عربي21:
2024-11-06@03:34:32 GMT

كارثة السودان المنسية

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

لن نتوقف عن تكرار ما صرخنا به في أكثر من مقال سابق من أن حرب الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2023، والتي لاتزال حتى اللحظة تقتل وتحرق وتدمر في السودان، أفرزت كارثة مأساوية هي، بكل المقاييس، من ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر.

هذه النتيجة تعززها المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية، وقبل ذلك صرخات الاستغاثة وأنات الألم من الضحايا لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت بالرصاص، أو جوعا، أو نتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، أو قهرا بسبب الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة، كما تعززها ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.



وكما أشرنا عدة مرات، أنه ومنذ اندلاع الحرب، تضافرت وتداخلت جملة من العوامل في تركيبة كارثية ومميتة من جراء الاقتتال المباشر اشتملت على النزوح والتشرد وشح المدخلات الزراعية والدمار الذي حاق بالبنية التحتية للصناعات الغذائية والخدمات الصحية في السودان، لتضع أكثر من 65٪ من سكان السودان في حاجة مباشرة للمساعدات الإنسانية، وما يقرب من 50٪ من التعداد الكلي للسودانيين في حاجة ماسة للعون الغذائي، بينما حوالي 20 مليون منهم في حالة العوز الغذائي الحاد.

وتسببت الحرب في تناقص مساحة الأراضي التي تمت زراعتها هذا العام الى 37٪ بالمقارنة مع الأعوام السابقة، كما أن هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منع زراعة مليون فدان في الموسم الزراعي الحالي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية، وعطل سلاسل الإمداد بالمدخلات الزراعية مسببا نقصان المساحة المزروعة بالقمح بنسبة 70٪ على الأقل.

أيضا، لم تسلم مخازن صندوق الغذاء العالمي من عمليات النهب المتعددة خلال هذه الحرب، وكان آخرها في 28 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، عندما قامت قوات الدعم السريع بنهب مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، ونهب مخزون الأغذية التي كان من المخطط لها أن تغطي الحاجة الغذائية لمليون ونصف مواطن سوداني لمدة شهر، بالإضافة إلى معالجة أوضاع سوء التغذية لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.

وتزايدت حالات الوفاة نتيجة لانعدام الغذاء في مناطق متعددة من البلاد، وخصوصا في المناطق المحاصرة والمتأثرة بالصراع بشكل مباشر مثل الخرطوم ودارفور، فيما ألقت أوضاع الحرب أيضاً بآثارها على الأوضاع الإنسانية في المناطق خارج سيطرة الجيش والدعم السريع، في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وهي مناطق كانت تشهد بالأساس أوضاعا إنسانية صعبة. أما العجز في تمويل احتياجات المعونة الغذائية التي يحتاجها الوضع في السودان فقد بلغ حوالي 80٪، ومن المؤكد أن الوضع الغذائي والصحي في البلاد يتدهور يوميا مع استمرار القتال.

إن هذه الإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الوطنية والأممية حول الكارثة الإنسانية في السودان، ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة الى ضمير العالم لكي يصحو، واستنفار لدول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة، ودعوة إلى المنظمات الأممية العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة.

التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان هو المطلب الرئيس والأساسي صحيح أن التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد إستمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة المتفشية وانعدام الغذاء والدواء، فإن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.

وفي اعتقادي، إن أقل ما يمكن أن يقوم به الضمير العالمي تجاه هذه المأساة المنسية، هو تفعيل دور مجلس الأمن الدولي عبر استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لصلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.

إن الرسالة الواضحة التي ترسلها مأساة السودان إلى العالم ملخصها أن شعب السودان يواجه الموت، صحيح بسبب استمرار العنف وغياب الأمن والأمان، ولكن أيضا بسبب انعدام الغذاء والدواء، وتدني الخدمات الاساسية الضرورية للحياة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وبسبب ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال وإلى حل سياسي في الأفق القريب. أما ضعف الاستجابة من منظومات المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية المعنية، وتقصير العالم في أن يولي هذه المعاناة الإنسانية المتفاقمة ما تستحق من اهتمام، فهو أمر معيب وغير مقبول. وكون العالم لا يضع هذا الأمر في مقدمة أولوياته، فهذا خلل يقترب من حد الجريمة.

لكن، ليس العالم وحده هو من يتحمل وزر هذه الجريمة، وإنما المسؤولية بالأساس تقع على عاتق القوى المدنية والسياسية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن التأثير المباشر لهذه الكارثة الإنسانية. هذه القوى المنقسمة على نفسها، إذا كانت هناك قضية واحدة من المفترض أن تتوحد حولها، فهي كيفية استثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت من جراء هذه الكارثة. حوارات العملية السياسية، وفترات الإنتقال، وجدل التأسيس ومخاطبة جذور الأزمة، وغيرها، كلها قضايا هامة ومطلوب بحثها والتوافق حولها، ولكن الأولوية الآن هي كيفية إنقاذ الشعب السوداني من تداعيات الكارثة الإنسانية المهلكة. لذلك أتمنى أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال أي من اجتماعات القوى المدنية السودانية، وأن تكون هي المفتاح لفك عقدة وحدة هذه القوى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان كارثة المفاوضات السودان المفاوضات كارثة الصراع مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکارثة الإنسانیة هذه الکارثة فی السودان

إقرأ أيضاً:

فيضانات فالنسيا: شحّ المساعدات من الحكومة المركزية يقابله مزيد من التضامن الشعبي لتجاوز آثار الكارثة

يُظهر سكان فالنسيا مؤازرة وتضامنًا اجتماعيًا للخروج من آثار الفيضانات العنيفة التي اجتاحت الشوارع الأسبوع الماضي وأودت بحياة أكثر من مئتي شخص شرق البلاد، وسط مساعدات شحيحة من الحكومة.

