لجريدة عمان:
2025-01-31@03:14:29 GMT

هدوء أرق من الصمت

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

ما لهذه الساحات قاتمة، ما لهذه المآذن خرساء وما لتلك الجامعات خامدة، صمت يخيم على الجنبات، صمت كصمت القبور والمدافن.. ليس إلا الفراغ المدلهم... تلتفت فلا ترى غير السكون.. وما لتلك وما لنا وعلينا، نبدو هكذا وكأننا خشب مسندة... هدوء أرق من الصمت كما قال الشاعر عبد العزيز المقالح.

الصورة تبدو هكذا.. في الغرب تحضر فلسطين بقوة وتتسارع صور المجازر البشعة وبشكل غير مسبوق تتداول التفاصيل الدامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشرق الصور ضبابية خاطفة متداخلة الملامح.

في الغرب تثور الساحات وتنتفض الجامعات والميادين. وفي الشرق تصمت الميادين والساحات ولا يتحرك شيء، يخرج عشرات الآلاف من الطلاب منددين بالمذابح وجريمة الإبادة في غزة، وتصمت الجامعات العربية وتقف بلا حراك. في الغرب ترتفع الأصوات المنددة ويظهر مفكرون وفنانون يعبرون عن صدمتهم للمعايير المزدوجة التي تمارسها دولهم وسكوتها عن المجازر والإبادة التي تمارسها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، في الغرب أيضاً يماط اللثام وتسقط كل ادعاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يُلوّح ملك بلجيكا بالعلم الفلسطيني من شرفته، وتحضر الكاتبة اليابانية الشابة (رغم أن اليابان دولة من الشرق ولكن تنتهج الفكر الغربي) أوتا ستيفاني كانتو لحفل استلامها جائزة يوكيو ميشما اليابانية، واحدة من أعرق الجوائز الأدبية في اليابان والتي فازت بها عن روايتها إيدوري ميسكي وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية. تتوارى الشخصيات العربية وتختفي، لكنهم متفائلون قانعون بأن تحولا عميقا في الفكر وتحرير العقول وتصفيتها من الأوهام والشوائب والكذب معركتها قد بدأت، وأكثر المتفائلين فيهم يقول بأن ذلك ما يعول عليه وما يجب التركيز عليها. يقول قائل آخر أن الحرب على غزة أوجدت مناخاً مختلف في إزاحة الغشاوة وتحرير الفكر وتزايد الوعي عما تفعله آلة الحرب والزيف الذي يمارسه الغرب بقيادة الولايات المتحدة على العقل البشري. نطرب ونزهو فرحين ونبتهل لله أن يوفق جنوب أفريقيا في دعواها ضد الكيان ونقول يا رب، وتشرئب أعناقنا صوب محكمة العدل الدولية في لاهاي، نتشبث بقشة خوفاً من الغرق، نقف صامتين في مكاننا مزهوين بما نحن فيه مغشية أبصارنا ترهقها قترة.

سؤال يقف عالقا في الحلقوم ويبدو الأكثر حدة وحرقة بل وكأنه سؤال وجودي، لماذا يقف العربي صامتاً لا يحرك ساكناً أمام هذا الطوفان من المذابح والمجازر، ماذا نحن فاعلون أمام هذه العسكرة والقوة الصلبة التي لا تبقي ولا تذر، هل نراهن على هذا التحول الفكري إن صح وقلنا ذلك؟ وهل يجدي نفعاً ويوقف الهيمنة الغربية علينا ويحرر لنا فلسطين ويوقف هذه المجازر، هل يكفي هذا التعاطف والتضامن؟ من أين يأتي هذا الخراب؟ لماذا كل ذلك، كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع؟ لعلنا نقترب من تلك الصورة الباهتة وتفكيك إطارها ليتبين لنا ما تخفية أو هكذا ربما نعيد قراءات ما بين سطور الأشياء.

الحقيقة المرة والبشعة التي نراها ماثلة أمامنا أن الإنسان والعقل العربي تتجلى حقيقته وكأنه تعرض لعملية تخدير وكأن الحمية والشهامة والشجاعة نُزعت منه وتكالبت عليه كل أصناف القهر والتجويع وأصبح عرضه تلاحقه الأزمات من اختناق اقتصادي وتجويع ولهث يومي نحو لقمة العيش، إلى تجهيل تعليمي، وتغييب فكري، نتج عنه مواطن عربي مغربل مغسول دماغه لاهثا خلف المادة والكماليات والاستهلاك المُفرط، والانشغال بالتافه، لا يعنيه شيء مما يدور حوله. صمت المواطن العربي في كل الأرجاء من المحيط إلى الخليج فعمت ظاهرة الصمت.

منطق التعامل مع الآخر يختلف، الغرب بشكل عام يتعامل معنا بوجهين، وجه قبيح لا ملامح له يصدر لنا القتل والدمار والإرهاب، ومعاييره المزدوجة، وغرب آخر مشرق إنساني يتعاطف ويقف معنا، وقد يكون أكثر حدة في النقد والتعامل مع غربه الوقح القبيح. وهذه في الحقيقة نتاج عقود من النضال والثورات والفكر والفهم والديمقراطية.

شيء آخر يمتاز به الغرب أيضاً أن هناك أفقا وفضاءات وقوى أخرى تبرز عندما يتعطل العمل السياسي ويضيق أفق الحوار وتغيب العدالة فيتصدى الطلبة وغيرهم من منظمات المجتمع المدني لتلك القوى الشريرة ويخرجون في مظاهرات عارمة معبرين عن رفضهم لما يحدث وذلك لا يبدو غريباً ولا مختلف، فهو ديدن الغرب.

