لجريدة عمان:
2025-02-16@13:48:00 GMT

هدوء أرق من الصمت

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

ما لهذه الساحات قاتمة، ما لهذه المآذن خرساء وما لتلك الجامعات خامدة، صمت يخيم على الجنبات، صمت كصمت القبور والمدافن.. ليس إلا الفراغ المدلهم... تلتفت فلا ترى غير السكون.. وما لتلك وما لنا وعلينا، نبدو هكذا وكأننا خشب مسندة... هدوء أرق من الصمت كما قال الشاعر عبد العزيز المقالح.

الصورة تبدو هكذا.. في الغرب تحضر فلسطين بقوة وتتسارع صور المجازر البشعة وبشكل غير مسبوق تتداول التفاصيل الدامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشرق الصور ضبابية خاطفة متداخلة الملامح.

في الغرب تثور الساحات وتنتفض الجامعات والميادين. وفي الشرق تصمت الميادين والساحات ولا يتحرك شيء، يخرج عشرات الآلاف من الطلاب منددين بالمذابح وجريمة الإبادة في غزة، وتصمت الجامعات العربية وتقف بلا حراك. في الغرب ترتفع الأصوات المنددة ويظهر مفكرون وفنانون يعبرون عن صدمتهم للمعايير المزدوجة التي تمارسها دولهم وسكوتها عن المجازر والإبادة التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، في الغرب أيضاً يماط اللثام وتسقط كل ادعاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يُلوّح ملك بلجيكا بالعلم الفلسطيني من شرفته، وتحضر الكاتبة اليابانية الشابة (رغم أن اليابان دولة من الشرق ولكن تنتهج الفكر الغربي) أوتا ستيفاني كانتو لحفل استلامها جائزة يوكيو ميشما اليابانية، واحدة من أعرق الجوائز الأدبية في اليابان والتي فازت بها عن روايتها إيدوري ميسكي وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية. تتوارى الشخصيات العربية وتختفي، لكنهم متفائلون قانعون بأن تحولا عميقا في الفكر وتحرير العقول وتصفيتها من الأوهام والشوائب والكذب معركتها قد بدأت، وأكثر المتفائلين فيهم يقول بأن ذلك ما يعول عليه وما يجب التركيز عليها. يقول قائل آخر أن الحرب على غزة أوجدت مناخاً مختلف في إزاحة الغشاوة وتحرير الفكر وتزايد الوعي عما تفعله آلة الحرب والزيف الذي يمارسه الغرب بقيادة الولايات المتحدة على العقل البشري. نطرب ونزهو فرحين ونبتهل لله أن يوفق جنوب أفريقيا في دعواها ضد الكيان ونقول يا رب، وتشرئب أعناقنا صوب محكمة العدل الدولية في لاهاي، نتشبث بقشة خوفاً من الغرق، نقف صامتين في مكاننا مزهوين بما نحن فيه مغشية أبصارنا ترهقها قترة.

سؤال يقف عالقا في الحلقوم ويبدو الأكثر حدة وحرقة بل وكأنه سؤال وجودي، لماذا يقف العربي صامتاً لا يحرك ساكناً أمام هذا الطوفان من المذابح والمجازر، ماذا نحن فاعلون أمام هذه العسكرة والقوة الصلبة التي لا تبقي ولا تذر، هل نراهن على هذا التحول الفكري إن صح وقلنا ذلك؟ وهل يجدي نفعاً ويوقف الهيمنة الغربية علينا ويحرر لنا فلسطين ويوقف هذه المجازر، هل يكفي هذا التعاطف والتضامن؟ من أين يأتي هذا الخراب؟ لماذا كل ذلك، كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع؟ لعلنا نقترب من تلك الصورة الباهتة وتفكيك إطارها ليتبين لنا ما تخفية أو هكذا ربما نعيد قراءات ما بين سطور الأشياء.

الحقيقة المرة والبشعة التي نراها ماثلة أمامنا أن الإنسان والعقل العربي تتجلى حقيقته وكأنه تعرض لعملية تخدير وكأن الحمية والشهامة والشجاعة نُزعت منه وتكالبت عليه كل أصناف القهر والتجويع وأصبح عرضه تلاحقه الأزمات من اختناق اقتصادي وتجويع ولهث يومي نحو لقمة العيش، إلى تجهيل تعليمي، وتغييب فكري، نتج عنه مواطن عربي مغربل مغسول دماغه لاهثا خلف المادة والكماليات والاستهلاك المُفرط، والانشغال بالتافه، لا يعنيه شيء مما يدور حوله. صمت المواطن العربي في كل الأرجاء من المحيط إلى الخليج فعمت ظاهرة الصمت.

