القضية الفلسطينية في لحظة تاريخية
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
مُنيت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية بضربتين قويتين، سواء في سياقهما القانوني والسياسي أو حتى في سياقهما الرمزي الذي لا يقل أهمية عن أي سياق آخر في ظل الصراع الطويل بين المحتل الإسرائيلي وأصحاب الأرض «الفلسطينيين» حيث يبدو السياق الرمزي في مثل هذه الصراعات في غاية الأهمية.
كانت الضربة الأولى في إصدار المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أمرا لاستصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو ووزير دفاعه جالانت، وكان هذا الأمر حتى في سياقه الرمزي تاريخيا، خاصة وأن القرار كان مسببا «لارتكابهما جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالحرب في غزة».
وقال المدعي العام كريم خان «إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه جالانت، يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، وأضاف أن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين إسرائيليين حرموا بشكل ممنهج «فلسطينيين» من أساسيات الحياة، وأن نتانياهو وجالانت متواطئان في التسبب بمعاناة وتجويع المدنيين في غزة».
أما الضربة الثانية التي منيت بها إسرائيل يوم الجمعة فكان مصدرها «محكمة العدل الدولية» التي أمرت إسرائيل بوقف حربها على رفح فورا، وفتح المعبر لمرور المساعدات الإنسانية.
ورغم أن إسرائيل تحدت محكمة العدل ولا يبدو أنها ستهتم كثيرا بالقرار إلا أن مجرد صدوره يعتبر ضربة قوية لها، وله انعكاسات عميقة على الحرب في غزة وبشكل أوسع على القضية الفلسطينية، ومكانة إسرائيل في المجتمع الدولي التي تمر بأسوأ مراحلها منذ بدء أكثر من سبعة عقود.
يمثل أمر الجنايات الدولية وحكم محكمة العدل الدولية تحولًا كبيرًا في المواقف القانونية والدبلوماسية الدولية تجاه تصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويؤكد قرار محكمة العدل الدولية على عدم شرعية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويدينها باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي والأعراف الإنسانية. وهذا الحكم ينزع الشرعية عن رواية إسرائيل المتعلقة بالدفاع عن النفس، ويسلط الضوء على الطبيعة غير المتناسبة والعشوائية لأعمالها العسكرية ضد السكان المدنيين في غزة.
وإذا ما تم قراءة الأمر إلى جوار تحرك المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتانياهو ووزير دفاعه لارتكاب «جرائم حرب» فإن الأمر يفاقم الضغوطات القانونية والأخلاقية على إسرائيل، ويبعث هذا الإجراء غير المسبوق برسالة قوية مفادها أن المجتمع الدولي لن يتسامح بعد الآن مع الإفلات من العقاب على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.. فهو بمثابة إدانة قوية للسلوك العسكري الإسرائيلي وسياسته الأوسع تجاه الفلسطينيين، مما يشير إلى نقطة تحول محتملة في الصراع على المدى الأبعد.
وهذان القراران حتى لو لم يجدا سبيلا للتنفيذ إلا أنهما يدعمان القضية الفلسطينية على عدة جبهات. أولاً: أنهما يوفران أساسًا قانونيًا قويًا للفلسطينيين للسعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن الفظائع المرتكبة ضدهم. إن اعتراف أعلى الهيئات القانونية في العالم بعدم شرعية تصرفات إسرائيل والمسؤولية الجنائية لقادتها يدعم الفلسطينيين في سعيهم للحصول على الدعم والتدخل الدوليين.
ثانيًا: تعزز هذه الأحكام الشرعية الأخلاقية والسياسية للنضال الفلسطيني. إنهما يحولان الصراع من مستعصٍ بين طرفين متساويين إلى حالة واضحة لشعب مضطهد يسعى لتحقيق العدالة ضد قوة احتلال. ومن الممكن أن تؤدي عملية إعادة الصياغة هذه إلى تحفيز الرأي العام العالمي وزيادة الضغوط على الحكومات لدفعها نحو اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل، مثل فرض العقوبات أو قطع المساعدات العسكرية.. وهذا ما بدأ يتحقق عبر اعتراف كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج بالدولة الفلسطينية وتصريح إسبانيا بشكل علني أن إسرائيل ترتكب «إبادة جماعية»، ومثل هذا التصريح عندما يأتي من دولة غربية عضو في الاتحاد الأوروبي له وقع مختلف تماما عمّا لو صدر من دولة عربية على سبيل المثال.
