عالم فرنسي جمع بين الرياضيات والفيزياء والفلسفة، ولد عام 1596 في مدينة إندر ولوار، التحق عام 1618 بمدرسة حربية في هولندا، ثم عاد إلى فرنسا عام 1622، وأعلن عن وفاته عام 1650.

نذر حياته للبحث العلمي من خلال مجالسة العلماء والمشاركة في المناظرات معهم. اشتغل على منهج خاص بعلم الرياضيات، وتبنى الطريقة العلمية العقلانية، التي تنص على أن المسائل الرياضية لابد أن تبدأ بالمعطيات السهلة لتمر إلى مرحلة أكثر تعقيدا.

المولد والنشأة

ولد رونيه جواكيم ديكارت يوم 31 مارس/آذار 1596م في مدينة إندر ولوار (إقليم وسط فرنسا)، وهي المدينة التي سميت فيما بعد باسمه ديكارت منذ عام 1967.

ينحدر من أسرة برجوازية، والده جواكيم ديكارت كان مستشارا في برلمان مدينة رين الفرنسية، ووالدته جين بروشار، ابنة عمدة مدينة نانت التي انتشر فيها وباء الطاعون، فاضطرت إلى مغادرتها.

لم تمض سوى سنة واحدة فقط على ولادته حتى فارقت والدته الحياة وتكفلت جدته برعايته، إلى جانب والده ومربيته.

لم يكن يتوقف عن طرح الأسئلة منذ صغره، وعن التعبير الدائم عن شغفه بمعرفة وتتبع ما يدور حوله، نال لقب "الفيلسوف الصغير" كما كان يناديه والده.

كان يخصص وقت فراغه ويجلس وحيدا للتأمل والقراءة وأيضا لدراسة الرياضيات ومختلف الظواهر الفيزيائية.

المسار التعليمي

تشير بعض الكتابات إلى أنه خلال فترة طفولته، تابع تعليمه الابتدائي بمدرسة "لافليش" في باريس، وفيها بدأ مساره العلمي والمعرفي.

وبعد ربيعه الـ11 عام 1606، ولج إعدادية "هنري لوكغو" عام 1606، التي تعد من أشهر المؤسسات التعليمية الفرنسية، واستمر فيها حتى 1614.

رونيه ديكارت تبنى الطريقة العلمية العقلانية كما صاغ نظرية حول الحقائق الأبدية (غيتي)

تولى تعليمه اليسوعيون الموالون للكنيسة الكاثوليكية، ومن بينهم البابا فرانسوا فورنات الدكتور في الفلسفة، والبابا جون فرانسوا الذي علّمه الرياضيات عاما كاملا.

بدأ نبوغه المبكر يظهر داخل مدرسته التي قررت إدارتها مَنحه تعاملا تفضيليا بسبب بنيته الصحية الضعيفة وإصابته بمرض على مستوى الرئة، فتقرر إعفاؤه من حضور الحصص الصباحية.

تعلم الرياضيات والفيزياء وما تعرف بالفلسفة المدرسية (تسمى أيضا الفلسفة السكولائية)، التي كانت تُدرس في المؤسسات التابعة للكنيسة. وأثرت هذه المرحلة كثيرا في مساره العلمي.

فبمجرد أن اشتد عوده وبدأ التفكير في المنهج، لم يتوقف عن انتقاد هذه المؤسسات التابعة للكنيسة، واعتبرها غير منطقية ولا تتناسب مع حسن التفكير، خصوصا أنه أمضى فيها تسعة أعوام، ثلاثة أعوام لتعلم الفلسفة وست للتعم العلوم الإنسانية.

تشير عدة تقارير إلى أنه حصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1614، وبعدها على شهادة الإجازة (البكالوريوس) في القانون من جامعة بواتييه عام 1616، لكنه رفض الاستمرار في هذه الشعبة.

قرر التوجه إلى باريس، حيث اعتكف في أحد أحيائها عامين على البحث العلمي وعلى الدراسة والتأمل من خلال ما وصفها برحلة التحرر والحرية وخوض المغامرة خارج الحدود.