منطق التعامل مع الآخر يختلف، الغرب بشكل عام يتعامل معنا بوجهين، وجه قبيح لا ملامح له يصدر لنا القتل والدمار والإرهاب، ومعاييره المزدوجة، وغرب آخر مشرق إنساني يتعاطف ويقف معنا، وقد يكون أكثر حدة في النقد والتعامل مع غربه الوقح القبيح. وهذه في الحقيقة نتاج عقود من النضال والثورات والفكر والفهم والديمقراطية.

شيء آخر يمتاز به الغرب أيضاً أن هناك أفقا وفضاءات وقوى أخرى تبرز عندما يتعطل العمل السياسي ويضيق أفق الحوار وتغيب العدالة فيتصدى الطلبة وغيرهم من منظمات المجتمع المدني لتلك القوى الشريرة ويخرجون في مظاهرات عارمة معبرين عن رفضهم لما يحدث وذلك لا يبدو غريباً ولا مختلف، فهو ديدن الغرب.

القوة، نحن لا نملك القوة. على صعيد العلاقات الدولية الهوة تتسع بين الدول العربية ودول العالم الأخرى. منبع ذلك وسره يكمن في القوة. القوة التي نفتقدها أو الغلبة كما وصفها ابن خلدون هي المكمن. العالم لا يعترف إلا بالأقوياء، هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة الساطعة التي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل وكل ما عدا ذلك ليس إلا أوهام وخزعبلات. يتجلى لنا ذلك في كل ما نراه حاليا تنتهك سيادات الدول ويقتل الناس وتدمر ممتلكاتهم ويعاث في الأرض فساداً وجوراً. الأقوياء وحدهم يسيطرون على العالم وهم وحدهم من يقول كلمة الفصل ولا شيء يعلو على القوة. ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة قالها الزعيم جمال عبد الناصر. الدول التي تملك القوة هي من يتحكم ويسيطر وهي من تدفع وتدافع عن مصالحها وتحمي شعوبها وثرواتها من خلال القوة، سواء كانت قوة عسكرية أو اقتصادية أو تكنولوجية، ورغم أن مفهوم القوة بدأ عليه بعض التغير وفقا للتطور حيث تراجعت أهمية البعد العسكري فاسحة المجال لقوى أخرى لا تقل تأثيراً عن القوة العسكرية، فبرزت القوة الناعمة التي أخذت تتجه إلى أحداث بعض التغيرات في العلاقات الدولية. لكن تبقى القوة الصلبة هي السريعة التأثير والحسم، فالدول العظمى والمتقدمة لا تحسم معاركها بالفكر أو السياسة أو المفاوضات أو القوى الناعمة بل تلجأ مباشرة إلى استخدام القوة الصلبة وخصوصًا القوة العسكرية.

أعتقد أزف علينا الوقت نحن العرب ولابد من الوحدة والاتحاد وإعداد القوة لنواجه العالم وإلا ما يحدث في غزة غير مستبعد حدوثة في أرجاء أخرى من الوطن العربي. مستقبلنا لن يكون مشرقاً إلا إذا انتهجنا القوة منهجاً في تعاملنا مع الآخر، وأن نرى العالم ونتعامل معه من خلال نفس الوسائل التي يرانا ويعاملنا بها. لن نكون متفائلين وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نكون متشائمين ونحن نرى البطولات التي تسطرها المقاومة في غزة التي تنبئ بغد مشرق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الغرب

إقرأ أيضاً:

زيلينسكي يطالب الغرب بنشر 100 ألف جندي أجنبي في أوكرانيا

أوكرانيا – طالب فلاديمير زيلينسكي الدول الغربية بإرسال قوة عسكرية قوامها 100 ألف جندي إلى أوكرانيا في إطار ما يسميه بـ”الضمانات الأمنية”.

