المحكمة الجنائية.. مساواة الضحية بالجلاد
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
من أكبر المهازل، أن تساوي المحكمة الجنائية الدولية بين الجلاد والضحية، كما حدث يوم الإثنين، العشرين من مايو 2024، عندما أعلن كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه قدّم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال لبنيامين نتانياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، ويوأف جالانت وزير دفاعه، بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية، «وإنّ الأدلة خلصت إلى أنّ المسؤولَيْن الإسرائيليَّين متواطئان في التسبب في المعاناة وتجويع المدنيين في غزة».
تقول صفحة الأمم المتحدة، إنّ المحكمة هي أول محكمة جنائية دولية دائمة في العالم، أنشئت بموجب معاهدة للتحقيق في الجرائم الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة الاعتداء ومقاضاة المسؤولين عنها، «أنشئت مع الوضع في الاعتبار ملايين الأطفال والنساء والرجال الذين وقعوا ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزّت ضمير الإنسانية بقوة»، ولا أدري هل هذه الديباجة لا تشمل شهداء غزة، الذين زاد عددهم - حتى هذه اللحظة - عن 35 ألف، منهم أكثر من 15 ألف طفل، وأكثر من 10 آلاف من النساء، وأكثر من ألف مسن، عدا شهداء الصحافة والأطقم الطبية؟!
ورغم أنّ المحكمة لا تملك آلية للاعتقال، ممّا يعني أنّ قادة الكيان في مأمن، إلا أنّ الأمر قد ضايقهم، إذ ندّدت «إسرائيل»، بطلب مدعي عام المحكمة إصدار مذكرة التوقيف، واصفة إياه بأنه «وصمة عار تاريخية»، فيما وصفه نتانياهو بأنه «فضيحة»، وأعلن تحديه خلال اجتماع لكتلة حزب الليكود: «لن يوقفونا»، في إشارة إلى تصميمه على مواصلة حربه على غزة، ولكن الكيان لم يكتف بتلك الأوصاف فقط، إذ لجأ إلى العمل على تعطيل صدور قرار رسمي من المحكمة، كما اتضح ذلك من تصريح يسرائيل كاتس وزير الخارجية الذي أعلن أنّ «تل أبيب فتحت غرفة حرب خاصة لمواجهة تحرك المحكمة الجنائية الدولية، وأنه يعتزم «التحدث مع وزراء خارجية الدول الكبرى حتى يعارضوا قرار المدعي العام ويعلنوا أنه حتى لو صدرت تلك الأوامر فإنهم لا يعتزمون تطبيقها على قادة دولة إسرائيل»، فيما ذهبت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنّ نتانياهو افتتح جلسة كتلة الليكود بجمع تواقيع أعضاء الحزب على عريضة ضد قرار المدعي العام للجنائية الدولية، وبذلك تريد إسرائيل أن تحوّل القاضي إلى جاني.
إنّ قوة الكيان الإسرائيلي تنبع من شيئين اثنين؛ الأول هو ضعف الدول العربية، والثاني اعتماده الكلي على الخارج، ومن هنا لا غرابة في أن ينبري الرئيس الأمريكي جو بايدن للدفاع عن الكيان بقوة، ويصرح بملء فيه يوم الثلاثاء 21 مايو 2014: «أنّ القوات الإسرائيلية لا ترتكب إبادة جماعية في حملتها العسكرية على قطاع غزة.. نحن نرفض ذلك». وفي تصريحاته بالبيت الأبيض، أكد بايدن إيمانه بأنّ إسرائيل كانت الضحية منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي، وجدّد الدعم الأمريكي لسلامة وأمن الإسرائيليين قائلا عنه إنه «ثابت»، وإنّ بلاده تقف مع إسرائيل «للقضاء على يحيى السنوار، ونحن نعمل مع إسرائيل لتحقيق ذلك».
إزاء الرفض الأمريكي والإسرائيلي لطلب كريم خان اعتبار نتانياهو وجالانت مسؤولَيْن عن جرائم حرب، نعلم تمامًا أنّ طوفان الأقصى قد غيّر المفاهيم العالمية، وأوضح الصورة جلية للعالم، فما نعيشه ونشاهده الآن من متغيّرات في العالم فإنّ الفضل يعود فيه لذلك الطوفان، بمعنى أنّ الانتصار ليس محصورًا في ساحات المعركة في غزة فقط؛ بل تعدى ذلك إلى العواصم العالمية والمؤسسات التعليمية والمحاكم الدولية، حتى رأى العالم وآمن بعدالة القضية الفلسطينية، فاعترفت النرويج وأيرلندا وإسبانيا رسميًّا بالدولة الفلسطينية، وهناك دول أخرى تسلك طريق الاعتراف، وها نحن الآن أمام خطوة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأن تطالب محكمة باعتقال اثنين من قادة إسرائيل.