عندما بلغ الـ22، دفعه حماس الشباب وشغف المعرفة إلى مغادرة بلده فرنسا عام 1618 والتفكير في زيارة بلدان أوروبية. فذهب في جولة بين هولندا والدانمارك وألمانيا، مما ساعده على تدشين مسار علمي جديد بعد ربطه الاتصال بثلة من العلماء، ونشر عدة أطروحات مثلت ثمرة أفكاره.

لم يثنه تقدمه في السن عن التفكير في خوض تجربة تعليمية جامعية وعمره قارب الـ33. ففي عام 1629، قرر الالتحاق بجامعة فرانكير الهولندية حيث كان مستقرا، وبدأ يدرس الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة).

رونيه ديكارت انضم لجيش الدوق "بافيا" بسبب تزامن وجوده في ألمانيا مع اندلاع حرب الثلاثين عاما (غيتي) التجربة العسكرية

خلال جولته التعليمية التي قادته إلى بعض الدول الأوروبية، خاض تجربة عسكرية من نوع خاص. فقد التحق عام 1618 بالمدرسة الحربية "لموريس دي ناسو، في الديار الهولندية.

غادر هولندا متجها إلى ألمانيا عام 1619، حيث حضر مراسم تتويج الإمبراطور فرديناند في فرانكفورت، وانضم إلى جيش دوق "ماكسيميليان بافيار"، بسبب تزامن وجوده في ألمانيا مع اندلاع حرب الثلاثين عاما، التي عرفت مواجهة عنيفة بين الكاثوليك البروتستانت في جميع أنحاء أوروبا بين 1618 و1648، فطاف الدانمارك وبولونيا والمجر.

تجربته العسكرية لم تدم طويلا، وسرعان ما وضع لها نقطة النهاية، وعاد إلى فرنسا عام 1622، وهناك استكمل بحثه العلمي.

محطات أساسية

إبان زيارته هولندا حوالي عام 1618، التقى العالم إسحاق بيكمان في مدينة بريدا، عالم الرياضيات والفيزيائي والصيدلاني الذي كانت عادته طرح مسائل رياضية معقدة للحل على شاكلة مسابقة وسط دائرة ويعلقها في شوارع وأزقة المدينة، مع وعد بتقديم مكافأة لمن يفلح في ذلك.

كان الشاب ديكارت سباقا لتفكيك العملية الرياضية والظفر بالجائزة، التي تَولد عنها اكتشاف موهبته العالية في علم الرياضيات، ونتجت عنها صداقة دامت طويلا من خلال النقاشات وتبادل الرسائل مع بيكمان، الذي يعد أحد أشهر علماء الرياضيات ممن تركوا بصمتهم في هذا المجال المعقد.

كان ذلك حدثا مشهودا أخرجه إلى دائرة الضوء، وفي المقابل ترقى الفيزيائي بيكمان إلى كاشف حقيقي للمواهب في العلوم الرياضية والفيزيائية.

كتاب "التأملات في الفلسفة الأولى" للعالم رونيه ديكارت (الجزيرة)

ومن بين المحطات البارزة في حياته تلك التي دشنها ما بين 1622 و1625، وهي الفترة التي عرفت ازدهارا في البحوث المتعلقة بالرياضيات (الجبر والهندسة وغيرهما)، فبدأ يتردد على الأوساط العلمية والأدبية في باريس. ثم بعد ذلك، شرع في التعريف باختراعاته في مجال الرياضيات، ولم تتوقف رحلته، إذ سافر إلى بعض الدول الأخرى منها إيطاليا.

عاد إلى فرنسا ما بين صيف عام 1625 وخريف 1627، حيث التقى بالبابا الفرنسي مارين ميرسين الفيلسوف وعالم الرياضيات، ونذر حياته للبحث العلمي من خلال مجالسة العلماء والمشاركة في المناظرات معهم.

أمره الكاتيدرال بيرول بدراسة الفلسفة وحمّله المسؤولية الضميرية، فما كان منه إلا أن شد الرحال إلى بريطانيا حيث مكث لهذا الغرض ما بين خريفي 1627 و1628.