ونقلت قناة “نحن-أوكرانيا” عن زيلينسكي قوله: “ما معنى الضمانات الأمنية؟ تعني الانضمام إلى الناتو، أسلحة، صواريخ، سلاح نووي… أو أننا سننشئ “ناتو” في أوكرانيا كما قلت.. إذا ليكن ذلك ولننشئ “ناتو” هنا”.

وأضاف: “في هذه الحالة، الأسلحة منكم (من الناتو)، والقوات من الأوروبيين والأمريكيين، لكن ليس مجرد 5 أو 7 آلاف جندي.. نحن بحاجة إلى 100 ألف جندي.. ليس 5 آلاف فقط”، لافتا إلى أنه “كلف العسكريين بمهمة حساب ذلك وتحديد نقاط انتشار محتمل للقوات الأجنبية وإعداد خريطة له، يتبين من خلالها ضرورة نشر 100 ألف جندي”.

وأشار إلى أنه مستعد لطرح هذه المسألة خلال مؤتمر ميونيخ، مضيفا “كل شيء جاهز، وإذا لزم الأمر، وأنا مستعد لطرح ذلك”.

وفي مقابلة مع مجلة “إيكونوميست” البريطانية، قال زيلينسكي إن “وقف إطلاق النار مستحيل دون ضمانات أمنية من الشركاء” وأمريكا بالتحديد.

وحذر زيلينسكي في وقت سابق، من أنه في حال سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه لأوكرانيا، فإن أوروبا وحدها لن تكون قادرة على سد الفجوة.

وفي وقت سابق، أكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيت أن قوات حفظ السلام الدولية في أوكرانيا يجب أن تنتشر ليس تحت مظلة حلف “الناتو”، فلا تخضع تاليا للمادة الخامسة من معاهدة الدفاع الجماعي للحلف.

وأكد أن على أوروبا تحمل الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية وغير العسكرية المستقبلية لأوكرانيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لن ترسل قواتها إلى هناك.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أوروبي لم يُكشف عن اسمه، تأكيده غياب التوافق في الاتحاد الأوروبي حول إرسال قوات أجنبية إلى أوكرانيا بعد انتهاء الصراع، ولذلك يجري بحث إمكانية تشكيل تحالف من خمس إلى ثماني دول لمناقشة هذا الطرح.

ووفقا للوكالة، قد تشكل الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وبريطانيا النواة الأساسية لهذه القوات، التي قد تتطلب حوالي 100 ألف جندي لتحقيق أهدافها.

وسبق أن ذكرت صحيفة “لو موند” نقلا عن مصادر، أن فرنسا وبريطانيا استأنفتا المناقشات بشأن النشر المحتمل لقوات غربية في أوكرانيا. وبحسب تقارير إعلامية، فإن باريس ولندن لا تستبعدان إمكانية قيادة تحالف بشأن أوكرانيا.

وكانت هيئة الصحافة التابعة لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي قد ذكرت في وقت سابق أن الغرب يعتزم نشر ما يسمى بقوة حفظ السلام التي تضم نحو 100 ألف شخص في البلاد لاستعادة جاهزية أوكرانيا القتالية.

وتعتقد الاستخبارات الخارجية الروسية أن هذا سيشكل احتلالا فعليا لأوكرانيا، وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن نشر قوات حفظ السلام لن يكون ممكنا إلا بموافقة أطراف الصراع.

المصدر: نوفوستي +RT

مقالات مشابهة

  • وحدة تجسس جديدة تقود حرب روسيا الخفية ضد الغرب
  • الكشف عن الوحدة السرية الجديدة التي ستقود حرب الظل الروسية ضد الغرب
  • أوروبا تعمل في هدوء على خطة لإرسال قوات إلى أوكرانيا بعد أن تضع الحرب أوزارها
  • سوريا.. هل سيتعلّم الغرب من الدروس المستفادة هذه المرّة؟
  • «الاتحاد الإفريقي» يعلّق على خطط «ترامب» في غزة: نرى «الصمت المطبق» رغم المشهد المرعب!
  • هدوء حذر بعد احتجاجات قرب مطار رفيق الحريري
  • وفاة الكاتب السوري هاني السعدي
  • وفاة الكاتب والفنان السوري هاني السعدي
  • زيلينسكي يطالب الغرب بنشر 100 ألف جندي أجنبي في أوكرانيا
  • خبراء: السياحة والترفيه يعززان القوة الناعمة للدول