ورغم أنّ أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي قد رفض أيضَا طلب المدعي العام، ورأى أنه قد يُعرّض للخطر المفاوضات الرامية للتوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين ووقف إطلاق النار، إلا أنه وُفِّق عندما اعتبر مساواة المدعي العام للمحكمة الجنائية بين إسرائيل وحماس «أمرًا مُخزيًا»، حتى وإن كان انحيازه لمجرمي الحرب؛ فالحقيقة أنّ ضم ثلاثة من المقاومين من أجل شعبهم إلى القائمة مع مجرمي الحرب الإسرائيليين هو أمرٌ مخزٍ ويساوي فعلًا بين الجلاد والضحية، ولكن هل اكتفى بلينكن بتصريحه ذاك؟ لا إنه لم يكتف؛ بل أعلن اتخاذه «خطوات مع المشرِّعين الأمريكيين، لبحث إمكانية فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية»، واصفًا قرار المحكمة أمام جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي بأنه «قرار خاطئ للغاية»، ممَّا يجعلنا نطرح سؤالًا: هل ستعاقب أمريكا المحكمة الجنائية؟ وهل ستغلق المحكمة؟ وهل هناك مصير صعب ينتظر كريم خان؟ لقد تزامنت تصريحات بلينكن مع حملة يقودها الجمهوريون لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، والتي قد تدخل مرحلة التصويت عليها قريبًا. وبهذه الخطوات تثبت أمريكا أنّ الكيان الإسرائيلي دولة فوق القانون، وأنّ المحكمة لم تنشأ إلا لأمثال عُمر أحمد البشير وصدام حسين والقذافي وبوتين وكلّ من لفَّ غير اللفة الأمريكية أو الغربية. ولكي نعلم أنّ الولايات المتحدة التي تهاجم المحكمة الجنائية الآن، تكيل دائمًا بمكيالين، فقد سبق لها أن مَجّدت المحكمةَ ومُدّعيها العام عندما أصدر اتّهامًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطالبت باعتقاله فورًا، لكنها الآن تُغيّر موقفها، وتَعتبر نتانياهو وجالانت أبرياء، وتبِّررُ مجازرهما في غزة.
إذا كانت أمريكا قد هبّت بقضِّها وقضيضها للدفاع عن نتانياهو وجالانت - رغم استبعاد اعتقالهما، كما أشرتُ سابقًا - فما هو موقف العرب وسلطة رام الله، من ضمّ القائمة لثلاثة من أعضاء حماس الذين يدافعون عن الشرف والعِرض والوطن؟! لم أجد تنديدًا واحدًا بقرار المدعي العام إلا من حركة حماس فقط، وهو أمرٌ طبيعي أن تندّد بذلك القرار لأنه يخصّها، ولا يُستبعد أن تساهم الدول العربية في تسليم هؤلاء للمحاكمة الدولية، إذا سنحت الفرصة بذلك. ويبقى أنّ خطوة المحكمة ضد القيادات الإسرائيلية - رغم رمزيتها - تبقى خطوة جيدة في المسار السليم، والدليل هو مدى امتعاض أمريكا والغرب وإسرائيل من القرار، ولا بد أن يأتي يومٌ تصيب فيه الرمية هدفها، فقد انطلقت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة المدعی العام ن الإسرائیلی کریم خان فی غزة
إقرأ أيضاً:
السجن المشدد 5 سنوات لمتهم بقتل نجله و3 أشهر لشقيق الضحية في الفيوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قضت محكمة جنايات الفيوم بمعاقبة المتهم عبد التواب السيد علي (55 سنة) بالسجن المشدد 5 سنوات، لاتهامه بقتل نجله يوسف عبد التواب (20 سنة). كما قضت بمعاقبة إسلام عبد التواب (24 سنة)، شقيق الضحية، بالسجن 3 أشهر، وذلك بدائرة مركز شرطة سنورس بمحافظة الفيوم.
تعود الواقعة عندما تلقى اللواء أحمد عزت مدير أمن الفيوم، إخطارًا من مأمور مركز شرطة سنورس يفيد بالعثور على جثة طافية ببحر الرفيع بدائرة المركز، وتبين عقب انتشال الجثة أنها بدون رأس، مما يؤكد وجود شبهة جنائية.
وعلى الفور شكل اللواء محمد العربي مدير المباحث الجنائية فريق بحث بقيادة العميد هاني تعيلب رئيس فرع بحث شرق الفيوم، وضم المقدم أحمد جنيدي مفتش المباحث، والرائد عمر شوقي رئيس مباحث المركز، والنقيب شادي جمال معاون مباحث المركز، للوقوف على ملابسات الجريمة، حيث تم تحديد هوية المجني عليه ويدعى"يوسف عبدالتواب السيد علي"، 20 سنة، والذي كان يعمل بصالون حلاقة لتصفيف الشعر للرجال بدائرة المركز.
وتوصلت التحريات التي أشرف عليها العميد حسن عبدالغفار رئيس البحث الجنائي بالمديرية إلى أن الشاب كان يتعاطى المواد المخدرة على حسب ادعاء والده ودائم الشجار والخلافات مع أسرته والمحيطين به بسبب سلوكه السيئ، وديونه الكثيرة ومطالبة الديانة لأسرته التي اختنقت من سلوكه المتدني ومعايرة المقربين لأسرته به مما وسع دائرة الاشتباه حول أسرة المجني عليه. وتبين خلال التحقيقات أمام فريق البحث بأن مرتكب الواقعة هو الأب ويدعى "عبد.ا.ع"، 50 سنة، والذي اعترف بتنفيذ الجريمة وقتله والتخلص منه، ثم ساعده بالتخلص من جثته نجله الأكبر ويدعى "إسلام.ع.ا.ع"، 24 سنة، وبمواجهته بجريمة قتل نجله اعترف الشاب بارتكاب الواقعة بمفرده في محاولة لإخفاء اشتراك نجله الأكبر في الواقعة.
وأكد الأب المتورط المتهم بقتل نجله أمام نيابة سنورس الجزئية بأنه قتل نجله بسبب إدمان المجني عليه المواد المخدرة وأنه دائم التعدي على والدته وشقيقته بالضرب وسرقة أموالهم من المنزل لإنفاقها على شراء المخدرات، والشكوى المستمرة من الجيران له بسبب سلوكه وتصرفاته المشينة، تم تحرير محضر بالواقعة رقم 4496/ إداري سنورس لسنة 2024، وأخطرت النيابة العامة للتحقيق.