عاد إلى فرنسا شتاء عام 1628، وزار صديقه العالم بيكمان، ثم رجع إلى هولندا ربيع عام 1929، هناك استقر وكرس حياته للعلم، والتقى بعدد من العلماء منهم الفيلسوف هنري رينيري وعالم الرياضيات فرانس فان شوتن والطبيب فوبيسكيس بلمبيوس وغيرهم.

منهجه العلمي

اشتغل على منهج خاص بعلم الرياضيات، وتبنى الطريقة العلمية العقلانية، التي تقضي بأن المسائل الرياضية لابد أن تبدأ بالمعطيات السهلة لتمر إلى مرحلة أكثر تعقيدا.

اقترح استعمال الحروف الأبجدية الأولى بالنسبة للقيمة الرياضية المعروفة، والحروف الأبجدية الأخيرة بالنسبة للقيمة الرياضية المجهولة.

كما أنه صاغ في أبريل/نيسان 1630 نظرية حول الحقائق الأبدية، فكان كثير التساؤل عن مكانة العلم، وطوّر منهجه الميتافيزيقي انطلاقا من تأملاته.

إسحاق بيكمان مكتشف موهبة ديكارت في علم الرياضيات حيث جمعتهما صداقة علمية (مكتبة ليندهال)

أشارت بعض الكتابات إلى أنه كان بصدد كتابة أطروحته الأخلاقية، وهذا ما عبر عنه في رسالة بعثها إلى البابا ميرسين في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1630، وكشف فيها هذه الرغبة باعتبار أن ميرسين من الأوائل الذي دعموه وشجعوا أفكاره واجتهاداته وروجوا لها في دائرة العلماء في قلب باريس.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1633، أسس لأطروحة علمية حول "العالم والنور"، إلا أنها تزامنت مع إدانة العالم الإيطالي غاليليو غاليلي بسبب رأيه بأن الأرض تدور حول الشمس، وهو الرأي الذي قاد صاحبه عام 1633 إلى حبل المشنقة بعدما أدانته محكمة التفتيش المقدسة عام 1633. تبنى موقف غاليليو، لكن مقالته لم تنشر إلا عام 1664، أي بعد 14 عاما من وفاته.

المؤلفات

خلافا لما جرت عليه العادة في تلك المرحلة، تميزت كتاباته بأسلوبه المبتكر، طبق فيها مناهج الفيلسوف التي تتأرجح بين ثنائية الشك واليقين، وعكست اهتمامه بالمنهج العلمي الذي تناوله ضمن مؤلفاته، بما في ذلك كتابه الشهير "مقال عن المنهج" عام 1637.

كما كتب ديكارت عن الهندسة والتأملات الميتافيزيقية ومبادئ الفلسفة، وله قائمة طويلة من الكتب التي ألّفها، منها ما نشر قيد حياته ومنها ما لم ينشر إلا بعد وفاته. ومن بين أشهر مؤلفاته كتاب "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وكتب أخرى أبرزها:

مقال عن المنهج عام 1637. علم الهندسة عام 1637. قواعد لتوجيه الفكر (تضاربت الروايات عن تاريخ إتمام تأليفه إلا أنه من المرجح أن يكون ذلك عام 1628، علما بأنه بدأ تحريره منذ عام 1619، أما نشره فكان عام 1701، أي بعد وفاته بسنوات). "العالم"، الذي يُعرف أيضا بكتاب "النور" أو "رسالة في الضوء"، نُشر عام 1664. مبادئ الفلسفة. انفعالات النفس، ويعرف أيضا بعنوان "عواطف الروح"، نشر عام 1649. تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى، ويعد أبرز أعماله في الفلسفة الحديثة، نُشر عام 1641. رونيه ديكارت توفي عام 1650 ودفن في كنيسة "سان جيرمان دي بري" في العاصمة باريس (شترستوك) الوفاة

يوم 11 فبراير/شباط 1650 أُعلن عن وفاته في مدينة ستوكهولم بالسويد. وخلف حادث وفاته جدلا كبيرا. وتقول الرواية الرسمية إن سبب وفاته يعود إلى إصابته بالتهاب رئوي ناتج عن قسوة المناخ وعن خروجه باكرا من إقامته مع السفير الفرنسي بيير شانوت لزيارة الملكة كريستين كل يوم على الساعة الخامسة صباحا لتلقينها دروسا في الفلسفة منذ أكتوبر/تشرين الأول 1649.