أما لإسرائيل فتمثل هذه التطورات جميعا ضربة قاسية لصورتها الدولية؛ فصورة إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط تواجه شرخا كبيرا وتحديا عميقا في ذهنية الغرب، سواء في ذهنية الجماهير أو حتى الساسة الذين وجدوا أنفسهم في حرج كبير وفي مواجهة أمام شعوبهم.. فمؤسسات النظام العالمي تصنفها الآن باعتبارها دولة ترتكب أخطر عملية إبادة في القرن الحادي والعشرين، وقادتها يلاحقون باعتبارهم مجرمي حرب، وهذا الأمر يضرب السردية الغربية عن إسرائيل بنفس القدر الذي يضرب السردية الإسرائيلية عن مشروعها وعلى الفلسطينيين الذين تم تصويرهم لعقود طويلة بوصفهم متطرفين ومتشددين وضد أي بناء حضاري!
وفي هذه اللحظة «التاريخية» يتعين على الدول العربية اغتنام الفرصة لدعم القضية الفلسطينية، والاستفادة من كل القنوات الدبلوماسية لتعظيم قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وحث دول العالم على الاعتراف بأحكام المحكمة الدولية والجنائية الدولية. إن الجهود العربية المنسقة مع الدول الصديقة وخاصة تلك التي اعترفت مؤخرا بالدولة الفلسطينية للضغط من أجل فرض عقوبات دولية أوسع ضد إسرائيل وتعزيز الرواية الفلسطينية يمكن أن تبني جبهة قوية ضد الإفلات الإسرائيلي من العقاب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة القضیة الفلسطینیة الجنائیة الدولیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
علي فوزي يكتب: القضية الفلسطينية بين المطرقة والسندان
القضية الفلسطينية تواجه ضغوطًا شديدة ومتشابكة في ظل التحديات المستمرة، وهي بين "المطرقة" الاعتداءات المستمرة وسياسات الاحتلال الإسرائيلي، و"السندان" الانقسامات الداخلية والعوامل الإقليمية والدولية المعقدة.
فالاحتلال الإسرائيلي يستمر في سياساته التوسعية عبر الاستيطان في الضفة الغربية، والإجراءات القمعية في القدس وقطاع غزة، التي تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، وسط دعم دولي متباين ومستمر لإسرائيل، خاصة من بعض القوى الكبرى.
من جهة أخرى، تعاني الساحة الفلسطينية من انقسامات داخلية بين الفصائل الرئيسية، مثل فتح وحماس، مما يُضعف الجبهة الداخلية ويحدّ من قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى موقف موحد لتحقيق أهدافهم الوطنية. هذه الانقسامات تمنح إسرائيل فرصة لفرض سياسات جديدة دون معارضة موحدة.
وعلى الصعيد الدولي، تبدو الخيارات محدودة أمام الفلسطينيين، حيث تظل القضية الفلسطينية في ظل التوازنات الإقليمية الحالية، رهينة للصراعات والتحالفات السياسية التي غالبًا ما تتغاضى عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ورغم أن العديد من الدول العربية تجدد دعمها للقضية الفلسطينية، فإن موجة التطبيع الأخيرة مع إسرائيل، دون تحقيق تقدم فعلي في ملف الدولة الفلسطينية، أضافت تعقيدًا جديدًا للمشهد.
بذلك، يقف الفلسطينيون بين مطرقة الاحتلال وضغوطه المتزايدة، وسندان التحديات الداخلية والعوامل الإقليمية والدولية، مما يجعل تحقيق الأهداف الفلسطينية تحديًا كبيرًا، يتطلب رؤية موحدة ودعمًا إقليميًا ودوليًا أكثر تماسكًا وفعالية.