لجريدة عمان:
2025-03-17@15:14:33 GMT

ورقة المقارنات بين الساسة والشعوب

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

أسلمتنا أحداث التاريخ المعاصر وحتى القديم ليقين مفاده أن السياسة عالم مفتوح على كل البدائل والاحتمالات، طالما كلها خيارات وأوراق تصب في مصلحة الطرف الأقوى في معادلة الصراع السياسي أو التنافس الاقتصادي، وقد اتسعت رقعة وفضاءات هذه الفسحة لتشمل كل المشروع وغير المشروع، القانوني وغير القانوني، الإنساني وغير الإنساني، ويبقى كل ذلك بيد المتنفذ من الساسة الذي يمكنه تسخير قبيلة من المحامين والإعلاميين ورجال السلطة (في كل مكان بالعالم أو حيث تسكن مصلحته) لشرعنة غير المشروع، وتقنين غير القانوني، وأنسنة غير الإنساني مستخدمين أيسر وأقدم الطرق في ذلك عبر ورقة المقارنات المستهلكة في لعبة السياسة التاريخية، وكواليسها ودوائر الضوء بها، يكفي حينها الربط بين صراع معاصر وصراع تاريخي لإقناع الرأي العام ومتخذي القرار معا بأحقيته وشرعيته وقوة رأيه، أو الربط في مقارنة أخرى بين جماعة معاصرة وأخرى قديمة لينتزع الحق قسرا من أفواه الضحايا ليلقمها فك المجرمين.

وهكذا كان الأمر لعقود من الزمن فيما شهدنا من تاريخنا المعاصر، وفيما لم نشهد من عقود سبقتنا كان النصر فيها حليف الأقوى لا المستحق، والغلبة فيها للأغنى ليس للأجدر منطقا وقانونا، فلا قانون فوق نفوذ الأقوى ولا سلطة فوق المال، لكن الشعوب فطنت لهذه الورقة (ورقة المقارنات) بعد تكرارها مرات عديدة حدّ تكشفها واحتراقها، بل وتوثيقها بعد انتهاء فترة النفوذ وبداية نقد المرحلة، استخدمتها كذلك لاستذكار مقارنات تاريخية تغذي طاقتها في الانتصار لحق شعب ما، أو الثورة دعما لحق فرد أو مجموعة أو دولة بحاجة لهذه النصرة وهذا الدعم الشعبي، فكانت المقارنات وسيلتهم لاستحضار الأمس وقودا لإدراك ما تم تفويته أوان الضعف وانحسار الوسائل بعد القوة وتوفر الوسائط والوسائل في هذا العالم المفتوح الذي حوّل العالم؛ كل العالم إلى قرية صغيرة.

ومن مقارنات الساسة وأصحاب النفوذ عالميا ما يحاولونه اليوم في الغرب من ربط جرائم إسرائيل بروسيا، وما يفعله مجرمو إسرائيل بشعب فلسطين بما يحاوله بوتين مع أوكرانيا، وليس ذلك محاولة لاستعداء روسيا أو شيطنة بوتين بقدر ما هو ورقة (مقارنات) فاعلة لتحييد موقف روسيا في هذه المرحلة، كأن الفكرة هي «نشتري سكوتكم بسكوتنا عنكم» وإن قلنا تحييد روسيا فلا ننسى إطلاقا أن الصين كذلك في المربع ذاته مع أولئك المراد تحييدهم بعيدا عن المعركة الحالية، استخدمت بعض الدول والحكومات ورقة المقارنات كذلك لإخراس الخصم المتوعد انطلاقا من نفوذه لا من عدله أو شرعيته، تماما كما كانت تفعل الصين في ردها الدوري على تقرير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الإنسان في الصين متضمنا سلسلة من انتهاكات ومخالفات الصين، حيث تحرص بفريق عمل مختص ومجهز معرفيا ومهاريا لإعداد تقرير مماثل متضمن لكل انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية مدعما بتوثيق كل تلك الانتهاكات بالأدلة والبراهين والإحصاءات لإغلاق كل منافذ المقاضاة، ليجد القاضي نفسه أجرم من أن يسائل وأضعف من أن يقاضي، ولعل تقرير الصين هذا العام سيتضمن سردا لكثير من ذلك متضمنا قمع حرية الرأي والتعبير في الجامعات الأمريكية والصحف الحرة.

مقارنة أخرى اشتغلت عليها إسرائيل مع صنّاعها وحلفائها ومريديها هي ورقة المقارنة بين محرقة اليهود وواقع إسرائيل اليوم بعد ربطها ضمنيا بين اليهودية والإسرائيلية، وهو طعم استمرأته أوروبا وكثير من دول العالم عقودا كثيرا ومررت إسرائيل عبره الكثير من أجنداتها السياسية والاقتصادية وحتى سردياتها التاريخية المصنوعة المضللة، في المقابل جاءت ورقة المقارنات التي استخدمتها الشعوب لتنتصر للضحايا الذين وجدوا في المقارنات التاريخية اتحادا إنسانيا وتضامنا واجبا، إذ لن يشعر بالشعب المقهور إلا شعوب مرت بذات القهر والتهجير والقتل، كل ذلك حصل بعد تفكيك السرديات النمطية، وهلهلة النصوص المصنوعة المضللة نهوضا بشعوب تختزن الكثير من المظالم التاريخية كإيرلندا وسكوتلاندا وشعوب إفريقيا منتصرة لحق الفلسطينيين منددة بجرائم الاحتلال، ومن حسنات هذا الجهد الشعبي المهول تفكيك الارتباط العقدي بين الصهيونية كدولة احتلال والديانة اليهودية بكافة معتنقيها ممن عانوا ذات المعاناة في القتل والتصفيات العرقية والتهجير واكتشفوا الآن بعد عقود من التعمية أن المسلمين كانوا الأقرب إلى نصرتهم والأحرص على إنصافهم.