وهناك فرضية تؤكد أن وفاته لم تكن طبيعية، وأنه تعرض لتسمم باستعمال الزرنيخ على يد القسيس فرانسوا فيوجي، الذي كان يخشى أن يثني تأثيره الملكة كريستينا عن اعتناق الكاثوليكية.

وأشارت بعض التقارير إلى أن جثته أخرجت من قبره في السويد عدة مرات، وأنه تقرر إعادة ما تبقى من رفاته إلى فرنسا -وطنه الأم- عام 1667، ودفن في كنيسة "سان جيرمان دي بري" في العاصمة باريس.

وبمقتضى اتفاقية وطنية عام 1792، تقرر نقل رفاته إلى معبد البانثيون في باريس، حيث مقبرة العظماء، إلا أنه عمليا استعصى تنفيذ هذا القرار، وبقي مدفونا في كنيسة سان جيرمان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی الفلسفة إلى فرنسا فی مدینة من خلال إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

خالد حمادي.. رجل الأعمال الذي باع (طريق الشعب) في الإشارات الضوئية !

بقلم: فالح حسون الدراجي ..

يتفق معي الكثيرون على أن الكتابة عن (شخص غريب) أبسط وأسهل من الكتابة عن (شخص قريب).. وصدقاً أني لم أتوصل لمعرفة أسباب ذلك، رغم أني تعرضت الى هذا الامتحان الصعب أكثر من مرة، سواء في استشهاد شقيقي خيون (أبو سلام) أو عند رحيل والدي الحاج أبو خيون، أو بإصابة ابن عمي المناضل (النصير) سامي الدراجي (أبو سومر) ومن ثم رحيله الموجع، أو في نكبات عديدة أخرى توقف فيها قلمي عن الكتابة تماماً، ولم تسعفني كل الأدوات والخبرات الكتابية والصحفية التي في حوزتي.. وحالة الشهيد الشيوعي البطل خالد حمادي واحدة من الحالات التي جف فيها حبر قلمي، ولم أستطع الكتابة قط.. فخالد حمادي لم يكن شخصاً مثل غيره، ليس لأنه يخصني بأكثر من خصوصية وعلاقة وقربى فحسب.. إنما ثمة علاقة روحية وشخصية بيننا.. فهو خال بنتي ومسؤولي الأول في اتحاد الشبيبة الديمقراطي، ومسؤولي في الحزب الشيوعي بمطلع سبعينيات القرن الماضي، وهو صديق عزيز، وشخص نبيل، وهادئ، ومثقف سياسي من النوع العالي، وهو متحدث رائع لا يظاهى رغم أنك لا تسمع صوته حتى لو جلست بجواره كتفاً الى كتف.. إنه باختصار، شخص رائع (تخليه بنص گلبك) كما يقول العامة ..

نعم، لقد تأجلت الكتابة عن إعدام الشهيد خالد حمادي عندي أكثر من ربع قرن، وهي فترة تتناسب مع الفترة التي توقف فيها قلمي عن الكتابة في نكبات ومصائب مماثلة أخرى .. واليوم حين وجدت أن ( ماعون الصبر قد فاض) بحيث لم يعد ثمة مجال لأي تأجيل آخر، جلست أمام الكيبورد، وفي رأسي وقلبي شريط طويل عن خالد حمادي.. شريط طوله 53 سنة، يبدأ من جذر العلاقة والرفقة والصداقة مع هذا الكائن المثالي في المبادئ والقيم والنبل والكرم والبسالة والثبات على المبدأ.. نعم لقد مرت 53 عاماً على أول لقاء لي به، حين دخل علينا في بيت أحد الرفاق وقدم لنا نفسه باسمه الحزبي قائلاً : أنا مسؤولكم الجديد .. رحبنا به، وبدأ الاجتماع بحديثه عن تجاوزات السلطة البعثية رغم أنها تعرض ميثاقاً للتحالف الجبهوي ..!

