشِّعر المصري صامدًا على ذات الجبهة، فأصدر "الأبنودي" ديوانه: "الموت على الأسفلت"، وهو عبارة عن مرثية للفنان الراحل ناجي العليّ، الفنان المناضل الذي عاش في المخيم، واكتوى بالفقر والغربة، واكتشفه الشهيد "غسان كنفاني" الصحفي والروائي الذي اغتيل في سبعينيات القرن الماضي، في لبنان بأوامر مباشرة من "غولدا مائير" رئيسة وزراء دولة الكيان آنذاك.
وكما كتب "الأبنودي" ديوانه: "الموت على الأسفلت"، كتب ديوان: "المشروع والممنوع"، وفيه فضحٌ لحلفاء الصهاينة في الوطن العربي، وقبلها كتب أغنية: "المسيح" التي غناها عبدالحليم حافظ في لندن، وفيها ربط بين ما جرى من اليهود مع المسيح ابن "الناصرة "، في فلسطين، وما حدث منهم مع العرب في العصر الحاضر.
والشاعر "أحمد فؤاد نجم" ومعه "الشيخ إمام " قدّما في فترة حصار المقاومة الفلسطينية في لبنان، أغنيات كثيرة، تمجد نضال الشعب الأبيّ، وغنى الشيخ إمام أغنيات لشعراء فلسطينيين ومصريين، تناولوا قصة المقاومة، منذ النكبة، حتى إخراج المقاومة من لبنان.
وغنى هذه الأغنيات في حفلات أحياها في باريس، وتونس، والجزائر، والجنوب اللبناني، ومعروف أن فريقًا من مناضلي اليسار المصري انضمّ إلى المقاومة الفلسطينية اللبنانية في فترة حصار الصهاينة لبيروت، منهم المطرب "عدلي فخري"، وعدد من الشعراء، منهم شاعر العامية سمير عبدالباقي.
ويمكن القول؛ إن ألحان الشيخ إمام، نقلت الشعور بالنضال الفلسطيني إلى الأجيال الجديدة في الوطن العربي، وانفردت "تونس"، باحتضان مشروعه الموسيقي الثوريّ، حتى يومنا هذا. وكان للشاعر "أمل دنقل" نصيبه من دعم قضية العرب الأولى، بقصيدته: "لا تصالح"، وهي رسالة موجّهة للتصدِّي لدعوة الصلح مع إسرائيل، قبل توقيع "كامب ديفيد" بسنوات.
وألقى – رحمه الله – هذه القصيدة في محفل عام أقيم في القاهرة، وفيما بعد، تعرّض "أمل دنقل" بعد موته بسنوات لحملة تشويه، من جانب "شعراء العولمة الأميركية"، استهدفت التقليل من منجزه، وأطلق عليه أحدهم لقب: "شاعر القبيلة".
تجربة جادّةوظلّ الفنانون والأدباء المصريون يعتبرون إسرائيل العدوّ الأوّل، ولما تصاعد النضال الفلسطيني في "غزّة"، وغيرها من الأراضي المحتلة، قدّم عمار الشريعي وآمال ماهر، أغنية "عربية يا أرض فلسطين"، وقد تم استخدامها لامتصاص غضب الشارع المصري المتعاطف مع الشعب الفلسطيني المناضل.
وآخر تجربة جادّة على مستوى الدراما التلفزيونية، قدّمها المخرج "يسري نصر الله" عن رواية "باب الشمس" للكاتب اللبناني إلياس خوري، في مسلسل بالاسم ذاته، وحققت نجاحًا جماهيريًا طيبًا. وهناك تجارب مسرحية كثيرة تناولت القضية الفلسطينية من أشهرها، مسرحية "اليهودي التائه" للكاتب يسري الجندي، قدّمها مسرح البالون، مواكبةً لانتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية.
وعقب "السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023" أعلن فنانون مصريون تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني، وسقط آخرون من الفنانين في عار الجهل والبلادة بالتقليل من الدور العظيم للمقاومة الفلسطينية، منهم "بيومي فؤاد" الذي عاقبه الجمهور المصري على موقفه، وأسقط فيلمًا له كان معروضًا في موسم عيد الفطر، وجعل منتجين سينمائيين يلغون تعاقداتهم معه.
ونبذ المثقّفون الوطنيون، كلَّ الذين واكبوا الحرب الصهيونيّة على "غزة" بعبارات داعية لتجنيب "مصر" ويلات الحرب، ورفعوا شعارًا يقول: "إحنا مالنا"، وهو شعار يهدف إلى عزل الشعب المصري عن محيطه الطبيعي وقضيته الأولى؛ قضية فلسطين.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشعب الفلسطینی ناجی العلی
إقرأ أيضاً:
مأرب: وقفة تضامنية مع فلسطين تندد بجرائم الاحتلال في غزة
شمسان بوست / مأرب:
شهدت مدينة مأرب، اليوم، وقفة جماهيرية حاشدة للتضامن مع أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتنديد بجرائم الاحتلال الصهيوني المستمرة، واستمرار الحصار الخانق على القطاع لليوم الثالث عشر بعد الأربعمائة على التوالي.
واستنكر المشاركون في الوقفة التضامنية التي تُقام في مدينة مأرب بشكل أسبوعي ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني الصامد والمرابط في قطاع غزة من قتل ممنهج وتدمير متعمد وانتهاك مستمر لكل القرارات والاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية..مؤكدين أن استمرار الاحتلال بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية المتواصلة والمشاهد المروعة التي تهز الضمير الإنساني تعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية.
ورحب البيان الصادر عن الوقفة، بإعلان محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة في قطاع غزة..داعيًا الدول الأعضاء في نظام روما إلى تنفيذ قرارات المحكمة والعمل على وقف الجرائم المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة، وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه الأساسية التي تكفلها كل القوانين الدولية والشرائع السماوية وأكدت عليها قرارات الشرعية الدولية في أكثر من مناسبة.
وشدد المشاركون في الوقفة، على ضرورة مساندة الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال ودعم حقهم في الدفاع عن أرضهم، وتعزيز صمودهم في وجه هذا الاحتلال الصهيوني بكافة الوسائل المتاحة والممكنة حتى تحرير أرضهم وإقامة دولتهم ونيل كافة حقوقهم المشروعة.
وأكد المحتجون في مأرب، أن الشعب الفلسطيني لا يدافع فقط عن قضيته وأرضه، بل يدافع عن كرامة الأمة العربية والإسلامية ويحمي مقدسات جميع المسلمين، بل ويناضل ويضحي من أجل الدفاع عن قيم الحرية والعدالة الإنسانية التي توحد البشرية جميعًا في كل أصقاع الأرض على اختلاف دياناتهم وأعراقهم..مشيدين بصمود الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط في أرضه واستبساله في وجه أعتى آلة قتل في العصر الحديث، ويقدم نموذجًا مشرفًا في الثبات والتضحية في سبيل الدفاع عن قضيته وحماية أرضه ، ليثبت للعالم أجمع أن إرادة الحياة الحرة أقوى من أية آلة عسكرية.