اعلان

وقد أنشأ المتطوعون خلايا لمكافحة الأزمة تضمنت تقديم مساعدات طبية وغذائية في جميع أنحاء المدينة، إذ يقول كارلوس مويا، وهو ممرض متطوع، إن هناك فريقًا مؤلفًا من أطباء وممرضين يجولون على المنازل للتأكد من سلامة ساكنيها.

متطوعون في مدرسة مخصصة لمساعدة المتضررين من الفياضات يفرزون الملابس لتوزيعها على الناس، في ضواحي فالنسيا، إسبانياAlberto Saiz/AP

من جهة أخرى، ينتاب الناس شعور بتخلي الدولة عنهم وإهمالها لشؤونهلأنهم، إذ تقول آنا إيزابيل زومينو، وهي إحدى المقيمات في المنطقة: "الشارع هنا مليء بالسيارات المكدسة.. ولم يأتِ أحد من الدولة للمساعدة".

Relatedإسبانيا: الآلاف من المتطوعين يتكاتفون لتنظيف ما خلفته الفيضانات المدمرة في فالنسيافيضانات فالنسيا: احتجاجات عارمة تستقبل الملك فيليبي السادس أثناء زيارته لإحدى المناطق المنكوبة برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصحُ بعد من آثار الفيضانات

وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء، اجتاحت فيضانات مفاجئة شرق إسبانيا، مبتلعة كل ما يعترض طريقها ووجدوا السكان أنفسهم محاصرين داخل السيارات والشركات والمنازل. وقد لقي أكثر من مئتي شخص مصرعهم، ودمِّرت منازل الآلاف.

رجال من الدفاع المدني يتفقدون وجود ضحايا داخل السيارات بعد الفيضانات في بايوبورتا، بالقرب من فالنسيا، إسبانياAlberto Saiz/AP

كما تسببت الفيضانات في تدمير تسعين كيلومترًا من شبكة السكك الحديدية في المنطقة، وسيستغرق الأمر شهورًا للعودة إلى الوضع الطبيعي على حد تعبير المسؤولين، فضلًا عن ترك الكارثة جراحا في ذاكرة وقلوب الإسبان لا تندمل ولا يمكن نسيانها.

المصادر الإضافية • Emma De Ruiter

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الأرجنتين تفتتح أكبر معرض للقنب في أمريكا الجنوبية.. فيه عينات من الماريغوانا وأنواع من الفطر هاريس وترامب يخوضان حملة غاضبة.. في اللحظات الأخيرة.. قبيل يوم الاقتراع ماذا تعني بالنسبة لأوروبا الاتفاقية الدفاعية الجديدة بين بريطانيا وألمانيا؟ متطوعون كوارث طبيعية فيضانات - سيول ضحايا إسبانيا اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. الحرب بيومها الـ396: فجر دام في بيت لاهيا وقصف عنيف على المستشفيات ومظاهرات في تل أبيب يعرض الآن Next هاريس وترامب يخوضان حملة غاضبة.. في اللحظات الأخيرة.. قبيل يوم الاقتراع يعرض الآن Next برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصحُ بعد من آثار الفيضانات يعرض الآن Next ماذا تعني بالنسبة لأوروبا الاتفاقية الدفاعية الجديدة بين بريطانيا وألمانيا؟ يعرض الآن Next جورجيا: مظاهرات ضد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة واتهامات بالتزوير وتدخل روسيا في الاستحقاق اعلانالاكثر قراءة إسبانيا: الآلاف من المتطوعين يتكاتفون لتنظيف ما خلفته الفيضانات المدمرة في فالنسيا فيضانات فالنسيا: احتجاجات عارمة تستقبل الملك فيليبي السادس أثناء زيارته لإحدى المناطق المنكوبة أحكام بسجن "نجوم تيك توك وأنستغرام" في تونس بسبب خرق قواعد "الأخلاق الحميدة" دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما حب وجنس في فيلم" لوف" اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024غزةروسيادونالد ترامبألمانياكامالا هاريسعاصفةفيضانات - سيولإسرائيلالأرجنتينالاتحاد الأوروبيالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • ولي عهد أبوظبي: الإمارات تدعم الحلول المستدامة لتأمين الغذاء في العالم
  • سمو أمير البلاد يتسلم رسالة خطية من رئيس جنوب السودان تسلمها وزير الخارجية
  • كارثة لم يسبق لها نظير في تاريخ البلاد.. اسعار الصرف تهوي بشكل مدوي مع اعلان محلات الصرافة الاسعار الجديدة اليوم
  • فيضانات فالنسيا: شحّ المساعدات من الحكومة المركزية يقابله مزيد من التضامن الشعبي لتجاوز آثار الكارثة
  • الخطوط الفرنسية توقف رحلاتها فوق البحر الأحمر.. ما علاقة السودان؟
  • البرهان: نفخر بالنهضة التي حققتها مصر في جميع الخدمات الإنسانية
  • حصار داخل حصار.. "هآرتس" تتحدث عن الكارثة الإنسانية شمال قطاع غزة
  • توقعات بانخفاض درجات الحرارة ورياح شمالية شرقية في أجزاء متفرقة من السودان
  • إسبانيا وجهودٌ مضنية للبحث عن جثث غرقت في وحلِ أسوء كارثةٍ طبيعية في تاريخ البلاد المعاصر
  • عبد المولى: الرئاسي والدبيبة يعملون على تأجيج الوضع وخلق الفُرقة