لقد كان يتحدث بهدوء عجيب، ولغة صافية ودقيقة، وكان يختصر موضوعاته بتكثيف فذ يذكرك بالحكواتي الذي يمسك بتلابيب حكايته مثلما يمسك بتلابيب قلوب مستمعيه الصغار .. كان أعضاء خليتنا ينصتون اليه فحسب، بينما كنت الوحيد الذي ينصت اليه وفي نفس الوقت ينظر الى ملامحه ويتفرس وجهه الممتلئ باللحم .. حتى كنت أقول في سرّي : (كيف صار هذا البرجوازي – أبو لغد – شيوعياً) ؟

لم أكن أعلم أن صاحب هذا اللغد (شابع ضيم وظلايم)، وأن خلف هذا (البرجوازي المترف) تاريخاً من الفقر والعوز والنضال، وظلمة الزنازين والمعتقلات السرية.. وليالي طويلةً من التعذيب الدامي في (قصر النهاية) الذي أفقده إحدى عينيه..

وطبعاً انا لم أكن ولا حتى رفاقي في الخلية يعلمون أن صاحب البدلة الأنيقة الذي يدير اجتماعنا هو خالد حمادي القادم من منطقة ( العذارية ) في الديوانية، والمنتقل مع أسرته الى قطاع 24 في مدينة الثورة، وأنه شقيق لثلاثة أخوة شيوعيين، وثلاث شقيقات شيوعيات – واحدة منهن ستصبح زوجتي يوماً ما ، والأخرى زوجة للشاعر الشهيد ذياب كزار أبو سرحان- ولم أكن أعرف أن هذا الرجل الوديع قد ( دوّخ ) الحرس القومي و الأجهزة الأمنية في محافظة الديوانية بل وفي عموم منطقة الفرات الأوسط، ولم تسترح هذه الأجهزة منه حتى اعتقلته وحكمت عليه محاكمها بالإعدام ليُخفض الحكم – جماعياً – الى السجن المؤبد ..

لقد مرّ الشريط أمامي وأنا أبدأ كتابة هذا المقال، وها هي سيرته المكتنزة تلمع بالمواقف المبدئية، والقصص الإنسانية، والتأريخ المزدحم بالمآثر والتضحيات، فتحار من أين تبدأ، وماذا تختار وأنت امام سفر مليء بالحكايات التي تصلح جميعها للتدوين! ..

وأذكر هنا أن الرفيق حيدر الشيخ علي طلب من ( الرفيق ) خالد حمادي قبول زيارة وفد من الحزب لغرض طلب يد شقيقته.. باعتبار أن خالد هو صاحب الكلمة المسموعة في بيت الراحل حمادي راضي، رغم وجود أشقائه خزعل وطارق وشاكر وباسم، لكن خالد ابتسم وقال : آني راح أجي وياكم خطّاب مادام الخطوبة لرفيق فالح .. !!

وبهذه الجملة حسم خالد موضوع الخطبة لصالحي.

ثمة مواقف أخرى لأبي أحمد، منها موقفه الشهير في محكمة المجرم عواد البندر عام 1989 بعد إعلان حكم الإعدام عليه وعلى مجموعته الشيوعية التي ضمت سبعة رفاق .. حيث وقف خالد بقامته المديدة، وراح يهتف بسقوط صدام حسين، وحياة الشعب العراقي والحزب الشيوعي، حتى أن أحد الحراس في المحكمة حكى بنفسه لأبناء قطاع 24 في مدينة الثورة ما فعله خالد حمادي في تلك المحكمة، وما قاله للمجرم عواد بندر، وقد إختصر هذا الحرس كلامه بجملة واحدة، قال فيها: ( هذا خالد حمادي ما جايبته مرة إنما جايبته نسره) .. !!

ثمة موقف كبير اخر يجب أن أحكيه للتاريخ وللأمانة..

