ومنذ متى كنا دولة تقف فى وجه التنوير؟ لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية نشر الفكر ورفع درجات الوعي بين البسطاء والأجيال الناشئة، فهذا حق وفرض عين على كل من يملك فى عقله ولو قليلًا من الفكر والعلم والثقافة، ولكن يقولون أحيانا إنهُ "من الفكرِ ما قتل" ومن "النورِ ما أعمى".
دعوات مشبوهة تعوّدنا على صدورها ورواجها بين الحين والحين عبر تاريخنا الطويل الممتد رافعة شعار التنوير وإطلاق العنان للعقول كي تفكر وتعي حقيقة وجودها، نعم هذا رائع فالناس تحتاج دائما لمن ينير لها الطريق ويروي عطش العقول، ولكن ماذا يصنع الماء مع العطشى إن كانت البئر مسمومة؟ هل كل فكر يصلح لكل مجتمع وكل زمان، أم أن هناك قيودا لابد من وضعها والتمسك بها ليتسق الجديد مع القديم فى منظومة مجتمع له قيم وأصول وثوابت؟
في بلادنا الطيبة ذات الحضارة والتاريخ يعرف الناس جيدًا كيف يميزون بين الغث والسمين، فيفرقون بين الدعوات المخلصة الهادفة، وتلك الموجات التي تخرج علينا كل حين من أجل إحداث البلبلة وتشتيت العقول، خاصة حين يتعلق الأمر بأمور الدين أو موروثات المجتمع الفكرية، لم يذكر التاريخ كثيرًا أن مثل هذه المحاولات قد لاقت رواجًا كبيرًا وإنما هي جذوة من نارٍ صغيرة سرعان ما تخمد ويذهب من أشعلها إلى مجاهل التاريخ بعد أن يصب عليهم أهل تلك البلاد جام غضبهم وتلحقهم لعناتهم أينما رحلوا.
كيف يصدق الناس أفكارا تأتي عن غير ذي صفة؟ وكيف باتت أمور الفقه والدين مشاعا بين الجهلاء أو من لا يملكون مفاتيح هذا العلم؟ هل أصبحت الميديا تمنح الجميع مؤهلات لا نعرفها فيدلون بدلوهم في أي تخصص دون علم أو دراسة؟ من الذى منح هؤلاء حق الفتوى وتفنيد الأحاديث وضرب الثوابت في مقتل؟! لا أحد يملك هذا ولا يحق لأحد الحديث في ذلك إلا أهل العلم حتى لا نخالف قول الحق سبحانه وتعالي "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فهل هؤلاء وأمثالهم هم أهل ذكر أو فكر.. لله المشتكى.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
أمين الفتوى: لا يجوز لغير المتخصصين استنباط الأحكام الشرعية
أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية ليس أمرًا متروكًا لكل من يقرأ النصوص، بل هو علم دقيق لا يُتقنه إلا أهل الاختصاص من العلماء الراسخين، مشددًا على خطورة الفتاوى العشوائية من غير المتأهلين.
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اليوم الخميس: "لا يجوز لأي شخص، مهما بلغت قراءاته، أن يستنبط الأحكام الشرعية من تلقاء نفسه، فهذا ليس من شأن غير المتخصصين، كما أن قراءة كتب الطب لا تجعل القارئ طبيبًا، ولا الاطلاع على كتب الهندسة يصنع مهندسًا، فكذلك الشريعة لها أهلها."
واستشهد بقول الله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، مؤكدًا أن هذه الآية تأمر الناس بالرجوع إلى أهل العلم عند الجهل، لا الاجتهاد الفردي المضلِّل.
وضرب مثالًا بحديث صحيح ورد عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال فيه: "خرج بعض الصحابة في سفر، وأُصيب أحدهم بجراح في رأسه، فلما أصابته جنابة سأل من معه هل له رخصة في التيمم، فقالوا له: لا نجد لك رخصة، فاغتسل، فمات، فلما بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم)."
وأضاف: "هذا توجيه نبوي واضح حتى للصحابة، فما بالنا اليوم بغير المتخصصين، فالسؤال لأهل العلم هو الحماية من الوقوع في الخطأ، وهو ما يضبط أمور الدين والدنيا، العلم الشرعي له أدوات وضوابط، ومن تصدر للفتوى دون علم أفسد أكثر مما أصلح، فاحرص على أن تأخذ دينك من الموثوقين."