القوة، نحن لا نملك القوة. على صعيد العلاقات الدولية الهوة تتسع بين الدول العربية ودول العالم الأخرى. منبع ذلك وسره يكمن في القوة. القوة التي نفتقدها أو الغلبة كما وصفها ابن خلدون هي المكمن. العالم لا يعترف إلا بالأقوياء، هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة الساطعة التي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل وكل ما عدا ذلك ليس إلا أوهام وخزعبلات. يتجلى لنا ذلك في كل ما نراه حاليا تنتهك سيادات الدول ويقتل الناس وتدمر ممتلكاتهم ويعاث في الأرض فساداً وجوراً. الأقوياء وحدهم يسيطرون على العالم وهم وحدهم من يقول كلمة الفصل ولا شيء يعلو على القوة. ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة قالها الزعيم جمال عبد الناصر. الدول التي تملك القوة هي من يتحكم ويسيطر وهي من تدفع وتدافع عن مصالحها وتحمي شعوبها وثرواتها من خلال القوة، سواء كانت قوة عسكرية أو اقتصادية أو تكنولوجية، ورغم أن مفهوم القوة بدأ عليه بعض التغير وفقا للتطور حيث تراجعت أهمية البعد العسكري فاسحة المجال لقوى أخرى لا تقل تأثيراً عن القوة العسكرية، فبرزت القوة الناعمة التي أخذت تتجه إلى أحداث بعض التغيرات في العلاقات الدولية. لكن تبقى القوة الصلبة هي السريعة التأثير والحسم، فالدول العظمى والمتقدمة لا تحسم معاركها بالفكر أو السياسة أو المفاوضات أو القوى الناعمة بل تلجأ مباشرة إلى استخدام القوة الصلبة وخصوصًا القوة العسكرية.

أعتقد أزف علينا الوقت نحن العرب ولابد من الوحدة والاتحاد وإعداد القوة لنواجه العالم وإلا ما يحدث في غزة غير مستبعد حدوثة في أرجاء أخرى من الوطن العربي. مستقبلنا لن يكون مشرقاً إلا إذا انتهجنا القوة منهجاً في تعاملنا مع الآخر، وأن نرى العالم ونتعامل معه من خلال نفس الوسائل التي يرانا ويعاملنا بها. لن نكون متفائلين وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نكون متشائمين ونحن نرى البطولات التي تسطرها المقاومة في غزة التي تنبئ بغد مشرق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الغرب

إقرأ أيضاً:

إيران تبدي استعدادا مشروطا لمحادثات نووية مع الغرب

أبدت إيران استعدادها لمناقشة برنامجها النووي إذا أظهرت دول الغرب أنها "جادة"، حسب ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية في مقابلة نُشرت اليوم الخميس.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي لصحيفة "إيران" الحكومية: "قلنا مرات عدة إننا مستعدون لمحادثات، ولكن فقط إذا كان الطرف الآخر جادا بهذا الشأن".

وعبّر بقائي في المقابلة عن أمله في أن يتبنى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب "نهجا واقعيا" تجاه إيران. وقال ردا على سؤال حول إمكان إجراء محادثات جديدة إن سياسة إيران ستعتمد على "تصرفات الأطراف الأخرى".

وفي ديسمبر/كانون الأول، اتهمت الحكومات الغربية الثلاث طهران بزيادة مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى "مستويات غير مسبوقة" من دون "أي مبرر مدني موثوق" وناقشت إعادة فرض العقوبات المحتملة.

وحذر بقائي الخميس من أنه إذا حدث ذلك فإن التزام إيران بمعاهدة حظر الانتشار النووي "لن يكون له أي معنى".

وفي ديسمبر/كانون الأول، وجهت بريطانيا وفرنسا وألمانيا اتهامات إلى إيران بزيادة مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب إلى "مستويات غير مسبوقة" من دون "أي مبرر مدني موثوق" وناقشت إعادة فرض العقوبات المحتملة.

إعلان

وكانت طهران لمّحت للغرب مرات عدة أخيرا لاستعدادها للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي. وفي مقابلة تلفزيونية أول أمس الثلاثاء، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي "إن الإدارة الأميركية الجديدة يجب أن تعمل على استعادة ثقة طهران إذا ما أرادت جولة جديدة من المحادثات النووية".

يذكر أن ترامب انتهج خلال ولايته الأولى التي انتهت في 2021 سياسة "الضغط الأقصى" وسحب الولايات المتحدة من اتفاق نووي تاريخي فرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

والتزمت طهران بالاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة حتى مرور عام على انسحاب واشنطن منه في 2018، وتعثرت منذ ذلك الوقت الجهود الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وعبرت إيران مرارا عن استعدادها لإحياء الاتفاق النووي، ودعا الرئيس مسعود بزشكيان الذي تولى منصبه في يوليو/تموز الماضي، إلى وضع حد لعزلة بلاده.

وقبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض أجرى مسؤولون إيرانيون محادثات نووية مع نظرائهم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وصفها الجانبان بأنها "صريحة وبناءة".

مقالات مشابهة

  • لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
  • الغرب وكأس الشرق الأوسط المقدسة
  • زوجه تصرخ أمام المحكمة مطالبه بالطلاق..جوزى ممل وكئيب
  • إيران تبدي استعدادا مشروطا لمحادثات نووية مع الغرب
  • هدوء حذّر في الأبيض بعد ثالث هجوم بالطائرات المسيرة
  • إعلامي أمريكي بالرياض: المملكة ليست التي كنا نقرأ عنها بالأخبار إنها مختلفة تمامًا .. فيديو
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • بين القوة الناعمة وساحات المعارك.. نساء حكمن العالم
  • الكرملين يلتزم الصمت إزاء صفقة "سوخوي-35" مع إيران
  • رئيس اتحاد اليد: الدولة تدعم الرياضة وكل الألعاب بمنتهي القوة