لقد عمل خالد حمادي بعد خروجه من المعتقل و انتقالهم الى بغداد في نهاية الستينيات في مجال الصناعة، ولأنه رجل نزيه وصادق في عمله فضلاً عن مهاراته الصناعية، فقد نجح نجاحاً كبيراً وأصبح علماً من أعلام صناعة الأصباغ والبتروكيماويات والشتايكر وغيرها، و رقماً مهماً بشركاته ( شركة الشرق ) وغيرها ليس في العراق فحسب بل حتى في بلدان الخليج وعموم المنطقة أيضاً، ورغم ذلك لم ينقطع خالد عن عمله الحزبي كشيوعي مناضل جسور، إذ تعرض للأسف الى خيانة (أحدهم)، اعتقل على إثرها مع مجموعته الشجاعة، وقد استخدمت ضده في التحقيق وفي المحكمة كذلك، مستمسكات ووثائق زودهم بها من (خان الأمانة) !.. فجاء الحكم عليه بالإعدام، وقد نفذ الحكم في عام 1989 وهو يهتف بحياة الشعب والحزب الشيوعي ..

وهنا أذكر موقفاً آخر لأبي أحمد، حين حاصرت الأجهزة الأمنية توزيع جريدة طريق الشعب بعد منتصف السبعينيات، وشددت مراقبتها على المكتبات ومنافذ بيع الصحف وأصدرت أوامرها السرية بعدم توزيع وبيع جريدة الحزب الشيوعي (طريق الشعب) وإلا فثمة عقوبات صارمة تنتظر المخالف، اضطر على إثرها الحزب الى توزيعها وبيعها يدوياً بواسطة الرفاق في المنظمات الحزبية .. وهكذا تطوع عدد كبير من الرفاق في مختلف مدن العراق، ومن بينها مدينة الثورة للوقوف عند الإشارات الضوئية والمناداة : اشترِ طريق الشعب .. اشترِ جريدة الحزب الشيوعي .. وكان رجال الأمن يتحاشون الاصطدام المباشر بهؤلاء الرفاق، فقد كانت الجبهة الوطنية لم تزل موجودة آنذاك.. ورغم الصعوبة فقد كان لخالد حمادي دور لم يزل يرويه بعض الرفاق في الجلسات والإجتماعات، حين وقف أبو أحمد بجثته وهيئته الفخمة، ووجهه الباذخ، مرتدياً بدلته الإنكليزية، وربطة عنقه الفرنسية، وحذاءه الإيطالي عند ( الترفيك لايت )، منادياً باسم جريدة طريق الشعب..في مشهد غريب لا يتناسب وهيئة بياعي الصحف، لكن خالد كان يتقصد ذلك المشهد والظهور بتلك الصورة من أجل الفات نظر الناس، وفضح السلطة البعثية .. وفي مرة أراد أحد رجال الأمن السريين إهانته عند الترفيك لايت، فقام بوضع درهم في يد خالد مثلما يوضع عادة في يد الشحاذ، لكن خالد لحقه وأعطاه جريدة طريق الشعب، إلا أن رجل الأمن أعاد اليه الجريدة قائلاً: أنا لا أقرأ هذه الجريدة !!

فضحك خالد وقال له بخشونة : إذن خذها وأعطها للضابط المسؤول عنك ليقرأها، عسى أن يتثقف ويصير آدمي !!

فالح حسون الدراجي

مقالات مشابهة

  • الصبي الذي سيكبر يومًا
  • خالد حمادي.. رجل الأعمال الذي باع (طريق الشعب) في الإشارات الضوئية !
  • ترامب وقّع 185 قرارًا تنفيذيًا منذ توليه الرئاسة.. ما الذي شملته؟
  • انطلاق فعاليات المؤتمر السادس لعلوم الرياضيات وتطبيقاتها بمشاركة متحدثين من جامعات عالمية
  • رئيس الجمعية العامة: يجب مكافحة العبودية الحديثة التي يرضخ لها 50 مليون شخص حول العالم
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • صور.. الاتجاهات العالمية الحديثة في توظيف الذكاء الاصطناعي في المنتج الثقافي والإعلامي
  • لماذا أصبحت المقلاة الهوائية خيارا مفضلا في المطابخ الحديثة؟
  • السكوري يوقع اتفاقية شراكة مع العملاق إريكسون لخلق مناصب شغل وتوفير التقنيات الحديثة للشباب المغربي
  • محافظ المنيا الأسبق: العولمة تحاول هدم الإنسان من خلال التكنولوجيا الحديثة