ليست المرة الأولى تاريخيا التي ينقلب فيها السحر على الساحر، ولن تكون الأخيرة وقد تكون المرحلة القادمة من عمر هذا الصراع مرحلة حاسمة في قلب موازين الحسابات السياسية وأجنداتها، بل لن نبالغ إن قلنا بإمكانية تأثيرها في قلب موازين القوى عالميا، مؤشرات كثيرة تسير تباعا لتظهر الحق شمسا بعدما دلتنا عليه أضواء شتى بداية من تحول الرأي الشعبي العالمي، موقف جنوب إفريقيا المشرف، ثم موقف قادة المستقبل في الجامعات الأوروبية وأشهر جامعات أمريكيا وأوروبا وأكثرها تقدما، ثم موقف محكمة العدل الدولية في المرتين الأولى والثانية التي لا نأمل أن تكون الأخيرة حتى حين تضمنت هي الأخرى إحدى المقارنات بين قادة إسرائيل وقادة حركة حماس.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العباسة بجازان

أدخل مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية مسجد العباسة في محافظة أبو عريش بمنطقة جازان، الذي يُعد أحد أقدم المساجد في المنطقة وضمن أبرز المباني التراثية فيها، إذ يعمل المشروع على تجديد المسجد وفق طرازه المعماري الفريد باستخدام مواد البناء الطبيعية والمحافظة على قبابه الثلاث التي تميز عمارته.

وسيطور مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد العباسة الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1262هـ، بنفس مواد البناء الطبيعية الأصلية المستخدمة في بنائه، وسيحافظ المشروع على شكل المسجد الذي يتميز بقبابه الثلاث التي تميز عمارته، وعلى تفاصيله الداخلية المتمثلة في المحراب الذي تعلوه لوحة منقوشة بها آيات قرآنية ومدوّن عليها تاريخ بناء المسجد، كما يتميز المسجد بعمارته الحجرية التي تمثل امتدادًا للبيئة المحيطة، واستخدم طوب الآجرّ في تشكيل خصائص بنائه.

وسيحقق المشروع تعزيز أصالة بناء المسجد الذي ستصل مساحته بعد تطويره إلى نحو 435.38م2، وتتسع طاقته الاستيعابية لـ165 مصليا، وحمايته مع تقدم الزمن.

ويأتي مسجد العباسة – ” https://goo.gl/maps/JmgwHnxVKmoGZZwA6 ” – ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية التي شملت 30 مسجدًا في جميع مناطق المملكة الـ13، ‏‎بواقع 6 مساجد لمنطقة الرياض، و5 مساجد في منطقة مكة المكرمة، و4 مساجد في منطقة المدينة المنورة، و3 مساجد في منطقة عسير، ومسجدين في المنطقة الشرقية، ومثلهما في كل من الجوف وجازان، ومسجد واحد في كل من الحدود الشمالية، وتبوك، والباحة، ونجران، وحائل، والقصيم.

اقرأ أيضاًالمجتمع“البيئة”: وفرة في إنتاج العنب المحلي تتجاوز (122) ألف طن سنويًا واكتفاء ذاتي يصل إلى (66%)

يُذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية أتى بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي شملت إعادة تأهيل وترميم 30 مسجدًا تاريخيًا في 10 مناطق.

وينطلق المشروع من أربعة أهداف إستراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، ويسهم في إبراز البُعد الثقافي والحضاري للمملكة الذي تركز عليه رؤية 2030 عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة والاستفادة منها في تطوير تصميم المساجد الحديثة.

مقالات مشابهة

  • تجديد مسجد العباسة في جازان ضمن المساجد التاريخية
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العباسة بجازان
  • مشروع السعودية لتطوير المساجد التاريخية يرمّم مسجد السعيدان بالجوف
  • بصرى الشام.. مدينة البشارة النبوية والآثار التاريخية
  • تحديث بيانات أعضاء الكنترولات استعدادا لـ امتحانات الثانوية العامة 2025
  • كاتب إيطالي: إسرائيل تلعب ورقة الطائفية كما فعلت فرنسا قبل قرن
  • سؤال برلماني حول خطة الحكومة بشأن مباني القاهرة التاريخية
  • نائب ترامب: غزونا للعراق دمّر أحد أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم
  • أبرز المحطات التاريخية في علاقة الذهب بالدولار
  • محمد رمضان يحقق حلم رجل من سوهاج بالذهاب للعمرة في مدفع رمضان